نص كلمة رئيس الدولة الإسرائيلية العاشر رؤوفين ريفلين في مراسم أداء اليمين الدستورية
"إسرائيل تستخدم الصواريخ من أجل حماية المدنيين وأعداؤها يستخدمون المدنيين من أجل حماية الصواريخ"!
تعريف:
أدى رئيس الدولة الإسرائيلية المنتخب رؤوفين ريفلين مساء يوم 24 تموز الماضي اليمين الدستورية ليصبح عاشر رئيس لدولة إسرائيل. وقد أقيمت مراسم أداء اليمين في مقر الكنيست على نطاق مقلص بسبب الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.
وافتتح المراسم رئيس الكنيست يولي إدلشتاين فأشاد بشخصية رئيس الدولة المنتهية ولايته شمعون بيريس. وقال إن الرئيس الجديد ريفلين يتحمل مسؤولية صعبة للغاية وهي رأب الصدع بين شتى شرائح المجتمع الإسرائيلي.
وتكلم في المراسم رئيس الدولة المنتهية ولايته شمعون بيريس فاتهم حركة "حماس" بالتسبب بإدخال مئات آلاف السكان في قطاع غزة إلى خط النار وباستخدام الأطفال دروعاً بشرية. وفي الوقت عينه أكد بيريس أن إسرائيل ليست عدواً لسكان قطاع غزة وأنها لم تبدأ بإطلاق النار بل ردت بالنار عندما تعرضت لاعتداءات فقط. كما أكد أن إسرائيل ستتغلب على "الإرهاب" لكونها دولة محبة للسلام، وأعرب عن استغرابه للتظاهرات التي تجري في مدن العالم تأييداً لـ"الإرهابيين" وضد أولئك الذين يدافعون عن أنفسهم في وجه "الإرهاب".
وتكلم أيضاً رئيس الدولة الجديد رؤوفين ريفلين فقال إن الهدف الرئيس من إقامة مراسم أداء اليمين الدستورية في ظل الأوضاع الأمنية الحالية هو توجيه رسالة واضحة إلى أعداء إسرائيل فحواها أنهم لن ينتصروا عليها، وأن "الإرهاب" لن يؤدي إلى إضعافها ومس معنويات سكانها وإيمانهم بعدالة طريقهم.
وأشار إلى أن إسرائيل تواجه في الوقت الحالي "إرهاباً" قاسياً وشرساً يستخدم المدنيين دروعاً بشرية من أجل حماية الصواريخ التي تزرع الموت والدمار.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة ريفلين:
نجتمع هنا اليوم وأبصارنا شاخصة بقلق صوب جنود الجيش الإسرائيلي وأفراد قوات الأمن والشرطة، الذين يقفون في هذه الساعة على أهبة الاستعداد للدفاع عن مواطني إسرائيل في البر والجو والبحر. وإننا لنعرب من هنا، من الكنيست الإسرائيلي، عن تمنياتنا بالشفاء العاجل للجرحى، وعن تضامننا الكامل وشعورنا بالألم والأسى لوجع ومصاب العائلات التي ثكلت أبناءها الأعزاء في هذه المعركة.
نجتمع هنا اليوم، ليس فقط بموجب ما ينص عليه القانون، وإنما لنوجه رسالة واضحة لأعدائنا: لم ولن تنجحوا في النيل منا أو من عزيمتنا. وإننا لنعلن من هنا بأننا مصممون على مواصلة الذود والدفاع عن طابع دولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، وديمقراطية ويهودية على حد سواء، ومن ضمن ذلك في أوقات الطوارئ ومحاربة الإرهاب. في استطاعة مخربي "حماس" التحصن في جحورهم ومخابئهم، وأن يطلقوا النار والصواريخ من داخل المدارس واستخدام المدنيين كدروع بشرية، لكن الإرهاب لن ينال من عزيمتنا وروحنا المعنوية، ولن يوهن إيماننا بعدالة طريقنا.
ولأصدقائنا نقول: نحن لا نخوض حرباً ضد الشعب الفلسطيني، وقطعا ليس ضد الإسلام، وإنما نحارب الإرهاب، هذا الإرهاب المجرم والوحشي الذي يستهدف إبادة وقتل ليس الناس وحسب، وإنما البشرية ذاتها. ففي الوقت الذي نستخدم نحن فيه الصواريخ من أجل حماية المدنيين، فإنهم يستخدمون المدنيين من أجل حماية الصواريخ. لذلك فإن القضاء على الإرهاب وإجتثاثه لا يعتبر عملا مشروعا وعادلا فحسب وإنما هو أيضا عمل إنساني. إن القضاء على الإرهاب هو الكفيل فقط بوضع حد لقتل الأبرياء في الجانبين. وأود أن أشد على أيدي مواطني دولة إسرائيل إزاء ما يبدونه من مناعة وعزيمة وصمود، وفي الوقت ذاته فإننا جميعا نشخص بأبصارنا ونشيد ببطولة وبسالة سكان بلدات خط المواجهة، الذين يتحملون أعباء صعبة في هذه المعركة المستمرة منذ ثلاثة عشر عاما. في هذه الأيام فقط بدأنا، جميعا، ندرك حجم المواجهة والأعباء الجسيمة الواقعة على كاهل سكان مدن وبلدات جنوبي الدولة وقادتهم المتواجدين معنا هنا اليوم. وأود أن أقول لرؤساء المجالس البلدية والإقليمية المتواجدين معنا هنا، وللسادة الوزراء، بأنه سيكون لزاما علينا بعد انتهاء هذه العملية العسكرية (عملية "الجرف الصامد" في قطاع غزة) إجراء مراجعة ومحاسبة عسيرة للذات، إزاء العبء، الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، الذي تحملتموه وحدكم طوال تلك الفترة. إن صمودكم وثباتكم طوال تلك السنوات يشكل نموذجا وقدوة لنا.
سيدي الرئيس شمعون بيريس، قبل سبعة أعوام وقفت على هذا المنبر، وقلت إنك لم تحلم بأن تكون رئيسا للدولة، قلت إنك حلمت في صباك أن تكون راعي غنم أو شاعرا للنجوم. لقد تحقق حلمك يا فخامة الرئيس، فقد كنت لنا راعيا، راعيا للأمل، وشاعرا لفكرة وحلم.
سيداتي وسادتي الحضور، أود اليوم أن أقص عليكم ثلاث قصص: قصة عن الإصغاء، وقصة عن الشراكة، وقصة عن الأمل.
كنت طفلا في السابعة من عمري حين شرع والدي، الذي ترجم القرآن إلى اللغة العبرية، بترجمة قصة "ألف ليلة وليلة" من العربية إلى العبرية. وقفت عند باب حجرة عمل والدي، التي كانت جدرانها تغص برفوف مليئة بالكتب. كان والدي يجلس منكبا على أوراق غصت بها منضدته، على يمينه كومة من الكتب، وعلى يساره مخطوطات مكتوبة بخط يده، وكان طوال الوقت مستغرقا، يكتب حينا، ويمحو حينا آخر، بصمت وهدوء. سألته: أبي، ما الذي تفعله؟ فأجابني قائلا: أنا أصغي!
لقد تنفست في بيت أبي وأمي الروح الإنسانية، ورضعت التقاليد اليهودية، والكبرياء وروح التحدي اللذين جسدهما جابوتنسكي، لكنني تعلمت، أولا وقبل كل شيء، الإصغاء. تعلمت احترام قناعة الآخر، وتعلمت، أجل تعلمت، الاعتراف بوجعه وألمه. لقد تعلمت في بيت والدي أنه بدون القدرة على الإصغاء، يفقد الإنسان القدرة على التعلم، وأنه بدون القدرة على التعلم لن تتوفر القدرة على تصحيح أو إصلاح الخطأ. لقد جلست، كرئيس للكنيست ساعات طوال في قاعة اجتماعات الكنيست، أحيانا قبالة خطيب واحد، وهو الكنيست نفسه، مصغيا لصوته وندائه، ولم يكن ذلك دائما أمرا سهلا بالنسبة إلي. فقد كلفني هذا الإصغاء في غير مرة، تجشم جهد وعناء كبيرين، وأحيانا كلفني ذلك ثمنا شخصيا وسياسيا عاما. في تلك اللحظات كان تنتصب أمامي صورة والدي.
لقد كان لي الحق، طيلة الوقت الذي جلست فيه هنا، على مقعد رئيس الكنيست، في أن أصغي وأن أحسم، ولكنني من اللحظة التي انتخبت فيها رئيسا للدولة، فقدت القدرة على الحسم.
إن الكنيست هو مصدر قوة وحيوية الديمقراطية الإسرائيلية، وفي مقدوركم، سيدي رئيس الكنيست ورئاسته وجميع أعضائه، حسم مصائر وتقرير مستقبل هذا الشعب، لكن تذكروا أن واجب الحسم منوط ومشروط بواجب الإصغاء. تذكروا أن غياب الإصغاء يعني تجريد الديمقراطية من روحها وإكسير حياتها، وأن حسم الأكثرية قد يتحول إلى استبداد الأكثرية.
وأود أن أخاطبكم، وأنتم أيها المواطنون الإسرائيليون، لأقول لكم: لقد علمني أبي الإصغاء، ويا ليتني أنجح أيضا في أن أتعلم وأعلم ما يعنيه الإصغاء.
القصة الثانية التي أود أن أقصها عليكم هي قصة عن الالتزام بالشراكة. كان ذلك في أيام الحرب العالمية الثانية، في العام 1942، حين كانت أوروبا تحترق، ويُساق اليهود فيها إلى الذبح. في شمال إفريقيا كان جيش الجنرال النازي رومل يتقدم بسرعة هائلة في اتجاه قناة السويس، فيما كان "الييشوف" (المجتمع الاستيطاني اليهودي) في أرض إسرائيل يتابع بقلق ورعب الأخبار الواردة من ساحات الموت في صحراء العلمين. على شرفة أحد البيوت في القدس، جلس أبي وأمي مع اثنين من أصدقائهما وعائلتيهما، الأول من عائلة النشاشيبي المسلمة، والثاني من عائلة فريج المسيحية. وفي تعبير عن صداقة حقيقية خاطب الاثنان (النشاشيبي وفريج) والدي قائلين له: اسمع يا ريفلين، ليس عليك أنت وعائلتك أن تشعروا بالقلق، فسوف نوفر لكم الحماية فيما لو وصل الألمان إلى هنا.
حدق والدي بالرجلين وقال: مونتغمري سينتصر، نحن سننتصر، وسيُهزم رومل، وعندئذ سوف تقام هنا دولة يهودية، وفي دولتنا لن أضطر إلى حمايتكما وأسرتيكما لأنكم ستكونون مواطنين متساوين في الحقوق في الدولة اليهودية الديمقراطية التي سنقيمها.
في تلك الأوقات العصيبة، ورغم كل الظروف، فقد كان ذلك هو المجتمع الذي حلمنا ببنائه. مجتمع تتحمل كل مكوناته، حريديم وعلمانيين، عربا ويهود، قدماء ومهاجرين، أغنياء وفقراء، مسؤولية البناء، وتساهم بقسط متساو في تشكيل صورته ومستقبله.
إن مجتمعنا الذي يقاتل ويصارع بإحدى يديه من أجل بقائه ووجوده، ويسعى بواسطة اليد الثانية إلى الشراكة والتسامح والمساواة، يمتحن الآن هنا في دولة إسرائيل. هذا المجتمع لا يمتحن فقط حين نكون محاطين بالأصدقاء وإنما حين نكون محاطين بالأعداء. ولا يمتحن حين نكون مطالبين باحترام الآخر الذي يعيش على بعد عشرات آلاف الكيلومترات عنا، وإنما حين يكون هذا الآخر جارك (جارنا) المباشر، حين تكون أنت وهو معا وسوية في نفس القارب.
إن مناعتنا الاجتماعية ليست قانونا طبيعيا، ولا يجوز لنا في هذا الوقت العصيب أيضا أن نتعامى عن مظاهر التطرف والعنف التي أطلت برأسها البشع داخل صفوفنا، علينا أن ندرك بأن الصمت يعني التخلي عن الحلم، الذي نسينا لأي هدف وباسم أية غاية عدنا إلى وطننا. أعزائي المواطنون، إن بيتنا القومي يقوم على أسس وركائز ملزمة من المساواة والشراكة فهي الشرط الضروري الذي لا غنى عنه للحياة هنا، ومن أجل وجودنا ومستقبلنا. ويا ليتني أنجح أيضا في تعلم وتعليم ما تعنيه الشراكة.
القصة الثالثة والأخيرة، هي قصة عن الأمل.
