المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1157

كتب بلال ضاهـر:

 

قال أحد المحللين الإسرائيليين في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، في أعقاب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، مساء الأربعاء الماضي، إن منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ وخاصة قصيرة المدى، والتي اعترضت مئات الصواريخ الفلسطينية التي تم إطلاقها من قطاع غزة باتجاه المدن في جنوب إسرائيل ووسطها، "لم تنقذ الإسرائيليين فقط، وإنما أنقذت الفلسطينيين أيضا. فلو سقطت هذه الصواريخ في المدن وتسببت بخسائر بشرية كبيرة، لما انتهت جولة التصعيد الحالية سريعًا، ولتعين على الحكومة والجيش في إسرائيل توسيع العملية العسكرية وشن اجتياح بري في القطاع، لن يتمكن أحد من تقدير نتائجه وعواقبه، وكيف كانت ستنتهي حرب كهذه".

 

ربما كانت أقوال هذا المحلل صحيحة نوعًا ما. فالمعطيات التي نشرها جهاز الأمن الإسرائيلي، بعد وقف إطلاق النار، تشير إلى أن الفصائل في القطاع أطلقت، خلال الأيام الثمانية للعدوان على غزة، أكثر من 1500 صاروخ باتجاه إسرائيل ضمن العملية العسكرية الإسرائيلية "عمود السحاب" ضد القطاع. وسقط 875 صاروخا منها في مناطق مفتوحة و58 صاروخا في مناطق مأهولة بالسكان. وتمكنت منظومة "القبة الحديدية" من اعتراض 421 صاروخا أطلقت باتجاه المدن والبلدات في جنوب ووسط إسرائيل. وقُتل خلال هذه العملية العسكرية 6 إسرائيليين جراء سقوط صواريخ فلسطينية، وتلقى حوالي 500 جريح إسرائيلي العلاج في المستشفيات.

ووفقا للمعطيات الإسرائيلية، فإن "القبة الحديدية" سجلت نجاحا كبيرا على أثر تمكنها من اعتراض 84% من الصواريخ التي كانت ستسقط في مناطق مأهولة.

والجدير بالذكر أن "القبة الحديدية" لا تعترض كل صاروخ يطلق من القطاع، وإنما فقط الصواريخ التي ترصدها رادارات هذه المنظومة وتتوقع سقوطها في مناطق مأهولة.

وأفاد تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم الجمعة الماضي، بأن منظومة "القبة الحديدية" تعمل على النحو التالي:

· بعد رصد رادار "القبة الحديدية" إطلاق صاروخ من القطاع وانطلاق صافرات الإنذار، يتم التأكد، بواسطة حواسيب المنظومة، فيما إذا كان الصاروخ يشكل تهديدا حقيقيا على المنطقة التي تحميها هذه المنظومة، أي أنه سيسقط في منطقة مأهولة بالسكان.

· إذا كان التهديد حقيقيا، فإن المنظومة تحسب مسار الصاروخ وتدقق فيما إذا كان يهدد منطقة محمية، ويستغرق حساب ذلك واحدا من الألف من الثانية ولا يؤخر إطلاق الصاروخ المعترض.

· في حال توصلت المنظومة إلى الاستنتاج بأن التهديد حقيقي وينبغي اعتراض الصاروخ الفلسطيني، فإنها تبني خطة اعتراض.

· تختار المنظومة المنصة التي ينبغي أن تطلق الصاروخ المعترض، وتحسب مساره والتوقيت الدقيق لإطلاقه.

· في هذه المرحلة تمنح المنظومة مشغليها إمكانيتين: وضع أوتوماتيكي أو وضع يدوي. وفي حال الوضع الأوتوماتيكي يتم إطلاق الصاروخ المعترض بموجب قرار المنظومة. وفي حال الوضع اليدوي فإن المنظومة تسأل الجندي الذي يشغلها فيما إذا كان يوافق على التوصية بإطلاق الصاروخ المعترض.

· في هذه الأثناء تواصل المنظومة مراقبة الصاروخ الفلسطيني. وإذا ما اعتقد الجندي الذي يشغلها أن شيئا ما ليس سليما حدث بعد إطلاق الصاروخ المعترض أو أن المنظومة أعلنت عن حدوث خلل، فإنه بإمكان المشغل أن يلغي الصاروخ بعد أن أصبح في الجو، وجعله ينفجر في مكان آمن.

 

انتهاء السجال

حول التكلفة

 

تبلغ تكلفة إطلاق كل صاروخ من منظومة "القبة الحديدية" 50 ألف دولار تقريبا. وإذا كانت "القبة الحديدية" قد اعترضت 421 صاروخا فلسطينيا، خلال ثمانية أيام من القتال بين إسرائيل والفصائل في القطاع، فإن تكلفة إطلاقها بلغت 05ر21 مليون دولار. وقالت "يديعوت أحرونوت"، يوم الخميس الماضي إن تكلفة استخدام "القبة الحديدية" بلغت حوالي 100 مليون شيكل.

رغم التكلفة المرتفعة لهذه المنظومة، إلا أن السجال في إسرائيل حول ذلك انتهى الآن. والاعتقاد السائد في إسرائيل الآن هو أن "القبة الحديدية" نجحت في إنقاذ أرواح كثيرة. لكن في السنوات الماضية دار سجال كبير في إسرائيل حول نجاعة هذه المنظومة على ضوء تكلفتها المرتفعة، خاصة وأنها مُعدة لاعتراض صواريخ لا تزيد تكلفة الواحد منها عن بضع مئات أو آلاف الدولارات.

وقالت "يديعوت أحرونوت" إن قصة "القبة الحديدية" بدأت في العام 2005، عندما طرحت "مديرية تطوير الأسلحة والبنية التحتية التكنولوجية"، المعروفة باسم "مبات"، عطاء طلبت من خلاله تقديم اقتراحات لحلول دفاعية أمام صواريخ القسام، التي طورتها حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في قطاع غزة، وأطلقتها باتجاه جنوب إسرائيل.

على أثر ذلك تم تقديم 13 اقتراحا، وفي تشرين الثاني من العام 2006 تم تشكيل "لجنة نيغل"، برئاسة نائب رئيس "مبات" في حينه، يعقوب نيغل، من أجل البحث في الاقتراحات. وبعد ذلك بعدة أسابيع قررت "لجنة نيغل" أن الاقتراح الأفضل كان ذلك الذي قدمته "سلطة تطوير الأسلحة"، "رفائيل"، وتضمن تطوير "القبة الحديدية". وأوصى نيغل أمام وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه، عمير بيرتس، بالموافقة على اقتراح "رفائيل" وبدء تطوير "القبة الحديدية" ورصد ميزانيات لها.

وفتحت التوصية بتطوير "القبة الحديدية" الباب أمام حملة كبيرة ضد هذه المنظومة من جانب شركات لصناعة الأسلحة، محلية وأجنبية، كانت قد قدمت اقتراحات لتطوير حلول لمواجهة صواريخ القسام بالاعتماد على أشعة ليزر ومدافع لاعتراض الصواريخ. وخاض أكبر حملة ضد "القبة الحديدية" مؤيدو منظومة الليزر "سكاي غارد" التي تم تطويرها في إطار مشروع سابق باسم "ناوتيلوس"، وتم رصد ميزانيات له بمئات ملايين الدولارات من جانب إسرائيل والولايات المتحدة.

وفي شباط العام 2007 تم تدشين مشروع "القبة الحديدية" في مكتب وزير الدفاع، بيرتس. ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن مسؤول سابق رفيع المستوى في وزارة الدفاع قوله: "لقد جاء إليّ وزراء قاموا بحملة معادية جدا للقبة الحديدية، وبعضهم كان مدفوعًا من جانب جهات تجارية".

