تبين من التقرير السنوي حول قائمة الأثرياء الـ 500 الكبار في إسرائيل، التي تصدرها سنويا المجلة الشهرية لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن الثروة الاجمالية لهم، ازدادت خلال عام واحد، بنسبة 23%: من 137 مليار دولار في العام 2016، إلى 168 مليارا في العام الجاري. وهذه زيادة بنسبة 454% عما كانت عليه في العام 2003؛ في حين أنه خلال تلك الفترة ارتفع معدل رواتب الأجيرين بنسبة 50%. ولكن نسبة عالية من الزيادة الحاصلة في السنوات الأخيرة هي انعكاس لهجرة أصحاب مليارات مع جزء من ثرواتهم إلى إسرائيل، بفعل الامتيازات الضريبية وغيرها.
وتضمنت القائمة هذا العام 241 اسما لأفراد وعائلات ومجموعات استثمارية، تضم 500 ثري. وقد بلغت ثروة الثري الأكبر 14 مليار دولار، لتنتهي بعدد ممن ثروة كل واحد منهم 90 مليون دولار. في حين أن أصحاب المليارات، بمعنى من مليار دولار وما فوق، ارتفع من 90 ثريا في العام الماضي إلى 116 في العام الجاري، في حين أن أصحاب المليارات في العامين 2003 والذي يليه كان 8 أشخاص فقط.
والمقياس الذي تتبعه "ذي ماركر" لاحتساب الثروة، هو أن يكون الثري من الإسرائيليين، صاحب الثروة الصافية حتى الأول من نيسان في ذات عام التقرير، بمعنى 2017، وبموجب المعلومات التي لدى الصحيفة، وتشمل كافة الأسهم في كافة الشركات والمؤسسات، والاستثمارات المالية في البورصة، وقيمة العقارات المملوكة، والسيولة النقدية المتوفرة حتى ذلك اليوم، التي تملكها العائلة أو الفرد أو المجموعة الاقتصادية الواحدة، وبعد أن تم انتقاص الديون الشخصية، بموجب المعلومات المعلنة. كما اعتمدت الصحيفة تقارير معتمدة، ومنها تقارير البورصة عن كل واحد من هؤلاء الأثرياء.
إلا أن هذه الثروات لا تشمل الاستثمارات غير الخاضعة للسجلات الإسرائيلية الرسمية، بمعنى أنها كلها خارج البلاد. كما لا تشمل أثرياء كبارا يلعبون في الساحة الإسرائيلية، ولكنهم لا يخضعون للسجلات الإسرائيلية، مثل الثري الأميركي اليهودي شلدون إدلسون، صاحب صحيفة "يسرائيل هيوم" اليومية المجانية، الداعمة بالمطلق لشخص بنيامين نتنياهو.
أثرياء مهاجرون وجدد وقدامى
كما ذكر، فإن اجمالي الثروات شهد قفزات ضخمة، من 37 مليار دولار في العام 2003، إلى 168 مليار دولار في العام الجاري، اي زيادة بنسبة 454%. والعامل الأبرز لهذه الزيادة، كان هجرة أثرياء كبار يهود من العالم إلى إسرائيل ليحملوا جنسيتها، إلى جانب جنسية وطنهم الأم، ومنهم من يحمل أكثر من جنسيتين، ونقلوا معهم جزءا من استثماراتهم، فيما أن جزءا صغيرا نقل كل ثروته، في حين شهدنا خلال السنين من قرر بعد فترة هجرة إسرائيل ناقلا معه ثروته.
فمثلا في العام 2015، انضم إلى قائمة الأثرياء "الإسرائيليين"، الثري الفرنسي باتريك ديرهي، حاملا معه ثروة بلغ مقدارها في ذلك العام 5ر16 مليار دولار، و"خسر" منها في العام الماضي 2016، ما يعادل 6ر7 مليار دولار، بينما في هذا العام عاد ليحتل المرتبة الاولى بعد أن حقق أرباحا عن العام الماضي بقيمة 4ر6 مليار دولار، لتصل ثروته هذا العام إلى 14 مليار دولار.
وساهم ديرهي بنسبة 20% من اجمالي الزيادة الفعلية الحاصلة في الثروة الاجمالية للأثرياء الـ 500 وهي 32 مليار دولار، تتقلص إلى زيادة صافية 31 مليار دولار، بعد خصم خسائر 8 أثرياء بمبالغ متفاوتة. في حين أن 21% من الزيادة الفعلية الحاصلة هذا العام، كانت بفعل هجرة أثرياء إلى إسرائيل، مع ثروة اجمالية بلغت 81ر6 مليار دولار، منها 5ر3 مليار دولار من مجموعتي أثرياء (شركتان).
ولغرض توضيح تأثير هجرة الاستثمارات والأثرياء إلى إسرائيل عدنا إلى ثلاثة أثرياء إسرائيليين قدامى، أولهم شيري أريسون، صاحبة الأسهم الأكبر في بنك هبوعليم"، أكبر البنوك الإسرائيلية، ووجدنا أن ثروتها في العام 2003 بلغت 4ر3 مليار دولار، مقابل 2ر5 مليار دولار في العام الجاري، أي أنها حققت خلال السنوات الـ 14 الأخيرة زيادة بنسبة 53 بالمئة. كذلك ثروة عائلة فيرتهايمر، فقد بلغت في العام 2003، حوالي 3 مليارات دولار، وهي اليوم 7ر8 مليار دولار (المرتبة الثانية بحجم الثراء) بمعنى زيادة بنسبة 290%. في حين أن ثروة الثري إسحاق تشوفا، المحتكر الأكبر لحقول الغاز التي تسيطر عليها إسرائيل في البحر الأبيض المتوسط، ارتفعت من 93ر2 مليار في العام 2005، إلى 4 مليارات دولار في العام الجاري، بمعنى بنسبة 37%.
ومثل آخر، في حين أن الثري "الأصغر" في العام 2003 كان من له 60 مليون دولار، ارتفع الحد الأدنى للثروة في العام الجاري إلى 90 مليون دولار، مقابل 76 مليون دولار في قائمة العام الماضي 2016. بمعنى أن زيادة الثروات الإسرائيلية "القديمة" ارتفعت بنسبة بعيدة جدا عن الزيادة الاجمالية لحجم الثروات في السنوات الـ 14 الأخيرة.
لكن هذا لا يعني أن هذه ورقة رابحة بيد إسرائيل، لأن هذه حركة أموال واستثمارات ضخمة، لا يوجد ما يربطها ويبقيها، فهي كالطيور المهاجرة تبحث عمن "يغذيها"، فمنها من لجأ إلى إسرائيل للاستفادة من شروط وامتيازات ضريبية، للاستثمارات المالية الكبرى، وخاصة المهاجرة اليها، ما يعني أنها على استعداد للقيام بالهجرة العكسية، في حال تبدلت الظروف، أو وجدت ظروفا أفضل في أي مكان آخر من العالم.
وهذا هو بالضبط ما أقلق جهات إسرائيلية كثيرة من خطة التخفيضات الضريبية، التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي عنوانها الأبرز: تخفيض ضريبة الشركات من 35% إلى 15%. وبرغم أن هذه الخطة ما تزال في إطار تصريح شفهي، ولم تنتقل بعد إلى المسار التشريعي والتطبيق، فإن اتحاد الصناعيين الإسرائيليين أعرب عن قلقه من الخطة، كون أن ضريبة الشركات في إسرائيل هي اليوم 24%، بدلا من 34% قبل أكثر من 20 عاما، ومن المفترض أن تنخفض إلى 23% في العام المقبل 2018، ما يعني أن الفجوة ستكون كبيرة، في حال دخل قرار ترامب حيز التنفيذ.
ويتوقع الاتحاد أن يتسبب التخفيض الضريبي بخروج استثمارات أميركية وأجنبية من الاقتصاد الإسرائيلي، إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وقال رئيس اتحاد الصناعيين شراغا بروش إن الاقتصاد الإسرائيلي سيتضرر في حال دخلت الخطة الضريبية الأميركية حيز التنفيذ.
وتوجه بورش إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو طالبا منه ابرام صفقة اقتصادية جديدة مع الرئيس ترامب، وبموجبها تحصل الشركات الإسرائيلية على مكانة خاصة في الولايات المتحدة، لتتمتع بأفضلية في الشروط مقارنة مع شركات الدول الأخرى. وحسب بروش، فإنه يريد أن تعترف الإدارة الأميركية بالاستثمارات الأميركية في إسرائيل كما لو أنها استثمارات في الولايات المتحدة لتحصل على ذات نسب الضريبة الأميركية الجديدة في حال تخفيضها؛ اضافة إلى خلق تعاون مشترك بين الجانبين في مسألة الضرائب، وإقامة صناديق أميركية إسرائيلية مشتركة، لتساند الصفقات مع الصناعات الحربية.
فجوات ضخمة في حجم الثراء
كما ذكر فإن التقرير تضمن أسماء 500 ثري، ضمن 241 اسما أو عائلة/ مجموعة، في اللائحة العامة، وكان عدد من بلغت ثروتهم أكثر من مليار دولار، 116 ثريا، مقابل 90 ثريا في تقرير العام الماضي 2016. إلا أنه على أرض الواقع، فإن التقرير يضع العدد 500 هدفا، ما يجعل ضم أثرياء عابرين، وفي مهب الريح، ضمن قائمة يفتتحها حيتان مال إسرائيليون ومهاجرون جدد. وهذا يبرز حينما نرى أن الأول في القائمة باتريك ديرهي، بلغت ثروته 14 مليار دولار، بينما القائمة تختتم بـ 16 اسما ومجموعة تبلغ ثروة كل واحد منهم 90 مليونا، وفي حال تم توزيع ثروات بالتساوي على شركاء، سنجد من ناحية فعلية أن قائمة الـ 500 تضم أكبر ثري، ثروته وحده 14 مليار دولار، وثروة "أصغر ثري" 24 مليونا.
ورأينا أيضا أن الأثرياء الـ 116 الأوائل يمتلكون 56% من الثروة الاجمالية، قرابة 94 مليار دولار؛ بينما 74 مليار دولار تتوزع على 384 ثريا. وكانت ثروة أول 12 ثريا، ضمن خمسة أسماء وعائلة، 22% من اجمالي الثروة. وثروة أول عشرة أسماء وعائلات بلغت 4ر33% من اجمالي الثروة. وهؤلاء وحدهم حققوا زيادة في الأرباح خلال عام، بحوالي 7ر9 مليار دولار، وهو ما يعادل أكثر من 31% من الزيادة الاجمالية في أرباح الأثرياء الـ 500 خلال عام واحد.
قائمة الأسماء
وقد احتل المرتبة الأولى في الثراء، كما ذكر، الثري الجديد إسرائيليا، الفرنسي اليهودي باتريك ديرهي، الذي طلب وحصل على الجنسية الإسرائيلية في العام 2015، ناقلا معه ثروة قاربت 5ر16 مليار دولار، إلا أنه خسر في العام الماضي 7 مليارات دولار، بسبب هبوط بنسبة 51% في سعر أسهم شركة "أطليس" الأميركية، التي يسيطر على 60% من أسهمها. إلا أن هذه أسهم هذه الشركة عادت وسجلت قفزة كبيرة منذ التقرير السابق وحتى اعداد الجاري، ما رفع الثروة الاجمالية في هذا العام بـ 4ر6 مليار دولار، ولتصبح 14 مليار دولار.
وديرهي (53 عاما) يهودي ولد في المغرب العربي، ووالداه كانا من اليساريين، وهاجرت العائلة في نهاية سنوات السبعين إلى فرنسا، وأكمل تعليمه فيها، وفي بداية سنوات التسعين فتح شركة صغيرة، كانت تعرض على الفرنسيين الاشتراك في شبكة كوابل تلفزيونية بأسعار أقل من غيرها. وسرعان ما توسعت الشركة، وسجلت نجاحات، ولتبدأ في عملية شراء شركات أخرى.
وبدأ ديرهي في إسرائيل مساهما في شركة الكوابل "هوت"، التي جمعت شركات صغيرة سابقة، ودأب في كل مرّة على شراء أسهم مساهمين آخرين، إلى أن اصطدم بالقانون الذي يلزم بأن تكون أسهم 5%، على الأقل، في شركات الاتصالات بيد حامل جنسية إسرائيلية، فاختار ديرهي في العام 2015 الحصول على الجنسية الإسرائيلية ليطبق السيطرة الكلية على "هوت"، وبات قسما من شركاته مسجلا في إسرائيل.
واحتلت المرتبة الثانية عائلة الملياردير الإسرائيلي القديم ستاف فيرتهايمر وعائلته، التي تضم زوجته وأبناءهما الثلاثة، إذ بلغت ثروتهم مجتمعين 7ر8 مليار دولار، زيادة بـ 400 مليون دولار عن العام 2016. وتبرز العائلة أساسا في شركات التقنيات التكنولوجية في إسرائيل وخارجها.
وحافظت الثرية الإسرائيلية القديمة شيري أريسون على المرتبة الثالثة في القائمة، بعد أن كانت في سنوات خلت تتربع على رأس القائمة، كصاحبة الأسهم الأكبر في بنك "هبوعليم"، أكبر البنوك الإسرائيلية. وبلغت ثروة أريسون هذا العام 2ر5 مليار دولار بزيادة 200 مليون دولار في العام الجاري.
أما الرابع في اللائحة من حيث الثراء، فقد كان الثري الإسرائيلي أرنون ميلتشين، الصديق الخاص لبنيامين نتنياهو، والمتورط بقضية تقديم "الهدايا" لنتنياهو وزوجته، بما قيمته مئات آلاف الدولارات، على مدى سنوات، وهي قضية الفساد الجاري التحقيق فيها، وتسمى "القضية 1000". وحسب ما ينشر فإن نتنياهو اهتم بمصالح هذا الثري في البلاد والخارج. وأبرز الهدايا، كانت تأمين بشكل دائم لكميات من الشمبانيا، يبلغ سعر الزجاجة الواحدة منها 200 دولار، وحتى أن عائلة نتنياهو كان تجري اتصالات بميلتشين، في حال خف المخزون. كذلك كان يحصل نتنياهو من ميلتشين على مدى سنوات طوال، على سيجار من صنف "كوهيبا سيجالو 5" غالي الثمن، اضافة إلى هدايا أخرى مثل مجوهرات وغيرها.
أثرياء قطاع السيارات
وقد خصص التقرير جانبا لشركات وعائلات استيراد السيارات، التي شهدت في السنوات الأخيرة، وخاصة العام الماضي، ذروة غير مسبوقة، إذ سجل العام 2016، بيع أكثر من 287 ألف سيارة، وهذه زيادة بنسبة 12% عما تم بيعه في العام قبل الماضي 2015، الذي سجل هو أيضا ذروة في بيع السيارات.
وقد سجلت العائلات والأشخاص السبعة البارزين في قطاع السيارات أرباحا كبيرة في العامين الماضي والجاري، ما رفع ثرواتهم بنسبة ملحوظة. فعائلة حارلف، التي تملك شركة "كال موبيل"، وتستورد سيارات يونداي وميتسوبيشي ومارسيدس، التي كانت حصتها 21% من اجمالي مبيعات العام الماضي، ارتفاعا حادا في ثروتها، من 5ر1 مليار دولار في 2016، إلى ملياري دولار في العام الجاري.
وسجلت عائلة الثري جورج حوروش ارتفاعا بثرتهفي ثروتها بنسبة 5ر20% لتصل إلى 2ر1 مليار دولار. ثم عائلة كاراسو، التي ارتفعت ثروتها إلى مليار دولار، مقابل 840 مليار دولار في 2016. وفي المجمل، فإن العائلات المالكة لأكبر شركات استيراد السيارات، ارتفعت ثروتها الاجمالية بنسبة 20%، من 5 مليارات دولار في 2016، إلى ما يزيد بقليل عن 6 مليارات دولار هذا العام.
الثري العربي الوحيد
تبقى هذه الخانة ثابتة في هذه التقارير السنوية، إذ أنه منذ 13 عاما من أصل 500 ثري في القائمة، هناك عربي واحد، هو رجل الأعمال، بديع بشارة طنوس، من مدينة الناصرة. وهو صاحب واحدة من أكبر شركات البناء في البلاد، وهي تنشط أيضا في دول في شرق أوروبا وفي كندا، وقد أسس طنوس الشركة في سنوات السبعين الأولى من القرن الماضي.
وارتفعت ثروته في العام الجاري بنحو 15 مليون دولار، لتصبح 145 مليون دولار. وهو يحل في المرتبة 194 من أصل 241 اسما وعائلة ومجموعة استثمارية، مقابل المرتبة 211 من أصل 245 في العام الماضي 2016. وحسب التقارير، فإنه يسجل أرباحا سنوية، وخلال السنوات الأربع الأخيرة ارتفعت ثروته من 110 ملايين إلى 145 مليون دولار، بمعنى بنسبة 32% تقريبا.
وقبل ذلك، كانت في القائمة من بين الأثرياء الـ 500 عائلة شقحة، التي تملك واحدة من أكبر شركات استيراد المواد الغذائية في البلاد، إلا أن الشركاء انفصلوا عن بعضهم، وشكلوا شركتين أو أكثر، مما أخرجهم من قائمة الـ 500. وسبق هذا أيضا خروج عائلتين عربيتين بعد تدهور أوضاعهما الاقتصادية.