المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بيّن تقرير جديد لسلطة المياه الإسرائيلية أن 365 بئرا من آبار المياه الجوفية تشهد تلوثا، إلا أن الادعاء هو أن القسم الأكبر منها لا يشكل خطرا على الجمهور.

ويأتي هذا التقرير الجديد في ظل أزمة مياه متعاظمة في إسرائيل، وفي ظل خطر شديد على مستقبل بحيرة طبريا، التي هبطت إلى أدنى مستوى لها منذ سنوات طويلة، وهي أزمة تؤكد من جديد فشل كل الحكومات في العمل على مواجهة خطر نقص المياه، وبشكل خاص زيادة كميات تحلية المياه وإعادة تكرير المياه العادمة للصناعة والزراعة.

ويقول تقرير سلطة المياه إنها أجرت فحصا لآبار المياه الجوفية المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد، وتبين وجود 365 بئرا مصابة بالتلوث بهذا القدر أو ذاك. وأكد أن أشد حالات التلوث هي الموجودة عند الساحل، وبقدر كبير في منطقة مدينة الرملة، جنوب مدينة يافا، وأن مصانع كبرى ساهمت في هذا التلوث. وكانت سلطة المياه، والجهات المسؤولة بهذا الشأن، قد أغلقت في السنوات الأخيرة العديد من الآبار الجوفية، بسبب التلوث، الذي من مسبباته أيضا انخفاض مستويات المياه فيه.

وتشكل الآبار الجوفية أكثر من 40% من حجم استهلاك مياه الشرب والزراعة في إسرائيل. ففي العام 2017، تم استهلاك 3ر2 مليار متر مكعب من المياه، من بينها 940 مليون من الآبار الجوفية، و600 مليون متر مكعب من تحلية المياه، و400 مليون متر مكعب من الينابيع والوديان، ومن بحيرة طبريا، التي توقف سحب المياه منها في الآونة الأخيرة. في حين أن 360 مليون متر مكعب تم ضمانها للزراعة والصناعة من إعادة تكرير المياه العادمة.

وحسب تقرير سلطة المياه، فإن 265 بئرا جوفيا، من أصل الآبار الـ 365 التي يوجد تلوث فيها، كان سبب تلوثها من الوقود، بينما كان مصدر تلوث الآبار الـ 100 الأخرى من التلوث الصناعي والنفايات.

ويقول أساف بن نيريا، مسؤول المياه في منظمة "إنسان وطبيعة وقانون"، التي تعنى بشؤون البيئة، "إن الخطر الكبير على الصحة يكمن في أن غازات سامة تتسرب من المياه الجوفية الملوثة، إلى سطح الأرض، وقد يستنشقها الجمهور. كذلك فإن الخطر الآخر هو أن المياه الجوفية تستخدم أيضا للتعويض عن نقص المياه في سنوات محل".

وقالت سلطة المياه إن الخطر على صحة الجمهور يكمن في تلوث 156 بئرا، من أصل الآبار الـ 365 الملوثة، وإن السلطة تقوم بأعمال إصلاح وإعادة تأهيل لـ 120 بئرا.

ويضيف بن نيريا أن التلوث من الوقود يمتد إلى مئات الأمتار من مصدر التلوث الأساس، أما التلوث الصناعي فإنه يتمدد إلى مسافات أبعد، ومنه ما وصل إلى بعد 6 كيلومترات، عن مكان المصنع الملوِّث.

ويقول خبراء إن التلوث الذي يتحدث عنه تقرير سلطة المياه لم يطرأ في الآونة الأخيرة، بل هو نتيجة عملية تلويث تراكمية، قائمة بشكل خاص منذ نحو 20 عاما وأكثر، قبل أن تتطور عملية الكشف عن التلوث، وأيضا قبل سن أنظمة مشددة لمنع التلوث. لكن التقرير الجديد يكشف عجز الحكومات، وبضمنها الحالية، عن ملاحقة ظاهرة التلوث، ومحاصرة أسبابها ومنعها.

وتظهر هذه القضية في الوقت التي تستفحل فيه أزمة مخزون المياه في إسرائيل، على ضوء التراجع الحاد في مخزون المياه الطبيعية، في ظل شح الأمطار في السنوات الأخيرة، وتزايد أعداد السكان. وكانت إسرائيل قد لمست أزمة المياه لديها منذ نهاية سنوات التسعين ولاحقا، وتلكأت كل الحكومات في إقرار مشاريع لإقامة محطات تحلية مياه، لمختلف الأسباب، منها ارتفاع الكلفة، أو الأضرار المتوقعة للطبيعة، نتيجة عمل هذه المحطات. وبعد جدل دام سنوات توجد حاليا خمس محطات تحلية لمياه البحر، لكنها لم تعد تكفي للمستقبل القريب.

وكانت إسرائيل تعتمد حتى قبل ثلاثة عقود بدرجة كبيرة على مياه بحيرة طبريا، التي كانت تضمن ما بين 25% وحتى 30% من احتياجات المياه في البلاد كلها، لكن منذ مطلع سنوات التسعين بدأ مستوى المياه في البحيرة يتراجع بوتيرة عالية، وفي غالب سنوات العقود الثلاثة الأخيرة تكون البحيرة أقل من مستوى المياه المحدد لها، بما بين 3 أمتار وحتى ما يلامس 5 أمتار، ما يهدد البحيرة لاحقا بالجفاف، أو بارتفاع نسبة الملوحة فيها، رغم أنها تتميز بكونها بحيرة المياه العذبة. كذلك فإن مخزون المياه في الآبار الجوفية، إن كان في جبال الشمال ومنطقة القدس، أو الجبال القريبة من الساحل، تراجعت هي أيضا في السنوات الأخيرة، وفي عدد منها توقف سحب المياه.

ويقول تقرير لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية إن التراجع في مخزون مياه بحيرة طبريا ساهم فيه أيضا تراجع مستوى المياه في نهر الأردن من منابعه في سورية ولبنان، ومن أبرز مسببات هذا شح كميات الثلوج السنوية على جبل الشيخ، الذي كانت ترتفع الثلوج على قمته في موسم الشتاء إلى 10 أمتار، وعند سفوحه إلى 5 أمتار، بينما في السنوات الأخيرة فإن كميات الثلوج أصيحت أدنى بكثير مما ذكر.

وحسب توقعات سلطة المياه الإسرائيلية فإنه حتى العام 2040 ستكون 70% من المياه المستهلكة في إسرائيل مياها "صناعية"، بمعنى ليست من مخزون المياه الطبيعي، وهذا بحد ذاته بدأ يطرح أسئلة جدية في دوائر الحكم ذات الشأن، وأيضا لدى مختصين، ومن بين أبرز الأسئلة المطروحة مدى تأثير هذا على صحة الجمهور، وعلى جودة البيئة، وصولاً إلى سعر كلفة هذه المياه.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات