وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية تتراجع عن برامج لمحاربة العنصرية من خلال لقاءات يهودية - عربية
نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، في نهاية أيار العام الماضي، أن متنزه الألعاب الترفيهية في مدينة ريشون لتسيون يفصل بين التلاميذ اليهود والعرب. وعلى أثر ذلك، اتصل وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، شاي بيرون، مع المعلم العربي الذي كشف عن هذا الفصل العنصري. ونقلت وسائل الإعلام عن بيرون قوله للمعلم إن "قيم المساواة، الشراكة والتسامح هي في صلب سياسة وزارة التربية والتعليم". وأعقب ذلك بيان صادر عن الوزارة جاء فيه أنه "مع توليه المنصب (قبل ذلك بشهرين)، أصدر الوزير تعليمات بوضع بند في الميزانية لتمويل لقاءات بين مجموعات متصارعة في دولة إسرائيل، بمبلغ 5ر2 مليون شيكل".
وبات هذا البند يعرف باسم "نظام التحاور". ومنذئذ أصبح هذا التعبير إجابة ثابتة من جانب وزارة التربية والتعليم على أي سؤال أو على انتقاد حول عدم تعامل الوزارة مع مظاهر الكراهية والتحريض ضد العرب. وكانت المرة الأخيرة التي استخدم فيها هذا التعبير، "نظام التحاور"، خلال أشهر الصيف الأخير، على خلفية موجة العنصرية الكبيرة أثناء الحرب على قطاع غزة. ويبدو أن تعقيب الوزارة باستخدام هذا التعبير، بصورة شبه أوتوماتيكية، أثارت حفيظة يانيف ساغي، مدير عام مركز "غفعات حبيبا" وهو أحد المؤسسات الرائدة والتي تمتلك خبرة وتجربة كبيرتين في مجال اللقاءات بين التلاميذ اليهود والعرب.
فقد تعهدت وزارة التربية والتعليم، قبل ثلاث سنوات، بإجراء نشاطات مشتركة مع مركز "غفعات حبيبه"، بميزانية إجمالية بمبلغ أربعة ملايين شيكل تمتد على عدة سنوات. لكن في هذه الأثناء تسود تخوفات من عدم تحويل مبلغ نصف مليون شيكل لمركز "غفعات حبيبه" بعد عدة شهور من أجل تمويل لقاءات كهذه. وتأتي هذه التخوفات بسبب عدم التزام الوزارة بتعهدها، بعد أن حولت إلى المركز مليون شيكل قبل سنتين من أجل تمويل نشاط سنة واحدة.
ونقلت صحيفة "هآرتس"، يوم الأربعاء الماضي، عن ساغي قوله "عدنا إلى نقطة البداية، وبنصف المبلغ الذي وُعدنا به". ويرى متابعون لهذا الموضوع أن عدم تحويل الميزانية اللازمة لتمويل لقاءات تهدف إلى محاربة العنصرية، نابع من سياسة وزارة التربية والتعليم التي غايتها الحفاظ على برامج غير مرغوب فيها على "نار هادئة أو خامدة".
واستنادا إلى اتفاق موقع بين ساغي ومدير عام وزارة التربية والتعليم، شمشون شوشاني، من شهر نيسان العام 2011، نص على تمويل أنشطة مركز "غفعات حبيبه" بأربعة ملايين شيكل، للسنوات 2011 – 2013، تم كتابة برنامج عمل، تطرق إلى العام الدراسي 2012 – 2013، وبميزانية مليوني شيكل.
وقال ساغي إنه في منتصف العام 2012 تم تعيين إيرز إيشل مديرا لمديرية المجتمع والشبيبة في وزارة التربية والتعليم. وعبر إيشل خلال لقائهما الأول عن استغرابه من الانشغال بلقاءات يهودية – عربية، لكنه تعهد بدعم المشروع. لكن في بداية العام 2013 أعلن إيشل بشكل مفاجئ أنه لا توجد ميزانية للعام الثاني للبرنامج، وأنه في جميع الأحوال "توجد معارضة مبدئية لبرامج مشتركة" بين الوزارة ومركز "غفعات حبيبه". وبذلك تكون الوزارة قد تراجعت عن البرنامج في منتصف العام الدراسي، فيما كان يفترض بالوزارة تمويل لقاءات بمشاركة 1500 تلميذ تقريبا. وأدى تراجع الوزارة إلى أزمة مالية في مركز "غفعات حبيبه"، لكن متبرعة أميركية، تدعى كارول زايبر، تبرعت بالمال اللازم للمركز وقالت لساغي "لن أسمح لنتنياهو بتدمير احتمال مستقبل من الأمل والشراكة بين اليهود والعرب".
