"المشهد الإسرائيلي" – خاص
في الوقت الذي يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، إعطاء انطباع بوجود تقدم في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، والحديث عن تقدم كبير في قضية الحدود، يظهر أن الخلافات كبيرة جدا بين الجانبين حول هذه القضية وأيضا حول الترتيبات الأمنية، في الدولة الفلسطينية بعد قيامها. كذلك فإن الفجوات في مواقف الجانبين حول قضيتي حق العودة للاجئين الفلسطينيين والقدس واسعة جدا، خصوصا وأن أولمرت يرفض الحديث عن مفاوضات حول القدس، تحسبا من انهيار تحالفه الحكومي، على خلفية تهديد حزب شاس بالانسحاب من الحكومة، ويعمل في الوقت ذاته على فرض وقائع على الأرض من خلال التوسع الاستيطاني في القدس الشرقية وحولها. وفي ظل هذه الخلافات، وخلافات بين القيادة الإسرائيلية حول احتمالات تقدم المفاوضات، تصل وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، إلى المنطقة في محاولة لجسر الفجوات العديدة وإظهار تحقيق إنجازات بعدما تعرضت لانتقادات شديدة في بلادها على أدائها في قضايا عديدة أخرى، بينها أدائها المتعثر في حرب القوقاز.
وذكرت صحيفة هآرتس، اليوم الاثنين – 25.8.2008، أن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، اصطحبوا رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، أحمد قريع (أبو العلاء) في جولة في منطقة مستوطنة أريئيل، الواقعة جنوب مدينة نابلس في عمق الضفة الغربية، في الأسابيع الماضية. وقالت الصحيفة إن قريع لم يدخل المستوطنة وإنما تجول حولها، كما أن رئيسة وفد المفاوضات الإسرائيلي ووزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، لم تشارك في الجولة. وكان هدف الإسرائيليين من هذه الجولة إظهار صعوبة انسحاب إسرائيل من هذه المنطقة وإخلاء هذه المستوطنات. وأبرز تقرير هآرتس عمق الخلافات بين الجانبين حول قضية الحدود، إذ يطالب الفلسطينيون إسرائيل بإخلاء أريئيل والمستوطنات المحيطة بها، كما أنهم يعارضون إقامة كتلة استيطانية حول مستوطنة معاليه أدوميم، الواقعة شرقي القدس. وأوضح الجانب الفلسطيني أن عدم إخلاء أريئيل والمستوطنات المحيطة بها وإقامة كتلة استيطانية شرقي القدس سيؤدي إلى تقطيع أوصال الضفة ومنع تواصل جغرافي بين مناطقها.
من جهة أخرى، أفادت هآرتس بأن خلافات كبير بين الجانبين برزت في المفاوضات حول القضايا الأمنية. وأشارت الصحيفة إلى أن الجانب الفلسطيني يعارض بصورة مطلقة تواجد عسكري إسرائيلي في تخوم الدولة الفلسطينية بعد قيامها. فيما تطالب إسرائيل بأن تحتفظ بالإشراف على المعابر الحدودية، ونشر قوات الجيش الإسرائيلي "بصورة مقلصة" في غور الأردن، وحرية تحليق الطيران الإسرائيلي في المجال الجوي الفلسطيني ونصب محطات إنذار في السفوح الشرقية لجبال الضفة وأن يكون لها الحق بنشر قوات في الضفة في حالات الطوارئ.
وقالت هآرتس إن الجانب الفلسطيني رفض جميع المطالب الإسرائيلية، ووافق فقط على أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وذلك من دون الاتفاق حول الحجم الذي ستكون فيه منزوعة السلاح وأنواع الأسلحة المحظورة. وأضافت الصحيفة أن الفلسطينيين اقترحوا نشر قوات دولية بقيادة الولايات المتحدة في أراضيهم. لكن التقديرات في إسرائيل تفيد بأن الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لن توافق على إرسال جنود إلى الضفة.
من جانبه، يسعى أولمرت إلى الحصول على دعم أميركي للمطالب الأمنية الإسرائيلية، وهو يعتبر أنه بذلك سيتغلب على معارضة الفلسطينيين لها. ومن أجل تحقيق ذلك، أوفد أولمرت عددا من المبعوثين إلى الولايات المتحدة، الذين استعرضوا هناك المنظور الأمني الإسرائيلي الذي أعده طاقم برئاسة اللواء عيدو نحوشتان، الذي تم تعيينه مؤخرا قائدا لسلاح الجو. وقالت هآرتس إن الإدارة الأميركية لم ترد بعد على الطلب الإسرائيلي. وأشارت الصحيفة إلى أنه ليس واضحا بعد ما إذا كان أولمرت سيطلب "رسالة ضمانات" أميركية كالتي حصل عليها رئيس الحكومة السابق، أرييل شارون، من الرئيس الأميركي، جورج بوش، في نيسان العام 2004.
وفي غضون ذلك، تبدأ رايس، اليوم، زيارة لإسرائيل والسلطة الفلسطينية تستمر 24 ساعة، ستلتقي خلالها القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية. وتجدر الإشارة إلى أن المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية ليست على رأس أولويات ليفني ووزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك. وقلصت ليفني انشغالها بالمفاوضات وينصب جل اهتمامها في الوقت الراهن على تنافسها في الانتخابات الداخلية على رئاسة حزب كديما. كما أن أولمرت يفتقر للشرعية لتنفيذ عملية سياسية هامة. ولفتت هآرتس إلى أنه لم تجر في إسرائيل مداولات استعدادا لزيارة رايس، وخلافا لزيارات سابقة لها، فإن أولمرت لم يجر مداولات تمهيدية مع ليفني وباراك.
وتوقع المحلل السياسي في هآرتس، آلوف بن، أن تفشل محاولات رايس في جسر الفجوات بين مواقف الجانبين. وكتب أن رايس ستحاول خلال زيارتها أن تفهم ما إذا كان بالإمكان أن يتم عرض اتفاق إسرائيلي – فلسطيني أمام العالم، حتى لو كان هذا اتفاق جزئي، بحلول نهاية العام الحالي. وأشار الكاتب إلى أنه مرت تسعة شهور منذ انعقاد مؤتمر أنابوليس، الذي وعد المشاركون فيه "ببذل كل جهد" للتوصل إلى اتفاق بحلول نهاية العام 2008. لكن هذا العام أصبح قريبا من نهايته وسيطالب الجانبين بتنفيذ الوعد فيما تتصاعد الأزمة السياسية داخل إسرائيل ويبدو أن البلاد تسير باتجاه انتخابات مبكرة.
وأشار بن إلى وجود خلافات داخل إسرائيل حول إمكان التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية العام. وتنبع هذه الخلافات من الأوضاع الشخصية لكل واحد من القياديين الإسرائيليين. ورأى بن أنه سيتعين على رايس أن تشق طريقها بين المواقف المتناقضة للقيادة الإسرائيلية، أولمرت وليفني وباراك، قبل أن تحاول جسر الفجوات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. فأولمرت مقتنع بأنه بالإمكان التوصل إلى ما يسمى ب"اتفاق رف" يتم تنفيذه خلال عشر سنوات. وفي المقابل ترى ليفني وباراك أنه يحظر التسرع في التوصل لاتفاق. وتعتقد ليفني أنه ينبغي الاستمرار في مفاوضات مفصلة حول كافة القضايا وعدم التوصل لاتفاق ضبابي. ومن جهته يحذر باراك من "أوهام خطيرة" بخصوص المفاوضات خصوصا وأن الخلافات بين الجانبين كبيرة جدا.