هذا ما قاله د. روني بارت، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب والمتخصص في العلاقات الإسرائيلية – الأميركية، في مقابلة خاصة مع المشهد الإسرائيلي وأضاف: هذا الصدام، في حال حدوثه، سيكلف إسرائيل ثمنًا وسيعكر صفو العلاقات مع الولايات المتحدة وسيعرقل العملية السياسية * جميع أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون إلى اللوبي اليهودي، يقفون إلى جانب أوباما وليس إلى جانب حكومة نتنياهو
كتب بلال ضاهـر:
منذ زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في 18 أيار الماضي، برز خلاف بين الجانبين حول حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وخصوصا قضية المستوطنات. وقد طالب أوباما نتنياهو بشكل علني، خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب لقاءهما، بتجميد الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. كذلك رفض أوباما وكبار المسؤولين الأميركيين ذريعة إسرائيل بأن الأنشطة الاستيطانية تهدف إلى سد احتياجات ما وصف بـ "النمو الطبيعي" في المستوطنات.
وعاد أوباما على تأكيد سياسته هذه خلال لقائه مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، في البيت الأبيض، الأسبوع الماضي.
ولخص الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب والمتخصص في العلاقات الإسرائيلية – الأميركية والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، الدكتور روني بارت، في حديث مع "المشهد الإسرائيلي"، لقائي عباس ونتنياهو مع أوباما قائلا "لقد كانت نتائج كلتا الزيارتين متوقعة. وإدارة أوباما، مقارنة مع الإدارات الأميركية السابقة، تعتبر إدارة أكثر اتزانا فيما يتعلق بتوجهها إزاء الصراع الإسرائيلي - العربي، ولذا فإن اللقاء مع رئيس الحكومة الإسرائيلية كان أقل ارتياحا مما اعتدنا عليه، بينما كان اللقاء مع الرئيس الفلسطيني مريحا أكثر وأنجح بالنسبة للفلسطينيين. وقد أكد أوباما على التزامه والتزام إدارته بمعالجة الصراع بصورة صارمة، على حد تعريفه هو، وطرح أمام إسرائيل، مرة أخرى، مطلب تجميد كافة الأنشطة الاستيطانية بصورة فظة ومطلقة. ولم يستحسن الإسرائيليون هذا التوجه، بينما استحسنه الفلسطينيون".
(*) "المشهد الإسرائيلي": هل تعتقد أنه سيكون في إمكان الأميركيين أن يفرضوا على إسرائيل، بشكل فعلي، تجميد الاستيطان؟
بارت: "إذا كان القصد، وفق ما يقوله أوباما والمسؤولون الأميركيون، هو تجميد مطلق للأنشطة الاستيطانية فإني أعتقد أنهم لن ينجحوا. وبالإمكان أن نرى ذلك من خلال أن حتى (وزير الدفاع الإسرائيلي) ايهود باراك، الذي يشكل الرمز اليساري في هذه الحكومة، يقول إن هذا المطلب هو غير معقول بتاتا. وأنا أعتقد أنه حتى لو أراد نتنياهو تنفيذ ذلك، فإنه لن يتمكن من تنفيذه لأسباب سياسية داخلية. وإذا اضطر نتنياهو إلى الاختيار بين سقوط حكومته وبين حدوث صدام مباشر مع الإدارة فإنه سيفضل الحفاظ على حكومته. وأريد أن أذكر أن هذا الأخير لديه تجربة كبيرة جدا من ولايته الأولى كرئيس حكومة، وبعد أن أسقطه اليمين عقب توقيعه على اتفاق واي. ولو كان يعرف لدى التوقيع أنه هكذا سيكون مصير حكومته لما وقع. ولذلك فإني أعتقد أنه لن يكرر هذا الأمر".
(*) أنت تتوقع، إذاً، تصاعد التوتر بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما؟
بارت: "نعم، بكل تأكيد. أعتقد أنه أصبح واضحا جدا الآن أن أوباما قرر أن قضية الاستيطان هي قضية أساسية. وثمة نقطتان غير واضحتين بالنسبة لي في هذا التوجه الأميركي. النقطة الأولى هي هل قرر أوباما ذلك فقط لأنه ينظر إلى هذه القضية بصورة موضوعية وأنه من دون تجميد الاستيطان كله لا يمكن التقدم بالعملية السياسية؟، أم أنه ينتهج هذا الخط لأنه يرى أنه قضية هامة لإقامة علاقات أفضل وخلق أجواء أفضل بينه وبين العالمين العربي والإسلامي؟. لكن سواء كانت مبرراته تتعلق بالسبب الأول أو بالسبب الثاني، فمن الواضح للغاية أنه يعتبر أن هذه قضية أساسية وأنه صعد إلى شجرة عالية، وإذا قرر على ضوء إصرار إسرائيل التنازل عن تجميد مطلق للاستيطان، فإن هذا سيمس كثيرا بهيبة الإدارة. ولذلك فإني أعتقد أنه ليس بإمكانه، حتى لو أراد، النزول عن الشجرة. النقطة الثانية هي أنه ليس واضحا ما إذا كانت إدارة أوباما قد فكرت بالثمن الذي ستتكبده. وأقصد بـ ’الثمن’ هو أن موقف الإدارة أدى إلى تصلب مواقف الفلسطينيين. فالرئيس أبو مازن قال إن لديه شروطا لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، وأحد الشروط الثلاثة التي طرحها هي تجميد مطلق للأنشطة الاستيطانية. وهذا توجه فلسطيني جديد، فقد أجرى مفاوضات مع حكومة إيهود أولمرت من دون أية شروط مسبقة، فيما استمرت الأنشطة الاستيطانية بشكل واسع. وواضح أن اشتراطه تجميد الاستيطان الآن نابع من الموقف الأميركي. وأنا لست واثقا من أن الأميركيين فكروا بذلك مسبقا. كذلك واضح أن هذا لا يعجب الأميركيين، إذ أنهم طالبوا أبو مازن، أو أنهم يتوقعون منه، أن يستأنف المفاوضات من دون شروط. والثمن الثاني هو أنه إذا أصر الأميركيون على موضوع الاستيطان فإن هذا سيوقف العملية السياسية كلها لأنه سيتم الآن الانشغال بالمستوطنات بدلا من العملية السياسية. وربما هذا سيصعد الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل، وهو أمر يتطلع إليه الأميركيون، لكن هذا الحل سيستغرق وقتا. أي حتى لو سقطت حكومة نتنياهو وتم تشكيل حكومة جديدة وإجراء انتخابات فإن كل هذا يتطلب وقتا، وخلال هذا الوقت لا يمكن معرفة ما الذي قد يحدث في الشرق الأوسط، وهذا سيؤثر سلبا على العملية السياسية".
(*) هل يريد الأميركيون تغيير الحكومة في إسرائيل؟
بارت: "لا أعرف. واضح أنه في حال تغيرت الحكومة في إسرائيل فإن الأميركيين لن يأسفوا على ذلك. على كل حال أعتقد أنه ما زال الوقت مبكرا بالنسبة للأميركيين ليرغبوا في ذلك. كما أنه ليس واضحا ما إذا كان بالإمكان القيام بذلك. فلو جرت انتخابات جديدة في إسرائيل فإنه ليس مؤكدا أن تكون نتيجتها مختلفة عن الانتخابات الأخيرة. وحتى لو تم تشكيل حكومة برئاسة زعيمة حزب كديما تسيبي ليفني فإنه لن يكون بإمكانها تشكيل ائتلاف يؤيد تجميد الاستيطان بالمطلق. كما أن أي حكومة يشكلها حزبا كديما والعمل ستحتاج إلى حزب ديني مثل شاس، ولذلك لا يوجد أي احتمال بأن يؤيد ائتلاف كهذا تجميد الاستيطان. وهذا لن يساعد الأميركيين".
(*) هناك رأي في إسرائيل يقول إن الإدارة الأميركية تمارس، عمليا، ضغوطا على نتنياهو للاعتراف بحل الدولتين وفي حال نجحت بذلك فإنها ستتراجع عن المطلب المتعلق بتجميد الاستيطان بالمطلق. ما رأيك؟
بارت: "لا اعتقد أن هذا الرأي صحيح. فالمؤتمر الصحافي الذي عقده أوباما ونتنياهو في البيت الأبيض بعد اللقاء المنفرد بينهما، يدل على الأولويات. وقد تحدث أوباما بصورة حازمة حول موضوع المستوطنات وحول توقعاته من إسرائيل. وقد كرر الحديث عن موضوع الدولتين على أنه غاية أميركية في الشرق الأوسط، لكنه لم يقل إنه يتوقع من إسرائيل الاعتراف بحل الدولتين للشعبين، مثلما قال إنه يتوقع من إسرائيل أن تجمد جميع المستوطنات. وأعتقد أن موضوع المستوطنات أهم بالنسبة له لأنه على ما يبدو اقتنع خلال لقائه مع نتنياهو على انفراد أن مسألة الدولتين للشعبين لا تتعدى كونها إشكالية في الصياغة وحسب. فنتنياهو لم يقل ’إني لا أعترف بالدولتين للشعبين ولذلك فإني لا أجري مفاوضات’، بل قال عكس ذلك وهو ’أريد البدء في مفاوضات الآن’. لذلك فإني لا أعتقد أنه تمارس ضغوط في موضوع المستوطنات من أجل تحقيق اعتراف بمبدأ الدولتين".
(*) هل لدى إسرائيل سبب حقيقي للقلق من سياسة أوباما، بمعنى هل سيحاول الرئيس الأميركي فرض إملاءات على إسرائيل وهل بإمكانه القيام بذلك؟
بارت: "الجواب عن السؤال حول ما إذا كان ينبغي على إسرائيل أن تقلق، هو نعم. وهل بإمكانه فرض إملاءات على إسرائيل، الجواب هو نعم أيضا. وحول ما إذا كان بإمكانه تنفيذ فرض إملاءات، أقول إن بإمكانه بالتأكيد فرض تنفيذ إملاءات فيما يتعلق بأمور معينة. لكني فيما يتعلق بإرغام إسرائيل على تجميد الاستيطان بشكل مطلق فإني لا أعتقد أنه سينجح بذلك. وسياسة أوباما واضحة منذ المعركة الانتخابية. فلديه توجه متزن للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط وخصوصا حيال الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وموقفه ليس مجرد متزن، وإنما هو موقف داعم للفلسطينيين. ويجب أن أذكر هنا أن سياسيا أميركيا يخوض انتخابات الرئاسة حاملا توجها متزنا فيما يتعلق بالصراع هنا هو أمر غير اعتيادي وحتى أنه شجاع جدا، لأن ثمة تخوفا في هذه الحالة من خسارة أصوات اليهود. وإذا كان قد دأب على خطه السياسي رغم التخوفات فإن هذا مؤشر على أنه جدي. ومنذ أن وصل لمنصب الرئيس أصبح يثبت تمسكه بسياسته يوميا. وهذا ينعكس أيضا في تعيين جورج ميتشل (لمنصب المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط). كذلك انعكس ذلك خلال لقائه مع نتنياهو. والخبراء التفتوا وحللوا ما قيل خلال هذا اللقاء لكنهم لم يلتفتوا إلى ما لم يقله أوباما. ففي كل لقاء يعقده رئيس أميركي مع رئيس حكومة إسرائيلية، يشدد الرئيس على أن إسرائيل والولايات المتحدة هما حليفان وتسود بينهما علاقات متميزة ويملكان قيما ومصالح مشتركة وما إلى ذلك، لكن الرئيس أوباما لم يقل شيئا من هذا القبيل. كما أنه لم يتحدث، مثل أسلافه من الرؤساء، عن أن رئيس الحكومة صديقه. وصحيح أن هوية رئيس الحكومة الإسرائيلية تسهل عليه أن يكون أقل تأييدا لإسرائيل، لكن واضح أن لدينا ما نتخوف منه. وهو الآن يحاول ممارسة ضغوط على إسرائيل في موضوع الاستيطان، وهناك خطوات كثيرة بإمكان أوباما تنفيذها من أجل تصعيد هذه الضغوط وجعلها مؤلمة أكثر. وفي تقديري أنه سيستمر في هذا الاتجاه".
(*) كل هذا يحدث قبل خطاب أوباما في مصر، الخميس المقبل. كيف تنظر إلى هذا الخطاب؟
بارت: "في هذا الموضوع لدي رأي مختلف عما هو مألوف هنا. أنا لا أعتقد أن ثمة ما يمكنه توقعه من هذا الخطاب من حديث واسع في موضوع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. فخطاب أوباما في مصر موجه إلى العالمين العربي والإسلامي فيما يتعلق بعلاقة الولايات المتحدة معهما. وأنا واثق من أنه يريد أن يبث رسالة أساسية تكون أوسع وأعمق من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فلو كان سيطرح في هذا الخطاب خطة سلام أميركية جديدة في الشرق الأوسط، فإنه واضح تماما أن الجميع سيركز عندها على هذه الخطة. لكن هذا ليس خطابا حول الصراع وإنما هو موجه إلى العرب والمسلمين والعلاقات بينهما وبين أميركا. وهو يريد شكلا جديدا من العلاقات".
(*) فيما يتعلق بالتوتر الأميركي – الإسرائيلي، معروف أن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لديه نفوذ واسع للغاية. هل بإمكان اللوبي اليهودي إحباط مبادرات يعتزم أوباما تنفيذها، مثل قضية الاستيطان؟
بارت: "صحيح أن اللوبي اليهودي قوي، لكن هذه القوة ليست مطلقة ولا يمكن أن تؤثر في جميع المجالات وطوال الوقت. إن أحد أسباب انخفاض قوة اللوبي الداعم لإسرائيل في حالتنا اليوم، هو أنه يوجد في الإدارة الأميركية الحالية سياسي يهودي محنك جدا، هو رئيس طاقم موظفي البيت الأبيض، رام عمانوئيل. وبالإمكان القول إن عمانوئيل وصل من داخل اللوبي، لأنه عندما كان عضوا في الكونغرس كان أحد أبرز المؤيدين لإسرائيل. ولا شك في أن إدارة أوباما اختارت الضغط على إسرائيل في موضوع الاستيطان لأنها رأت أنه سيكون الموضوع الأسهل وأن الإدارة لن تتعرض لضغوط أميركية داخلية. فجميع أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون إلى اللوبي اليهودي، يقفون إلى جانب أوباما وليس إلى جانب إسرائيل. وقد رأى نتنياهو هذا الوضع خلال زيارته إلى واشنطن، بعد لقائه مع أوباما وقيادة الكونغرس، بمن فيهم نانسي بيلوسي وجون كيري. كذلك أكد له أعضاء لجنة الخارجية في مجلس النواب على رسالة مفادها أن عليه تجميد البناء في المستوطنات، وكان واضحا أن هذه الرسالة منسقة مع البيت الأبيض، وحتى أن واشنطن لم تأبه بأن يفهم نتنياهو بأن هذه الرسالة منسقة مع البيت الأبيض. وفيما يتعلق بإيباك (أي المنظمات اليهودية الأميركية الداعمة لإسرائيل والتي تشكل أساس اللوبي اليهودي) فإن الكثيرين في إسرائيل لم يلتفتوا إلى أمر هام، وهو أنه قبل أيام من وصول نتنياهو إلى واشنطن، عقد مؤتمر إيباك والرئيس أرسل نائبه، جو بايدن، لإلقاء خطاب أمام هذا المؤتمر. وقال بايدن في بداية خطابه: ’لن يعجبكم ما سأقوله لكم هنا. على إسرائيل وقف كافة الأنشطة الاستيطانية’. والأمر المهم هو ليس فقط أنه تجرأ على قول ذلك وجها لوجها أمام اللوبي اليهودي، بل إن الحضور في قاعة المؤتمر صفقوا له. هذا يعني أنه حتى إيباك لا يقف إلى جانب نتنياهو، وهذا نابع من أنهم يدركون، حتى لو كانوا يعارضون تجميد الاستيطان بالمطلق، أنهم لن ينجحوا في التأثير. وقيادة إيباك حكيمة وذكية بما فيه الكفاية كي لا تخوض صراعات تعرف مسبقا أنها ستخسرها".
(*) ماذا سيفعل نتنياهو إذاً؟
بارت: "أعتقد أننا نتجه نحو صدام مباشر لا أعرف إلى أين سيقود. فأوباما لا يستطيع التراجع لأن كل هيبته في الشرق الأوسط تعتمد على هذا الموضوع، ومن جهة ثانية فإن نتنياهو لن يوافق على تجميد الاستيطان، وحتى لو أراد التجميد فإنه لا يستطيع تنفيذ ذلك لأسباب سياسية داخلية. وسينتج عن ذلك ثلاثة أمور: أولا تعكير صفو العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، وثانيا سيكلف الصدام إسرائيل ثمنا، وثالثا سيعرقل هذا الصدام العملية السياسية".