وبعد تولي بيرون مهامه كوزير للتربية والتعليم، بعث ساغي برسالة إليه طلب فيها عقد لقاء سريع "من أجل إنقاذ برنامج لقاءات أبناء الشبيبة اليهود والعرب الأكبر في إسرائيل والوحيد الذي تشارك فيه الوزارة". وقال ساغي إنه لم يتلق ردا من الوزير لكن أمل باستئناف التمويل بموجب "نظام التحاور".
وأضاف ساغي أنه تلقى إيحاءات، من خلال محادثات داخلية وبيانات رسمية، بأنه سيتم استئناف العمل بالبرنامج وأن الوزارة ستحول ميزانيات، وأنه "قيل لنا إنه ستكون هناك موارد كبيرة. وعندما حاولت استيضاح كيفية توزيع الميزانية، بين النشاط اليهودي – العربي ونشاط اللقاءات بين اليهود المتدينين والعلمانيين، قيل لي إنه لا ينبغي أن أقلق، وإن الميزانيات ستكفي للجميع". وبعد ذلك عقد اجتماع لمديري المراكز التي تنظم اللقاءات بحيث حضر الاجتماع 15 مركزا بينهم 12 مركزا ينظم لقاءات للتقريب بين المتدينين والعلمانيين اليهود.
وقال ساغي "سألت إذا كانوا على الأقل سيحافظون على جزء من المال لصالح أنشطة يهودية – عربية، وكانت الإجابة سلبية. وقالوا إنه سيحصل على دعم مالي كل من يعبر العتبة التي ستحدد. وفهمت أن المال سيستغل لأهداف أخرى". ولم تنجح محاولات ساغي لعقد اجتماع مع بيرون أو المديرة العامة للوزارة من أجل التحذير من عدم تمويل لقاءات يهودية – عربية والبحث في ما يمكن عمله.
وأشار ساغي إلى تعامل وزارة التربية والتعليم مع موضوع اللقاءات اليهودية – العربية، الذي يتميز بالاحتيال. فقد تنامى إلى علمه أنه توجد في الوزارة دائرة اسمها "الطاقم للعيش المشترك" وأنه توجد ميزانية صغيرة لتمويل أنشطة، وأن هذه الدائرة لا تعارض "برامج مشتركة". وعقد اجتماع في شهر أيار الماضي، شاركت فيه المديرة العامة الجديدة للوزارة، ميخال كوهين، التي قالت لساغي إن "موضوع اللقاءات المشتركة بين الوسطين اليهودي والعربي هامة جدا بالنسبة لوزارة التربية والتعليم" وأن "لغفعات حبيبه مكانة محترمة في مجال اللقاءات. وواضح أنكم تضررتم". وتقرر عقد اجتماع آخر للبحث في مجال اللقاءات كله وتقديم استنتاجاته خلال شهر.
لكن ساغي أكد أنه لم يتصل به أحد بعد مرور شهرين، ما دفعه إلى إرسال رسالة أخرى للوزارة، في منتصف تموز الماضي، قال فيها إن أنشطة المركز مشلولة وإنه بسبب عدم تحويل ميزانيات فإن المركز لا يمكنه تنظيم لقاءات مع المدارس. وحذر من "أحداث وقعت في الشهر الأخير (اختطاف المستوطنين الثلاثة وقتل الفتى المقدسي محمد أبو خضير والعدوان على غزة) زادت تفهمنا جميعا لمدى أهمية اللقاءات في بناء قاعدة تربوية تواجه كراهية الآخر والعنصرية".
وعلى أثر ذلك أبلغت الوزارة مركز "غفعات حبيبه" بأنها ستحول مبلغ نصف مليون شيكل للمركز بعد عدة شهور. وعقب ساغي على ذلك بالقول إنه "بعد مرور سنتين انخفض التمويل إلى النصف، من مليون شيكل إلى نصف مليون في السنة".
من جانبها، عقبت الوزارة على تقرير "هآرتس" بالقول إنه "بسبب الأهمية البالغة للتعايش بين أبناء الشبيبة اليهود والعرب، قررت الوزارة زيادة ميزانية ’نظام التحاور’ إلى 5ر3 مليون شيكل. وسيتم تقسيم هذه الميزانية بين الجهات التي تعمل في مجال دفع الحوار بين المجموعات المختلفة داخل المجتمع الإسرائيلي، وبضمن ذلك اليهود والعرب". لكن الوزارة رفضت الإفصاح حول كيفية تقسيم الميزانية، علما أن الغالبية العظمى من المراكز تركّز على اللقاءات بين مجموعات يهودية.