المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ابحاث ودراسات
  • 1461

مقتطفات من بحث جديد لمركز "ادفا" حول سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه المواطنين البدو في النقب القائمة على إقصاء البدو عن المخططات الرسمية في مجال التطوير ومعاملتهم على أنهم مجموعة غير مهمة بالنسبة للمجتمع والاقتصاد الإسرائيليين

 

مقدّمة

 

يناضل البدو، في منطقة صحراء النقب، ليس فقط من أجل الحصول على اعتراف الدولة بحقّهم في الملكيّة على أراضيهم، إنما أيضاً من أجل الحصول على الخدمات التي توفّرها الدولة لبقيّة الإسرائيليين، كي يتسنّى لهم ممارسة حياة عادية في النواحي المجتمعية والثقافية وفي مجال العمل. وبينما لا يزال البدو يناضلون من أجل كل هذه الأمور، تعمل حكومات إسرائيل المتعاقبة وبشكل منهجي على تجريدهم من أراضيهم وحصرهم داخل عدد قليل من البلدات. تقوم هذه الحكومات كذلك بإقصاء البدو عن مخططاتها في مجال التطوير، وتعاملهم على أنهم مجموعة غير مهمة بالنسبة للمجتمع والاقتصاد الإسرائيليين.

يعيش البدو الذين يقطنون القرى غير المعترف بها داخل ما يشبه الفقاعة القانونية- السياسية. يمنع هؤلاء من إقامة البيوت الثابتة، ويحرمون من الحصول على الخدمات الحكومية الكاملة. ويقبع سكان القرى غير المعترف بها تحت سيطرة الهيئات المختلفة التي أقامتها الدولة للتفرد بالسيطرة عليهم، بمنأى عن بقيّة الإسرائيليين.

أما البدو الذين انتقلوا إلى البلدات المدينية التي أقامتها لهم الدولة، فهم يعيشون داخل فقاعة سياسية- اقتصادية: فمن ناحية هنالك غياب للبنى التحتية والتشغيلية اللائقة، التي بإمكانها أن توفّر لهم حياة اقتصادية ومعيشية كتلك التي يتمتّع بها جيرانهم من اليهود، ومن الناحية الأخرى- وكغيرهم من البدو الذين يعيشون في القرى غير المعترف بها- يتمّ عادة تغييبهم من مخططات التطوير الحكومية، سواء كانت قطرية، أو حتى تلك التي تقتصر على منطقة النقب.

 

تقلبات 1948

 

عشية قيام دولة إسرائيل، قطن النقب ما يقارب الـ70,000 بدوي، أقام غالبيتهم في شمال غرب المنطقة. طرد معظم هؤلاء خلال المعارك في 1948، وبقي منهم بعد الحرب حوالي 11,000 بدوي. قامت حكومة إسرائيل بتجميع هذه البقية الباقية داخل "منطقة السياج" الواقع شمال شرق النقب، في المنطقة الواقعة بين بئر السبع، عراد، ديمونا ويروحام.

في العام 1950، سُنّ "قانون الأملاك المتروكة" (أملاك الغائبين)، الذي أتاح للدولة مصادرة أراضي العرب الفلسطينيين الذين هربوا أو طردوا خلال الحرب، ومن ضمنها أراضي البدو الغائبين منهم، والذين نقلوا إلى منطقة السياج، وتسجيلها كأراضي دولة. في العام 1953 سُن "قانون امتلاك الأراضي- تصريح عمليات وتعويضات" ومن خلاله أصبحت المصادرات المذكورة سارية المفعول.

 

 

الدولة وأراضي البدو

 

لا تعترف الدولة بحقّ البدو في الملكية على أراضيهم. تستند الدولة في موقفها هذا إلى مرسوم الأراضي العثماني من العام 1858، وإلى مرسوم الأراضي لحكومة الانتداب البريطاني من العام 1921. تطرّق المرسوم العثماني لأراضي "الموات"- أراضٍ غير مستصلحة، والتي تقع على بعد 1.5 ميل من البلدات الثابتة، حيث يستطيع كلّ من يستصلحها تسجيلها باسمه. لم تكن في حين صدور هذا المرسوم أية بلدة ثابتة في النقب، الأمر الذي حوّل جميع الأراضي إلى أراضٍ "موات". لم يسجلّ البدو أراضيهم لأسباب عدّة. طلب مرسوم الانتداب البريطاني، الذي استند إلى المرسوم العثماني، كل من يفلح أرضا من "الموات" أن يسجّلها باسمه. ومرّة أخرى لم يقم البدو بتسجيل أراضيهم لأسباب عدّة ومنها صعوبة الوصول إلى المكاتب الرسمية، والتخوّف من دفع الضرائب وما إلى ذلك. أطلق البريطانيون حملة لتسجيل الأراضي، وقد باشروا الحملة انطلاقا من الشمال وساروا في اتجاه الجنوب، لكنّ الوقت لم يسعفهم بالوصول إلى النقب قبل مغادرتهم البلاد في 1948. وقد قرّرت إسرائيل، استنادا إلى هاتين السابقتين، أن أراضي البدو هي أراضي دولة.

 

حول الأراضي، الدعاوى والتعويضات

 

مقابل المحاولات لتجميع البدو داخل عدة بلدات، نشأ مسار من المداولات حول قضية الملكية على الأراضي في منطقة السياج. ومنذ العام 1950 قدّم البدو عددا من الدعاوى لتسجيل الملكية على الأراضي. بالمقابل، ادّعت الدولة أن البدو لا يملكون أي دليل ملكية على الأراضي، وأضافت أن المصادقات على دفع الضرائب التي قدّمها البدو ضاعت في أرشيف الدولة.

في العام 1969، أقامت الدولة منظومة قضائية لتسوية قضايا الأرض، وتقدّم البدو ضمنها بدعاوى ملكية على 991،000 دونم، ومن بينها 200,000 دونم خارج منطقة السياج التي كانت الدولة قد سجلتها باسمها. ويصل مجموع الأراضي التي لم تنظم ملكيتها حتى اليوم إلى 650,000 دونم.

في العام 1975، قامت لجنة برئاسة المحامية بليئا ألباك بصياغة اقتراح تسوية تستعمله حكومات إسرائيل حتى يومنا هذا. استندت توصيات لجنة ألباك إلى ثلاثة أسس وهي: أولاً، عدم الاعتراف بحقوق ملكية البدو على الأراضي التي يقطنون فيها أو التي قطنوا فيها في السابق، وذلك بالاستناد إلى قوانين الأراضي العثمانية والانتدابية. ثانياً، تعبر الدولة عن استعدادها لتقديم التعويضات للبدو مقابل أراضيهم، من منطلق "عين الرحمة"، وذلك بادعاء أن عدم تقديم التعويضات "غير وارد من الناحية الإنسانية، ويمكن الافتراض أن المحكمة العليا لن تصادق عليه". ثالثاً، يكون منح التعويضات مشروطا بإخلاء الأراضي والانتقال إلى إحدى البلدات الحكومية.

اقتراحات لجنة ألباك تعني ببساطة أن يتنازل البدو عن معظم أراضيهم. رُفض هذا الاقتراح من قبل البدو الذين قدموا اقتراحا مضادا بعد عدّة أعوام: الاعتراف بملكيتهم على 40% من الأراضي، وتلقي تعويض مادي يفوق ذلك الذي اقترحته لجنة ألباك.

وفي العام 1984 قٌدّم التماس إلى المحكمة العليا من بعض البدو الذين طالبوا بالاعتراف بملكيتهم على الأرض في منطقة السياج. وحددت المحكمة العليا برئاسة القاضي أبراهام حليمة، بصورة قاطعة، أن أراضي النقب هي أراضٍ "موات" وتعود ملكيتها إلى الدولة. لم يضع قرار الحكم الصارم هذا حداً لمحاولات التسوية السابقة، ومع ذلك نشأت حالة من الشلل: من ناحية، يُمنع البدو من تطوير أراضيهم وإقامة البنى التحتية والبيوت والمصالح عليها، ومن الناحية الأخرى لا تستطيع الدولة استخدام الأراضي قبل تقديم التعويضات للبدو. وبطبيعة الحال أصبح البدو المتضرر الأساسي من حالة الشلل هذه.

تميّزت سياسة الحكومة برئاسة أريئيل شارون بمزيد من الشدّة والصرامة، وشرعت بتقديم الدعاوى المضادة حول الأراضي المتنازع عليها مع البدو. حتى حزيران 2005، تمّ تقديم 100 دعوى مضادة بخصوص أراضٍ تصل مساحتها إلى 85,000 دونم؛ وتمّ البت في 10 من بينها والتي تتعلق بـ 10,000 دونم.

 

 

منظومات متميّزة للهيمنة

 

حتى العام 1966 قبع البدو في النقب- كغيرهم من الفلسطينيين الذين تحولوا إلى مواطنين في إسرائيل- للحكم العسكري. شغل الحكم العسكري في غالب الأحيان وظيفة ممثّل السلطة الحصري في جميع المسائل والقضايا. بحث الحاكم العسكري من جهته قضايا المواطنين البدو بوساطة المشايخ ولم يتعامل معهم كأفراد. بدأت مكانة الحكم العسكري تتضعضع شيئا فشيئا خلال الستينيات، إلى أن ألغي نهائيا في العام 1966.

 

حلّت وزارة الزراعة مكان الحكم العسكري في معالجة قضايا البدو، وبالتحديد دائرة أراضي إسرائيل ، التي أقيمت كقسم في وزارة الزراعة في العام 1960. في 1986 أقيمت "مديرية البدو" داخل دائرة الأراضي، ومنذ إقامتها أصبحت الهيئة الحكومية الأساسية التي تركز بين يديها الصلاحيات في كل ما يتعلّق بقضايا 150,000 مواطن بدوي في النقب- سكان القرى المعترف بها وغير المعترف بها على حد سواء. وتقع على المديرية مسؤولية تخطيط وتطوير البلدات القائمة، وبناء مخططات لبلدات جديدة، وتخصيص أراضٍ للمؤسسات العامة ولأغراض الزراعة، بالإضافة إلى محاولات التوصّل إلى تسويات بخصوص قضايا الملكية وتخصيص مياه الشرب. تُحوّل جميع الميزانيات المخصّصة للبدو، بما في ذلك ميزانيات السلطات المحلية في البلدات المعترف بها، بواسطة المديرية وليس بواسطة الوزارات الحكومية مباشرةً.

أثارت مديرية البدو انتقادات جمّة، سواء كان ذلك من قبل البدو أو من قبل تنظيمات وهيئات أخرى. وقد سجّلت مؤخراً بعض المحاولات لإلغائها أو الحدّ من صلاحياتها. فعلى سبيل المثال قدّم مجلس الأمن القومي توصيته بأن تقتصر صلاحيات هذه المديرية على قضية الأراضي، ونقل بقية الصلاحيات لجهات أخرى.

بالإضافة إلى مسؤولية دائرة أراضي إسرائيل عن مديرية البدو، فهي المموّل الرئيسي لـ"الدوريات الخضراء" المسئولة عن "الحفاظ على أراضي الدولة من الغزاة". تقع على هذه الدورية أيضاً مسؤولية هدم البيوت غير القانونية، ومصادرة قطعان المواشي وأمور أخرى.

 

مواطنون بلا عنوان

 

لا تزال إسرائيل ترفض الاعتراف بعشرات البلدات البدوية في النقب، وعليه لا ترد أسماؤها (بعضها كان قائماً قبل 1948) في بطاقات هوية المواطنين. وبدلاً من العنوان الشخصي، تُحدّد إقامة المواطنين البدو حسب انتمائهم العشائري.

لا ينعم سكان القرى غير المعترف بها بحق الانتخاب والترشيح للسلطة المحلية، ويرجع ذلك إلى أن هذه البلدات غير معترف بها وتفتقد للسلطة المحلية. لا يحق للبدو التصويت أو الترشيح كذلك في البلدات التي تقع ضمن نفوذ السلطات المحلية اليهودية، مع أنهم ملزمون في الكثير من الأحيان بدفع رسوم الأرنونا للسلطة مقابل الأراضي التي يستأجرونها لأهداف زراعية.

 

 

القرى غير المعترف بها: قصة المواطنين غير المرئيين

 

يقطن حوالي 76 ألف مواطن بدوي في 45 قرية غير معترف بها من قبل السلطات، ولا تظهر في الخرائط الرسمية للدولة. بعض هذه القرى كان قائماً قبل قيام الدولة، والبعض الآخر أقيم في الخمسينيات عندما طردت القبائل البدوية من شمال غرب النقب إلى منطقة السياج.

 

لا تحصل القرى غير المعترف بها على الخدمات الحكومية المنظّمة، وينعدم فيها جهاز الحكم المحلي. تتكون المباني القائمة في هذه القرى من مواد غير صلبة تحسباً من عمليات الهدم التي تنفذها السلطات. بالإضافة إلى ذلك، تنعدم المؤسسات عامة والشوارع الموصلة. ما يزيد عن نصف البيوت ليست موصولة بشبكة المياه، ويضطر المواطنون إلى القيام بخطوات مختلفة من أجل الحصول على المياه. لم توصل هذه القرى أيضاً بشبكة الكهرباء، ومعظم السكان لا يملكون الثلاجات، كما تفتقر الشوارع للإنارة. ينعدم في هذه القرى أيضاً جهاز الصرف الصحي مما يؤدي إلى إسقاطات بيئية وصحية خطيرة. تمر من بعض القرى قنوات صرف صحي مكشوفة تأتي من البلدات اليهودية المجاورة. تفتقر جميع هذه البلدات إلى هيئة لتجميع القمامة. تتميز أجهزة الصحة والتعليم والرفاه في القرى غير المعترف بها بمستواها البائس: العيادات القائمة غير كافية وهي توفر الخدمات الأساسية فقط. يقتصر ما تقدمه المدارس ومكاتب الرفاه الاجتماعي على الخدمات الأساسية فقط.

في أيار 1997 أقام سكان القرى غير المعترف بها "المجلس القطري للقرى غير المعترف بها في النقب"، كرد فعل على المخطط الهيكلي للواء الجنوب، الذي- كما اتضح- لا يشمل بداخله القرى غير المعترف بها. يحمل هذا المخطط نوايا لطرد بعض السكان من أراضيهم وسلب الكثير من الأراضي التابعة لبعض القرى. تشكلت اللجنة من رؤساء اللجان المحلية في القرى، ووضعت نصب أعينها هدف نيل الاعتراف بالـ 45 قرية غير المعترف بها.

سجّل المجلس القطري، وإلى جانبه تنظيمات بدوية أخرى فاعلة، بعض الإنجازات: أولاً، شكّل عمل المجلس عاملاً هاماً في بلورة قرار حكومة ايهود باراك من العام 2000، والذي يعتبر بادرة جديدة بكل ما يخص القرى غير المعترف بها. تضمن القرار، أولاً، الاعتراف بـ 9 قرى من بين الـ45 قرية غير المعترف بها، وإقامة المجلس القطري أبو بسمة لإدارة هذه القرى؛ ثانياً، وضع هذا القرار حدا لمعادلة اشتراط منح الخدمات الحكومية للبدو بالتوصل إلى تسوية في قضية الأراضي؛ وثالثاً، مشاركة السكان من القرى غير المعترف بها في عملية اتخاذ القرارات.

اتخذت التنظيمات والنشطاء البدو دوراً فاعلاً في الإجراءات القضائية التي اتخذت ضد الخطة الهيكلية للواء الجنوب. في العام 2000 قدّم سكان القرى غير المعترف بها التماساً إلى المحكمة العليا، بواسطة جمعية حقوق المواطن، بسبب عدم شمل القرى غير المعترف بها في الخطة الهيكلية للواء الجنوب. ألزمت المحكمة العليا الملتمسين والمجلس القطري للتخطيط والبناء التوصّل إلى اتفاقية، حيث طُلب تحضير خطة هيكلية لوائية جزئية تعالج مسألة القرى البدوية بمشاركة ممثلين عن المواطنين، ودراسة الخطّة البديلة التي قدّمها المجلس اللوائي للقرى غير المعترف بها في النقب.

يشكل قرار المحكمة العليا وقرار حكومة باراك إنجازين بالغي الأهمية. ومع ذلك، لم يجر أي تقدم يذكر خلال الأعوام الخمسة الماضية منذ صدور هذين القرارين، إذ يبدو أن السلطات تنتهج سياسة المماطلة.

كان قرار حكومة شارون الصادر في أيلول 2003 حول الخطة المتعددة السنوات لمعالجة قضايا الوسط البدوي في النقب، القرار الحكومي الأخير الذي اتّخذ بهذا الشأن. على الرغم من أن القرار يصادق على قرار حكومة باراك الاعتراف بعدد من القرى، ويتطرّق إلى تطوير البنى التحتية والخدمات، إلا أنه يشدّد بالأساس على مسألة فرض القانون. بناء على ذلك رصدت- في إطار هذا القرار- ميزانيات إضافية لجميع الأجسام التي تعمل على فرض القانون. قرّرت الحكومة مؤخراً إقامة هيئات جديدة تعمل على فرض قوانين الأرض. وفي حين وصلت ميزانية الخطة التي وضعتها حكومة شارون إلى 1.1 مليار شاقل، فإنّ جزءا كبيرا منها هو مجرد تحويل لميزانيات قائمة.

من شأن التمعّن في ميزانية الدولة أن يترك الانطباع بأن الحكومة ترصد مبالغ كبيرة لمعالجة ضائقة البدو في النقب. إلا أن الحديث هنا يدور عن أموال بعضها غير مستغلّ. فعلى سبيل المثال، تُظهر مراجعة بند التخطيط والتطوير لمديرية البدو (الذي يشمل إقامة الأحياء الجديدة، تحسين البنى التحتية وإلخ..) أن نسبة الاستغلال تصل إلى 40% فقط بمعدل سنوي عام. السلطات على دراية تامة بهذه النسبة المنخفضة، وعليه فإنّ تخصيص الميزانيات المرتفعة عاما بعد عام، ليست إلا تظاهرًا بسخاء السلطة دون أي غطاء على أرض الواقع.

 

 

غياب الأفق الاقتصادي

 

خلال معظم سنوات القرن الـ20 كانت الزراعة مصدر رزق البدو الأساسي. لكن الزراعة البدوية تضرّرت كثيراً تحت سيطرة الحكم الإسرائيلي. أولا، فقد البدو الكثير من الأراضي خلال عملية طردهم إلى منطقة السياج. ثانياً، أراضي منطقة السياج هي أكثر جفافاً من تلك الواقعة في النقب الشمال غربي. ثالثاً، تعتبر الدولة أراضي السياج تابعة لها، وبالتالي تتيح الفلاحة باتفاقية استئجار (لا تقتصر هذه الظاهرة على البدو، فـ 93% من أراضي الدولة تخضع لملكية الدولة، وبالتالي يستأجر معظم المزارعين اليهود الأراضي من الدولة؛ يكمن الفرق في أن المزارعين اليهود يستأجرون الأرض لفترة تبلغ 49 عاما مع إمكانية التمديد، كما يستطيعون بالإضافة إلى ذلك استئجار أراضٍ أخرى باتفاقيات سنوية، بينما يشكل البديل الثاني الإمكانية القائمة الوحيدة بالنسبة للبدو. وعليه يُطلب من المزارعين البدو تجديد التصريح الذي يحصلون عليه من السلطات، وأحياناً يكون عدم التجديد إمكانية واردة أو أنّهم يحصلون على قسيمة أخرى غير تلك التي فلحوها في العام المنصرم).

رابعاً، لا يحصل المزارعون البدو على حصص مياه كتلك التي تُمنح لجيرانهم من اليهود؛ هنالك بعض المزارعين الذين يحرمون من أي حصص من المياه، فيضطرّون، بالتالي، إلى دفع ثمن المياه حسب تسعيرة الاستعمال البيتي، التي تصل إلى 3.5 أضعاف سعر المياه المعدة لأهداف زراعية. لا يحظى البدو بالدعم الحكومي التي يمنح للزراعة البعلية في سنوات الجفاف.

وأخيراً، وفي كل ما يتعلق بفلاحة القسائم التي لم يحصل البدو على المصادقة بخصوصها، تتّبع السلطات سياسة مشدّدة، وتعتمد رشّ المحاصيل والقسائم بمواد كيميائيّة أو تقوم بحرثها.

 

بحث البدو، ومنذ فترة الانتداب، عن العمالة الأجيرة، لأن الزراعة وحدها لم تكن كافية كمصدر للرزق. عند قيام الدولة وحتى العام 1966، لم يُسمح للبدو الخروج من منطقة السياج وقبعوا تحت سيادة الحكم العسكري.

كان الخروج من المنطقة مقترناً باستصدار تصريح من قبل الحاكم العسكري، وكانت مصالح السكان اليهود الاقتصادية من بين الاعتبارات التي أخذتها سياسة التصاريح هذه بالحسبان. عانى النقب بأكمله خلال الخمسينيات من معدّلات مرتفعة من البطالة، وتخوّفت السلطات من أن يشغل البدو أماكن العمل المحتملة للقادمين الجدد، لكونهم أيدي عاملة رخيصة ولا يحصلون على حماية الهستدروت. عندما كان يتعذّر على المشغلين اليهود إيجاد عمّال يهود، وفقط عندها، كانوا يتوجّهون إلى الحاكم العسكري في طلب العمال البدو. وبذلك وجد البدو بعض الأعمال في تعبيد الشوارع والزراعة والكسّارات والمناجم. وتمّ تشغيل القلائل منهم في أعمال شبه مهنية (النجارة وتصليح السيارات وما شابه).

وأخيراً، وجدنا أن مستوى أجور العمال البدو أكثر تدنيا: تندرج البلدات البدوية في أسفل سلّم الدخل في إسرائيل. لكن تجدر الإشارة إلى أن معدّل الدخل في البلدات البدوية المعترف بها لا يقلّ كثيراً عن معدّل الدخل في بعض بلدات التطوير اليهودية الواقعة في المنطقة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات