بدء المداولات حول ميزانية العام المقبل في ظل تقارير مالية سوداوية تقليدية
*بات لدى المؤسسة الإسرائيلية تقليد يتضمن بث تقارير مالية واقتصادية سوداوية مع بدء عملية إقرار الميزانية العامة لتنقلب بعد إقرارها *هذه الميزانية الأولى التي ستكون لعام واحد، منذ العام 2009 *المالية ترفع العجز بنسبة طفيفة محاولة تفادي إجراء تقليصات *وزارة المالية تخفض توقعاتها للنمو في العامين الجاري والمقبل *توقعات أخرى بانخفاض الاستهلاك الفردي الذي يعكس مستوى المعيشة *بعد سنوات تراوح فيها النمو ما بين 5ر4% وحتى 3ر5% فإن توقعات النمو للأعوام المقبلة لا تقفز عن حاجز 3%*
شرعت الحكومة الإسرائيلية في الأسبوع الماضي، ببحث أولي لميزانية العام المقبل 2015، إذ سيكون على الحكومة بداية إقرار الإطار العام للميزانية، والأهداف المركزية فيها، من نسبة عجز ومواطن الصرف والتقليص، إلا أن هذا البحث بدأ في ظل تقارير مالية واقتصادية، اعتادت وزارة المالية خاصة على بثها بالتزامن مع بدء عملية إقرار الميزانية العامة، وكما يبدو تحسبا لظهور مطالب من الحكومة وأطرافها بزيادة صرف وزيادة ميزانيات.
وستكون ميزانية العام 2015 الأولى التي واحد، منذ العام 2009، بناء على شرط وضعه وزير المالية يائير لبيد مع توليه منصبه في ربيع العام 2013، بأن تكون الميزانية المزدوجة للعامين 2013 و2014، هي الأخيرة، على أن تعود الحكومة إلى إقرار ميزانية لعام واحد فقط، وشهدنا في السنوات الأخيرة أن عملية إقرار الميزانية العامة ترافقها سلسلة من التقارير المالية "السوداوية"، لتنقلب بعيد إقرار الميزانية العامة.
وبحسب الخطوط العريضة التي نشرت في الأيام الأخيرة، فإن الميزانية العامة ستزيد بنسبة 6ر2%، علما أنها كانت في العام 2014 بما يتجاوز 100 مليار دولار بقليل، وفق سعر الصرف الحالي (44ر3 شيكل للدولار)، وفي المقابل، فإن وزير المالية يائير لبيد، قرر أن تكون نسبة العجز في الموازنة 9ر2% من الناتج العام، وهذا ما يعادل 32ر9 مليار دولار، وهذا يتطلب تعديل القانون القائم، في حين يطالب بنك إسرائيل المركزي أن لا يتعدى العجز نسبة 5ر2%، إلا أن زيادة العجز التي يطلبها لبيد ستضمن للميزانية العامة زيادة ميزانية بنحو 4ر4 مليار شيكل، ما يعادل 28ر1 مليار دولار، يضاف اليهم ما بين 2 مليار إلى 27ر2 مليار دولار، من الزيادة العادية للميزانية العامة، وبذلك تكون وزارة المالية قد تجاوزت مطلب بنك إسرائيل لإجراء تقليص في الميزانية يتجاوز 4 مليارات دولار.
إلا أن وزارة المالية قد تطلب هذا العام اجراء تعديلات طفيفة في الضرائب، وبالأساس تلك المفروضة على مؤسسات تابعة للحكومة وللحركة الصهيونية، التي تجعلها تزيد من مدفوعاتها لسلطة الضرائب الإسرائيلية.
العدوان على غزة سيزيد ميزانية الأمن
ويرى المحللون أن المشكلة الأكبر في ميزانية العام المقبل، ستكون ميزانية وزارة الدفاع التي تتضمن ميزانية الجيش، وهذا جدل مزمن يرافق كل فترة إعداد وإقرار ميزانية جديدة، ويستمر أيضا بعد إقرارها، فهناك مطلب واسع في الحكومة والمؤسسات المالية الاقتصادية بإجراء تقليص في ميزانية الجيش، التي تتجاوز 16 مليار دولار سنويا، من دون الدعم الأميركي السنوي بقيمة 3 مليارات دولار، وبالأساس أن يتم التقليص في حجم الرواتب والمكافآت والامتيازات المالية.
وترى جهات في وزارة المالية أن بالإمكان تقليص حتى مليار دولار من ميزانية الجيش، إلا أن قيادة الجيش ترفض، وتعتبر أن التقليص سيضرب جاهزية الجيش العسكرية، ومن الواضح أن هذا الجدل سيختفي في هذه الأيام، بسبب العدوان على غزة، وحسب ما درجت عليه تجارب السنوات الماضية، فإن الجيش سيحصل خلال أسابيع على ميزانيات جديدة، تحت عنوان "تغطية تكلفة" العدوان، و"ملء المخازن من جديد"، ما يعني أن الجيش سيبتلع حتى نهاية العام الجاري فائض كل ميزانيات الوزارات الأخرى، والاحتياطي في ميزانية العام الجاري، ليطلب زيادة أكبر في ميزانية العام المقبل أيضا.
وكما ذكر، فإن ميزانية الجيش تتراوح سنويا ما بين 16 إلى 17 مليار دولار، وهذه لا تشمل الدعم الأميركي العسكري السنوي لإسرائيل بما يزيد عن 3 مليارات سنويات، وكان من المفترض أن يتم تقليص ميزانية الجيش في العامين الماضي والجاري بقيمة إجمالية تتجاوز 5ر1 مليار دولار، إلا أن الحكومة وافقت في الأشهر الأخيرة على اعادة كل هذه التقليصات، إلا أن جيش الاحتلال يطلب المزيد في ميزانيته للعام الجاري، بما يزيد عن 600 مليون دولار.
وتقتطع ميزانية الجيش المباشرة نحو 19% من الميزانية العامة، ولكن سلسلة من الأبحاث الإسرائيلية التي صدرت على مر السنين، بيّنت أن فاتورة الحرب والاحتلال والاستيطان، بما يشمل كل مصاريف "الأمن"، التي منها تدفعها عدة وزارات بأشكال مختلفة، تقتطع نحو ثلث الميزانية العامة، علما أن ثلثا آخر للميزانية يذهب إلى تسديد الديون والفوائد، التي منها ما صُرف أيضا على الجيش والاحتلال، وهذا ما يُقرّب نسبة الصرف العسكري والاحتلال العام إلى 45%.
والميزانية المباشرة للجيش لا تغطي ميزانيات المخابرات، التي هي الميزانية الأكثر سرية في كتاب الميزانية العامة، إذ أن هذه الميزانية تُدرج في الميزانية العامة ضمن بند "ميزانية احتياطية في مكتب رئيس الحكومة"، إلا أنه في الأشهر الأخيرة، وبشكل غير مألوف، جرى عرض معطيات عن هذه الميزانية، فقد كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن أن ميزانية المخابرات العامة "الشاباك" وميزانية المخابرات الخارجية "الموساد" زادت في العام الجاري 2014 بنسبة 6% عن العام الماضي 2013، وبلغت بالإجمال 03ر2 مليار دولار، وهذه تزيد بنسبة 51% عما كانت عليه الميزانية حتى العام 2010، إذ أن رئيس الحكومة عمل في السنوات الاخيرة على زيادة متسارعة في ميزانية المخابرات. وكانت ميزانية جهازي المخابرات في العام الماضي 2013 قد وصلت إلى نحو 88ر1 مليار دولار، بعد أن كانت في العام 2012 نحو 7ر1 مليار دولار، أي زيادة بنسبة 10 بالمئة.
توقعات "سوداوية"
وبالتزامن مع تقديم الخطوط العريضة لميزانية العام المقبل، نشرت وزارة المالية تقديراتها للنمو في العامين الجاري والمقبل، إذ أجرت تخفيضا لتوقعاتها السابقة، وترى أن النمو سيرتفع في العام الجاري بنسبة 9ر2% وفي العام المقبل 3%، وهذا على الرغم من أن الصادرات سترتفع في هذا العام بنسبة 1ر6%، وبنسبة 5ر4% في العام المقبل 2015، ومن المفترض أن تساهم هذه الزيادة بنسب نمو أكبر، إلا أن التوقعات للاستهلاك الفردي لا ترتفع بالوتيرة ذاتها، فحسب التوقعات سيرتفع الاستهلاك الفردي بنسبة 9ر2%، علما أن معدل ارتفاع الاستهلاك الفردي منذ العام 2001 وحتى العام 2012 كان في حدود 1ر2%.
وتقول وزارة المالية إن النمو الاقتصادي لن يخترق حاجز 3%، حتى العام 2019، لا بل إن النمو قد يكون في حالة ركود في العام 2017، إذا ما ارتفع بحسب التوقعات بنسبة 2% فقط، وهي قريبة جدا من نسبة التكاثر السكاني 8ر1%.
وجاءت توقعات وزارة المالية قريبة من توقعات بنك إسرائيل، وأقل بقليل من توقعات مؤسسات مالية واقتصادية عالمية، مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، التي ترى أن نسب النمو في إسرائيل في العامين الجاري والمقبل تتراوح ما بين 1ر3% و5ر3%، ولكن هذه التوقعات صدرت قبل أسابيع عديدة، وقبل أن تخفض المؤسسات الإسرائيلية توقعاتها.
وتطرح وزارة المالية في توقعاتها تخوفها من وصول الاقتصاد إلى الركود بسبب استمرار تراجع النمو، وهذا ينعكس وفق التقارير الصادرة تباعا، من تراجع الحركة الشرائية، ووتيرة التضخم المالي المنخفضة، إذ أنها ما تزال "سلبية" منذ مطلع العام الجاري، وباتت أقرب إلى نسبة 1% في الأشهر الـ 12 الأخيرة، وهو الحد الأدنى لمجال التضخم الذي تريده السياسة الاقتصادية.
ورغم كل هذه التوقعات، إلا أن وزارة المالية ترى أن حجم الدين العام، ونسبته من الناتج العام في إسرائيل، سيستمر في التراجع، ففي حين شكّل الدين العام في العام 2003 ما نسبته 95% من حجم الناتج العام، فقد انخفض في العام الماضي 2013 إلى نسبة 4ر67%، ومن المتوقع أن يستمر في الانخفاض في العام الجاري، ما يقرّبه إلى الهدف وهو 60%، خلال سنوات قليلة جدا.