المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1117
  • سليم سلامة

بينما تتواصل العاصفة الشديدة التي تجتاح دولة إسرائيل وقطاعات واسعة، يهودية وأخرى، في أنحاء مختلفة من العالم على خلفية حزمة التشريعات القانونية الجديدة التي شرعت الحكومة الإسرائيلية الجديدة (الحكومة الـ 37) وائتلافها البرلماني في سنّها في الكنيست الإسرائيلي والتي اتخذ لها أصحابها عنوان "برنامج إصلاح الجهاز القضائي" بينما وضع لها معارضوها عنوان "الانقلاب القضائي" أو "الانقلاب على نظام الحكم"، كشف تحقيق نشره مؤخراً موقع مركز "هشومريم" / الحرّاس (الذي يعرّف نفسه بأنه "مركز للإعلام والدمقراطية؛ جسم إعلامي غير سياسي غايته تعزيز أسس الديمقراطية في إسرائيل من خلال المشاريع الإعلامية والتعاون مع وسائل الإعلام الإسرائيلية الأخرى") عمّا وصفه بأنه "انقلاب ليس أقل دراماتيكية تتضمنه الاتفاقيات الائتلافية الجديدة ويمر من تحت الرادار دون أن ينتبه له أحد

ودون أن يحظى بأي اهتمام أو أن يثير أي ضجة"، وهو الذي يتمثل في "تجزئة الجهاز القضائي في إسرائيل على نحو يمنح المحاكم الدينية اليهودية مكانة المحاكم العادية، المدنية، بكل ما في الكلمة من معنى وبكل ما يعنيه ذلك"! حتى أن الموقع اختار لتحقيقه الشامل هذا عنواناً يقول: "دولة شريعة، فعلياً: الانقلاب القضائي الذي لا يتحدث عنه أحد"!

هذا ما تعنيه عملياً وما ستكرسه فعلياً البنود التي تتضمنها الاتفاقيات الائتلافية الجديدة التي وقع عليها حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة، مع شركائه في الائتلاف البرلماني والتشكيلة الحكومية الجديدة، علماً بأنهم ينتمون جميعاً إلى أحزاب دينية يمينية متشددة، هي: شاس برئاسة أرييه درعي وزير الصحة ووزير الداخلية (الممنوع حالياً من تسنم هذين المنصبين طبقاً للقرار أصدرته المحكمة العليا الإسرائيلية ويبدو من شبه المؤكد أن هذا المنع سيكون مؤقتاً ريثما يسن الكنيست مشروع قانون جديد يتيح لدرعي إشغال أي منصب وزاري)؛ يهدوت هتوراة برئاسة يتسحاق غولدكنوف وزير البناء والإسكان؛ "الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش وزير المالية والوزير في وزارة الدفاع (المسؤول عن "الإدارة المدنية"، أساساً)، "عوتسماه يهوديت" برئاسة إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي؛ و"نوعَم" برئاسة آفي معوز الذي يشغل منصب نائب وزير في ديوان رئيس الحكومة.  

ففي كل واحدة من هذه الاتفاقيات، حسبما يكشف موقع "هشومريم"، بنود حول أوضاع المحاكم الدينية اليهودية ومن بينها التوافق على توسيع صلاحيات هذه المحاكم لتشمل، أيضاً، صلاحية النظر والبتّ في كل ما يتعلق بما يسمى في الشريعة اليهودية "ديني مَمونوت" (أي: قوانين الأموال)، وهي القوانين التي تعالج شؤوناً مدنية لا علاقة لها بشؤون المحاكم الدينية، وفي مقدمتها القضايا والنزاعات ذات الجوانب والأبعاد الاقتصادية، وهي قوانين كثيرة ومتشعبة تشمل، من ضمن ما تشمل: قوانين الشراكة، قوانين الجيرة، قوانين الأضرار، قوانين الملكية وما إلى ذلك. ورغم أنه لم يرد أي ذكر لهذه البنود ضمن "برنامج الإصلاح القضائي" الذي عرضه وزير العدل ياريف ليفين بعد أيام قليلة من تسلمه منصبه الجديد هذا، إلا أنها تشكل "خطوة إضافية أخرى في تغيير نظام القضاء في دولة إسرائيل"، كما يشير تقرير "هشومريم".  

 

"تسونامي يرمي إلى تعزيز 

الجانب الشرائعيّ في حياتنا"!

يعتبر البروفسور تسفي تريغر، المحاضر في كلية الحقوق في "كلية الإدارة" والمتخصص في قوانين العائلة وقوانين العُقود، أن "ديني مَمونوت" لا تناسب اقتصاد المجتمع الحديث ولا تعقيداته ولا قيمه. ذلك أن طريقة استيضاح الحقائق فيها تختلف عن طريقة استيضاحها في القوانين المدنية العصرية. فعلى سبيل المثال، الشريعة تحرّم الفوائد البنكية وربط برامج التوفير أو المدفوعات بجدول غلاء المعيشة أو بعملات أجنبية، ناهيك عن أن غالبية القضاة في المحاكم الدينية اليهودية لا يشعرون بأي التزام تجاه القوانين المدنية، مثل قانون العقود، وتختلف آراؤهم جوهرياً بشأن واجب التزامهم بقوانين التخطيط، التنظيم والبناء. أما المحكمة الدينية اليهودية، فلا تعتبر نفسها مُلزَمَة بمبدأ المساواة أو بأحكام قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته، كما لا تعتبر نفسها مُلزَمة بأي مبدأ دستوريّ مدني، وهو ما ينص عليه صراحة قانون قضاة المحاكم الدينية اليهودية، إذ يقول: "لا يخضع قاضي المحكمة الدينية اليهودية سوى لأحكام التوراة". ثم يحذر البروفسور تريغر من أن الحديث هنا يجري عن "خطوة إضافية أخرى في تسونامي الخطوات الرامية إلى تعزيز الجانب الشرائعيّ في حياتنا".  

في المقابل، يحاول د. رافي ريخس، نائب المستشار القانوني للمحاكم الدينية اليهودية، التقليل من آثار هذه التغييرات والتخفيف من حدة هذه التحليلات والتوقعات فيقول إنه "منذ العام 2018 وضعنا نصاً لاقتراح قانون أقرّه الكنيست بالقراءة الأولى والتزمنا، من خلاله، بإخضاع أنفسنا لقوانين معينة. وأنأ أومن وواثق تماماً بأن مشاريع القوانين التي ستُطرح على الكنيست في هذه الدورة ستكون مشابهة لاقتراحنا المذكور وبأنه سيكون هنالك اتفاق واضح على صيغة يتم تنسيقها والاتفاق عليها مسبقاً مع وزارة العدل". 

ورداً على سؤال حول تفسير أحزاب وكتل المتدينين لهذه المقترحات التشريعية الجديدة بكونها "تمنح المحاكم الدينية اليهودية صلاحيات قضائية جوهرية كاملة" وليس مجرد "صلاحيات تحكيم في نزاعات ذات جوانب اقتصادية والبتّ فيها بالاتفاق بين المتنازعين"، يقول ريخس: "نحن نقترح هنا صلاحيات للمحكمة (الدينية اليهودية) يكون بالإمكان الاستئناف عليها وعلى قرارتها أمام المحكمة الدينية اليهودية العليا ثم، بعد ذلك، إلى المحكمة الإسرائيلية العليا أيضاً". لكنه يضيف موضحاً "الفرق بين الحالتين، القائمة حالياً والمقترحة في التعديلات التشريعية الجديدة" فيقول: "الفرق أن الإجراءات القضائية عندنا هي أكثر نجاعة وسرعة مما هي عليه في المحاكم المدنية، علاوة على أن الرسوم التي يدفعها المتنازعون ستكون في المحاكم الدينية اليهودية أقل مما هي عليه في المحاكم المدنية، بكثير"! و"ثمة فرق جوهري آخر" ـ يضيف ـ هو أن "المداولات حول النزاعات والدعاوى في المحاكم الدينية لن تكون في حاجة إلى محامين يمثلون الأطراف المتنازعة ويربحون منها مبالغ مالية طائلة، لأن قاضي المحكمة الدينية هو الذي يدير هذه المداولات بنفسه"، خلافاً للوضع في المحاكم المدنية، حيث المحامون هم من يديرون المداولات وهم من يتولون إجراء "التحقيقات" في المداولات القضائية، بينما يكون القاضي، في الغالب، مستمعاً ولا يسأل إلا للاستيضاح والتوضيح. 

ويكشف ريخس أن هذه المقترحات التشريعية ليست جديدة تماماً، بل كانت قد أعدّت من قبل "لكنّ ليبرمان (أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا") كان الشريك الائتلافي الوحيد الذي عارضها آنذاك، الأمر الذي أدى إلى تجميدها" في حينه، بينما "نرى اليوم أن الفرصة كبيرة ومهيأة لتمريرها فنكون كمن تراجع خطوة ليتقدم خطوتين"!

الرجال الحريديم في المرتبة الأعلى 

والنساء في الأدنى. وغير اليهود؟؟ 

يشير البروفسور تريغر إلى عدد من العيوب الجوهرية الأساسية في هذه التشريعات وما يترتب عليها من مخاطر فيبدأ بحقيقة أن النساء لا يمتلكن حق المثول أمام المحاكم الدينية اليهودية والإدلاء بشهاداتهن في إطار مداولاتها، وذلك طبقاً لأحكام الشريعة اليهودية، الأمر الذي يعني أن النساء في هذه المنازعات في هذه الحاكم "يبدأن أصلاً من نقطة متدنية. ولهذا، حتى لو استطاعت المرأة الإدلاء بشهادتها أمام المحكمة الدينية نظراً لأن هذه المحاكم غالباً ما تجد طريقة للاحتيال على المنع الشرائعيّ والالتفاف عليه وتجاوزه، بغية حفظ قوتها وسيطرتها وتجنب خسارة الملفات المختلفة، فسيكون التعامل مع شهادة المرأة على أساس أنها أقل قيمة وموثوقية من شهادة الرجل، لمجرد كونه رجلاً". 

بموجب الشريعة اليهودية، الإنسان الذي لا يحفظ حرمة السبت ولا يلتزم بها ليس مؤهلاً لتقديم شهادة. وعليه، فإن "اليهودي المتدين الحريدي، المتزمت في حفظ حرمة السبت والالتزام بها، هو ـ في نظر قضاة المحاكم الدينية اليهودية ـ أكثر موثوقية وصدقية من أي يهودي آخر، سواء كان علمانياً، متديناً وطنياً أو إصلاحياً"، كما يوضح تريغر. وكان الحاخامات الرئيسيون قد أفتوا من قبل بأنه "لا يمكن إلغاء/ رفض شهادة رجل يهودي علماني" وذلك بغية إفساح المجال أمام الرجال اليهود العلمانيين للمثول أمام المحاكم الدينية اليهودية، وخصوصاً في ملفات الطلاق. غير أن "التوجه الأساس والجوهري الذي يعتمده قضاة المحاكم الدينية اليهودية، الذين هم من المتدينين الحريديم في غالبيتهم الساحقة، هو أن ثمة فوارق في مستويات الموثوقية والصدقية بين الرجال الحريديم وغيرهم، فكم بالحري إن تحدثنا عن غير يهودي أيضاً؟؟"، يتساءل تريغر سؤال العارف. 

ينبغي التوضيح هنا أنه وفقاً لـ"قانون التقاضي في المحاكم الدينية اليهودية" من العام 1953، لا تمتلك هذه المحاكم أية صلاحية للنظر في خصومات ونزاعات مدنية ليست ناتجة أو مشتقة من قضايا "الأحوال الشخصية" التي تشمل مجالات قضائية عديدة وواسعة، أبرزها بالطبع" الزواج، الطلاق، الميراث، الوصاية وغيرها. وفي قضايا "الأحوال الشخصية" وما يترتب عليها ويشتق منها، ثمة للمحاكم الدينية اليهودية (كما للمحاكم الدينية الأخرى، لدى الطوائف الأخرى) "صلاحية حصرية" للنظر والبت فيها. وفي بعض القضايا والمجالات، ومنها قضية الممتلكات على سبيل المثال، ثمة ما يسمى "صلاحية موازية" يتوجب على قضاة المحاكم الدينية الذين ينظرون فيها الأخذ في الاعتبار القوانين الوضعية في دولة إسرائيل، وليس قوانين وأحكام الشريعة اليهودية فقط. 

لذلك، فإن تشريع البنود التي تتضمنها الاتفاقيات الائتلافية الجديدة، والتي تسعى إلى الاعتراف بالمحاكم الدينية اليهودية باعتبارها "هيئات قضائية مخولة كامل الصلاحيات للنظر والبت في القضايا المدنية"، أو حتى لمجرد التحكيم فيها، دون أن تكون في حاجة لإقرار قراراتها والتصديق عليها من قبل أية محكمة مدنية، هو "بمثابة انقلاب حقيقي وجوهري تماماً"، كما يؤكد البروفسور تريغر. 

وتلفت البروفسور روت هلبرين ـ قادري، من كلية الحقوق في "جامعة بار إيلان" ورئيسة "تحالف المنظمات المعارضة لهذه التشريعات"، النظر إلى حقيقة أن البنود التشريعية المقترحة في الاتفاقيات الائتلافية الجديدة "لا تتطرق سوى إلى اليهود ومحاكمهم الدينية فقط"، وهو ما يشكل في نظرها "امتيازاً مدعوماً بتمويل حكومي يُمنح لليهود فقط"، ثم تتساءل: "وماذا عن أبناء الطوائف الدينية الأخرى الذين يريدون التقاضي في محاكم دينية ووفقاً لأحكام شرائعهم الدينية؟". وتوضح، في هذا السياق، أن هذه البنود المقترحة "تكتفي بأن يكون واحد فقط من المتنازعين، المتقاضين، يهودياً كي يتم نقل التقاضي بينهم إلى المحكمة الدينية اليهودية. هل تستوعبون هذا العبث؟ أن يتم فرض الشريعة اليهودية وأحكامها على شخص غير يهودي هو، بحكم كونه من الأغيار، في مكانة متدنية أصلاً أمام المحكمة الدينية اليهودية"!!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات