المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تعد حركة ما يسمى "أمناء الهيكل" من بين الجماعات المتطرفة التي يمولها "الصندوق المركزي لإسرائيل".  (فلاش 90)
تعد حركة ما يسمى "أمناء الهيكل" من بين الجماعات المتطرفة التي يمولها "الصندوق المركزي لإسرائيل". (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1322
  • عبد القادر بدوي

لعبت الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً بعد الاحتلال الإسرائيلي لما تبقّى من أرض فلسطين التاريخية، دوراً كبيراً، وما زالت، في تقديم الدعم لإسرائيل على كافة المستويات، تجلّى أبرزها في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. على الجهة المقابلة، شكّل المجتمع المدني في الولايات المتحدة الأميركية، وعلى غرار المستوى الرسمي، جسماً داعماً لسياسات إسرائيل ومجتمعها المدني ومنظمات وجمعيات تتبنّى خطاباً وفكراً يهودياً محافظاً يلتقي مع تيار المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة ويتقاطع معه في مواضع كثيرة.

وكنا قد أشرنا في العديد من المساهمات السابقة التي سلّطنا الضوء فيها على جمعيات ومنظّمات اليمين الجديد في إسرائيل، إلى الدور الذي تلعبه صناديق وجمعيات أميركية يمينية محافظة في دعم جمعيات ومنظمات اليمين التي تتشابه معها في التوجهات والرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذه الصناديق والجمعيات ظهرت بوصفها جهات تمويل مركزية لجمعيات ومنظمات اليمين في إسرائيل، على الرغم من أن الأخيرة تتبنّى سياسات إثنوقومية عنصرية متطرّفة تجاه الفلسطينيين، وهو ما تحاول السياسة الأميركية الظهور بخلافه، على الأقل على مستوى الخطاب الرسمي، والظهور بدور الوسيط بين طرفين.

من حيث المبدأ، يُفضّل العديد من الأثرياء في الولايات المتحدة التبرّع بالمال لما يسمّونه بـ "الأعمال الخيرية"، لتجاوز المعضلة الضريبية بدلاً من تحويل الأموال إلى ضريبة الدخل، خاصّة اليهود، الذين لديهم رغبة كبيرة بالتبرع لأجسام وجهات مختلفة تتفق مع تصوراتهم في إسرائيل. لكن تجدر الإشارة إلى أن هناك صعوبة كبيرة في تحديد أسماء المتبرعين الرئيسيين من القطاع الخاص، على الرغم من أن هذا المجال واسع النطاق؛ إذ يمول المانحون الأميركيون المستوطنات بمبالغ طائلة عبر شبكة كبيرة من المنظمات غير الربحية الأميركية، والتي تسعى أيضاً للحصول على الإعفاء الضريبي جرّاء ذلك. فقد أورد تحقيق أعدّته صحيفة "هآرتس" أن هناك نحو خمسين منظمّة أميركية حولت أكثر من 220 مليون دولار إلى مستوطنات في الضفة الغربية خلال الفترة الممتدة بين 2009-2013. وبالنظر إلى وضعها كمؤسسات غير ربحية، وأن التبرعات التي تتلقّاها معفاة من الضرائب، فهذا يعني أن الولايات المتحدة تشجّع وتدعم بشكل غير مباشر مشروع الاستيطان، على الرغم من التصريحات الرسمية التي تُعارض ذلك في بعض الأحيان.

وبالعودة إلى موضوع المساهمة، فقد أشرنا في العديد من المساهمات السابقة إلى جمعيات ومنظّمات اليمين الجديد في إسرائيل، ودورها وتأثيرها في السياسة الإسرائيلية، داخلياً وخارجياً، وقد تمت الإشارة في العديد منها إلى أن عدداً لا بأس به من هذه الأجسام (غير الحكومية) تحصل على دعم من أجسام وجمعيات وصناديق أميركية غير حكومية تتفّق معها في الفكر اليميني المُحافظ، وفي السياسات الاقتصادية الداخلية على حدٍّ سواء. نحاول في هذه المساهمة، الوقوف أكثر على دور أحد أهم هذه الأجسام والتي تقدّم الدعم المادي، ليس فقط لجمعيات ومنظّمات اليمين؛ وإنما أيضاً للمستوطنات الإسرائيلية المُقامة على أراضي الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1967، يحمل اسم "الصندوق المركزي لإسرائيل- Central Fund Of Israel-"، وتبيان تمويل ودعم أنشطة هذه الجمعيات بالإضافة إلى المستوطنات بمبالغ مالية طائلة.

تأسس "الصندوق المركزي لإسرائيل" في العام 1979 في الولايات المتحدة الأميركية كمنظمة أميركية غير ربحية على يد كلّ من هداسا ماركوس وآرثر ماركوس ومقرّها منهاتن، بهدف "التبرّع بالمال لمساعدة العائلات الفقيرة في إسرائيل، ومساعدة ضحايا الإرهاب، وبناء ودعم المعابد اليهودية، ودعم المؤسسات التعليمية، ومعالجة القضايا الأمنية، وتحسين المرافق الطبية واحتياجات المجتمع الأخرى".للاستزادة، راجع/ي موقع الصندوق على الشبكة: https://www.centralfundofisrael.org/.

يُقدّم الصندوق نفسه على أنه تأسّس لتجنيد الأموال وتقديم الدعم لجمعيات ومنظمات "خيرية" في "أرض إسرائيل"، وتسهيل وتنظيم وصول هذه التبرعات إلى هذه الجمعيات بعيداً عن تعقيد الإجراءات البيروقراطية، و "من باب الحرص على ألّا تضيع هذه الأموال في الطريق"، رافعاً شعار "ما تقدّمه هو ما يحصلون عليه"، أي أن ما يُقدّمه المتبرع الأميركي سيصل إلى إسرائيل والجمعيات والمنظمات كما هو. وقد نجح بالفعل في تجنيد التبرّعات والأموال الأميركية وتحديداً في أوساط الأثرياء المحسوبين على التيار الأفنجيلي وفي قواعد الحزب الجمهوري، وقد تعاظمت هذه الجهود مع مرور السنوات، إذ أصبح الصندوق اليوم يُقدّم تمويلاً لـ 350 جمعية في إسرائيل. الأمر الذي مكّنها من الحصول على جائزة "عمدة القدس المرموقة للمنظّمات التطوعية البارزة" في العام 1994، ناهيك عن إشادة الحاخامات اليهود الرئيسيين بدوره في تقديم الدعم لـلجمعيات والمنظمات الإسرائيلية.المرجع السابق.

لا يتوفّر الكثير من المُعطيات حول الوجهة التي تصل إليها هذه الأموال بشكل مفصّل، لكن تُشير المصادر التي تمكّنت من مراجعة قائمة المستفيدين من تبرّعات الصندوق إلى أن الصندوق يُقدّم دعماً مادياً، وبشكل دوري، للعديد من المشاريع الاستيطانية في مستوطنات الضفة الغربية بالإضافة إلى شراء البيوت الفلسطينية. حيث يُقدّم الصندوق أموالاً طائلة لأجسام وكيانات في مستوطنات مثل "إفرات"، "بيت إيل"، "غوش عتصيون"، و"مجلس إيتمار" و "مجلس محلّي كريات أربع" وغيرها. وقد وصل الدعم المُقدّم من الصندوق لهذه المستوطنات قرابة 9.543.124 دولار في الفترة الممتدة ما بين 1998-2003 فقط. كما يُشير تحقيق لصحيفة "هآرتس" إلى أن عائدات الصندوق بلغت في العام 2014 لوحده قرابة الـ 25 مليون دولار وصل منها 23 مليون دولار إلى الجمعيات في إسرائيل.

وورد في تحقيق نُشر في صحيفة "هآرتس" أن الصندوق يُقدّم دعماً مالياً لمدرسة "يوسف لا يزال حياً" (بالعربية)، في مستوطنة "يتسهار" والتي يترأسها كلّ من يتسحاق شابيرا ويوسف أليتسور. وبحسب الصحيفة، فقد أشرف هذان على إعداد وتأليف كتاب "توراة الملك"- (بالعربية)- والذي يُناقش، من بين أمور أخرى، الظروف التي يجوز فيها قتل "غير اليهودي"- والمقصود هنا الفلسطينيين!للاستزادة، أنظر/ي: https://www.haaretz.co.il/news/politics/2015-12-07/ty-article/0000017f-f6ed-d887-a7ff-feed7daf0000.

جاي ماركوس كان من بين الشخصيات الذين ترأسّوا الصندوق، وهو رجل أعمال أميركي يميني محافظ، أشار في أكثر من مقابلة إلى أن منظّمته، أي الصندوق، تُقدّم التبرعات لجمعيات ومنظمات إسرائيلية على جانبي الخط الأخضر، معتبراً أن هذه الأموال (حتى تلك التي تصل إلى المستوطنات) لا يُمكن اعتبارها إشكالية كونها لا تُستخدم في أي أغراض سياسية!

يبرز من بين الجمعيات اليمينية النشطة التي تحصل على تمويل من الصندوق كل من "إم ترتسو" والتي يُمكن اعتبارها شرطي الأكاديميا والمعرفة في الجامعات الإسرائيلية. ومنظّمة "فوروم كوهيلت" التي يترأسها موشيه كوبل والتي كان لها دور بارز في الدفع قُدماً باتجاه سنّ وتشريع "قانون القومية اليهودي" في العام 2018. ومنظّمة "حونينو" التي ترعى وتدافع عن الإجرام اليهودي ضدّ الفلسطينيين وتقدّم الدعم القانوني والمادي لهم. كما يقوم الصندوق بتمويل أنشطة جمعية "مقلاع شلومو" والتي تحولت لاحقاً إلى مشروع "كونسيرت" الذي أطلقته وترعاه بالكامل وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد أن تم إلغاء ما كان يُعرف بـ "وزارة الشؤون الاستراتيجية" التي هدفت، من بين أمور أخرى، إلى مواجهة أنشطة حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS).

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات