لم يكن الليكود بحاجة إلى التصويت يوم أمس 26/9/2005على اقتراح تقديم موعد الانتخابات التمهيدية، كي يقرر ما اذا كان هذا الحزب سينقسم أم لا. فكثير من المراقبين يؤكدون أن الليكود منقسم واقعيا إلى حزبين منذ أشهر طويلة، وأن نتيجة التصويت، برغم انها أعطت الفوز لرئيس الحكومة اريئيل شارون على منافسه على الزعامة بنيامين نتنياهو بهامش ضئيل، ستكرس هذا الانقسام رسميا.
ومعركة الميكروفونات في مؤتمر الليكود حيث منع أريئيل شارون من إلقاء خطابه، ليست سوى قمة جبل جليد العداء المستحكم بين المعسكرين. فالطرفان، المؤيد لشارون والمعارض له، تبادلا أقسى الحملات ليس بهدف احتلال مواقع قيادية وبالتالي تقاسم حصص ونفوذ، وإنما بهدف إلغاء كل منهما للآخر. والتصويت، بحسب بنيامين نتنياهو، كان من أجل معرفة إن كانت هذه الحركة "ليكود أم ميرتس".
وهكذا فإن الصراع هو على الهوية والطريق. ولأنه كذلك، حتى لو انطوى على الكثير من الشخصي والمصلحي، يتعذر القول إن اليوم التالي للتصويت هو كاليوم الذي سبقه، إذ لا مجال للتعايش بين شارون وكل من نتنياهو وعوزي لانداو وموشيه فايغلين. ويصعب تخيل بقاء أنصار "مجلس المستوطنات" في حزب واحد مع منفذ عملية الفصل. ثمة جهة تعمد لتخوين الجهة الأخرى وتتهمها بالوقوف إلى جانب شارون فقط بسبب المصالح والمناصب، وجهة ثانية ترى أن السير في الخط الذي يدعو إليه نتنياهو يعني دمار الليكود وانتحار إسرائيل.
كما أن عملية التصويت التي جرت أمس، والتي شهدت مشاركة ما يزيد على 90 في المائة من الأعضاء، عبرت عن الأزمة بين الطرفين. فقد اتهم كل طرف الآخر بتزوير الانتخابات وخصوصا بعدما سادت أجواء تفيد بتقارب حظوظ الطرفين. وترافق ذلك مع تصاعد تبادل الاتهامات حول المسؤولية عن تعطيل مكبرات الصوت في اليوم السابق. وبرغم شيوع نظرية المؤامرة في الليكود حول أن رجال شارون هم الذين عطلوا منظومة مكبرات الصوت، فإن رئيس الوزراء هو الذي استفاد معنويا من ذلك. فقد تعمقت لدى الشارع الإسرائيلي وفي صفوف مركز الليكود مشاعر ظلم شارون كرئيس حكومة منع من إلقاء كلمته. وربما أن إحساس نتنياهو بحجم الفائدة التي جناها شارون من ذلك دفعه إلى مطالبة الجمهور برؤية المستفيد ومعرفة الجاني.
والواقع أن شارون نشر في كل الصحف الإسرائيلية نص الخطاب الذي أعده لمركز الليكود ومُنع من إلقائه. ومن الواضح أنه أراد القول لأعضاء المركز الراغبين في معاقبته على تنفيذه خطة الفصل، إنه لا يزال مصرا على موقفه وأنه في كل الأحوال لا يمكن لإسرائيل "ديمقراطية ويهودية" أن تحتفظ بكل ما لديها.
وقال شارون في خطابه الذي وصفه بعض المعلقين الإسرائيليين بأنه "خطاب الانتصار"، إنه "بدلا من إضاعة الوقت في ألاعيب القوى الداخلية، يجب علينا أن نستغل ساعة قدرتنا في العالم والمنطقة لتقديم أمن إسرائيل واقتصادها. لدينا اليوم فرصة لم تتوفر لنا أبدا. فقد تقبل العالم موقفنا، وهو أنه لن يكون هناك تقدم سياسي قبل أن يتوفر الأمن لإسرائيل. هذا ما تقوله خريطة الطريق، التي قبلتها الحكومة بتأييد أكثر وزراء الليكود".
وبعد ان يعدد الخطوات المطلوبة من الفلسطينيين بموجب خريطة الطريق قبل إحداث أي تقدم سياسي، يقول "يجب أن نقول الحقيقة التي يعرفها كل واحد: عندما نصل إلى هذا، فلن يبقى كل شيء في أيدينا. لدينا حُلم، وهو حسن ومُحق، لكن يوجد واقع أيضا، وهو صعب وعنيد. لا يمكن أيضا إقامة دولة يهودية وديمقراطية والسيطرة على كل أجزاء ارض إسرائيل. إذا ما ألححنا على تحقيق الحُلم كله، فقد نخسر كل شيء، كل شيء ببساطة. إلى هناك يقود الطريق المتطرف".
والواقع أن منع شارون من إلقاء خطابه، دفع عددا من المعلقين للقول بأن الليكود في شرك حقيقي. ونشأ ارتباك كبير في صفوف قياديي الليكود جراء حركة رمال مركز الليكود. وتبين ذلك من اندفاع وزراء مثل ليمور ليفنات وداني نافيه للانضمام في اللحظة الأخيرة لمعسكر المطالبين بتقديم موعد الانتخابات التمهيدية باعتباره المعسكر المنتصر. وبرر هؤلاء هذا الموقف بأن الليكود لم يعد يحتمل البقاء في حالة صراع كهذه أشهرا طويلة ويجب حسم الأمور بأسرع وقت ممكن. غير أنه في المقابل، كان هناك من آمن بأن نسبة التصويت المرتفعة تعني فوز شارون وليس نتنياهو، الأمر الذي يعني فوز المصلحة والرغبة في البقاء في سدة الحكم أو على مقربة منها.
وبصرف النظر عن النتيجة، بدا الليكود في اليومين الأخيرين بوجهيه الموالي والمعارض لشارون بأبشع صورة. هناك من يعتبر أن هذه الصورة هي صورة إسرائيل الحقيقية وهناك من يريد القول إن هذه حالة عابرة. ومع ذلك فإن نتيجة التصويت تعني أن في الليكود طرفين متساويي القوة تقريبا وأنهما ليسا على استعداد بعد اليوم للتعايش. وهذه هي القصة التي ستدور فصولها من الآن فصاعدا.