 

سنغافورة شاركت في

تمويل "القبة الحديدية"!

 

وفي تموز من العام 2007 استقال بيرتس من منصبه بعد أن خسر رئاسة حزب العمل أمام إيهود باراك، الذي تولى هذا المنصب. وكانت ميزانية تطوير "القبة الحديدية" في حينه 40 مليون شيكل. وبعد ذلك قرر باراك ورئيس الحكومة في حينه، إيهود أولمرت، رصد ميزانية للمشروع بمبلغ 811 مليون شيكل.

وقال أولمرت للصحيفة، الأسبوع الماضي، إن "عمير بيرتس قدم مساهمة هامة لدفع المصادقة على مشروع القبة الحديدية. ومن سخِر من وزير الدفاع وانتقد تعيينه [كونه مدنيا وليس لديه أي ماض عسكري]، بإمكانه اليوم تقييم الأمور بصورة مختلفة". وأضاف أولمرت أنه أمر بعد حرب لبنان الثانية، في صيف العام 2006، بتبني مشروع "القبة الحديدية"، وأنه كان هناك نقاش حول تمويل هذا المشروع، إذ طالبت وزارة الدفاع بزيادة ميزانيتها.

بالإضافة إلى التمويل الذي جاء من وزارة الدفاع الإسرائيلية، أخذت "رفائيل" قروضا كبيرة بمئات ملايين الشيكلات من البنوك. لكن هذه المبالغ لم تكن كافية لتمويل المشروع. وفيما تعتم إسرائيل على تفاصيل كثيرة تتعلق بتطوير "القبة الحديدية"، كشفت تقارير أجنبية النقاب عن أن سنغافورة شاركت في تمويل هذا المشروع الإسرائيلي بمئات ملايين الدولارات. وقالت التقارير الأجنبية إن ما دفع السنغافوريين إلى رصد تمويل كهذا هو تخوفهم الدائم من الدول المجاورة لهم، وقيامهم بتحصين مبانيهم بغرفة آمنة ومبنية من الإسمنت المسلح في كل شقة، ولذلك فإن لديهم مصلحة في تطوير منظومة للصواريخ.

وفي العام 2008 بدأت إسرائيل محاولات لتجنيد ميزانيات لـ "القبة الحديدية" من الولايات المتحدة. وجاء إلى إسرائيل خبراء أميركيون في مجال الصواريخ والدفاعات الصاروخية، وأكد جميعهم أن هذا مشروع غير ناجح ولن يحقق نجاحا كبيرا في اعتراض الصواريخ القصيرة المدى.

لكن في نيسان العام 2009 تغير الموقف الأميركي من تمويل "القبة الحديدية" بعد أن تمكنت هذه المنظومة من اعتراض أول صاروخ قسام. وبعد ذلك بنحو عام قرر الكونغرس الأميركي الموافقة على طلب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، رصد ميزانية خاصة لـ "القبة الحديدية" بمبلغ 205 ملايين دولار. ودفعت إسرائيل هذا المبلغ مقابل الحصول على أربع بطاريات من "القبة الحديدية". وبعد ذلك صادق الكونغرس الأميركي على تمويل آخر بمبلغ 680 مليون دولار لصالح "القبة الحديدية". ويجري الحديث الآن عن نقل إنتاج هذه المنظومة إلى الولايات المتحدة.

 

محاولات فلسطينية

لاكتشاف نقاط الضعف

 

قالت صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، إن "حماس وإسرائيل تخوضان سباقا متواصلا لتطوير أسلحة وتوفير ردود [على أسلحة] الخصم. وفي جولة القتال الأخيرة حاولت حماس تغيير طريقة إطلاق الصواريخ من أجل العثور على نقاط الضعف في منظومة القبة الحديدية". وقال ضابط كبير في منظومة الدفاعات الجوية في سلاح الجو الإسرائيلي للصحيفة "إنهم يحاولون ملاءمة أنفسهم للواقع المتغير".

وأوضح الضابط الإسرائيلي أن محاولات حماس شملت إطلاق رشقات صاروخية أكبر مما اعتادت إطلاقها، وبذل جهود للعثور على نقاط الضعف في "القبة الحديدية". وقال مسؤول في "رفائيل" إن "حركة حماس تدخل تحسينات على صواريخها طوال الوقت. ونشيطو الحركة يدققون في تقنيات التشغيل ويحاولون تشخيص نقاط الضعف في القبة الحديدية. لكنهم لم ينجحوا في ذلك حتى الآن".

وأشارت الصحيفة إلى أن الادعاءات بأن "القبة الحديدية" غير ناجعة، خاصة على ضوء تكلفتها المرتفعة، تثير غضب مؤيدي هذه المنظومة، الذين يعتبرون أن "ثمة حاجة لتزويد الجيش الإسرائيلي بأفضل المنظومات الدفاعية، من أجل ردع العدو عن استخدام الأسلحة التي بحوزته".

وقال نيغل، الذي يتولى حاليا منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إن "الجدار الفاصل كلّف مليارات أيضا، لكن لا تتم مقارنته بثمن حزام ناسف. وفي الحرب التي تنعدم النسبية فيها، فإن الجانب الأكثر تطورا يستثمر أكثر. وعلى إسرائيل، كدولة قوية، أن تستثمر في كل ذلك من أجل ألا يطلقوا صواريخ عليها".

ووفقا لـ "هآرتس"، فإنه في جهاز الأمن الإسرائيلي يرون في "القبة الحديدية"، والمنظومات الدفاعية الأخرى مثل "حيتس" لاعتراض الصواريخ الطويلة المدى و"العصا السحرية" لاعتراض الصواريخ المتوسطة المدى، "وسيلة من شأنها أن تفرض على الفلسطينيين، وربما على دول عربية أخرى أيضا، التقدم في عملية السلام"!.

وقال موظف رفيع المستوى في وزارة الدفاع الإسرائيلية للصحيفة، إنه "عندما طلب إيهود باراك في المرة الأولى دعما أميركيا للقبة الحديدية، قال لروبرت غيتس [وزير الدفاع الأميركي الأسبق]، إنه فقط مع وجود حماية ناجعة وفعالة بإمكان إسرائيل أن تتقدم نحو عملية سياسية". وقد تحولت "القبة الحديدية" إلى ركن هام في العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة على ضوء التمويل الأميركي الكبير لهذه المنظومة.

لكن يسود في جهاز الأمن الإسرائيلي الاعتقاد أنه فيما تزايد الحماس بين الإسرائيليين حيال نجاح "القبة الحديدية" في منع سقوط مئات الصواريخ في المدن والبلدات الإسرائيلية، وخاصة في تل أبيب ومنطقتها، إلا أن الدولة ستضطر إلى مواجهة تحد أكبر ومعقد أكثر مقابل نوعية الصواريخ، وكميتها أيضا، الموجودة بحوزة حزب الله في حال اندلاع حرب بين الجانبين. فكمية الصواريخ التي بحوزة حزب الله أكبر بأضعاف، ومداها يغطي كل مساحة إسرائيل تقريبا.

ووفقا للتقارير الإسرائيلية فإن صواريخ حزب الله أكثر دقة في إصابة الأهداف، ولذلك فإن الاعتقاد هو أنه سيتم توجيهها إلى مرافق إسرائيلية إستراتيجية. ولذلك يأمل المسؤولون في جهاز الأمن الإسرائيلي بأن يكون بحوزة الجيش الإسرائيلي، خلال السنوات الخمس المقبلة، عدد كاف من بطاريات "القبة الحديدية" يصل إلى 13 أو 15 بطارية، بالإضافة إلى بطاريتين من منظومة "العصا السحرية"، والتي يعتقد أنه سيكون بإمكانها أن تغطي أهداف صواريخ حزب الله.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات