أظهر تقريران إسرائيليان منفصلان بمناسبة موسم الأعياد العبرية، من جديد، الفجوات الاجتماعية المتسعة بين الأغنياء والفقراء في الشارع الإسرائيلي.
ويظهر التقرير الأول أن نصف مليون يهودي في اسرائيل يعتاشون على دعم غذائي منظم، فيما هناك عدد مماثل وأكثر من الفقراء الجوعى من اليهود والعرب الذين يتلقون معونات غذائية في منظمة او يخجلون من طلبها. أما التقرير الثاني فإنه يعكس شكل مصروف العائلات في المدن الكبرى، وخاصة في أوساط الاغنياء.
مليون جائع وأكثر
قال بحث إسرائيلي جديد إن في إسرائيل حوالي نصف مليون يهودي يعتاشون على معونات غذائية من جمعيات خيرية بشكل منظم، إلا أن الرقم الحقيقي للذين يحتاجون إلى هذه المعونة هو أكثر من مليون انسان، من أصل 6,7 مليون نسمة هو عدد سكان اسرائيل.
ولم يشمل البحث، الذي عرض في يوم دراسي في جامعة مدينة بئر السبع في الجنوب، مئات الآلاف من الجوعى الذين يتلقون معونات غذائية من جمعيات ومؤسسات خيرية غير منظمة. كما أن البحث لم يتطرق إلى العرب في إسرائيل، الذين نسب الفقر لديهم أعلى بكثير، ولكنهم يخجلون من الافصاح عن وضعيتهم خاصة في ما يتعلق بالنقص الغذائي، كما أنهم يمتنعون عن التوجه الى جمعيات خيرية لطلب المساعدة. ويذكر أن المجتمع الفلسطيني في اسرائيل تنمو فيه ظاهرة التكاتف الاجتماعي ودعم الأسر لبعضها البعض.
ويعتمد هذا البحث أيضا على بحث سابق أجراه معهد "بروكديل"، الذي قال في آخر بحث له إنه في العام 2003 كانت 22% من العائلات في اسرائيل تعاني من عدم اكتفاء غذائي، و8% منها تعاني من نقص خطير في المواد الغذائية، وأكد البحث على ضرورة أن تقيم الحكومة مؤسسة رسمية لمعالجة هذه الظاهرة.
وحسب البحث الأول فإنه تنشط في اسرائيل 170 جمعية منظمة تهتم بتأمين الغذاء للفقراء الجوعى، لكن هناك عشرات الجمعيات غير المنظمة التي تعمل بين الفقراء، إما بشكل موسمي أو لدى قطاعات معينة، بينما لدى العرب هناك جمعيتان فقط تعملان بالاساس في نواد للمسنين.
ويقول البحث إن هذه الجمعيات متأثرة في عملها بالمحيط الذي تنشط فيه كونها تعتمد على التبرعات، فمثلا في منطقة الجنوب، حيث نسب الفقر هي أعلى بكثير من مركز البلاد وشمالها، فإن هذه الجمعيات تتحرك بصعوبة نتيجة لصعوبة تأمين احتياجاتها من التبرعات.
ومن المتوقع أن تتكشف حالة الفقر والجوع داخل المجتمع اليهودي في اسرائيل أكثر فأكثر بعد أسبوعين، عشية رأس السنة العبرية وبداية موسم سائر الأعياد الذي ينتهي في أواخر شهر تشرين الأول/ اكتوبر، وهو موضوع عالجه "المشهد الإسرائيلي" في السابق. لكن عاما بعد عام تتسع حلقة الفقر وترتفع أرقام الجوعى في إسرائيل، على الرغم من بيانات وزارة المالية الإسرائيلية حول ازدياد النمو الاقتصادي في إسرائيل في الأعوام الثلاثة الأخيرة، هذا النمو الذي لا يزال لدى كبار أصحاب رؤوس الأموال، وغير ملموس في الشارع الإسرائيلي وخاصة لدى الشرائح الفقيرة والضعيفة.
مصروفات الاغنياء
أظهر استطلاع مسحي لدائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل شكل مصروف العائلات في المدن الـ 14 الكبرى التي يتجاوز عدد السكان فيها مئة الف نسمة، وجميعها مدن يهودية، وهو استطلاع سنوي تصدره الدائرة وتبرز فيه الفروقات الاجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي.
ومن أبرز معطيات المسح أن معدل صرف العائلة على احتياجاتها اليومية في مدينة ريشون لتسيون هو الأعلى في إسرائيل ويصل إلى 11724 شاقل شهريا (حوالي 2600 دولار)، ويهبط هذا الصرف في مدينة بات يام الملتصقة بتل ابيب إلى 7512 شاقل. أما أعلى صرف على الفرد الواحد فنجده في تل أبيب حيث يصل المعدل إلى 4829 شاقل (حوالي 1070 دولارا)، بينما أقل صرف على الفرد الواحد في هذه المدن الكبرى نجده في مدينة بني باراك، حيث الغالبية الساحقة من جمهور المتدينين الأصوليين ويصل معدل الفرد إلى 1923 شاقل (حوالي 427 دولارا).
ونؤكد هنا أن الحديث يجري فقط عن المدن الكبرى، لأن حجم الفجوة سيشهد انقلابا في حال جرى الحديث عن كافة أوساط المجتمع في إسرائيل بمن في ذلك العرب. فمثلا، واعتمادا على تقارير سابقة، يظهر أن معدل الصرف على الفرد الواحد في القرى العربية في منطقة النقب في الجنوب يصل إلى 720 شاقل فقط (حوالي 160 دولارا)، أي ما نسبته 15% فقط مما يصرف على الفرد الواحد في تل ابيب، وقد نجد فجوات أكبر بكثير من هذه.
وجاء في التقرير أيضا أن معدل الصرف على الغذاء في بئر السبع هو الأعلى من بين هذه المدن ويصل إلى 19% من مجمل مصروف العائلة، وينخفض في رمات غان الى ما نسبته 14,5%، وهذه النسب تتأثر بحجم مدخول العائلة، وايضا في معدل عدد الأفراد فيها، فنرى مثلا أن معدل عدد الأفراد في العائلة الواحدة في بني باراك حيث جمهور الحريديم هو 4,18 فرد للعائلة، بينما في رمات غان يهبط المعدل الى 2,3 فرد للعائلة. كما أن أعلى نسبة اكتظاظ في البيوت نجدها في بني باراك حيث يصل المعدل في الغرفة الواحدة إلى 1,3 فرد. ولكن طبعا هذا لا يعكس وضعية الفقر، فمثلا في القرى العربية في منطقة النقب، السابق ذكرها، يصل معدل عدد الأفراد في الغرفة الواحدة الى خمسة أفراد وأكثر.
ورطة الحسابات البنكية في إسرائيل
يدخل في اليوم الأول من العام القادم 2006، إلى حيز التنفيذ، نظام جديد أقره بنك إسرائيل يمنع بموجبه الأفراد من السحب الزائد عن الإطار المسموح به في البنوك الإسرائيلية. وسيضطر هذا الاجراء حوالي 51% من أصحاب حسابات البنوك الجارية من الأفراد إلى إعادة 17 مليار شاقل، أي حوالي 3,1 مليار دولار الى البنوك التجارية في غضون ثلاثة اشهر، وإلا سيواجهون مشاكل قانونية تغلق حساباتهم، وعلى رأسها عدم احترام شيكاتهم وأوامر الدافع الثابتة، وهذا لا يسري على الأفراد فقط وإنما أيضا على المصالح التجارية، التي لا توجد احصائية حول حجم سحبها الزائد.
وللتوضيح يسري في إسرائيل نظام بنكي نادر في العالم، وهو السماح للمواطنين بأن تكون حساباتهم في حالة سلبية "ماينس" جارية، مقابل ضمانات مالية، مثل توفيرات مالية متواضعة، ورواتب منتظمة تدخل الى حساباتهم الجارية.
ويحدّد كل مواطن بموافقة البنك ووفق أنظمته المبلغ الذي يسمح له سحبه بشكل زائد، وهذا الأمر يسمح له في أن تتخطى مصروفاته حجم مداخيله. وأثبتت التجارب والدراسات الاقتصادية أن هذا النظام أوقع الغالبية الساحقة من المواطنين تحت طائلة الديون، إذ في مرحلة معينة سيكون عليهم الحصول على قروض منفصلة لسد العجز في حساباتهم البنكية التجارية.
وتؤكد الأبحاث أن المواطن الذي يعتاد على السحب الزائد، فإنه يلائم مصروفاته له بشكل لا يسمح له مستقبلا بأن تكون مصروفاته موازية لحجم مداخيله. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد بدأت ظاهرة السحب الزائد على اطار السحب الزائد المسموح به، وبلغت مستويات عالية جدا. وكما ذكر فقد أصبح هذا السحب الزائد على مستوى حسابات الأفراد 17 مليار شاقل، في حين أن الأطر المقررة للمواطنين بلغت حتى قبل ستة أشهر حوالي 40 مليار شاقل، أي حوالي 9 مليارات دولار.
وانتبه بنك اسرائيل المركزي قبل نحو عام ونصف العام الى أن هذه الظاهرة قد توقع البنوك التجارية في أزمة جدية تهدد الاقتصاد الإسرائيلي، فأصدر أوامر بإنهاء الحالة، لكنه لم ينجح بفعل ذلك قبل أكثر من عام، فتم تأجيل تطبيق النظام الجديد ثلاث مرات إلى أن استقر على الأول من شهر كانون الثاني/ يناير القادم.
وكلما اقترب الموعد زادت حالة التوتر لدى البنوك ولدى زبائنها. ويجري البحث عن سبل تخطي هذا النظام، من خلال توسيع أطر السحب الزائد، لكن هذا بحدّ ذاته إجراء خطير، لأنه في الكثير من الحالات لن يكون في مقدرة الزبون تسديد هذا العجز في الحسابات البنكية.
وتستفحل الأزمة أمام حالة تأخر دفع الرواتب في الاقتصاد الإسرائيلي، وهذه الظاهرة آخذة في الاستفحال على الرغم من القوانين الصارمة التي تلزم المشغل بدفع الرواتب في المواعيد المحددة. وإذا كانت هذه الظاهرة منتشرة في القطاع الخاص، فإنها أشد استفحالا في القطاع العام، وبشكل خاص لدى العاملين في المجالس البلدية والقروية، أو في المؤسسات التابعة لهذه المجالس، ويقدر عددهم بمئات الآلاف من العاملين. وفي هذه الفترة أعلن الاتحاد العام للنقابات في اسرائيل (الهستدروت) أن 32 مجلسا بلديا وقرويا يتأخر في دفع الرواتب. وهذا الرقم يشمل فقط المجالس التي تتأخر بالدفع شهرين وأكثر، بينما المشكلة في البنوك ستكون حتى لمن يتم تأخير دفع رواتبه لبضعة أيام.
ويقول مسؤولون مصرفيون إن هذا النظام قد يكون مطبقا من خلال الحاسوب، وعندها لن يكون بقدرة الموظف الذي يريد التساهل مع الزبون التدخل في عدم احترام دفعات المواطن.
وحسب القانون الإسرائيلي فإن من لا يحترم له عشرة شيكات خلال حتى عامين يتم تقييد حسابه لسنة كاملة، يحظر عليه فيها استخدام الشيكات. وإذا عاد على نفس المخالفة فإنه يكون معاقبا لمدة عامين، ليس في البنك الذي جرت فيه المخالفة فقط، بل في كافة حساباته في جميع البنوك، إن وجدت. ويتوقع الاخصائيون انه بسبب النظام الجديد لبنك إسرائيل ستتسع ظاهرة الحسابات المقيدة للمواطنين، مما سينعكس كذلك وبصورة مباشرة على القوة الشرائية في الشارع الإسرائيلي.