"المشهد الإسرائيلي" يقدّم أربعة آراء إسرائيلية بشأن "لقاء الخريف"، مؤتمر السلام الإسرائيلي- الفلسطيني المخطط أن يعقد في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. العناوين الرئيسة لهذه الآراء هي: * الفجوات ما زالت واسعة في المواقف والنوايا...* فشل معروف سلفاً أم فرصة للتغيير؟* الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط* مؤتمر من أجل سلام أميركا*
عقدة "كامب ديفيد 2000"... عائق أم حافز؟
الفجوات ما زالت واسعة في المواقف والنوايا...
بقلم: شلومو بروم *
ضخت مبادرة الرئيس بوش لعقد لقاء دولي في شهر تشرين الثاني المقبل حول العملية السياسية الإسرائيلية- الفلسطينية ديناميكية جديدة للحوار الإسرائيلي- الفلسطيني، أضيفت إلى النقلة التي أحدثتها سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة في حزيران من هذا العام. والسؤال الأساس: هل يمكن لهذين الحافزين إخراج عربة العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية من الوحل الذي انزلقت إليه في نهاية العام 2000؟!
أتاحت سيطرة "حماس" على غزة استئناف الحوار بين رئيس الوزراء إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس، نظراً لأنها أدت إلى انهيار حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي قاطعتها إسرائيل. كما أدت إلى انتهاج سياسة سعت إلى دعم حكومة "فتح" في "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) وخنق حكومة "حماس" في غزة. الفرضية التي انطلقت منها هذه السياسة قضت بأنه إذا تكللت سلطة "فتح" في الضفة الغربية بالنجاح وتحولت سلطة "حماس" في قطاع غزة إلى قصة فشل، فإن الجمهور الفلسطيني سيعزف عن تأييد "حماس" ويعود إلى تأييد "فتح" وهي الشريك القديم لإسرائيل الذي قبل بشروط الحوار معها واعترف بها من قبل.. في نطاق الحوار مع إسرائيل، طرح الجانب الفلسطيني موقفاً ثابتاً مؤداه أنه وإلى جانب الخطوات الهادفة إلى تحسين أوضاع السكان الفلسطينيين، فإن الطريقة الأمثل لتحسين صورة سلطة "فتح" في نظر الجمهور الفلسطيني هي إيجاد أفق سياسي. والحجة هنا هي أن المجال الرئيس الذي توجد
لـ "فتح" فيه أفضلية واضحة على "حماس" يتمثل في قدرة حركة "فتح" على إحراز تسوية سياسية تجسد التطلعات الأساسية للشعب الفلسطيني.
الدعوة لعقد اللقاء في واشنطن، والذي رُفع مستواه في وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية ليأخذ تسمية "مؤتمر"، خلقت موعداً مستهدفاً يتعين على الأطراف الوصول حتئذٍ إلى نتائج ملموسة، وذلك نظراً لأن هناك، في أعقاب فشل مؤتمر كامب ديفيد العام 2000، تخوفاً شديداً من خلق توقعات تنتهي بخيبة أمل عارمة. نتيجة لذلك جرى حث الحوار بين الجانبين وهو ما عبر عن نفسه في سلسلة اللقاءات بين أولمرت وعباس، وفي المحادثات التي أجراها الوزير حاييم رامون بهدف التوصل إلى تفاهمات يمكن للزعماء أن يتوصلوا على أساسها إلى اتفاق. بيد أنه يتعين على الجانبين تذليل عقبات لا يستهان بها من أجل النجاح في التوصل إلى الاتفاق المنشود.
العقبة الأولى: تتمثل في انعدام الثقة الإسرائيلية بقدرة الجانب الفلسطيني على تنفيذ أي اتفاق.. بناء على ذلك فإن الاتفاق الذي سيبحث سيكون اتفاقاً لا نية بتنفيذه ضمن جدول زمني قريب. كما وسيكون من الصعب على إسرائيل أيضاً الموافقة على التزامات واضحة في نطاق اتفاق كهذا، توجد من وجهة النظر الإسرائيلية شكوك كبيرة فيما إذا كان سينفذ على الإطلاق.
العقبة الثانية: هي صدمة كامب ديفيد التي تحجم إسرائيل بسببها عن الدخول في ما يبدو من وجهة نظرها مغامرة مفاوضات حول تسوية دائمة، يمكن أن تفشل وأن تؤدي إلى نتائج سلبية. من هنا تفضل إسرائيل عملية تشمل تسويات جزئية.
العقبة الثالثة: في ضوء الوضع الداخلي لدى الطرفين، فإن لكل طرف مصلحة في التوصل إلى اتفاق من نوع آخر. الطرف الفلسطيني معني باتفاق مفصل قدر الإمكان، يبحث في جميع المسائل الحساسة بما في ذلك القدس واللاجئون. أما في الطرف الإسرائيلي، فهناك حكومة (حكومة أولمرت) ضعيفة ومنقسمة على نفسها. من هنا يوجد تخوف من أنه إذا وافق رئيس الحكومة على ما يمكن أن يبدو على أنه تنازلات في القضايا الحساسة، فسوف يكون مآل ائتلافه الانهيار والتفكك، إذ من المرجح أن ينسحب من الائتلاف الحكومي حزب "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا) الذي يترأسه الوزير أفيغدور ليبرمان، وحزب "شاس" الديني الشرقي. لهذه الأسباب يفضل الجانب الإسرائيلي اتفاقاً فضفاضاً قدر الإمكان.
إلى ذلك فإن الفترة الزمنية القصيرة المتبقية حتى لقاء تشرين الثاني لا تتيح جسر الفجوات بين مواقف الطرفين. وعليه فإن الحل الذي يقترحونه هو محاولة التوصل إلى اتفاق مبادئ لا يكون اتفاقاً للتنفيذ وإنما يرسم الخطوط والمبادئ التي سيتم بموجبها بناء الاتفاق الدائم المفصل.
ولا بد أن يؤخذ بالحسبان في هذا السياق أيضاً تأثير أحداث خارجية على الحوار بين الجانبين. فسياسة تقوية "فتح" في الضفة الغربية، وفي المقابل ممارسة الضغوط على "حماس" في غزة، تخلق لدى حركة "حماس" مصلحة قوية في إفشال الحوار بين حكومة إسرائيل وسلطة الرئيس عباس. وفي أجواء من العنف المتصاعد سيكون من الصعب على الجانبين إجراء مفاوضات ناجعة ومثمرة. وقد لوحظ مؤخراً بالفعل تصعيد تدريجي في مستوى العنف في قطاع غزة وفي محاولات حركة "حماس" لشن هجمات انطلاقاً من الضفة الغربية أيضاً. نجاح عدة محاولات من هذا النوع وردود الفعل الإسرائيلية عليها يمكن أن يخلق مناخاً لا يتيح التوصل إلى اتفاق.
نجاح اللقاء/ المؤتمر المزمع في تشرين الثاني يتوقف على نجاح الطرفين في التوصل إلى مسودة متفق عليها قبل المؤتمر، ولكن أيضاً بناء على تشكيلة المشاركين فيه، نظراً لأنها تعكس أيضاً محاولة لتجنيد الدول العربية المؤيدة لمبادرة السلام العربية للقيام بجهد فعال لدفع التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. حتى الآن ما زالت السعودية- وهي دولة مركزية في بلورة المبادرة- تتهرب من القيام بمثل هذا الجهد لعدم رغبتها في إجراء اتصالات مباشرة وعلنية مع إسرائيل تاركة ذلك لدول (كمصر والأردن) تحتفظ بمعاهدات سلام مع الدولة الإسرائيلية.
في ضوء الصعوبات التي تعترض التوصل إلى اتفاق قبل اللقاء، والمشكلات المرتبطة بتشكيلة المشاركين، لا غرابة في أن إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة تبذلان جهدهما للحد من سقف التوقعات المعلقة على لقاء تشرين الثاني، وهو جهد يتكلل كما يبدو بنجاح معين. وإذا كانت وسائل الإعلام قد مالت، بعد إعلان الرئيس بوش، إلى تضخيم مغزى اللقاء إلى حد ما، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية على الأقل لم تعد تعلق على اللقاء آمالاً كبيرة.
إذا انتهى لقاء تشرين الثاني دون التوصل إلى أية نتائج فإن من الصعب الافتراض أن العواقب ستكون دراماتيكية كما حدث بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد (في تموز 2000)، ذلك لأن التوقعات المعقودة على اللقاء الدولي المزمع منخفضة أكثر. بيد أن الفشل سيلحق ضرراً شديداً بسياسة تقوية سلطة "فتح" في الضفة الغربية وسياسة الضغط على "حماس" في قطاع غزة، والتي تعتبر فرص نجاحها غير عالية أصلاً، ذلك لأن الجمهور الفلسطيني لا يعزو المصاعب في قطاع غزة إلى حركة "حماس" بالضرورة، وإنما لأعداء الشعب الفلسطيني، وسيكون في وسع "حماس" عندئذٍ أن تبرهن بوضوح للجمهور الفلسطيني بأن خصمها السياسي غير قادر على جلب الاتفاق الذي ينشده الفلسطينيون.
_____________________________
* باحث كبير في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. ترجمة خاصة.
المفاوضات مع الفلسطينيين:
فشل معروف سلفاً أم فرصة للتغيير؟
بقلم: أمير كوليك *
يجري رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، منذ عدة أسابيع، اتصالات سياسية. ومن المقرر أن تنتهي هذه الاتصالات بإعلان مشترك، حسب التوجه الإسرائيلي، أو باتفاق مبادئ حسب التوجه الفلسطيني.
إنّ خلفية انطلاق هذه العملية هي في المقام الأول تقاطع مصالح بين أولمرت وعباس. فالزعيمان يتحسسان ضرورة إحراز تقدم معين في اللقاء الدولي الذي تعتزم الولايات المتحدة عقده في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. في الوقت ذاته فإن المفاوضات الراهنة تنبثق أيضاً عن شعور بأزمة سياسية يعاني منها الرجلان. فأولمرت بات مطالباً- في أعقاب حرب لبنان الثانية ونشر التقرير المرحلي (الجزئي) للجنة فينوغراد وشطب "خطة التجميع- الانطواء" من جدول الأعمال- بإيجاد أجندة سياسية/ دبلوماسية جديدة وعرض إنجازات، أي إنجازات، أمام الجمهور الإسرائيلي. كذلك شعر أبو مازن أيضاً، على خلفية سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة وفي ضوء الوضع السياسي الداخلي الصعب في السلطة الفلسطينية، بضرورة عرض أي إنجاز كان أمام جمهور ناخبيه.
حقيقة كون أبو مازن وإيهود أولمرت على حد سواء يعتبران ضعيفين سياسياً، جعلت العديد من المحللين يشككون في جدية المفاوضات وفرص نجاحها. مع ذلك فإن سيل التحليلات المتشائمة، وبغض النظر عن مدى صحتها، يجب أن لا يحول دون رؤية التطورات الإيجابية التي يمكن أن تتكلل بالتوصل إلى ورقة مشتركة وبنجاح اللقاء الدولي، وأهم ما في هذه التطورات:
1- مرحلة أخرى على طريق التسوية الدائمة.. فالمفاوضات الحالية مع الفلسطينيين ينبغي رؤيتها في سياق أكثر رحابة ومن منطلق فهم أن هذه الاتصالات تشكل جزءاً من عملية سياسية مستمرة. فمنذ فترة طويلة تحاشى زعماء الجانبين البحث في المسائل الإشكالية حقاً- كاللاجئين والقدس والحدود. إن تفاهماً بين أبو مازن وأولمرت يمكن أن يضع أساساً مبدئياً لتسوية هذه المسائل. ومثل هذا الأساس سيشكل في المستقبل خطوطاً موجهة ومتفق عليها لطواقم المفاوضات.
2- إبقاء الحل عن طريق التسوية السياسية مطروحاً على الأجندة العامة. فعلى أرضية تعاظم قوة التيار الإسلامي في السلطة الفلسطينية، وفي المقابل، خيبة الأمل، في إسرائيل، من إمكانية التوصل إلى حل متفق عليه، فإن الأهمية الأولى للمفاوضات تتمثل بالذات في استئناف الاتصالات السياسية بين الطرفين. فهذه الاتصالات تبقي إمكانية التوصل إلى حل متفق عليه على قاعدة مبدأ "دولتين لشعبين" ماثلة في الوعي العام الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء.
3- خلق ديناميكية أخرى في الساحة الفلسطينية الداخلية. فالاتفاق على ورقة مشتركة وما ترمز إليه من إحراز تقدم في العملية السياسية سيضطران حركة "حماس" إلى الرد على التطورات بغية المحافظة على صلة الحركة بالساحة الفلسطينية. واضح أن رداً من هذا النوع قد يشمل محاولات ومساعي لإفشال العملية عن طريق شن هجمات. الاحتمال الآخر هو أن يتضمن رد الحركة استعداداً لإبداء مرونة ولعب دور معين أو المشاركة بكيفية ما في التسوية العتيدة.
4- زيادة التزام الدول العربية المعتدلة بتحقيق تسوية دائمة. في مفاوضات كامب ديفيد العام 2000 تمثلت إحدى العقبات المركزية في تخوف الجانب الفلسطيني من أخذ قرارات حاسمة في مسائل تتطلب من وجهة نظره إجماعاً عربياً (مثل مسألة القدس). من هنا فإن إحراز تفاهم يعكس تقدماً ملموساً من شأنه أن يؤدي على الأرجح إلى مشاركة الدول العربية المعتدلة في لقاء الخريف وإلى تدخلها بهذا القدر أو ذاك في مراحل مقبلة من العملية السياسية.
5- تعزيز الاتجاه المعتدل في المنطقة. إن عقد لقاء دولي يعقبه استئناف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق دائم سيطرحان بديلاً للائتلاف المتطرف في المنطقة بقيادة إيران. فعوضاً عن حل يعتمد على القوة، للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، سيطرح على المستوى المبدئي والسياسي بديل يقوم على التسوية. إن تطوراً من هذا القبيل سيؤدي على الصعيد الإقليمي إلى تعزيز وتقوية الدول المعتدلة في الشرق الأوسط وإلى التفافها حول العملية.
إلى جانب كل هذه النقاط، من الواضح أن فشل العملية يمكن أن يحمل في طياته عدة مخاطر جسيمة، أبرزها:
· توجيه ضربة أخرى لمكانة الرئيس أبو مازن والتيار الوطني. ففشل المفاوضات الحالية سيعطي حافزاً إضافياً للتيار الإسلامي في "المناطق" وسيضعف أكثر السلطة الفلسطينية ومؤسساتها.
· إلغاء اللقاء الدولي أو فشله.. فشل أولمرت وأبو مازن في إحراز تفاهم حول وثيقة مشتركة يمكن أن يؤدي إلى إلغاء عقد اللقاء نهائياً. فبدون تحقيق إنجاز ملموس في المحادثات بين الطرفين، سيكون في حكم المرجح إلغاء لقاء واشنطن أو أن يشكل هذا اللقاء على أبعد تقدير مجرد مناسبة لالتقاط مجموعة صور تذكارية أخرى. هذا الأمر سيوجه بدوره ضربة أخرى لمكانة الولايات المتحدة، المضعضعة أصلاً، في المنطقة، وسيفضي إلى انحسار إضافي في المساعي الدبلوماسية في الساحة الإسرائيلية- الفلسطينية مما سيضع بالتالي الاتصالات بين الأطراف في حالة جليدية طويلة، هذا فضلاً عن المس باستعداد دول عربية معتدلة (مصر، الأردن، السعودية) للقيام بدور في عملية سياسية مستقبلية. والحال، من الواضح في ظل الوضع الراهن أن العملية السياسية حساسة ومهيأة للفشل. فعدم النجاح في إحراز ورقة متفق عليها، وإمكانية حصول هجوم كبير أو عملية تسفر عن وقوع عدد كبير من الإصابات في الأرواح جراء سقوط صاروخ "قسام" مثلاً، أو حتى عدم استعداد الدول العربية المعتدلة للمشاركة في لقاء/ مؤتمر السلام المرتقب، كلها عوامل يمكن أن تؤدي إلى فشل الاتصالات وتجسيد المخاطر الكامنة في هذا الفشل.
من جانب آخر، فإن ثمن الفشل بالذات يمكن أن يشكل حافزاً لكل الأطراف ذات الصلة للتجند من أجل المساعدة في إنجاح العملية. وعلى فرض أن الأمور ستجري بالفعل على هذا النحو، فإنه يمكن اقتراح عدة خطوات قد تسهم في تعزيز فرص نجاح المفاوضات الحالية. جزء من هذه الخطوات قابل للتنفيذ الفوري، وهو منوط بحكومة إسرائيل، وجزء آخر معقد أكثر، وهذا منوط بالقيادة الفلسطينية وبمساعدة المجتمع الدولي. ويمكن إيجاز هذه الخطوات المقترحة بالآتي:
· إجراء إصلاحات ملموسة في مؤسسات السلطة الفلسطينية. فتطبيق الاتفاق الدائم، في حال تم التوصل إليه، يتطلب من الجانب الفلسطيني إجراء إصلاحات ملموسة في المجال الأمني، مثل توحيد الأجهزة الأمنية، وفي المجال المدني كتقليص القطاع العام وإقامة شبكة ضمان اجتماعي، على أن تكون غاية هذه الإصلاحات تحويل السلطة إلى جهاز دولة قادر على تجسيد سيادته في بقعة جغرافية محددة.
· إحداث تغيير جوهري في الحياة اليومية في الضفة الغربية، وهي خطوة ضرورية من أجل حشد تأييد الجمهور الفلسطيني للعملية السياسية وتعزيز مكانة التيار الوطني في "المناطق".
· استمرار العملية الديمقراطية في "المناطق". وهذه العملية مهمة من أجل إتاحة المجال أمام تنامي قوى سياسية مقابل حركة "فتح"، إذ يمكن لهذه القوى أن تطرح بديلاً سلطوياً معتدلاً آخر، وربما حتى حث حركة "فتح" على إجراء إصلاحات تنظيمية جادة.
· إيجاد إطار وأجندة دبلوماسية للاستمرارية، وذلك حتى لا تلفظ العملية السياسية أنفاسها بعد مؤتمر/ لقاء السلام المرتقب. يتعين على جميع الأطراف أن تعد سلفاً إطاراً لمواصلة الاتصالات ولبلورة أجندة سياسية تحافظ على زخم الحركة الدبلوماسية بعد اللقاء.
خلاصة القول، واضح في هذه المرحلة أن استئناف الاتصالات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين ما زال في بدايته وأن العملية برمتها تعتريها نقاط ضعف أساسية عديدة، وبالتالي فإن احتمالات فشلها كبيرة.
في الوقت ذاته فإن التحليل الآنف الذكر يفضي إلى الاستنتاج بأنه يتعين على الأطراف بذل أقصى ما يمكنها من أجل التوصل إلى ورقة مشتركة تشكل أساساً لاستئناف المفاوضات مباشرة فور ارفضاض اللقاء الدولي في ميريلاند. إن تدشين عملية سياسية حقيقية تحت مظلة إقليمية جنباً إلى جنب مع خطوات عملية على الأرض، هي النتيجة الأكثر إيجابية التي يمكن توقعها من الاتصالات الحالية.. وعليه ينبغي النظر إلى اللقاء الدولي، إذا ما قيض له النجاح، على أنه بداية عملية وليس نهايتها.
_______________________________
* باحث في "معهد دراسات الأمن القوميّ" في جامعة تل أبيب. المقال ترجمة خاصة بـ "المشهد".
الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط
بقلم: د. عيران ليرمان *
تواجه الإدارة الأميركية حاليًا معضلات مهمة تنعكس، في الوقت نفسه، على السجالات الداخلية الدائرة في صفوفها، وعلى ما يبدو وجدت تعبيرًا لها في أثناء الزيارة الأخيرة التي قامت بها إلى المنطقة وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، والتي كانت نتائجها مخيبة للآمال من وجهة نظر رايس، بحسب ما أفادت مصادر متنوعة.
فمن جهة تدفع الخارجية الأميركية الطرفين الإسرائيلي والفلسطينيّ للوصول إلى نتائج عينية في مؤتمر السلام المقبل، إذ أنها غير معنية بحدث استعراضي وتصريحات فارغة من أي مضمون، وفي هذا الشأن فإن الخارجية الأميركية تتماثل مع الطرف الفلسطيني الذي يطالب بإحراز تقدّم سريع في القضايا الجوهرية. ومن جهة أخرى فإن الخارجية الأميركية غير شريكة في التفسير العربيّ للمصطلحات المرجعية للحلّ الدائم وليس في وسعها أن تفرض هذا التفسير على الطرف الإسرائيليّ. علاوة على ذلك فإنها شريكة أيضًا في الشكوك إزاء قدرة الفلسطينيين على تلبية المطالب الأساسية وتدرك أنه ستكون هناك معارضة في أوساط يهود الولايات المتحدة وأصدقاء إسرائيل في أوساط الرأي العام الأميركي وبالتالي داخل الكونغرس لأي إملاء أميركي بشأن قضايا مثل القدس والحدود واللاجئين.
في ظلّ هذه الظروف خفضت الإدارة الأميركية سقف التوقعات من مؤتمر السلام. وإذا كان الرئيس جورج بوش قد تكلم في الصيف الماضي عن "إحراز السلام" فإنّ الناطقين الأميركيين الرسميين باتوا يتكلمون الآن عن "حوار حقيقيّ نأمل بأن يؤدي في نهاية الأمر إلى مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين تكون مقبولة على الطرفين". وهذه صيغة ضبابية تعكس وعي الإدارة الأميركية للصعوبات السياسية القائمة على طرفي المتراس.
إنّ الدلالة العملية لذلك هي أنّ الإدارة الأميركية تخفض سقف التوقعات من المؤتمر أيضًا في مقابل المنظومتين الدولية والإقليمية. ويعني ذلك، ضمن أمور أخرى، أنه ليس في وسع الولايات المتحدة الأميركية حثّ الدول العربية، وعلى رأسها السعودية طبعًا، على أن تساهم في المؤتمر بوفد رفيع المستوى.
إنّ ما يسهم أيضًا في تعقيد الوضع هو التعامل المتشكك لدى الكونغرس الأميركي حيال السعوديين خصوصًا وحيال الدول العربية عمومًا، في كل ما يتعلق بموقف هذه الأطراف من إسرائيل واستعدادها للقيام بدور بنّاء في العملية السياسية.
وقد انعكس هذا التعامل، مثالاً، في نشاط سيناتورين هما الديمقراطي تشارلز شومير من نيويورك (وهو يهودي) والجمهوري لندزي غراهام من كارولينا الجنوبية، اللذان جمعا تواقيع زملائهما على رسالة موجهة إلى وزيرة الخارجية رايس تدعوها إلى مطالبة الدول العربية بتغيير موقفها من إسرائيل بصورة جذرية كشرط لمشاركتها في المؤتمر المقبل.
غير أنه على الرغم من كلّ ما تقدّم فإن عقد مؤتمر السلام سيتيح للولايات المتحدة أن تدفع قدمًا عدّة غايات ليست قليلة الأهمية. هذه الغايات هي:
1- توثيق الاتصالات الجارية في المثلث الإسرائيلي- الفلسطيني- الأميركي بشأن مواضيع المساعدة الاقتصادية وترميم الاقتصاد الفلسطيني في المناطق الخاضعة لسلطة أبو مازن وسلام فياض، بهدف إضعاف حماس وإظهار الثمن الذي يدفعه سكان غزة على مرأى من الجمهور الفلسطينيّ كافة.
2- السعي إلى تحسين الحوار الأمني مع السلطة الفلسطينية بإرشاد الجنرال دايتون، على أمل أن يفضي ذلك إلى تغيير السياسة الإسرائيلية ميدانيًا، لناحية تقديم تسهيلات تعجّل وتيرة الترميم الاقتصادي والاجتماعي.
3- استقطاب الدول العربية المعتدلة، وعلى رأسها الأردن ومصر، في نطاق الجهود المشتركة والمتواصلة وهو ما يخدم أيضًا غاية عزل إيران وسورية وحماس وقوى أخرى تنتمي إلى المحور الراديكالي.
______________________
* مدير مكتب إسرائيل والشرق الأوسط في "اللجنة اليهودية الأميركية" وخبير في السياسة الدولية والعلاقات الأميركية- الإسرائيلية.
مؤتمر من أجل سلام أميركا
بقلم: موشيه إلعاد *
من المقرر أن يكون مؤتمر السلام الذي سيعقد في تشرين الثاني لقاء سياسيا استثنائيا، يرتكز على مصالح غير واقعية، كما أن نتائجه قد تكون قاسية. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، تتحدث عن "الحاجة إلى سلام عادل وقابل للحياة في الشرق الأوسط"، أو عن "إقامة دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان بسلام جنبا إلى جنب". غير أن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة بالإجمال تبحث عن إنجاز. فبعد التورط المحرج في المستنقع العراقي، بات من المهم لبوش ورايس صرف الاهتمام الأميركي والعالمي باتجاه حدث تلعب فيه التقنيات الإعلامية دورا رئيسيا. فالمؤتمر، إذا عقد، سيحاول تغطية حقيقة كون الحدث فارغا من كل مضمون، وعاريا لناحية إسهامه في العملية السلمية، عن طريق تغليفه بورق سيلوفان أميركي.
ويعرف الدبلوماسيون الأميركيون، ومساعدو "البطات العرجاء" في واشنطن الذين يقضون أغلب وقتهم هنا في منطقتنا، وهم خبراء في التفاصيل، أن الوسادة السياسية في الشرق الأوسط الحالي بعيدة عن أن تكون جاهزة لمؤتمر سلام، وبالتأكيد ليست جاهزة لاتفاق سلام. لكن ما العمل، حينما لا يهتم صاحب الأمر بالمحتوى وإنما بالغلاف؟ ومن المحزن أن الأميركيين لم يستوعبوا فشل سلطة الأتباع في العراق ولا يزالون واثقين من أنه في بغداد، كما في أفغانستان، يتحقق نجاح كبير. كما أن بوش ورايس لم يتعلما شيئا من اتفاق "الثقوب" في أوسلو، وها هم يبادرون إلى اتفاق جديد، اتفاق برعاية الرئيس، اتفاق الفراغ.
وعندما أعلنت كوندوليزا رايس مؤخرا أنه "كفى للأحاديث، حان وقت الأفعال"، بدا لي للحظة أنها تمزح. فالكثير من المعلقين يميلون للاستخفاف بالمبادرة الأميركية الجديدة بقولها إنها لن تفيد في شيء، وبالتأكيد لن تضر. هل حقا أن الأمر كذلك؟ ثمة حاجة لتذكير أصحاب الذاكرة القصيرة، لقد كانت انتفاضة الأقصى ثمرة واضحة لفشل مؤتمر كامب ديفيد 2002. حينها أيضا ساد إحساس بأن الأرض جاهزة للتغيير، غير أن الواقع، تصرف خلاف ذلك.
وإذا عقد المؤتمر، فسوف تكون هذه هي المرة الأولى التي يقف فيها الإسرائيليون والفلسطينيون في جانب واحد من المتراس، والأميركيون في الجانب الآخر. فالإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء يشعرون بأن هناك من قام بجرهم، شبه مرغمين، للمؤتمر، إلى مركز الحلبة، وهم غير جاهزين، حيث في الباحة الخلفية للطرفين تثار شكوك عميقة حول أزمة إقليمية أو انتفاضة جديدة إذا فشل المؤتمر. غير أن الأميركيين لم يتعلموا كما أنهم لم يستوعبوا بعد أن التوقعات الكبيرة والترجمة المعدومة هما الوصفة المؤكدة للانهيار.
ويعد "المسكين أبو مازن" الذريعة للفشل فقد أعلن: "ينبغي التوصل إلى اتفاق مسبق، وإلا فلا جدوى من المؤتمر". فباسم من يصل محمود عباس إلى الولايات المتحدة؟ باسم سلطة فلسطينية مقلصة، منقسمة ومشرذمة، قسم منها هو "كيان معاد" يستهين به على وجه العموم، والقسم الثاني هو "جيب الضفة الغربية"، غير الموالي له في الواقع؟ هل يفهم أبو مازن أنه في هذا المؤتمر يمثل الفلسطينيين غير الراغبين وغير القادرين على تحقيق السلام؟
ولحسن حظ رايس، فإن أولئك الفلسطينيين غير الراغبين وغير القادرين على تحقيق السلام، مغرومون حقا بـ"العملية السياسية".
كما أن إسرائيل تعيش في وضع غير معقول. فمن جهة يضغط الرئيس الأميركي من أجل المشاركة والتنازل، ولكن من جهة أخرى فإن العملية البرية في قطاع غزة هي خيار لا يزال فعليا، لكن عليها أن تأخذ بالحسبان الجدول الزمني الجديد. وسيكون من الصعب رؤية إسرائيل تصل إلى طاولة المباحثات في واشنطن مباشرة من ميدان المعركة في خان يونس أو رفح، لكن أمورا كهذه حدثت في الماضي. ويمكن التقدير أنه في حال كهذه سيعلنون في إسرائيل أنه "يجب معالجة الإرهاب كما لو انه ليس هناك مؤتمر، والذهاب للمؤتمر كما لو انه ليس هناك إرهاب". والمشكلة هي أنهم في حماس أيضا يعرفون ذلك، ومن الجائز أن يعمل قادة حماس على تقويض المؤتمر بواسطة تكثيف الاستفزازات للأعصاب المكشوفة في إسرائيل وجرها للدخول إلى غزة.
إن السيناريو المقبل واضح: استمرار الإرهاب من غزة سيجر رد فعل إسرائيليا قاسيا، وسيضطر أبو مازن لأن يكون أول من يخرج ضدنا معلنا "تضامنه" معها. كما أن الدول العربية المعتدلة مثل مصر، الأردن والسعودية، والتي تحارب عواصمها بشدة ضد الإسلام الأصولي المتطرف، ستكون أول من يندد بإسرائيل، والانسحاب من كل عملية سلمية معها. وفقط في واشنطن سيواصلون القول إنه في الشرق الأوسط تنفذ خطوات بناءة من أجل إحلال السلام بين الطرفين.
_____________________________
* كولونيل في الاحتياط وباحث في جامعة حيفا. أشغل منصب رئيس "جهاز التنسيق الأمني" مع السلطة الوطنية الفلسطينية. (المصدر: شبكة الانترنت).
المصطلحات المستخدمة:
المثلث, دورا, حكومة الوحدة الوطنية, رئيس الحكومة, أفيغدور ليبرمان