المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أولمرت دعا السكان في عكا إلى بذل كل ما في وسعهم من أجل تهدئة الخواطر وإعادة الحياة إلى مجاريها وليفني عبرت عن قلقها من الأحداث * صحافية إسرائيلية: التوتر بين السكان العرب واليهود يتصاعد على خلفية تخوفات من تعميق السيطرة اليهودية الجديدة في عكا - بما في ذلك إقامة المعاهد الدينية اليهودية التابعة للتيار الديني القومي الصهيوني- وعلى خلفية الحديث عن تهويد المدينة

"المشهد الإسرائيلي"، خاص

هدأت المواجهات العنيفة بين العرب واليهود في مدينة عكا، وحل مكانها هدوء مشوب بالتوتر.

غير أنّ معظم التعليقات الصحافية رأت أنه ليس من شأن هذا الهدوء أن يمنع الانفجار القادم.

وقد احتلت الأحداث في عكا عناوين الصحف الإسرائيلية الصادرة صباح اليوم، الجمعة- 10.10.2008.

بدأت الأحداث مساء أول من أمس، الأربعاء، عندما وصل مواطن عربي من المدينة إلى حي يقع في شرقي المدينة، معظم سكانه من اليهود. وكانت هذه ليلة يوم الغفران، وهو يوم صوم، يمتنع فيه اليهود عن مظاهر الاحتفال والسير بسياراتهم. لكن هذا المواطن العربي وصل إلى الحي بسيارته، لاصطحاب ابنته التي تواجدت عند أقاربه في الحي. وقال المواطن العربي لوسائل الإعلام الإسرائيلية "أعرف أنه يوم الغفران. جئت أنا وابني وصديقي، قبيل منتصف الليل بقليل. قدت السيارة بصورة طبيعية ومن دون أن أستفز أحدا. وصلنا إلى الشارع، وخلال دقائق معدودة بدأ عشرات الشبان اليهود يحتشدون حولنا وإلقاء الحجارة علينا. لم نعرف ماذا نفعل، فخرجنا من السيارة وصعدنا إلى شقة قريبي. كل هذا حدث لأننا عرب".

وأضاف أن اليهود حاصروا بيت قريبه وأخذوا يصرخون "الموت للعرب". وتابع "شعرنا بأننا مهددون، وكانوا يلقون الحجارة على البيت. استدعينا سيارة إسعاف والشرطة لأن ابني أصيب بجروح في وجهه وظهره. طاقم الإسعاف لم ينجح بالدخول لكن عددا من الشرطيين وصلوا إلى الشقة وطلبوا أن نرافقهم. نزلنا من البيت ودخلنا سيارة الشرطة. شاهدنا قسم من الشبان اليهود وبدأوا يلاحقوننا وفي عيونهم نظرات قاتلة. والشرطي حاول تشغيل السيارة، لكنه لم ينجح بذلك، وعندها خرج الشرطي من السيارة وهرب. لم نعرف ماذا نفعل فخرجنا من السيارة وبدأنا نجري. تسلقنا جدارا ودخلنا ورشة بناء واختبأنا هناك لدقائق طويلة. وبعد ذلك نجحنا بالفرار من الحي".

لكن في غضون ذلك وصلت شائعات إلى عكا القديمة وحي وولفسون، الذي تسكنه غالبية عربية، تفيد بأن اليهود قتلوا مواطنا عربي في الحي الشرقي. فهرع مئات الشبان العرب إلى الحي اليهودي، ووقعت مواجهات عنيفة بين العرب واليهود. وبعد وقت قصير وصلت قوات كبيرة من الشرطة إلى المكان وعملت على تفريق الشبان من الجانبين. وكانت الساعة قد تجاوزت الثالثة فجرا. وبحسب قائد مركز الشرطة في عكا، آفي إدري، فإن الشبان العرب، لدى عودتهم إلى أحيائهم، اعتدوا على أملاك في الشارع الرئيسي في المدينة وحطموا عشرات السيارات التي كانت متوقفة، والواجهات الزجاجية للحوانيت.

وخلال نهار أمس، الخميس، سادت أجواء متوترة في أنحاء المدينة، تفجرت في ساعات المساء عندما انتهى صوم اليهود. وعندها خرج مئات الشبان من الحي اليهودي في شرقي عكا باتجاه الشارع الرئيسي وهم يصرخون "الموت للعرب". وفي هذه الأثناء بدأ الشبان العرب يحتشدون في مقابلهم. ومرت ساعات طويلة كان الوضع خلالها على شفا انفجار خطير. لكن الشرطة حشدت قوات كبيرة في عكا، وصلت من المناطق القريبة وبينها قوات خاصة لمكافحة الشغب. كما وصلت إلى عكا معظم قيادة الشرطة الإسرائيلية، وعلى رأسها المفتش العام، دافيد كوهين. وتمكنت الشرطة من تفريق الشبان من الجانبين، مستخدمة عددا كبيرا من قنابل الغاز المسيل للدموع وسيارات تفريق المظاهرات بخراطيم المياه والخيالة. وانتهت المواجهات التي أسفرت عن إصابة أربعة شبان بجروح طفيفة، واعتقال عشرة آخرين.

من جانبه، دعا رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، مساء أمس، السكان في عكا إلى بذل كل ما في وسعهم من أجل تهدئة الخواطر وإعادة الحياة إلى مجاريها. وقال أولمرت في بيان خاص إنه "ينبغي الحفاظ على القدرة للعيش المشترك في هذه المدن" في إشارة إلى المدن المختلطة.

واتصلت وزيرة الخارجية والمكلفة بتشكيل حكومة جديدة، تسيبي ليفني، برئيس بلدية عكا، شمعون لانكري، وعبرت عن قلقها من الأحداث. ونقلت الصحف الإسرائيلية عن ليفني قولها إن "عكا معروفة كمدينة تحافظ على التعايش، ولن نسمح لأولئك المتطرفين المنفلتين بصورة منهجية في السنوات الأخيرة باستغلال كل فرصة لتحريض الجمهور".

ورأى مراسل الشؤون العربية في صحيفة هآرتس، يوءاف شطيرن، في مقال تحليلي، نشره اليوم، أن أسباب انفجار الوضع في اليومين الماضيين هو أن "اليهود يخشون من أن يفقدوا المدينة". وكتب أنه "في السنوات الأخيرة تمر عكا بتغيرات ديمغرافية كثيرة. السكان العرب يخرجون من البلدة القديمة ويتوجهون للسكن في الأحياء الجديدة. إضافة إلى ذلك، يهاجر إلى المدينة مواطنون عرب يأتون من جميع أنحاء الجليل. وأحد الأسباب لذلك هو التسهيلات الضريبية التي حصل عليها سكان المدينة بموجب قرار حكومي. وقال أحد قادة الجمهور العربي لهآرتس إن النية الأصلية من خلال منح التسهيلات هي وقف هجرة السكان اليهود ذوي المستوى الاقتصادي الاجتماعي العالي إلى المدن الأخرى، وخصوصا نهاريا، لكن بدلا من أن توقف التسهيلات الهجرة اليهودية، فقد جذبت مواطنين عربا، أصبحوا أغلبية في المنطقة الانتدابية القريبة من البلدة القديمة".

وأشار شطيرن إلى أن "اليهود يشعرون أنهم يفقدون المدينة. والعرب، من جهتهم، يشعرون أنهم ملاحقون ومهددون من يهود من خارج البلاد يشترون البيوت في المدينة (القديمة)... وفي السنوات الأخيرة بدأت تعمل في عكا جهات يمينية دينية (يهودية). ويتصارع اليهود والعرب في الأحياء المختلفة حول رفع الآذان، بينما تتعزّز في خلفية ذلك قوة الحركة الإسلامية".

من جانبها أشارت الصحافية أفيراما غولان، في تحليل نشرته هآرتس، إلى أن "التوتر بين السكان العرب واليهود يتصاعد على خلفية تخوفات من تعميق السيطرة اليهودية الجديدة في المدينة - بما في ذلك إقامة المعاهد الدينية اليهودية التابعة للتيار الديني القومي الصهيوني- وعلى خلفية الحديث عن تهويد المدينة. وهذا التوتر يزداد خطورة في الأحياء المختلطة التي تعاني أيضا من ضائقة اقتصادية واجتماعية". ورأت غولان أن "المواجهات كانت متوقعة، وهذه المرة تصاعدت أكثر مما كانت عليه في الماضي وأسفرت عن إلحاق أضرار بالممتلكات أكثر خطورة، لكنها لم تنطو على أي شيء جديد".

وأكدت غولان على أنه "دائما كان يوم الغفران ذريعة واهية وبائسة لدى شبان [يهود] ضجرين ويبحثون عن بعض النشاط. ولو لم يتواجد عربي في محيطهم، ربما كانوا سيهاجمون بعضهم بعضًا، أو يلقون الحجارة على سائق يهودي يصطحب زوجته إلى غرفة الولادة. والعرب، من جهتهم، صدقوا بسرعة زائدة الشائعات حول مقتل السائق العربي. والخطر الآن هو أن تقوم جهات ذات مصلحة بتضخيم الحدث وتلصق به جذورا قومية، أو وطنية على الأقل، أو على خلفية دينية. لذلك يجدر بنا أن نتذكر أنه على الرغم من أن أجهزة الأمن تحذر منذ أكثر من أربعين عاما من تفجر عنف العرب الإسرائيليين على خلفية الغبن الذي يتزايد عمقا، فإن المعطيات الميدانية تثير التعجب: حتى أحداث أكتوبر 2000 تم تضخيمها، هكذا أوضحت لجنة أور، بسبب عجز وهستيرية الشرطة والحكومة".

وخلصت غولان إلى القول "لكن لا ينبغي الاستهتار بالمشاعر المخنوقة... وأول من يتوجب عليه أن يدرك ذلك هو رئيس بلدية عكا، الذي نسي على ما يبدو أنه يخدم جمهورا مختلطا. فقد قال للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، أمس، 'إني أدعو كل شعب إسرائيل إلى المجيء بجماهيره لمهرجان المسرح الآخر الذي سيفتتح بعد أربعة أيام'. وأضاف أن 'هذا حدث وطني'. وهذا الدعوة تصم الآذان العربية. وعمليا، هي تبدو كذلك لكل أذن ليست مغلقة".

من جانبه اعتبر عضو الكنيست دافيد أزولاي، من حزب شاس والذي يسكن في الحي الذي وقعت فيه المواجهات، أول من أمس، أن ما حدث كان اعتداء من جانب العرب على اليهود. ولم يكتف بذلك بل شبّه، في مقال نشره في صحيفة يديعوت أحرونوت، الأحداث بأحداث مدينة الخليل التي وقعت في العام 1929 والتي قتل فيها المئات من العرب واليهود، وتثير في أيامنا تداعيات سلبية للغاية لدى اليهود ضد العرب. وزعم أزولاي "وقفنا عاجزين أمام جموع عربية تقترب وتنفذ اعتداء وحشيا ضد كل ما يقف في طريقها. وتزايد العجز بعد وصول الشرطة". وزوّر عضو الكنيست الحقيقة وادعى أنه "لم يدخل أي من الشرطيين إلى البيت الذي ألقيت منه الحجارة"، علما أن اليهود هم الذين حاصروا البيت ورجموه بالحجارة.

ودعا أزولاي إلى أن تأخذ الجموع اليهودية القانون بيديها على غرار المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية. واعتبر أن "رد فعل الشرطة هو تماما السبب الذي جعل الجمهور [اليهودي] يشعر بأنه مهدد. ولا شك لدي في أن رد الفعل الفاتر من جانب الشرطة ألهب المشاعر وحسب: فقد رأى السكان اليهود أن الشرطة لا تفعل شيئا وقرر أن يعمل بصورة مستقلة". ورأى أن على الشرطة الآن "خفض اللهيب وإخماد النار. وسيتعين في المرحلة الثانية إيجاد معادلة تمكن الجانبين من مواصلة العيش في المدينة بصورة ناجحة وأقل هشاشة من الماضي".

لكن الصحافي زهير بهلول شدّد، في مقال نشرته يديعوت أحرونوت، على أنه "لم ينشأ أبدا نموذج للتعايش في عكا. ليس في عكا وحسب، وإنما في العالم كله... توجد في عكا مجموعتان سكانيتان والقاسم المشترك بينهما هو المصلحة التجارية. ورغم أهمية هذا العامل، إلا أن شيئا ما يبدو متصدعا في الداخل. ومن حيث الجوهر فإن الفجوة ما زالت مفتوحة. وحتى أنها قاتلة وهدامة. والدليل هو تفجر الغضب والمواجهات. لقد مرت عكا مؤخرا بانقلاب خارجي، فالشوارع اتسعت، والأرصفة رُممت، وأشجار النخيل زُرعت، غير أن من استثمر في الحجارة نسي لسبب ما البشر. السكان العرب في عكا يرزحون تحت خط الفقر. ومن لم يكلف نفسه عناء الاستثمار في البشر فقد تلقى غضبا مخزونا وإحباطا بالغا. من زرع الفقر حصد الإجرام والمخدرات... لقد كانت هذه المواجهات شبه حتمية لا يمكن منعها".

وخلص بهلول إلى أنه "يبدو أن كل من صلى في يوم الغفران وكل من طلب الغفران والسماح لم يشمل لدى تضرعه إلى الله في الأعالي صلاة اجتثاث العنصرية، وقمع غريزة الاحتلال واحترام الآخر المختلف. وخسارة أننا لم ننجح في العثور على المعادلة المفقودة. ربما هي مختبئة في مكان ما داخل صندوق أسود، إلا أنه في هذه الأثناء تحطمت الطائرة كلها".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات