بعد احتجاجات وشكاوى عديدة ومتكررة، فلسطينية ودولية، منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، اعترف الجيش الإسرائيلي أخيرا باستخدام قذائف فوسفورية في قطاع غزة. وأفادت صحيفة معاريف، اليوم الثلاثاء – 20.1.2009، بأن الجيش الإسرائيلي اعترف بإطلاق قذائف مدفعية اشتملت على قطع قماش مشبعة بالفوسفور، بادعاء إنشاء ستار دخاني، وكانت هذه هي القذائف التي انفجرت فوق سطح الأرض وأنشأت شكلا يشبه قنديل البحر.
وبحسب معاريف فإن الجيش الإسرائيلي ادعى أنه استخدم هذا النوع من القذائف في مناطق مفتوحة في القطاع، علما أن المشاهد التي تم نقلها عبر شاشات التلفاز طوال الأيام الثلاثة والعشرين للحرب أظهرت إطلاق هذه القذائف في قلب المناطق المأهولة بالسكان وأنه تم استخدامها بصورة مكثفة للغاية. وقال الجيش الإسرائيلي إن الهدف من استخدام هذه القذائف هو تحديد أهداف وتفجير عبوات ناسفة، وأن استخدامها تم بما يتوافق مع القانون الدولي وحسبما هو معروف للجيش فإنه لم يتم استخدامها في مناطق مأهولة. وأضاف الجيش أنه سيجري تحقيقا داخليا في استخدام هذه القذائف.
من جهة أخرى نقلت معاريف عن منظمات حقوقية دولية تأكيدها على أن الحديث لا يدور عن هذه القذائف وإنما عن نوع آخر كانت تسقط على الأرض في قطاع غزة وتنشر مادة الفوسفور الحارقة في كل مكان. وكانت المنظمات الحقوقية الدولية قدمت شكاوى واحتجاجات متكررة منذ بداية الحرب حول استخدام الجيش الإسرائيلي القنابل الفوسفورية في مناطق مأهولة في جميع أنحاء القطاع. وأعلنت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشونال)، مساء أمس، أن بحوزتها أدلة صلبة حول استخدام إسرائيل القنابل الفوسفورية في القطاع. وأكدت المنظمة الدولية أن بعثة من قبلها زارت قطاع غزة ووجدت "أدلة لا تقبل الشك باستخدام واسع من جانب إسرائيل لقنابل فوسفورية تم إطلاقها باتجاه مناطق ذات كثافة سكانية عالية في مدينة غزة وشمال القطاع". كذلك اتهمت منظمة الصليب الأحمر الدولي إسرائيل باستخدام القنابل الفوسفورية طوال فترة الحرب.
من جهة أخرى، ذكرت صحيفة هآرتس، اليوم، أن إفادات حصلت عليها الصحيفة ومنظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، أكدت إطلاق جنود إسرائيليين النار على مواطنين فلسطينيين في قطاع غزة خلال الحرب وقتلهم أو إصابتهم بجروح. وقالت هآرتس إن بين العدد الكبير من القتلى والجرحى الفلسطينيين في القطاع كان هناك مواطنون لوحوا بقطع قماش بيضاء عندما أطلق جنود إسرائيليون النيران عليهم. وأضافت الصحيفة أنها سوية مع منظمة بتسيلم حصلت على إفادات فلسطينيين بواسطة الهاتف تفيد بعضها بأن أربعة من القتلى هم من عائلة النجار من قرية خزاعة الواقعة شرق مدينة خانيونس.
ونشرت هآرتس إفادات، كانت إحداها إفادة أسامة النجار، من قرية خزاعة، وقال فيها إنه في الليلة الواقعة بين 12 و13 كانون الثاني الحالي تجمع عشرات المواطنين في ساحة بيته، فيما كانت القوات الإسرائيلية تطلق القذائف المدفعية باتجاه الحي والتي أدت إلى اندلاع حرائق وقد حاول السكان إخمادها. وعند الساعة الخامسة فجرا، بدأت الدبابات الإسرائيلية بالدخول إلى القرية، لكن السكان لم يتمكنوا من رؤية شيء بسبب الدخان الكثيف الذي غطى المكان. وبعد ذلك سمعوا أصوات إطلاق النار من الدبابات وأصوات انهيار بيوت. وصعد السكان وبينهم الأولاد إلى سطح بيت وأخذوا يلوحون بقطع قماش بيضاء. لكن طائرة مروحية حربية إسرائيلية أطلقت النيران باتجاههم "من أجل التخويف وليس القتل"، بحسب إفادة أسامة نجار. وعند الساعة الثامنة صباحا أمر الجنود الإسرائيليون السكان بالتوجه إلى مركز القرية.
وبحسب إفادة جبتها بتسيلم من ياسمين النجار من قرية خزاعة، في 14 كانون الثاني، فإن مجموعات من النساء خرجن من عدة بيوت متجاورة بينهن هي وشقيقتها روحية. وقالت ياسمين إنه "بعد أن تجاوزنا ثلاثة بيوت في الشارع شاهدت جنديا إسرائيليا على بعد 40 مترا عنا ويوجه سلاحه نحونا. واعتقدت أنه يريد أن نقترب منه. وقد واصلنا أنا وروحية السير وفجأة أطلق الجندي النار علينا". وقد أصيبت ياسمين بجروح في قدمها، فيما سقطت روحية على الشارع وكانت الدماء تنزف من رأسها. وتفرق بقية السكان إلى كل اتجاه بحثا عن مخبأ وسط حالة من الفزع الشديد فيما واصل الجنود إطلاق النار بشكل مكثف. وعندما حاولت ياسمين لاحقا العودة إلى المكان الذي تواجدت فيه روحية، أطلق الجنود النار باتجاهها كما أطلقوا النار باتجاه سائق سيارة إسعاف حاول إنقاذ روحية التي بقيت تنزف ولم يتمكن من الوصول إليها. وعندما تم إخلاء روحية عند الساعة الثامنة مساء كانت قد فارق الحياة.
وقال منير النجار "كنا جميعا نرفع قطع قماش بيضاء أو غطاء رأس تستخدمه النساء. وقد كنا نهرب وهم (أي الجنود) يطلقون النار". وأضاف أنه انتشرت في المنطقة "قوات خاصة" إسرائيلية وأنه عندما كان السكان على بعد 100 أو 150 مترا من بيت أسامة النجار أطلق الجنود النار عليهم وقتلوا ثلاثة، هم محمود النجار (56 عاما) وأحمد النجار (25 عاما) وخليل النجار (80 عاما). وبحسب إفادة منير فإن عشرة مواطنين آخرين قتلوا في اليوم ذاته جراء غارة على مدرسة وبيت مجاورين. ونقلت التحقيقات الإسرائيلية عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن بين القتلى كان واحد من نشطاء كتائب القسام، الذراع العسكري لحماس، وأن بين حوالي 50 بيتا تم هدمها بيت واحد لناشط في كتائب القسام.
ونقلت هآرتس عن مصادر عسكرية إسرائيلية عقبت على الإفادات قولها إنه بعد إجراء تحقيقات داخلية تبين أن نشطاء فلسطينيين استخدموا مرور السكان بين البيوت من أجل نقل أسلحة ومعلومات استخباراتية. كما أن النشطاء أنفسهم تنقلوا من بيت إلى آخر وهم يرفعون رايات بيضاء وبعد ذلك أطلقوا النار من داخل البيوت التي انتقلوا إليها. كذلك نقلت هآرتس عن الناطق العسكري الإسرائيلي أنه "تم إصدار تعليمات واضحة للقوات المقاتلة بالامتناع عن مهاجمة أطقم ومنشآت طبية، باستثناء حالات يتضح فيها أنه يتم استخدامها لأهداف إرهابية".