المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تربط مقالة جديدة للخبير الإستراتيجي الإسرائيلي إيلي كرمون، الباحث في "المعهد الدولي لمواجهة الإرهاب" في هرتسليا، والتي تناولت قضية الاختراقات الإيرانية الناجحة لبعض الدول في أميركا اللاتينية، بين "التمدد" الإيراني في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية واستغلال حزب الله للسجادة الإيرانية في تلك المنطقة لتعميق نفوذه السياسي والاقتصادي والأيديولوجي بين العرب والمسلمين المتواجدين في العديد من الدول اللاتينية

تربط مقالة جديدة للخبير الإستراتيجي الإسرائيلي إيلي كرمون، الباحث في "المعهد الدولي لمواجهة الإرهاب" في هرتسليا، والتي تناولت قضية الاختراقات الإيرانية الناجحة لبعض الدول في أميركا اللاتينية، بين "التمدد" الإيراني في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية واستغلال حزب الله للسجادة الإيرانية في تلك المنطقة لتعميق نفوذه السياسي والاقتصادي والأيديولوجي بين العرب والمسلمين المتواجدين في العديد من الدول اللاتينية. ويبدو للمحلل السياسي وشاهد العيان على حد سواء أن إيران قد استطاعت تطوير منظومة علاقات دولية في عدة مناطق من العالم بفعل الحصار المفروض عليها أميركياً وغربيا، وبسبب إصرارها على تطوير قدراتها النووية ذات الأغراض والنوايا السلمية. كما أن إيران استغلت بشكل كبير مشاعر الغضب والإحباط السائدة في أوساط الشعوب اللاتينية من السياسات الأميركية تجاه هذه البلدان، والاستغلال الذي وقع عليها تاريخياً بفعل الإدارات الأميركية المتعاقبة، إما من خلال المشاركة في دعم انقلاب عسكري أو اختراق مخابراتي أو استغلال لثرواتها الطبيعية والمعدنية من قبل شركاتها العملاقة. إن الحساسيات التاريخية وسياسات الاستغلال الاقتصادي والسياسي التي مارستها الإدارات الأميركية المتعاقبة بعد الحرب العالمية الثانية كانت حتماً من أسباب ظهور موجة من اليسار الجديد الناقم على أميركا، مما مهد الطريق إلى بروز صداقات وتحالفات إيرانية مع هذه الدول.

ويظهر أن إدارة أوباما بدأت تدرك مخاطر ومحاذير ترك أميركا اللاتينية لقمة سائغة لإيران، وبحيرة بشرية كبيرة لتمدد نفوذها، لا سيما أن القيادة الإيرانية الحالية مسلحة بالمساعدات الاقتصادية والرؤية الإستراتيجية لاختراق مناطق النفوذ الأميركية في حدائقها الخلفية. وكانت مصافحة الرئيس أوباما للرئيس الفنزويلي هوغو شافيز مؤخرا خلال انعقاد قمة الأميركيتين في ترينيداد وتوباغو ومبادرة أوباما شخصياً في هذه المصافحة الكثير من الدلالات الرمزية، ربما قناعة منه أن سياسات الإدارات السابقة، خاصة بوش الابن، كانت كارثية على النفوذ والمصالح الأميركية في هذه المنطقة، خصوصًا أن إدارة بوش استخدمت لغة استعلائية واتبعت إستراتيجيا العزل والمضايقة والتدخل في الشأن الداخلي لبعض هذه الدول والتلويح بالحروب الاستباقية لا سيما بعد وصول أحزاب ونخب يسارية إلى الحكم أظهرت توجهات معادية لأميركا في تصريحات مسؤوليها وقادتها السياسيين.

وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، وأكدت عليه في لقائها الأخير في وزارة الخارجية مع العاملين في السلك الدبلوماسي والعلاقات الخارجية، حيث تم التأكيد على أن غياب الدور الأمريكي الفاعل، ذي الصبغة التعاونية مع دول وشعوب أميركا اللاتينية، قد استغل من قبل إيران والصين وروسيا بحيث تحركت الدول الثلاث ضمن إستراتيجيا مدروسة لتوثيق الصلات مع الدول اللاتينية من خلال القيام بالنشاطات الاقتصادية والسياسية والثقافية وحتى العسكرية المشتركة. وتضمنت كلمات وآراء كلينتون اعترافات ضمنية أن النظام الدولي المعاصر أصبح يميل بقوة نحو التعددية القطبية، حيث المنافسة بين الولايات المتحدة وبين الروس والصينيين والإيرانيين في أميركا اللاتينية. ويمكن بناء على ذلك فهم تصريحات المسؤولين الأميركيين بشأن اعتبار الصراع الأميركي- الإيراني على مناطق النفوذ اللاتينية لعبة صفرية، بمعنى أن أي انجاز إيراني أو روسي أو صيني في هذه المنطقة القريبة من البوابات الجنوبية لأميركا يعد خسارة أميركية كبيرة بامتياز.

وذهبت مصادر إعلامية وصحافية أميركية إلى حد الادعاء في نهاية العام 2008 أن وزير خارجية دولة باراغواي، اليخاندرو حامد فرانكو، يعد من المؤيدين والممولين لنشاطات حزب الله اللبناني في أميركا اللاتينية. وقد جاء في مقال تحليلي في جريدة لوس انجلوس تايمز أن هناك تغلغلا إيرانيا صينيا روسيا يتسع يوماً بعد يوم تحت الأنف الأميركي. على الجانب الإسرائيلي، وفي تشرين الثاني 2008 اجتمعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني مع نظيرها السلفادوري حيث عبرت في اللقاء عن قلقها الشديد من التمدد الإيراني في أميركا اللاتينية، إذ تحولت المنطقة إلى بيئة خصبة لنشر الفكر والأيديولوجيا الإيرانية. كما أن صحيفة الجروزاليم بوست الإسرائيلية أثارت العديد من إشارات الاستفهام حول التواجد الإيراني المتزايد في أميركا اللاتينية حيث تحولت المنطقة إلى قاعدة خصبة أمام النفوذ السياسي والاقتصادي الإيراني. أما وزير الخارجية الإسرائيلية الجديد، أفيغدور ليبرمان، فقد دقّ ناقوس الخطر في وزارة الخارجية الإسرائيلية حينما طلب من موظفي الوزارة التركيز أكثر على تعميق وتوطيد الصلات والعلاقات المثمرة مع أفريقيا وأميركا اللاتينية بسبب تحولهما إلى مناطق نفوذ صديقة لإيران. ويعتقد ليبرمان أن اسرائيل يجب أن لا تستثمر فقط في العلاقات الحميمة مع الولايات المتحدة وأوروبا، وإنما عليها أيضا توسيع دائرة الاهتمامات الإسرائيلية إلى دوائر جديدة في العالم ومنها أفريقيا وأميركا اللاتينية حيث الفقر وقلة التنمية والأسواق الناشئة.

في المنظور الإسرائيلي المحدد تخسر إسرائيل كثيرا من تنامي العلاقة بين إيران والدول اللاتينية وذلك من خلال:

1- اختراق علاقات اسرائيل مع هذه الدول من قبل إيران حينما يتمكن المال الإيراني من استبدال علاقات بعض هذه الدول مع اسرائيل.

2- زيادة حدة وتيرة "موجات معادية السامية" في هذه المنطقة، علماً أن جاليات يهودية كبيرة تعيش في بعض دولها.

3- تهيئة الأرضيات المناسبة لنشر شبكة مؤيدة لحزب الله اللبناني في أميركا اللاتينية يمكن أن تستغل لضرب المصالح الإسرائيلية هناك، خاصة في ضوء اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية وتهديد الحزب بالرد على العملية في أي مكان وفي أي زمان.

4- الدعم السياسي الذي يمكن أن تقدمه دول أميركا اللاتينية لإيران في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية خاصة فيما يتعلق بملف إيران النووي.

في سياق تاريخي- استراتيجي تحتفظ إيران بعلاقات وثيقة مع عدة دول في أميركا اللاتينية (الوسطى والجنوبية) منذ الثورة الإيرانية الشيعية في العام 1979، فإيران الثورية ارتبطت بعلاقات أيديولوجية ومصالحية في آن معا مع كوبا كاسترو، بحيث تعمقت هذه العلاقة بشكل كبير في فترة ما بعد انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، إذ كانت حركة عدم الانحياز Non-Alignment Movement المظلة الكبرى التي استظلت تحتها كلتا الدولتين في معركتهما السياسية والأيديولوجية ضد التوزيع "الظالم" للقوة في العالم.

أما خصوصية العلاقة الإيرانية- الفنزويلية فتنبع من كونهما في المرحلة الأولى من علاقتهما أعضاء فاعلين في منظمة الدول المنتجة للنفط - أوبك- وتكاد تكون مواقفهما متشابهة ومتطابقة في الكثير من الأمور والقضايا النفطية خاصة توزيع الحصص والأسعار ورفع الإنتاج أو تخفيضه والتعامل مع الاقتصاد العالمي والدول المستهلكة للبترول لا سيما الغربية منها.

هناك دوافع حقيقة ومبررات وطنية تقف وراء علاقات إيران المتنامية ذات الأبعاد الإستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية مع المنظومة اللاتينية سواء على مستوى الحكومات والنخب السياسية أو على مستوى الشعوب الناقمة جزئيا على الدور الأميركي في هذه المنطقة. ويمكن تلخيص هذه الدوافع الإيرانية في ثلاثة رئيسة:

1- سياسة إيران في فترة ما بعد العام 1979 القائمة على أساس عدم الانحياز في السياسة الدولية بحيث دفعها هذه التوجه السياسي الجديد لنهج إستراتيجية توسيع دائرة الأصدقاء وتضييق دائرة الأعداء في دول العالم الثالث ومنها الدول اللاتينية والآسيوية والإفريقية.

2- سياسة الولايات المتحدة الأميركية المعلنة لاحتواء إيران والتضييق عليها وعزلها تماما عن شرايين النظام الدولي سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وثقافياً، مما دفع إيران إلى بذل جهد أكبر بهدف فتح قنوات اتصال وتواصل مع هذه الدول، التي أثبت بعضها أنه معاد لأميركا أكثر من العداء الإيراني التاريخي للسياسات الأميركية في الخليج العربي والشرق الأوسط. فاستراتيجيًا سعت إيران إلى كسر العزلة المفروضة عليها أميركياً وأوروبياً من خلال توطيد منظومة العلاقات مع دول أميركا اللاتينية في مختلف الأصعدة.

3- استغلت إيران وصول رئيس إصلاحي على شاكلة الرئيس محمد خاتمي إلى الرئاسة في العام 1997 من أجل توسيع دائرة العلاقات الإيرانية الإيجابية مع العالم الخارجي، لا سيما وأن الرئيس الإصلاحي المعتدل اعتمد لغة عالمية ومصطلحات تقوم على أساس التقارب بين البشر من خلال حوار الحضارات البشرية وتحالفها وتلاقي الثقافات الإنسانية.

من منظور محمود أحمدي نجاد الاستراتيجي، فقد سعى الرئيس الإيراني منذ أيامه الأولى كرئيس إلى تحقيق أهداف إضافية أخرى من وراء إستراتيجية التقارب مع أميركا اللاتينية، وتوثيق الصلات مع حكوماتها وشعوبها على حد سواء في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وفي ميادين أخرى شتى. ومن هذه الأهداف:

1- الرغبة الشديدة في الحصول على دعم دول أميركا اللاتينية ومساندتها لمواجهة الضغوط الأميركية والأوروبية الممارسة على إيران لوقف مشروعها في اكتساب التقنية النووية وتطوير القدرات النووية للأغراض السلمية. وفي هذا السياق يجب أن نذكر أن فنزويلا وكوبا وسورية هي من صوتت لصالح إيران وبرنامجها النووي داخل أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شباط 2006.

2- ينصب الهدف الثاني لاحمدي نجاد على اختراق الهميسفير الغربي الذي يعد بكل المعايير الجغرافية والإستراتيجية منطقة نفوذ تقليدية للولايات المتحدة حيث استغلت إيران تململ شعوب المنطقة من سياسات أميركا "الامبريالية والاستعمارية والاستغلالية" لفرز حكومات ونخب يسارية معادية لأميركا وإسرائيل. وبالتالي تستطيع إيران استراتيجيا فتح قنوات تفاوض وحوار مع الأميركيين خاصة في ظل إدارة أوباما من موقع قوة كونها أصبحت صاحبة نفوذ عند جيران أميركا اللاتينيين، لا سيما وأن هناك توزيعا ضمنيا للمصالح ومناطق النفوذ بين الدولتين في كل من الشرق الوسط وأميركا اللاتينية.

3- انخفاض شعبية الرئيس الإيراني بين الإيرانيين أنفسهم في ظل حديث متزايد عن أوضاع اقتصادية متدهورة نوعا، ورغبة شديدة من احمدي نجاد في إقناع الإيرانيين أنه رئيس له شعبية عالمية وعلاقات دولية واسعة خاصة في ظل ترشحه مرة ثانية للرئاسة في إيران في الصيف القادم، حيث من الممكن أن تكون العلاقات الإيرانية مع الدول اللاتينية والعداء لأميركا أفضل قضية انتخابية في الانتخابات القادمة ومنصة فوز محتملة.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية العليا، ذات الطابع الحيوي لنجاد شخصياً، وللدولة الإيرانية، قام احمدي نجاد بزيارة أميركا اللاتينية ثلاث مرات خلال فترة رئاسته: الأولى كانت لفنزويلا في تموز العام 2007، والثانية لكل من فنزويلا ونيكاراغوا والإكوادور في أيلول 2007، والثالثة لفنزويلا وبوليفيا في كانون الأول 2007. بالمقابل، استقبل احمدي نجاد الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز والرئيس البوليفي موراليس والرئيس النيكاراغوي دانييل اورتيغا والرئيس الإكوادوري كوريا والبرازيلي لولا دي سيلفا . الهدف المعلن لكل من نجاد وشافيز من وراء تحركاتهما المشتركة وخطواتهما المنسقة هو تأليف تحالف مناهض للولايات المتحدة الأميركية في العالم يضم المعارضين للسياسات الأميركية في كل من الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية.

العلاقة مع فنزويلا:

بناء على تقديرات الودي برن، الباحث في "مركز ويدرو ويلسون للدراسات الدولية" في العاصمة الأميركية، تستغل كل من إيران وفنزويلا البترول كعامل ضاغط بقوة في العلاقات الدولية من أجل الظهور بمظهر الدول الثورية الساعية نحو التغيير في النظام الدولي المعاصر والمعارضة بقوة للسياسات الأميركية "الامبريالية" والنظام الرأسمالي الاستغلالي الذي تقوده. ففي مقابلة أجرتها قناة الجزيرة القطرية مع الرئيس شافيز أظهر رغبة شديدة للعمل مع إيران بهدف خلق نظام دولي ثنائي القطبية أو متعدد الأقطاب ينهي السيطرة الأميركية على مفاصل هذا النظام التي تعمقت أكثر في فترة ما بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفييتي السابق في بداية التسعينيات من القرن الماضي. يلعب شافيز في هذا الإطار دور الأب الروحي لليساريين الجدد في أميركا اللاتينية والإداري الناجح لعلاقات دول اليسار اللاتينية مع إيران، كما يسعى إلى تعزيز أواصر العلاقة مع أقطاب النظام الدولي المعارضة للهيمنة الأميركية والممتعضة من سياسات أميركا التدخلية في العالم خاصة روسيا والصين. ويبدو أن إيران والرئيس نجاد يستغلان بطريقة مثلى علاقاتهما مع شافيز فنزويلا كممر وجسر عبور نحو أميركا اللاتينية، وما يترتب على ذلك من مكاسب وفوائد إستراتيجية وجيوسياسية في المدى القصير والمتوسط، كون إيران نجحت في اختراق الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.

هناك العديد من المشاريع الاقتصادية والاستثمارية والتنموية المشتركة بين إيران وفنزويلا إذ نجحت كلتا الدولتين مؤخراً في إنتاج سيارات متواضعة ضمن مشروع مشترك أطلق عليها Venirauto"" وتراكتورات وآلات زراعية أخرى لتحسين الواقع الزراعي في البلدين خاصة في فنزويلا. كما تقوم إيران بتمويل مشروع استثماري ضخم لتطوير استكشاف احتياطات بترولية كبيرة واقعة في منطقة Orinoco بحيث تصل قيمة الاستثمارات الإيرانية في هذا المشروع إلى ما يعادل 4 مليارات دولار، هذا فضلاً عن تمويل إيراني لمشروع إسكان العائلات الفقيرة في فنزويلا، إذ أوفدت إيران أكثر من 400 مهندس ومتخصص في مجال البناء والتشييد إلى فنزويلا لهذا الغرض. بالمقابل توفر فنزويلا نافذة كبيرة أمام إيران لكسر العزلة الدولية المفروضة عليها، وتقوم الحكومة الفنزويلية بتنشيط حركة التجارة والسياحة والاستثمار مع إيران حيث تم تخصيص رحلة طيران أسبوعية بين كاراكاس وطهران مع توقف قصير في مطار دمشق الدولي. بالمجمل وصلت قيمة التبادل التجاري بين البلدين، بناء على مصادر حكومية إيرانية، إلى ما يعادل 18 مليار دولار في العام 2007، وإن هذا التبادل في ازدياد مطرد.

العلاقة مع بوليفيا:

ربما تكون بوليفيا من الدول الفقيرة في أميركا اللاتينية، لكنها تحتل موقعا استراتيجيا هاما في قلب جبال الانديز، مما يسهل من مهمة إيران في إحراز اختراقات جذرية في علاقاتها وصلاتها مع شعوب أميركا اللاتينية إلى الشرق والى الغرب من هذا البلد. ففي خلال زيارة الرئيس احمدي نجاد للعاصمة البوليفية لاباز في العام 2007 وقع مع الرئيس موراليس اتفاقية التعاون الثنائي بين البلدين، ووصلت قيمتها إلى 1ر1 مليار دولار، الجزء الأكبر منها خصص لتطوير حقول الغاز والنفط في بوليفيا. وفي آب من العام 2008 حصلت بوليفيا على دعم مالي إيراني- فنزويلي مشترك لإنشاء الشركة الوطنية الإستراتيجية التي تعنى بتطوير المشاريع الكبيرة في البلاد والبنى التحتية، بحيث تم استثمار أكثر من 230 مليون دولار في قطاع الاسمنت، هذا إضافة إلى توثيق الصلات مع الشعب البوليفي حيث تم افتتاح عيادات متنقلة من قبل وزارة الصحة الإيرانية في لاباز والمدن البوليفية الأخرى من أجل تقديم الخدمات الصحية والرعاية الطبية للبوليفيين الفقراء. وقد عملت هيئة الإذاعة والتلفزيون في بوليفيا على ترجمة الكثير من الأخبار والتحليلات والمعلومات الواردة من إيران وبثها عبر وسائل الإعلام البوليفية المختلفة كجزء من إستراتيجية إيران الإعلامية ودعايتها في هذه المنطقة من العالم. بالمقابل وخلال زيارة الرئيس موراليس لطهران في أيلول 2008، أظهرت بوليفيا كل الدعم لإيران حيث اعتبرت أن أي تحرك لمجلس الأمن الدولي لوقف إيران من تطوير قدراتها النووية السلمية هو عمل غير أخلاقي وغير قانوني.

العلاقة مع نيكاراغوا:

يعتبر الرئيس اورتيغا نفسه ثائراً من الطراز الأول، يسير على خطى جيفارا وكاسترو وشافيز في بناء نموذج اشتراكي لاتيني يناهض الامبريالية والاستعمار الجديد والرأسمالية المتوحشة، وقد جاءت علاقته الوثيقة مع إيران من باب تطوير التحالف المعادي لأميركا في العالم وتعميقه أكثر، وطمعاً منه للحصول على موارد مالية جديدة لتمويل العملية التنموية في نيكاراغوا التي تفتقر إلى الموارد والطاقات المالية. وقد تعهدت إيران في سياق علاقتها المتنامية مع نيكاراغوا بتقديم مساعدات مالية لهذا البلد من أجل استثماره في قطاع النفط والطاقة وفي مجالات الزراعة والبنى التحتية وتحلية المياه. لكن أكبر المشاريع التي تم تمويلها إيرانيا حتى الآن ورأى النور هو بناء ميناء جديد على الساحل الشرقي لنيكاراغوا بقيمة 350 مليون دولار. إضافة إلى ذلك تسلمت نيكاراغوا مساعدة مالية إيرانية بقيمة 231 مليون دولار في العام 2007 لبناء محطة توليد كهرباء على أحد السدود. وفي العام 2008 قدم الرئيس الإيراني مساعدة مالية لبناء مستشفى في ماناغوا، العاصمة النيكاراغوية، بقيمة 2 مليون دولار، هذا فضلاً عن التعاون الإعلامي والدبلوماسي. وتعد السفارة الإيرانية في نيكاراغوا الأكبر من حيث عدد العاملين فيها من الإيرانيين بحيث يصل العدد إلى 20 مسؤولاً رسمياً بهدف تطوير الروابط أكثر مع الحكومة والشعب في آن واحد في هذا البلد اللاتيني.

العلاقة مع الإكوادور:

تبلورت علاقة إيرانية جدية مع الإكوادور خلال الزيارة المفاجئة لاحمدي نجاد للعاصمة كيتو في كانون الأول العام 2007 خلال تنصيب الرئيس رافائيل كوريا كرئيس جديد للإكوادور. ورغم أن العديد من المحللين والخبراء السياسيين والاستراتيجيين يعتقدون أن علاقة الإكوادور بإيران مرتبطة أكثر بالبوابة الفنزويلية وتأثير شافيز في السياسة الخارجية للإكوادور، من حيث تحديد من هم الأعداء ومن هم الأصدقاء، وذلك بحكم علاقته الوثيقة مع رئيسها صاحب التوجهات اليسارية، إلا أن الوقائع والحقائق الاقتصادية والسياسية ربما تحكي قصة أخرى. فقد افتتح الرئيس رافائيل المكتب التجاري لبلاده في العاصمة الإيرانية لتنشيط حركة التجارة بين البلدين، والتوقيع على أكثر من 25 اتفاقية مع احمدي نجاد، كان أهمها تمويل إيراني لمشروع بناء مصفاة بترول ومصنع للبتروكيماويات في جنوب الإكوادور. كما أن إيران تعد مساهما رئيسا في بناء محطة هيدروكهربائية على أحد الجسور في منطقة Coca-Codo Sinclair، وتعززت العلاقات الأمنية والإستراتيجية بين البلدين في أعقاب زيارة سعيد جليلي، رئيس مجلس الأمن القومي الأعلى في إيران، للإكوادور في كانون الأول 2008 وبعد افتتاح السفارة الإيرانية الجديدة في العاصمة كيتو في شباط 2009 في موعد انطلاق احتفالات إيران بالثورة فيها.

إن زيادة مساحة التغطية الإسرائيلية لإيران، سياسياً وإعلامياً وأكاديمياً ودعائياً، ليس بالأمر الغريب، لأنها تنبع من التصور الإسرائيلي الجديد للمخاطر التي تهدد إسرائيل والنابعة بشكل رئيس من قدرات إيران النووية والصاروخية. كما يعد "منطقيًا" أن تتابع إسرائيل باهتمام شديد ما يجري في إيران والتوسع في علاقاتها مع دول عدة في العالم بما فيها روسيا والصين والهند وتركيا، لكن الغريب أن يتم رصد قلق إسرائيلي بشأن تحركات إيرانية في أميركا اللاتينية على اعتبار أن هذه المنطقة تعد ضمن دائرة التأثير والنفوذ الأميركي التقليدي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية. لكن يبدو أن المحللين والخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين بدأوا يستشعرون مدى هشاشة التواجد الأميركي في أميركا اللاتينية وتراجع الدور الأميركي هناك مفسحاً المجال أمام التمدد الإيراني.

______________

(*) د. أيمن يوسف- أستاذ مساعد في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية في جنين.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات