المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

صعّدت قيادة جهاز المخابرات الإسرائيلية العامة (شاباك) انتقاداتها للمستوى السياسي على خلفية النية للتقدم بمبادرات حسن نية للسلطة الفلسطينية لتدعيم مكانة رئيسها الجديد محمود عباس (أبو مازن). ووقفت أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً «يديعوت أحرونوت»، إلى جانب موقف قادة الجهاز، وأبرزت على صفحتها الأولى يوم الجمعة تحذيراتهم «شديدة اللهجة» لأقطاب الدولة العبرية من «عواقب تقديم تسهيلات للفلسطينيين»، وكرست الصفحات الأولى من ملحقها الأسبوعي لهذا الموضوع، لافتة إلى حقيقة أن جهاز «شاباك» في عهد رئيسه الحالي آفي ديختر لم يعد منفذاً للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، إنما يمليها أيضاً. وهي سياسة طالما اتسمت بالتشدد وقامت أساساً على «انعدام الثقة» بالقيادة الفلسطينية.

وينقل معّدا التقرير، الصحافيان البارزان ناحوم برنيّاع وشمعون شيفر، عن أوساط نافذة في جهاز المخابرات العامة مدى تقديرها للسياسة التي انتهجها ديختر وتعتبره «أكبر صيّادي المخربين (الناشطين الفلسطينيين) في تاريخ إسرائيل»، لتضيف أن موقفه المتصلب من الفلسطينيين ليس شخصياً، كما اشيع أخيراً، إنما يعبر عن موقف قادة الجهاز كافة، الذي يتعارض جدياً مع موقف قيادة الجيش الإسرائيلي المؤيد لإطلاق أسرى فلسطينيين «تلطخت أياديهم بالدماء الإسرائيلية»، وتسليم المسؤولية الأمنية عن مدن الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية.

ويقتبس الصحافيان عن جهاز «شاباك» - من دون ذكر المحاوَر بالاسم، وقد يكون ديختر نفسه - قوله إن إسرائيل «ربما كان ينبغي عليها أن تخلع قبعتها استحساناً وتقديراً لأبو مازن، لكن لا يتحتم عليها أن تخفض رأسها»، ويتابع ان «الجهاز» يريد في واقع الحال فرملة الانجراف والتآكل في المواقف الإسرائيلية من عدد من القضايا وفي مقدمها قضية الأسرى ونقل المسؤولية الأمنية عن مدن الضفة إلى السلطة. ويدعي «الجهاز» أنه حتى اليوم انتهت كل عملية تسهيل على الفلسطينيين، من اطلاق أسرى وازالة حواجز عسكرية والسماح بدخول عمال فلسطينيين، بـ«عملية تفجيرية»، ما يؤكد في نظره أن لا فائد من التسهيلات وانها لا تؤثر بشيء على حوافز الفلسطينيين، كما لا تعزز موقع السلطة او تحثها على احباط عمليات عسكرية ضد اسرائيل «بل تسهل على الارهابيين تحقيق اهدافهم».

وبرأي المتحدث عن «شاباك» فإن اسرائيل ارتكبت خطأين استراتيجيين مسّا بقدراتها الردعية: الاول حين اطلقت العام 1985 اكثر من ألف أسير فلسطيني («صفقة جبريل») عاد 235 منهم الى اراضي السلطة الفلسطينية «ما عنى لكل فلسطيني ان ثمة حياة تنتظره بعد السجن المؤبد، ما يحض على النشاط الارهابي»، والثاني حين «رضخت للضغط الدولي والمحكمة الاسرائيلية العليا» واعادت قسماً من الذين كانت قد ابعدتهم عام 1992 الى «مرج الزهور» في لبنان الى الارضي الفلسطينية. ويضيف ان مخططي عملية تفجير حافلة في بئر السبع جنوب اسرائيل قتل فيها 16 اسرائيلياً كانا من الاسرى الذين اطلق سراحهم قبل عام في صفقة التبادل مع «حزب الله».

ويتابع ان قدرات الردع الاسرائيلية تقوم على ثلاثة مركبات: «الترحيل، وهو المركب الأكثر نجاعة وقد فقدناه وهدم البيوت وعدم اطلاق اسرى ملـطخة أياديهم بالدم بأي حال». ويرفض «الـجهاز» الفكرة القائلة بأن اطلاق اسرى «أياديهم ملطخة» تسند حكومة «أبو مازن» وتحفز على الكف عن «الارهاب» ويضيف انه لا يجب التأثر بالضغوط التي يمارسها ابو مازن على اسرائيل و«صحيح اننا حيال فرصة يحظر تفويتها لكن يخطئ من يعتقد انه يجب ارفاق ذلك ببادرات حسن نيّة... يظن ابو مازن ان اسرائيل مستعدة لان تنزف دماً من اجل دعمه وتمتص عمليات تفجيرية شرط الحفاظ على حكمه، لكنه يخطئ في تصوره ووهمه بأنه سيجتاز حقل الألغام من دون أن يخدش». ويزيد «الجهاز» مستدركاً أن «أبو مازن» يختلف عن سلفه (الرئيس الراحل ياسر عرفات) ويريد حقاً احباط «عمليات إرهابية» ويعطي تعليماته في هذا الصدد «لكنه ليس سوى رجل واحدة اما الثانية فتتمثل في احباط الارهاب فعلاً. عليه، كي يقف ثابتاً على قدميه إن يدحر الارهاب»، ويتابع ان كل الاراضي التي تحت سيطرة السلطة ليست سوى «ملاذ للمخربين» و«أبو مازن يقول في العلن وفي السر ان لا نية عنده لمواجهة الفصائل الارهابية. انه يسير في نهجه... وقد حرر أموالاً لـ«حماس» من حسابات مصرفية اغلقت». وختم تقديراته المتشائمة بشبه جزم بأن نهاية فترة التهدئة وشيكة و«حماس منحت «أبو مازن» شهراً، وقد لا تستأنف اطلاق النار فور انتهاء الهدنة، ربما تنتظر حتى الانتخابات التشريعية في تموز (يوليو) المقبل وعندها ستتحين اول فرصة وتبحث عن ذريعة (لخرق وقف النار) لأن هذا ما يريده الايرانيون الاوصياء على الحركة».

المطالبة بإلغاء تعيين ديسكين

إلى ذلك، طالبت «اللجنة الشعبية الإسرائيلية ضد التعذيب» رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون ومستشار الحكومة القضائي ميني مزوز بالامتناع عن تعيين يوفال ديسكين رئيساً لـ«شاباك» بصفته، وفقاً للصحيفة العبرية، «أبرز أركان سياسة الاغتيالات»، ما يؤكد، بحسب اللجنة، أنه متورط في خرق القانونين الدولي والإسرائيلي بدرجة عالية من الخطورة. وقالت اللجنة في رسالتها إلى شارون ومزوز إن ديسكين مسؤول عن سياسة حصدت في السنوات الأخيرة مئات الضحايا غالبيتهم من الأبرياء في «عمليات إعدام من دون محاكمة من شأنها أن تعتبر جرائم حرب خطرة». وأوضحت اللجنة أنها تعتزم التوجه بالتماس إلى المحكمة الإسرائيلية العليا لإلغاء التعيين في حال لم يفعل شارون ذلك.

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئيل شارون،أعلن رسمياً، يوم الخميس (10/2/2005)، عن تعيين يوفال ديسكين، رئيسا جديدا لجهاز الشاباك الاسرائيلي، خلفا للرئيس الحالي آفي ديختر.

وتولى ديسكين خلال انتفاضة الاقصى مهام المسؤول عن تنفيذ الاغتيالات ضد الفلسطينيين.

وسيتسلم مهام منصبه الجديد بعد انتهاء ولاية ديختر في أيار القادم.

يشار الى ان ديختر خدم في هذا المنصب لمدة خمس سنوات، ولم يتمكن شارون من تمديد ولايته بسبب سن قانون الشاباك، العام الماضي، الذي يحدد ولاية الرئيس لخمس سنوات.

يوفال ديسكين

بدأ يوفال ديسكين (49 عاما) خدمته العسكرية في الجيش الاسرائيلي في دورية "شكيد"، وكان نائبا لقائد الوحدة. وفي ايار 1987 بدأ خدمته في جهاز الشاباك الاسرائيلي، حيث تسلم منصب مركز منطقة نابلس. وخلال الحرب الاسرائيلية على لبنان خدم مسؤولا عن الشاباك في بيروت وصيدا.

وفي 1984 تم تعيينه مركز لواء، وخدم في ألوية نابلس، جنين وطولكرم. ثم تسلم منصب رئيس شعبة "احباط الارهاب" في قسم الشؤون العربية، ثم نائبا لرئيس القسم، ومن ثم تم تعيينه رئيسا للقسم العربي في الشاباك. وبعد اتفاقيات اوسلو تم تعيينه رئيسا للواء القدس في الشاباك، وهو اللواء المسؤول عن عمل الشاباك في الضفة الغربية. وكان مسؤولا عن الاتصالات السرية مع اجهزة الامن الفلسطينية. وفي ايلول 2000 عين نائبا لرئيس الشاباك، وخدم فيه حتى العام 2003، حيث غادر الجهاز لاستكمال دراسته، فيما واصل العمل مستشارا خاصا لرئيس الموساد، مئير دغان.

وفي اطار مسؤوليته عن تنفيذ الاغتيالات ضد الفلسطينيين، ركز ديسكين بالتعاون مع ضباط الجيش وقائد سلاح الجو، عشرات عمليات الاغتيال ضد قيادات ونشطاء تنظيمات المقاومة الفلسطينية. وهو صاحب المصطلح "احباط مركز" الذي اطلقته اسرائيل على عمليات الاغتيال الدامية التي نفذتها خلال الانتفاضة ضد من تنعتهم بـ"القنابل الموقوتة".

وحسب صحيفة "هآرتس" فان ديسكين اختلف في الرأي مع شعبة الاستخبارات العسكرية واللواء عاموس غلعاد، بخصوص المحرك الرئيسي لانتفاضة الاقصى، ورأى ان النشطاء الميدانيين هم الذين حركوا الانتفاضة وليس الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات