قال تقرير لوزارة الداخلية الاسرائيلية ان عدد المستوطنين الجدد، الذين استوطنوا في الضفة الغربية في الاشهر الـ 12 الأخيرة، حتى نهاية تموز/ يوليو، بلغ 12700 مستوطن، وهذا من دون الاستيطان في مدينة القدس المحتلة، التي تعتبر معطيات الاستيطان في احيائها الاستيطانية تقديرية على الأغلب، لكون الاحتلال الاسرائيلي يعتبرها "جزءا من إسرائيل". وكان أكبر ارتفاع في عدد المستوطنين في مستوطنات المتدينين الاصوليين، مثل "بيتار عيليت" و"موديعين عيليت" و"إلعاد" وغيرها.
وحسب بيان الداخلية الإسرائيلية فإنه منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية الشهر الماضي استوطن في الضفة الغربية 6900 مستوطن، وفي السنة ونصف السنة الأخيرة، أي منذ الاعلان لأول مرّة عما يسمى بـ "خطة فك الارتباط"، واخلاء مستوطنات قطاع غزة، استوطن في الضفة الغربية قرابة 18 ألف مستوطن جديد، في حين ان عدد المستوطنين، الذين أخلتهم سلطات الاحتلال من قطاع غزة واربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، بلغ 9400 مستوطن.
وبلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية حتى نهاية شهر تموز/ يوليو الماضي، حوالي 250 الف مستوطن، فيما تشير التقديرات الى ان عدد المستوطنين في احياء القدس المحتلة الاستيطانية يماثل عدد المستوطنين في باقي انحاء الضفة الغربية، ليكون اجمالي المستوطنين في الضفة نصف مليون مستوطن.
وتقول المعطيات ان أكبر ازدياد في عدد المستوطنين شهدته مستوطنات الأصوليين اليهود المتشددين دينيا (الحريديم)، وهناك مستوطنات ضاعفت عدد المستوطنين فيها، كما ان المستوطنات التي تأوي العصابات اليهودية الارهابية شهدت ازديادا في عدد المستوطنين فيها.
إلا ان هذه الزيادة الكبيرة لا تختلف من حيث النسبة المئوية عن باقي الفترات، خاصة منذ بدء التوقيع على اتفاقيات اوسلو في العام 1993، حيث بلغ معدل تزايد عدد المستوطنين سنويا في الضفة بحوالي 5,5%.
فحتى شهر ايلول/ سبتمبر من العام 1993 بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 100 الف مستوطن من دون القدس، وخلال 12 عاما تدفق الى مستوطنات الضفة الغربية 150 الف مستوطن، وايضا من دون القدس، وكانت اكبر نسبة تزايد في عدد المستوطنين في فترة حكومة ايهود باراك، وخاصة حين بدأ الحديث عن ملامح الحل النهائي.
ربع المستوطنين من الحريديم
من الملفت للنظر في معطيات وزارة الداخلية الاسرائيلية هو ان عدد المستوطنين من الحريديم ارتفع في السنوات الأخيرة بوتائر عالية حتى باتت نسبتهم من بين المستوطنين حوالي 25%، غالبيتهم الساحقة تستوطن في ثلاث مستوطنات سبق ذكرها، "بيتار عيليت" و"موديعين عيليت" و"إلعاد"، ففي سنوات سابقة كان معدل زيادة المستوطنين من الحريديم يفوق 10%، وفي السنة الماضية 2004، ارتفعت أعدادهم في المستوطنات المختلفة بنسب تتراوح من 4,6% إلى 6%.
وقد بدأ استيطان الحريديم في الضفة الغربية في العام 1990، ولم يكن لهم قبل ذلك أي وجود يذكر في مستوطنات الضفة، إذ يسعى الحريديم دائما للعيش في أحياء أو بلدات ومدن مشتركة، تراعي الظروف التي يطمحون إليها وتلائم أصولهم الدينية وشرائعهم، وهذا بعكس المتدينين الصهاينة، كأولئك التابعين لحزب المفدال والحركات الارهابية مثل كهانا وما انبثق عنها (الحريديم لا يعترفون بالصهيونية).
فالمتدينون الصهاينة هم "النواة الاساسية والصلبة" في الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة، "سابقا"!، ويعلنون أن استيطانهم في الضفة الغربية هو بدافع ايديولوجي، بادعاء انها جزء مما يسمى "ارض اسرائيل الكبرى"، وهذا ايضا وجه اختلاف كبير مع الحريديم، الذين لا يتعاطون مع مصطلح "ارض اسرائيل" من منطلقات دينية وايديولوجية.
فكما هو فمعروف فإن الحريديم يؤمنون بأن "مملكة اسرائيل" الثابتة والدائمة ستقام فقط بعد مجيء المسيح، ومع بدايات اسرائيل كانت غالبية الحريديم ترفض الاعتراف بها، واليوم اندمجت غالبيتهم مع الكيان الاسرائيلي، ولكن بتحفظ في عدد من المجالات، فهم مثلا لا يمجدون رموز اسرائيل الرسمية، ولا تزال مجموعات، صغيرة نوعا ما، لا تعترف باسرائيل الحالية، ومنهم من يعيش في داخل القدس المحتلة، مثل التابعين لحركة ناطوري كارتا، ولكن ليس وحدهم. كذلك فبعد ظهور حركة "شاس"، اليهودية الشرقية (السفراديم)، بتنا نرى حريديم "اكثر تساهلا" مع حقيقة الكينونة الإسرائيلية، فمثلا زعيم "شاس" الروحي عوفاديا يوسيف كان الحاخام الأكبر لاسرائيل الرسمية في نهاية سنوات السبعين من القرن الماضي، أما التشدد الاكبر فهو لدى الحريديم الاشكناز.
ويقول تقرير اخباري لموقع "واينت" على الانترنت، التابع لصحيفة "يديعوت احرنوت" الإسرائيلية، إن الحريديم يتدفقون على المستوطنات الثلاث لدوافع اقتصادية فقط، وليس لدوافع أيديولوجية، وهذا ما جعل المستوطنات الثلاث تضاعف عدد المستوطنين فيها بوتائر عالية. ويستوطن اليوم في مستوطنة "موديعين عيليت" اقل بقليل من 30 ألف مستوطن، ومن المتوقع ان تصبح هذه المستوطنة الأكبر في الضفة الغربية خلال العام الحالي، بعد ان يجتاز عدد المستوطنين فيها عدد المستوطنين في مستوطنة معاليه ادوميم، التي تعد الآن قرابة 31 الف مستوطن.
وتعد مستوطنة "بيتار عيليت" اكثر بقليل من 26 الف مستوطن، وفي مستوطنة "إلعاد" 6500 مستوطن، بمعنى ان في المستوطنات الثلاث قرابة 63 الف مستوطن من اصل 250 ألف مستوطن في الضفة الغربية، من دون القدس، كما ان الحريديم ينتشرون في احياء القدس الاستيطانية، ولكن اسرائيل لا تقدم معطيات حول هذه الاحياء.
وتقول مستوطنة شابة (23 عاما) من مستوطنة "بيتار عيليت" لموقع "واينت": "لم نأت إلى هنا لأسباب أيديولوجية، وإنما فقط بحثا عن جودة معيشة، لقد اخترنا مغادرة احياء الحريديم في القدس وفي بني باراك لأنه لم يبق لنا مكان... لا توجد بيوت في تلك الاحياء للازواج الشابة من الحريديم، لقد اقامت لنا الدولة احياء للأزواج الشابة (في هذه المستوطنات). وجدنا هنا بيتا من ثلاث غرف بـ 90 ألف دولار، بينما بيت كهذا في القدس قد يصل الى 250 ألف دولار، فمن أين نأتي بهذه المبالغ؟".
ويقول مستوطنون من الحريديم في التقرير الصحفي: "صحيح أننا في مستوطنة في غوش عتصيون بعد الخط الأخضر (في الضفة) ولكننا لسنا جزءا منه"، ويلفتون النظر إلى أن مستوطناتهم هي أقرب ما يكون إلى الخط الأخضر. ويقول رئيس مجلس مستوطنة "بيتار عيليت" يتسحاق زئيف بيندروس: "لا يأتي أي واحد الى هنا (من الحريديم) لأنه يريد اجتياز الخط الأخضر، الناس هنا تبحث عن معيشة بجودة عالية، وهذا ما يحصلون عليه هنا، عدا عن هذا فإن جمهور الحريديم لم يشعر نفسه في أي وقت من الأوقات انه جزء من الدولة، ولم يكن يوما جزءا من النخبة الحاكمة، حتى حين يكون له ممثلون عنه في الائتلاف الحكومي، نحن لسنا جزءا من ادارة الدولة، ولسنا متعلقين بها، ولهذا ليس لنا شأن في هذه القضية"، والمقصود قضية اجتياز الخط الأخضر.