المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 1830
  • سامي بيرتس
  • برهوم جرايسي

لا شك في أن مهرجان الإهانات الدبلوماسية بين إسرائيل وتركيا، وتهجمات السياسيين في الطرفين، تخلق تصعيدا بين الدولتين بعد فترة هدوء، تم تحقيقها في أعقاب التعويضات التي دفعتها إسرائيل، بقيمة 20 مليون دولار، لعائلات قتلى أسطول مرمرة. والتخوف الآن هو أن المواجهة الحالية ستؤدي إلى مس بالعلاقات الاقتصادية بين الدولتين.

 

وقد شملت هذه العلاقات، في الماضي، علاقات أمنية جيدة، وتجارة خارجية، وسياحة وطيرانا. وأحداث أسطول مرمرة، في العام 2010، أضرت في حينه بهذه العلاقات، وبالأساس بالتعاون الأمني، ولكنها لم تؤد لقطع العلاقات الاقتصادية، الأمر الذي يدل على أن المصالح الاقتصادية قائمة بموازاة المصالح السياسية. ففي أعقاب أحداث مرمرة، توقف التعاون العسكري بين الدولتين، وتم الغاء المناورة الجوية المشتركة بين سلاحي الجو الإسرائيلي والتركي، ولم يتم تجديد الصفقات الأمنية العديدة التي كانت.

فالصناعات العسكرية، على سبيل المثال، نفذت في الماضي للجيش التركي مشاريع تطوير 170 دبابة من طراز M60 فوتون، بقيمة تقارب مليار دولار. ولكن على ضوء مستوى التوتر الحالي، هناك شك في ما إذا إسرائيل تريد أصلا ابرام صفقات أمنية مع تركيا. ومن دون هذا، بقيت للدولتين مصالح اقتصادية مشتركة، وحتى أنها تعززت بالذات في السنوات الأخيرة، على الرغم من سوء العلاقات بين الرئيس التركي أردوغان ورئيس الحكومة نتنياهو. والمس بالعلاقات الاقتصادية سيسبب ضررا للجانبين، ولهذا فإن أردوغان، وفي الوقت الذي يكون فيه غاضبا ومتحمسا في خطابه، لن يتدهور نحو مواجهة على مستوى العلاقات الاقتصادية.

والسؤال هو: أي من الجانبين يجني فائدة أكبر من العلاقات الاقتصادية؟ هذا من الصعب تحديده. فإذا اشترت إسرائيل قميصا تم انتاجه في تركيا بسعر رخيص، فمن الذين سيستفيد أكثر؟ هل الذي باع القميص وربح؟، أم الذي اشتراه بسعر رخيص؟ هذا هو سحر اقتصاد السوق. فحينما تعمل السوق بشكل جيد، فإن الجانبين يستفيدان، ولهذا فإن العلاقات الاقتصادية في هذه المرحلة هي خارج صورة الأزمة السياسية، التي تتم خلالها إهانة الدبلوماسيين أمام عدسات الكاميرات. في دول كثيرة ترتكز التجارة الخارجية بالأساس على الدول المجاورة، بسبب الامتيازات اللوجستية الواضحة. ولإسرائيل لا توجد تجارة ذات شأن مع الدول التي تجاورها، بينما تركيا هي هدف إقليمي ذي أهمية، كما أن إمكانيات العلاقات معها لم يتم استنفادها كليا بعد.
وفي السنوات الأخيرة طرأ تسخين معين في العلاقات بين الدولتين، بدون علاقة مع اتفاق المصالحة الذي أبرم في العام 2016. ودفء العلاقات مرتبط بحادثين: الجهد من أجل تخفيض كلفة المعيشة في إسرائيل وفتح أبواب المنافسة في سوق الطيران، والحرب الأهلية في سورية.

ففتح الأجواء للمنافسة أدى إلى ارتفاع حاد في سفر الإسرائيليين إلى تركيا، ليس من أجل المكوث فيها بالذات، وإنما في غالب الأحيان كجسر لرحلات جوية إلى محطات أخرى في العالم. وفي العام 2012 أقلعت 4706 طائرات من إسرائيل إلى تركيا، أقلت 686 ألف مسافر. ومنذ ذلك العام كان هناك ارتفاع سنوي متواصل، وفي العام 2017 أقلعت من إسرائيل باتجاه تركية 12400 طائرة أقلت مليوني مسافر.

وقد تحولت تركيا، في السنوات الأخيرة، إلى أحد أهداف السفر الجوي البارزة من إسرائيل. فالتوقف في تركيا نحو هدف تال يقلل جدا كلفة الرحلة الجوية إلى أهداف مختلفة، مقارنة مع الرحلات المباشرة. وبطبيعة الحال فإن الجانبين مستفيدان من هذا: الإسرائيليون الذين يشترون تذاكر سفر بسعر أقل، وشركات الطيران ومطارات تركيا التي تستفيد من حركة سفر كبيرة.

صحيح أن إسرائيل ليست هدفا سياحيا للسياح الأتراك، ولكنها تُعد جسرا للتجارة الخارجية التركية، بدأ عمليا في أعقاب الحرب الأهلية في سورية. فالحرب ألزمت المنتجين الأتراك، الذين يسوقون المنتوجات الزراعية وغيرها للأردن، بأن يجدوا مسارا آخر عدا سورية. والمسار الذي تم العثور عليه كان من خلال سفن تركية تقل شاحنات كبيرة مع سائقين أتراك، يفرغون بضائعهم في ميناء حيفا، ومن ثم يواصلون سفرهم نحو جسر الشيخ حسين، ومن هناك إلى الأردن.

وتعود الشاحنات الكبيرة، التي تجر كل واحدة منها عربة شحن إضافية، من الأردن إلى حيفا، وقد تكدس عليها بضائع. ويجري الحديث عما بين 30 إلى 40 شاحنة بهذا الحجم أسبوعيا. وهذا عدد صغير نسبيا، مقارنة مع الاحتمالات الممكنة. ويقول دافيد بريش، صاحب شركات تيران، التي تمثل شركة النقل البحرية التركية، "توركون"، إن إساءة العلاقات الدبلوماسية لم تنعكس على العلاقات الاقتصادية. وقال "لم أشعر أي توتر بعد أحداث أسطول مرمرة. وأنا أخمن أنني لن أشعر بأي شيء، أيضا الآن. لقد تحادثت مع القنصلية الإسرائيلية في اسطنبول، وقالوا لي إن كل الأمور تسير كالعادة، باستثناء أنهم طيّروا السفير. ونحن نجهّز التأشيرات للسائقين الأتراك، الذين يصلون إلى هنا (إسرائيل)، والأمور تسير حسب النظام المحدد لها".

وبموجب تقديرات جهات في مجال نقل البحري، فإن فرص النشاط التجاري بإمكانها أن تكون أكبر بكثير، لو أن الشركات التركية قامت بتصدير البضائع إلى السعودية، من خلال الشاحنات التي تصل إلى ميناء حيفا.

والسائقون الأتراك ليسوا وحدهم العاملون هنا، إذ يتم تشغيل عمال أتراك في بناء الميناء في خليج حيفا، ويتم استخدام سفن تركية للنقل البشري أيضا.

وبلغ إجمالي التجارة المتبادلة بين إسرائيل وتركيا، في العام الماضي 2017، حوالي 3ر4 مليار دولار، ويميل الميزان التجاري لصالح تركيا، إذ إن تركيا تصدّر إلى إسرائيل أكثر بكثير مما تستورده منها. فقد بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا في العام الماضي 4ر1 مليار دولار، فيما بلغ حجم الاستيراد حوالي 9ر2 مليار دولار. والصادرات الإسرائيلية الأساسية هي المواد الكيماوية، ومنتجات النفط، بينما الاستيراد يتركز في السيارات ومعدات السيارات والمعادن والماكنات والنسيج.

والفرصة الأكبر لتطوير العلاقات التجارية بين الجانبين، بطبيعة الحال، تتركز أساسا بالغاز الإسرائيلي. فالأتراك بحاجة ماسة للغاز، ولإسرائيل مخزون كبير من الغاز، وتجري بين الدولتين محادثات بهذا الشأن، منذ عدة سنوات. وتشتري تركيا الغاز، أساسا، من روسيا، ولإسرائيل مصلحة في بيعها الغاز، من أجل أن تعزز مكانتها في المنطقة. إلا أن هذا الأمر ليس سهلا، لأنه متعلق بعدة جوانب حساسة. ويقول مصدر في قطاع الغاز: "طيلة الوقت تجري محادثات مع الأتراك. ومن المعقول الافتراض بأنه لو كان لهذا دعم من الحكومتين، لكانت المفاوضات ستتقدم".

ويعتقد المستشرق إيال زيسر، من جامعة تل أبيب، أن إسرائيل تفضل بيع الغاز لليونان وقبرص، لأن هذا المسار مستقر أكثر: "المسار اليوناني القبرصي يبدو أكثر أمنا من الناحية السياسية، وهو ليس مرتبطا بالمزاج. إن الغاز شأن استراتيجي، يلزم باستثمارات ضخمة جدا، مع تفاهمات بعيدة المدى مع دعم حكومي. ولكن يوجد أيضا شأن اقتصادي، واعتقد أنه لو أن الأمر صحيح من ناحية اقتصادية بالنسبة للأتراك، لكانوا عملوا على دفع المفاوضات".

والسؤال الذي يطرح نفسه إذا كان من الصحيح رصد أموال لوضع أنبوب غاز من حقل لفياتان إلى تركيا، إذ أن كلفته ملياري دولار، وشركات الغاز في إسرائيل لن ترصد مبلغا كهذا من دون ضمانات وترتيبات، من أجل ضمان هذا الاستثمار.

ويدعي زيسر أن أردوغان، وعلى الرغم من مزاجه، لن يمس بالاقتصاد التركي، وهو يعرف كيف يفصل بين الشؤون السياسية والمصالح الاقتصادية لبلاده. ويقول "هو يعرف الحدود، لكن على ضوء طبيعة الحركة في الشرق الأوسط، فمن الصعب معرفة في أي اتجاه سيختار الخطوة التالية".

في الظروف القائمة، فإن بيع الغاز لتركيا من شأنه أن يصطدم أيضا بمعارضة محلية إسرائيلية. فقد سارع قادة سياسيون، من الائتلاف والمعارضة، لمهاجمة أردوغان، لطرده السفير الإسرائيلي، وإهانته في المطار. ومن الصعب رؤيتهم صامتين أمام احتمال أن تبيع إسرائيل تركيا مخزونا من غازها.

لكن إذا ما نظرنا إلى المسار الاقتصادي الموازي للمسار السياسي، فمن الممكن أن نرى أيضا فصلاً في قطاع الغاز: سياسة وغمز تجاه الجمهور، من جانب. وأعمال وفوائد اقتصادية، من جانب آخر، كما كانت الحال دائما حتى الآن.
_____________________

(*) محلل اقتصادي. عن "ذي ماركر"

 

المصطلحات المستخدمة:

أمنا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات