عبر مسؤولون إسرائيليون عن قلقهم مما وصفوه بالتقارب بين الولايات المتحدة وسورية، واعتبارهم أنه لا يوجد ما يبرر هذا التقارب من جانب إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما. ونقل المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت، شمعون شيفر، اليوم الأحد – 3.5.2009، عن مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع تساؤله، أمس، أنه "ما الذي يحدث هنا؟ إن السوريين لا يوفرون أسبابا تبرر جري مبعوثي الإدارة (الأميركية) إلى دمشق. والنظام السوري يواصل التدخل في ما يجري في العراق ويسمح للإرهابيين بتجاوز الحدود وتنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش الأميركي. كما السوريين يرشون كل شيء يتحرك في لبنان بهدف التأثير على نتائج الانتخابات (النيابية) فيه".
وأشار شيفر إلى أن إسرائيل لم تتمكن من متابعة "التغيرات الدراماتيكية" الحاصلة في السياسة الخارجية الأميركية المتعلقة بالشرق الأوسط. وأضاف أن "العلاقات الحميمة (لإسرائيل) مع الولايات المتحدة لم تعد مثلما كانت في الماضي، على الأقل حسبما تبدو الأمور الآن. وربما احد أسباب ذلك يعود إلى أن (الحكومة) في إسرائيل ما زالت تعيد دراسة سياستها الخارجية قبيل زيارة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن بعد حوالي الأسبوعين. لكن أوباما لا ينتظر، وهو يدفع بنشاط الخطوات التي تحدث عنها خلال حملته الانتخابية".
ونقل فيشر عن مسؤول رفيع في المؤسسة السياسية الإسرائيلية قوله، إن أوباما يريد أن يفي بوعده والانسحاب من العراق خلال سنة، وتقوية حكومة لبنان، ومن أجل تحقيق ذلك فإن الأميركيين بحاجة إلى الرئيس السوري، بشار الأسد. من جهة أخرى كتب فيشر أن الموقف السائد في جهاز الأمن الإسرائيلي هو أنه "إذا كانت إسرائيل تريد البقاء في الصورة، عليها أن تبادر إلى استئناف المفاوضات مع سورية وإلا فإن المبادر ستأتي من جانب الأميركيين". ويعتقد المسؤولون في جهاز الأمن الإسرائيلي أن "الأسد بانتظار استئناف الوساطة الأميركية وأنه ليس مهتما بمحادثات غير مباشرة (مع إسرائيل) بواسطة الأتراك. وأن الأسد مؤمن بأن الولايات المتحدة وحدها القادرة على إرغام إسرائيل على دفع ثمن السلام وفقا لرؤيته والمتمثل بإعادة هضبة الجولان كلها" إلى سورية.
ورجح فيشر أن يبحث نتنياهو موضوع التقارب الأميركي السوري خلال لقائه أوباما في البيت الأبيض، في 18 أيار الجاري. واستبعد المراسل أن يقترح نتنياهو على أوباما أن يستند الاتفاق بين إسرائيل وسورية إلى المعادلة التي يطرحها وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، وهي "السلام مقابل السلام". وتطالب إسرائيل سورية بوقف تزويد السلاح لحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وتجمد حلفها مع إيران.
وخلص شيفر إلى أن "ثمة أمرا واحدا مؤكدا وهو أن عهد مقاطعة لاعبين مركزيين في المنطقة، الذي ميز إدارة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، قد انتهى. وفي النهاية قد يكتشف الأميركيون أنه في الشرق الأوسط لا يمكن توقع الأحداث مسبقا ولا يمكن تخطيط شيء ما سلفا، لكن حتى يتحقق ذلك على الجميع الاعتياد على قواعد جديدة للعبة".
وأشارت يديعوت أحرونوت إلى أن إدارة أوباما تعتزم إعادة السفير الأميركي إلى دمشق، في أعقاب سلسلة محادثات أجراها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، جيفري فيلتمان، مع السفير السوري في واشنطن، عماد مصطفى، خلال الأسبوع الماضي. من جهة أخرى يتوجه فيلتمان ومسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، دانييل شبيرو، إلى دمشق لإجراء محادثات مع القيادة السورية تمهيدا لمجيء المبعوث الأميركي الخاص على الشرق الأوسط، جورج ميتشل، إلى دمشق.
وبحسب يديعوت أحرونوت، فإن المحادثات بين واشنطن ودمشق ستتمحور حول استئناف المفاوضات بين إسرائيل وسورية، ومنع دخول مقاتلين إلى العراق عبر الحدود العراقية – السورية، ومراقبة سورية مشددة على مقرات حماس في دمشق، واتفاق تجاري بين الولايات المتحدة وسورية.
وفي غضون ذلك أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن نتنياهو وليبرمان اتفقا في نهاية الأسبوع الماضي على تعيين الدكتور ميخائيل أورن سفيرا لإسرائيل في واشنطن. ويتوقع أن يبدأ أورن بمزاولة مهامه قبل يومين من زيارة نتنياهو لواشنطن، وسيشارك في لقاء نتنياهو – أوباما.
نتنياهو يعتزم إعلان انسحاب إسرائيل من شمال قرية الغجر
من جهة ثانية يعتزم نتنياهو الإعلان، قريبا، عن نية إسرائيل الانسحاب من القسم الشمالي لقرية الغجر عند الحدود الإسرائيلية –اللبنانية وتسليمه إلى القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، بادعاء دعم الحكومة اللبنانية، برئاسة فؤاد السنيورة، عشية الانتخابات اللبنانية العامة. وذكرت صحيفة هآرتس، اليوم، أن نتنياهو سيعقد اجتماعا للحكومة الإسرائيلية المصغرة للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) لبحث موضوع قرية الغجر، ويتوقع أن يتم الإعلان في نهاية الاجتماع عن استعداد إسرائيلي للانسحاب من القسم الشمالي للقرية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى حرب لبنان الثانية.
وسيتم الانسحاب من القرية بموجب ترتيبات أمنية ومدنية جرت حولها مفاوضات بين إسرائيل والأمم المتحدة منذ تشرين الثاني الماضي. ونقلت هآرتس عن مصدر سياسي مقرب من نتنياهو قوله إن إسرائيل ستنسحب من شمال الغجر استجابة لمطالب متواصلة من جانب الإدارة الأميركية والرغبة في تقديم بادرة نية حسنة لحكومة فؤاد السنيورة عشية الانتخابات النيابية اللبنانية التي ستجري في بداية شهر حزيران. وأضافت الصحيفة أن الانسحاب الإسرائيلي لن يتم قبل الانتخابات اللبنانية على ضوء تقديرات بأنه سيتم تقديم التماسات إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد شكل الانسحاب خصوصا من قبل سكان الغجر الذين يعارضون تقسيم قريتهم.
لكن هآرتس أشارت إلى أن نتنياهو معني بإعلان بيان حول نية إسرائيل بتنفيذ الانسحاب من أجل تقوية "الجهات المعتدلة" في لبنان قبل سفره إلى الولايات المتحدة. وأفادت هآرتس بأن المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، طرح موضوع الغجر خلال زيارته لإسرائيل، قبل أسبوعين، ولقائه مع نتنياهو ووزير الدفاع، ايهود باراك، وليبرمان. وطلب ميتشل من المسؤولين الإسرائيليين أن تنفذ إسرائيل الانسحاب من الغجر وفقا لتعهدات إسرائيلية منذ ولاية رئيس الحكومة السابق، ايهود أولمرت.
وأجرى نتنياهو مشاورات حول موضوع الغجر في هيئة "الثلاثية" التي تضمه هو وباراك وليبرمان ويبدو أن الأخيرين لا يعارضان الانسحاب ويدركان أهميته. من جانبه أجرى جهاز الأمن الإسرائيلي سلسلة مداولات حول الموضوع لكن من دون بلورة توصية محددة من جانب الجيش الإسرائيلي، علما أن الجيش الإسرائيلي معني بحل قضية الغجر التي يعتبرها مسربا لتهريب المخدرات من لبنان على إسرائيل. وبحسب هآرتس فإن "الجيش الإسرائيلي يعي أن الانسحاب من القسم الشمالي (من الغجر) سيُبقي هناك مواطنين إسرائيليين تحت سيطرة لبنانية".
وسيبحث الكابينيت الأربعاء المقبل في إشكاليات سيطرحها جهاز الأمن ووزارة الخارجية وسيتم التداول في بدائل لهذه الإشكاليات. ولفتت هآرتس إلى أن إسرائيل معنية بالتوقيع على اتفاق مع لبنان تحت رعاية الأمم المتحدة وبشكل يكون واضح فيه أن الانسحاب لا يشكل انتصارا لحزب الله. وقال مصدر سياسي إسرائيلي إن الانسحاب من الغجر لن يؤثر على الانتخابات اللبنانية بادعاء أن "هذه انتخابات على المال وليس على السياسة" وتساءل "ماذا سيحدث لو صادقنا على الانسحاب وبعدها فاز حزب الله في الانتخابات النيابية؟".
يشار إلى أن قرية الغجر تقع عند السفوح الغربية لهضبة الجولان وكانت إسرائيل قد احتلتها خلال حرب العام 1967 وسنت في العام 1981 قانونا يقضي بضم الجولان إلى إسرائيل ومنح مواطنيه الجنسية الإسرائيلية. وبعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار من العام 2000، رسمت الأمم المتحدة خطا حدوديا جديدا بين إسرائيل ولبنان بات يعرف باسم "الخط الأزرق"، الذي قسّم الغجر إلى قسمين الأول يخضع لإسرائيل فيما أصبح القسم الشمالي مفتوحا على الأراضي اللبنانية.
وكان الموقف الإسرائيلي في الماضي يقضي بأن الانسحاب من القسم الشمالي من الغجر ومن مزارع شبعا المحاذية للقرية، سيتم بعد الاتفاق بين لبنان وسورية حول رسم الحدود بينهما في هذه المنطقة. ويؤكد سكان الغجر أنهم سوريون ويرفضون تقسيم قريتهم ويطالبون بأن تنسحب إسرائيل من القرية في إطار انسحابها من الجولان.
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, هآرتس, يونيفيل, مجلس الأمن القومي, باراك, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, أفيغدور ليبرمان