تباينت المواقف الإسرائيلية إزاء التصريحات الصادرة عن رئيس الحكومة الفلسطيني، اسماعيل هنية، خلال زيارته في إيران، فبينما رأى "معهد ريئوت" الإسرائيلي للتخطيط السياسي أن هذه التصريحات تموضع حركة "حماس" بصورة جلية في ما أسماه بـ"المعسكر الإيراني الصاعد" وتجعلها جزءًا من "منظومة المقاومة الإقليمية"، اعتبر معلق الشؤون العربية في "هآرتس"، تسفي برئيل، أن هنية لم يتخذ في الموقف من إيران أية "قرارات إستراتيجية جديدة".
وتحت تعليق حمل عنوان "إيران- الخيار الإستراتيجي لحماس" جاء في موقع "معهد ريئوت" على الشبكة ما يلي:
منذ انتصار حركة "حماس" في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني بدا أنّ هذه الحركة موجودة في خضم صراع داخليّ بين "حماس الخارج" الراديكالية بقيادة خالد مشعل وبين "حماس الداخل" الأكثر اعتدالاً المتماثلة مع رئيس الحكومة، هنية. لكن يبدو أنه على خلفية التدخل المتصاعد من طرف إيران في لبنان ومناطق السلطة الفلسطينية، في موازاة ما يظهر أنّه تراجع أميركي متسرّع حيال إيران (الملف النووي)، فقد تنازلت "حماس المعتدلة" عن الغرب وباتت تتماشى مع إيران.
وأشار "معهد ريئوت" إلى أنّ لجوء "حماس" إلى المعسكر الإيراني كخيار إستراتيجي، من شأنه أن ينطوي على إسقاطات إستراتيجية بالنسبة لإسرائيل، من جوانب عدة. ويبرز المعهد، من بين هذه الجوانب، مسألة تعزيز ما يسميه بـ"منظومة المقاومة الإقليمية"، التي تفلح في أن تحول بين إسرائيل وبين إمكانية تحقيق حسم عسكري أو بلوغ إنجازات سياسية، فضلاً عن "تحوّل الإرهاب إلى خطر وجودي عليها". كما يبرز أن هذا الخيار "يسدل الستار على احتمالات تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، على قاعدة تلبية شروط إسرائيل والأسرة الدولية".
إلى ذلك أشار هذا المعهد الإسرائيلي إلى أن تصريح هنية الذاهب إلى اعتبار إيران "عمقًا إستراتيجيًا للفلسطينيين" يرمز إلى أنّ "حماس" تسعى لعقد تحالف مع إيران مماثل للتحالف القائم بين هذه الأخيرة وبين منظمة "حزب الله" اللبنانية. ومثل هذا الأمر سيتيح، وفقًا للمعهد، تسرّب المزيد من الأموال والعتاد والسلاح بصرف النظر عن توازن القوى العسكري في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية ويجعل بالتالي مهمة "إخضاع الإرهاب شبه مستحيلة". وأخيرًا فإنّ توطيد العلاقات بين "حماس" وإيران سيحدّ من تأثير دول مثل مصر والأردن والسعودية تقوم بدور الوسيط بين "حماس" وبين قوى أخرى داخل الساحة الفلسطينية وخارجها. بالإضافة إلى أنّ الأموال الإيرانية يمكن أن تشكل، من ناحية اقتصادية، بديلاً عن أموال المساعدات الأميركية والأوروبية.
من ناحيته رأى تسفي برئيل، معلق الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" (11/12/2006)، أنّ إحدى خصائص رئيس حكومة السلطة الفلسطينية، اسماعيل هنية، تتمثل "في قدرته على قول أشياء مختلفة لمستمعين مختلفين ومواصلة الادعاء بأنه رجل مبادئ. ولعل ما ينمذج على ذلك أنه قال في طهران إنه لن يعترف أبدًا بدولة إسرائيل وإن إيران هي "العمق الإستراتيجي" للفلسطينيين. وكان قبل ذلك بعدة أيام قد أوضح في لقاء تلفزيوني أن على إسرائيل أن تنسحب إلى حدود 1967. يبقى السؤال: هل تعترف "حماس" أم لا تعترف بحدود 1967؟ وإذا كانت تعترف، ما هو الفارق بين مواقف هذه الحركة وبين مواقف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن)؟".
ومضى يقول: الحقيقة هي أنه في تاريخ "حماس" كحركة سياسية شهدت علاقاتها مع إيران مدًّا وجزرًا. وعلى سبيل المثال فإن الزعيم السابق للحركة، الشيخ أحمد ياسين، انتقد بشدة محاولات طهران الرامية إلى التأثير على سياسة "حماس"، رغم أن الحركة تلقت تحت زعامته تبرعات من إيران، كما من السعودية والكويت ودول عربية أخرى. ولذا يمكن القول إنه في شأن إيران لم يتخذ هنية قرارات إستراتيجية جديدة، وخصوصًا قرارات تجعله مغايرًا عن زعماء "حماس" السابقين. وفي موازاة ذلك لم يقطع هنية ولا خالد مشعل العلاقات الخاصة القائمة مع مصر أو مع قطر. وذلك لأن "حماس" ترى نفسها قبل أي شيء حركة قومية مقاتلة تدور معركتها على أرض فلسطين وليس في أي حيّز أيديولوجي بين السنّة والشيعة أو بين إيران والولايات المتحدة. وباعتبارها حركة من هذا القبيل فإن "حماس" بحاجة إلى علاقات جيّدة مع أي مصدر مستعد لعلاقات كهذه، وخصوصًا مصادر في وسعها التأثير على بقاء قيادة الحركة في سورية. في الوقت نفسه فإن "حماس" قد وقعت على اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل وتقترح شروطًا لاتفاق وقف إطلاق النار طويل المدى. وهو ما يبدو تناقضًا على المستوى الظاهري، لكنه سياسة على المستوى العملي.