في العام 1809 ميلادي هاجرت عائلتي إلى البلاد، بأمر من العلامة اليهودي في فيلنوس للمساهمة في بناء الديار واستقبال المسيح الذي ينتظر وصوله ساعة النفخ في البوق الكبير لحريتنا. في حمى لهفة انتظار قدوم المسيح، اعتاد أفراد عائلتي على النوم بأحذيتهم حتى لا يضطروا إلى الانشغال بانتعالها إذا ما وصل في ساعة متأخرة من الليل. صحيح أنه لم يقيض لهم رؤية المسيح المنتظر في أيامهم، لكنهم لم يخلعوا قط أحذيتهم. لقد أيقنوا أنه حتى إن لم تحدث المعجزة في زمنهم فإن الأمل بقدومه، والاستعداد للاحتفاء به، هما واجب عليهم وتركة لهم ولأبنائهم من بعدهم. ولكم أن تتخيلوا ما الذي كان سيحدث لو كان الصهيونيون الأوائل، الذين بنوا هذا البلد، جففوا المستنقعات وأحيوا القفر، قد خلعوا أحذيتهم، وفيما لو كفوا عن الأمل والبناء ورسم الطريق للأجيال من بعدهم.
لقد تحلينا على مر التاريخ بالإيمان والصبر والنفس الطويل والقدرة على الصمود، وهي الصفات التي تميز بها الشعب اليهودي. وحتى في أحلك الفترات والظروف التي سالت فيها دماء اليهود كالماء، ظلت هذه الأمة متشبثة بالحكمة والاتزان وروح الإبداع والتبصر. إن طاقة الإبداع لدى هذا الشعب هي التي نشرت فوقنا القبة الحديدية، ليس من أجل أن نتمكن من البقاء والصمود، وإنما حتى نتمكن من الاستمرار في الإبداع. لم نتخل أبداً عن الأمل، انطلاقا من إيماننا التام بأننا إذا لم ننجح اليوم فسوف ننجح في الغد، وإذا لم ننجح يوم غد، فبعد غد سوف ننجح، ذلك لأننا أدركنا بنفسنا الطويل أن هذا الغد المأمول قادم لا محالة. لم نتخل قط عن الأمل لادراكنا أن واجبنا والتزامنا تجاه الأجيال المقبلة يقتضي منا نقل هذه الرسالة، رسالة الأمل والإيمان للأجيال اللاحقة وإرساء أسس البناء ورسم الطريق. لقد أرسى الكونغرس الصهيوني الأول حجارة الأساس الديمقراطية للدولة التي قامت بعد مرور أكثر من نصف قرن على انعقاده. صحيح أنه لم يقيض لجميع المشاركين في الكونغرس الأول رؤية عملية بناء الدولة، ولكنهم هم الذين غرسوا الشجاعة والإيمان في قلوب أولئك الذين وقعوا على وثيقة الاستقلال، وهم الذين رسموا الطريق. لقد برهن الشعب اليهودي على قدرته على العدو لمسافات طويلة.. فقد انتظرنا طوال ألفي عام العودة إلى وطننا، وها نحن واثقون اليوم من وجودنا في دولة إسرائيل. سوف يأتي اليوم الذي سيقطع فيه دابر الإرهاب من هذا البلد، لنعيش هنا سوية بهدوء وسلام، وسيأتي اليوم الذي سيحل فيه السلام بين إسرائيل وكل جاراتها إن شاء الله.
وكما اعتدنا في الماضي، فإننا في هذه الأيام العصيبة والمؤلمة أيضا لن نخلع أحذيتنا، ولن نتخلى عن الأمل في بناء المجتمع الذي حلمنا به، على هذه الأرض. سنواصل إرساء حجارة البناء، سنمضي قدما في عملية البناء ورسم الطريق. ذلك هو التزامنا وواجبنا تجاه أبنائنا وبناتنا، وتجاه الأجيال المقبلة. ويا ليتني أنجح أيضا في أن أتعلم وأعلم ما يعنيه الأمل.
في هذه الأيام العصيبة التي ألج فيها إلى مقر رؤساء إسرائيل، أقف أمامكم بتواضع مبتهلا إلى الله أن لا أخفق في مهامي: زيادة الإصغاء فيما بيننا، دفع وتعزيز الشراكة داخلنا، وزرع الأمل في قلوبنا جميعا. تلك هي صلاتي وأمنيتي، وتلك هي مهمتي ورسالتي.