كتب أسعد تلحمي:
كرّس "مؤتمر هرتسليا" السنوي الخامس الذي انعقد بين 13 من الشهر الجاري و16 منه, تحت عنوان "ميزان المناعة والأمن القومي", معظم أعماله لـ"فائدة الفرص الاستراتيجية النادرة" المتاحة أمام إسرائيل في أعقاب المتغيرات الدولية والاقليمية التي حفل بها العام 2004 ووجوب عدم اهدارها وتفويت انعكاساتها الايجابية على مجمل الأوضاع في الدولة العبرية.
ورغم أن مؤتمر هذا العام, الذي ينظمه "المركز المتعدد المجالات في هرتسليا" ويشارك فيه أقطاب الدولة العبرية وقادة مؤسستها العسكرية وأكاديميون وديبلوماسيون أجانب, لم يتمخض عن خطط سياسية جديدة أو تصريحات تستدعي التوقف, ظهر توافق في رأي غالبية المتحدثين على أن إسرائيل تدخل في حقبة جديدة, قد تكون الأفضل في تاريخها "في حال أحسنت استغلال الفرص الناشئة".
وكما في المرات السابقة حيث ظهر "مؤتمر هرتسليا" أهم اجتماع سنوي في إسرائيل أو "لقاء قمة" بين صنّاع القرار السياسي والعسكري والاجتماعي ومناسبة لإطلاق مبادرات أو تصريحات جديدة, تحدث المؤتمرون هذه السنة عن المسائل الملحة التي تندرج تحت عنوان "ميزان المناعة والأمن القومي في ظل المتغيرات الاستراتيجية", ومنها الموضوعات الآتية: مقاربات استراتيجية ونشر الأسلحة النووية في آسيا والخليج ومتغيرات استراتيجية دولية, وتوثيق العلاقات بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي وتطوير علاقاتها بحلف شمال الأطلسي, ومصادرة القوة الاقتصادية المستقبلية, ونظرة جديدة للأمن الاجتماعي, واقتراحات لحلول سياسية وتعامل الدولة مع المواطنين العرب.
وغلبت على المحاضرات الكلمات التي ألقاها أركان الدولة العبرية وقادة الأحزاب من التيارات المختلفة, وعلى التقارير والأبحاث الأكاديمية في المؤتمر فكرة أن الحدث الأبرز الذي شهدته المنطقة تمثل برحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي اعتبرته اسرائيل العقبة الاساسية في وجه مشروعها للسلام, مشيرة الى انتظار "قيادة فلسطينية عقلانية وبراغماتية" تنفّذ المطلوب منها في "مكافحة الارهاب (الفلسطيني) ووقف التحريض" للتنسيق معها في تطبيق خطة الانسحاب من غزة.
وهذه الخطة, كما جاء على لسان رئيس الحكومة اريئيل شارون واقطاب حكومته وقادة اليسار الصهيوني ايضاً, غدت اهم مشروع يتعلق به مصير المنطقة كلها ويشكل "فرصة لانطلاقة تاريخية مع الفلسطينيين لا يعلم احد متى تتكرر" كما قال شارون, فيما حرص كبار معاونيه على التذكير, ان هذه الخطة جاءت برسالة ضمانات اميركية اعتبروها "اهم انجاز" في تاريخ الدولة العبرية.
وقد يكون الجديد في كلام شارون انه بات هو ايضاً يتبنى تحذير اقطاب اليسار الصهيوني من ان مواصلة احتلال المناطق الفلسطينية تشكّل خطراً ديموغرافياً على اسرائيل مشككاً للمرة الاولى بدولة يهودية ديموقراطية اذا تواصل احتلال قطاع غزة.
أما وزير الدفاع شاؤول موفاز فأدرج بين "الفرص الاستراتيجية السانحة" الضغط المتزايد على "الدول المارقة" مثل سورية وايران واعتبره ذا مغزى استراتيجي بالغ الدلالة على المدى البعيد فيما كان زميله سيلفان شالوم وزير الخارجية اكثر وضوحاً بتأكيده وجوب "منع وصول ايران الى قدرات نووية" ورأى ان المتغيرات الحاصلة فرصة لاملاء مزيد من الشروط على سورية لاستئناف المفاوضات معها. وتوقف اساساً عند احدى ثمار هذه التطورات التي تمثلت بتسخين العلاقات مع مصر معولاً عليها بأن تمهد لعلاقات مع عشر دول عربية اخرى على الاقل.
على الصعيد الاقتصادي, خلص المؤتمر الى ان اسرائيل ستحتاج الى مزيد من الوقت للخروج من أزمتها التي قد تستفحل في حال بقيت نسبة النمو منخفضة على ما هي عليه الآن.
وكرس المؤتمر حيزاً من اعماله, كما في كل عام, لسياسة التمييز التي تنتهجها الحكومة تجاه المواطنين العرب. وحملت كلمات المتحدثين تحذيراً, كالعادة, من انفجار الاوضاع في "الوسط العربي" في حال امعنت السلطات الاسرائيلية في اهمال 20 في المئة من مواطنيها وتجاهل حاجاتهم, وحقيقة انهم الشريحة الاضعف اقتصادياً.