أثارت تعليمات أصدرها المدعي العام الروسي بإجراء تحقيق فيما إذا كان كتاب شرائع يهودية يحرض ضد غير اليهود في روسيا غضبا في إسرائيل فيما وصفته مصادر يهودية بأنه دليل على "تنامي اللاسامية في روسيا بتشجيع من الكرملين وحتى من الرئيس فلاديمير بوتين".
وخصصت صحيفة "هآرتس" العنوان الرئيسي في عددها الصادر أمس الاثنين لقرار المدعي العام الروسي فلاديمير أوستينوف فتح تحقيق يهدف إلى فحص ما إذا كان كتاب "سُفرة الطعام" يحرض ضد سكان روسيا غير اليهود.
ويشار إلى أن "سفرة الطعام" هو كتاب شرائع وضعه الحاخام يوسيف كارو في العام 1565 وجمع فيه كافة الفرائض والفتاوي اليهودية.
ولفتت "هآرتس" إلى أن "سفرة الطعام" يستعرض الفرائض والفتاوى اليهودية ذات العلاقة بفترة إصداره وانه يعتبر اليوم كتاب شرائع أساسيًا من قبل اليهود المتشددين الاشكناز والشرقيين على حد سواء.
وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن المدعي العام الروسي طلب إجراء التحقيق بالاعتماد على الترجمة الروسية للكتاب وأرفق المدعي العام الروسي بطلبه نصوصا اقتبست من "سفرة الطعام" بالروسية تضمنت تعليمات للنساء اليهوديات بعدم مساعدة نساء غير يهوديات في أثناء عملية الولادة ونصوصا تحظر على اليهود تعليم غير اليهود مهنًا معينة.
وبحسب هآرتس فإن التعليمات التي أصدرها المدعي العام الروسي تقضي "بفحص إمكانية اخراج الديانة اليهودية وجميع التنظيمات اليهودية الناشطة في روسيا خارج القانون".
وقد تناولت صحيفة إزفستيا الروسية قرار المدعي العام الروسي حول التحقيق لكن الأمر اتخذ منحى اوسع عندما أجرى مكتب المدعي العام تحقيقا يوم الخميس الماضي مع زينوفي كوغين وهو المدير العام لمؤتمر الجاليات اليهودية أحد التنظيمين الأكبر لليهود في روسيا حول هوية الأشخاص المسؤولين عن توزيع الترجمة الروسية لملخص كتاب "سفرة الطعام".
ونقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية ذات علاقة بالموضوع اعتبارها ان قرار المدعي العام الروسي "يمنح شرعية من جانب السلطات الرسمية الروسية للاسامية المتعاظمة في روسيا".
واضافت المصادر الاسرائيلية ذاتها أن هذا التحقيق هو حدث "غير مسبوق من ناحية خطورته" وانه لا "يمكن المرور عليه بصمت".
وقالت مصادر في وزارة الخارجية الإسرائيلية انها "تنظر بخطورة بالغة الى تعامل سلطات الادعاء العام في روسيا مع الموضوع".
واضافت مصادر الخارجية الإسرائيلية ان "اسرائيل ستخوض نضالا لا هوادة فيه من اجل إزالة الوصمة التي الصقت بالشعب اليهودي وبأحد كتبه المقدسة".
ومضت المصادر الإسرائيلية تتهم السلطات الروسية بانها "لم تفعل شيئا حتى الآن من اجل حماية اليهود من تعاظم ظواهر اللاسامية في روسيا".
وقالت هذه المصادر ان "تعاظم اللاسامية" يتم التعبير عنه من خلال "اعتداءات على أملاك اليهود وعلى مواقع الكترونية يهودية وبالاعتداء على اليهود في الشوارع".
ولفتت هآرتس الى أن القضية تثير غضبا واستياء عارمين في صفوف اليهود في روسيا ونقلت عن مدير عام اتحاد الجاليات اليهودية في روسيا الكسندر بورودا قوله لوكالة انباء روسية انه مستاء "من مجرد اجراء التحقيق".
واضاف بورودا "ان مجرد إجراء تحقيق حول كتاب من القرن السادس عشر وأصبح جزءا من التراث اليهودي هو دليل على قِصر نظر من جانب الادعاء العام".
يشار الى ان بداية هذه القضية تعود الى مطلع العام الحالي عندما تم نشر عريضة في إحدى الصحف الروسية التي وصفتها هآرتس بـ"الرجعية" تطالب المدعي العام الروسي بالتحقيق ضد التنظيمات والجمعيات اليهودية في روسيا بشبهة "التحريض وإثارة فتن دولية".
وقالت هآرتس ان واضعي العريضة ذكروا "فريات دموية" (اتهم فيها يهود بقتل مسيحيين لغرض اقامة طقوس دينية) وادعوا بأنه تم اثبات هذه "الفريات" في المحاكم.
واعتمد واضعو العريضة على مقاطع من "سفرة الطعام" وعلى مصادر يهودية من أزمنة مختلفة في ادعائهم الأساسي وهو ان "اليهودية هي ديانة عنصرية تحرض على كراهية غير اليهود".
وبين المبادرين الى نشر العريضة كان عدد من أعضاء الدوما (البرلمان) من حزب رودينا الذي يعتبر في إسرائيل حزبا قوميا شبيها بالحزب النازي الألماني على الرغم من انه يعرف نفسه على انه حزب اشتراكي.
ولفتت هآرتس الى ان الحاخام الأكبر لمدينة موسكو بنحاس غولدشميدت تقبل بفتور توجها من جانب زعيم حزب رودينا ديمتري روغوزين "وتنكر من خلال هذا التوجه لظواهر لاسامية في صفوف حزبه" ومشيرا الى ان "مصادر دينية لا يمكنها ان تستخدم أساسا لاجراءات قضائية".
وطالب الحاخام غولدشميدت زعيم رودينا باتخاذ اجراءات ملموسة ضد أعضاء حزبه الذين وقعوا على العريضة.
يشار الى ان حزب رودينا قدم طلبا في الآونة الاخيرة للانضمام الى الاشتراكية الدولية لكن شخصيات يهودية روسية دعت الاشتراكية الدولية الى عدم ضم حزب رودينا الى صفوفها.
وأشارت هآرتس الى الخطاب الذي القاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل اشهر قليلة في حفل لذكرى ضحايا المحرقة في معسكر اوشفيتز في بولندا والذي قال فيه انه "يخجل من ان بلاده ليست بريئة من ظواهر اللاسامية".
غير ان مصادر إسرائيلية تتابع القضية قالت لهآرتس ان "بوتين امتنع عن إصدار أوامر باتخاذ اجراءات ضد المبادرين الى العريضة" وان "هذا التعامل من جانب بوتين فسره المبادرون الى العريضة على انه ضوء اخضر لمواصلة نشاطهم".
واضافت هآرتس ان جهات في إسرائيل وإعلاميين ومثقفين في روسيا ادعوا بان "كافة الخيوط في هذه القضية توصل الى الكرملين ورئيسه".
من جهة اخرى نقلت مراسلة هآرتس المتخصصة بالشؤون الروسية والمهاجرين الروس الى اسرائيل ليلي غاليلي عن مصدر روسي رفيع احتجاجه على "تشويه صورة روسيا في إسرائيل واقتباس عرائض لاسامية من الصحف الروسية".
وقال المصدر الروسي الرفيع انه "لا توجد لاسامية رسمية في روسيا" وشبّه الضجة التي تثيرها اسرائيل في هذا السياق بوضع "تتعامل فيه روسيا مع تصريحات شخص إسرائيلي مجهول وكأنها سياسة رسمية إسرائيلية".
واحتج المصدر الروسي الرفيع على انه "يتم عرض الواقع في روسيا وكأن لا شيء يحدث في البلاد، وبضمن ذلك مظاهر لاسامية، من دون دعم الرئيس بوتين والسلطات الرسمية".
لكن غاليلي نقلت عن محللين روس كبار قولهم انه "حتى لو ان السلطات الروسية لا تقف من وراء المنشورات اللاسامية فإنها (أي السلطات الروسية) ترضع من الرياح التي تهب من هذه المنشورات".
يشار الى انه لم تتم اثارة هذه القضية لدى زيارة بوتين لإسرائيل قبل نحو الشهرين.
ويحرص بوتين من جهته على إظهار مودته لليهود في بلاده. وقالت هآرتس إن الحاخام الأكبر ليهود روسيا بيرل ليزر يلقب بأنه "حاخام بوتين".
من جهته قال ليزر لاذاعة الجيش الاسرائيلي أمس ان "الجالية اليهودية في روسيا تحاول إخراج حزب رودينا خارج القانون".
واعتبر ليزر ان "سبب تعاظم مظاهر اللاسامية في روسيا يكمن في تدهور الوضع الاقتصادي".
وقال إن "هناك أناسًا يواجهون مصاعب لأن الوضع الاقتصادي في روسيا صعب اليوم. ولهذا فإنهم يتساءلون من المذنب؟ اليهود مذنبون وعندها يتوجب عمل كل شيء لكي لا يبقى اليهود".