كتب سعيد عياش:
صعّدت الأوساط الحاكمة في إسرائيل مؤخراً من لهجة تهديداتها ضد إيران بشكل ملموس وامتلأت الصحف العبرية اليومية بالأخبار والتقارير و"المعلومات" التي تصب بوضوح في طاحونة التحريض والتأليب والإستعداء على طهران، وذلك في نطاق الحملة المنسقة التي تقودها وتغذيها المراكز المتنفذة في الإدارتين الحاكمتين المتحالفتين في كل من واشنطن وتل أبيب ضد ما يوصف بـ "التهديد الإيراني".
وقد وجد هذا التصعيد (الرسمي الإسرائيلي) تعبيراً جلياً له منذ حوالي أسبوعين، عندما أعلن رئيس الوزراء أريئيل شارون خلال جلسة لحكومته أن تل أبيب باتت تعتبر، في إطار إعادة تقويم وترتيب الأخطار والتهديدات التي تواجهها، أن "التهديد النووي الإيراني" يمثل الآن "التهديد الإستراتيجي الأكبر" للدولة العبرية.
في الوقت ذاته، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن محافل إسرائيلية رفيعة قولها إنه "إذا إجتازت إيران الخط الأحمر على طريق امتلاك السلاح النووي فإن إسرائيل ستتولى شأنها كما فعلت مع المفاعل – النووي- العراقي" [الذي أغارت عليه ودمرته طائرات حربية إسرائيلية، في تموز عام 1981].
وعلى هذا المنوال نشطت ماكينة الإعلام الإسرائيلية في الإتجاه ذاته وخصصت كبريات الصحف حيزاً هاماً من التقارير والمقابلات التي نشرتها عشية عيد "رأس السنة العبرية" (الأربعاء 15/9/2004) للحديث عن "الملف الإيراني".
أحدث التقارير والأخبار "التحريضية"، التي حفلت بها هذه الصحف ضد طهران، تحدثت عن "نشاط تجسسي إرهابي" تمارسه إيران ضد إسرائيل. وقد خصصت صحيفة "هآرتس" الصادرة أمس (الإثنين) صفحة كاملة لهذا الموضوع إحتوت على أربعة عناوين، ثلاثة منها من "صنع وإخراج" إسرائيليين بالكامل والرابع يتحدث عن "رفض طهران وقف تحضيراتها لتخصيب مادة اليورانيوم".
العناوين الثلاثة (الإسرائيلية) - واللافت هنا أن جهات إستخبارية إسرائيلية أو قريبة منها هي التي وقفت وراء نشر ما تضمنته التقارير الواردة تحت جميع هذه العناوين – جاءت بالتسلسل على النحو التالي:
العنوان الأول "إعتقال إيراني التقط صوراً للسفارة الإسرائيلية في أذربيجان - التقدير: جمع معلومات تحضيراً لشن هجمات".
العنوان الثاني "ديختر (آفي ديختر، رئيس جهاز مخابرات الشين بيت الداخلية): إزدياد سيطرة ونفوذ إيران في (حركة المقاومة الإسلامية) حماس".
أما العنوان الثالث، والذي سيكون موضع تفصيل في سياق هذه المعالجة، فقد كان على النحو التالي: "الإرهاب والذرة – إيران تضاعف جهودها في جمع المعلومات الإستخبارية إستعداداً لإمكانية مهاجمتها"، وهو عبارة عن تقرير إخباري- تحليلي كتبه الصحافي المطلع "يوسي ميلمان"، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع "مجتمع الإستخبارات" الإسرائيلي.
وكتب "ميلمان" في تقريره، الذي احتوى على تحليل وخلفية حول ما وصفه بـ "حرب الإستخبارات بين إيران وإسرائيل"، مشيراً إلى أن قرار جهاز "الشاباك" الإسرائيلي بالكشف (أعلن ذلك للمرة الأولى يوم أول من أمس – الأحد) عن أمر اعتقال مواطن إيراني في الأول من أيلول الجاري بالقرب من السفارة الإسرائيلية في "باكو" عاصمة أذربيجان يشتبه في أنه كان يصور السفارة من أجل جمع معلومات استخبارية لحساب طهران، استهدف (أي قرار النشر) التلميح لإيران بأن إسرائيل على علم بمحاولاتها الرامية لجمع معلومات استخبارية ضدها.
وأردف "ميلمان": إن إيران عززت مؤخراً جهود جمع المعلومات الإستخبارية استعداداً لإمكانية تعرضها لهجوم أو ضربة عسكرية قد توجهها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في ضوء رفض طهران لوقف "برنامجها النووي العسكري" ... وزاد الصحافي الإسرائيلي مشيراً إلى أن أسبوعية "نيوزويك" الأمريكية نشرت في عددها الصادر اليوم (أمس الإثنين) تقريراً جاء فيه أن وزارة الدفاع الأميركية أجرت مؤخراً ما وصف بـ "ألعاب حرب وهمية" تفحصت خلالها رد فعل إيران على هجوم محتمل على منشآتها النووية.
واستطرد "ميلمان": إن إيران ترد على التهديدات بوسائل ردع تمتلكها، حيث تقوم باستعراض منجزاتها في مجال تطوير صواريخ "شهاب" (القادرة على ضرب أهداف في إسرائيل) وتجري مناورات عسكرية، وتواصل جهودها في جمع معلومات استخبارية عن أهداف إسرائيلية.
وتقدر جهات إسرائيلية بأن إيران ستقوم في حال تعرضها لهجوم إسرائيلي بإطلاق صواريخ بالستية إيرانية باتجاه منشآت استراتيجية في إسرائيل وبضمنها المفاعل النووي في ديمونا ومقر هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي (ووزارة الدفاع) في تل أبيب، وفقاً لما أورده "ميلمان" في تقريره، مضيفاً أنه وحسب نفس التقديرات فإن "جهات إرهابية موالية لطهران، مثل حزب الله، ستقوم أيضاً بضرب أهداف إسرائيلية ويهودية في العالم"، مشيراً في هذا السياق إلى وجود "سابقتين قاسيتين" تمثلتا في عملية التفجير التي استهدفت في آذار 1992 السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين وعملية التفجير المشابهة التي استهدفت في تموز 1994 مقر مؤسسات الجالية اليهودية في العاصمة الأرجنتينية.
ومضى "ميلمان" في تقريره مشيراً إلى أن الإستخبارات الإيرانية مستمرة منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979 في جمع معلومات استخبارية عن السفارات الإسرائيلية وأهداف يهودية في الخارج، وأن أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية رصدت منذ ذلك الوقت ما لا يقل عن عشرين حالة شوهد فيها أو ضبط عملاء إيرانيون بالقرب من ممثليات إسرائيلية في الخارج، وخاصة في دول في أمريكيا الجنوبية، ومرة (عدا عن التي كشف عنها أخيراً) في العاصمة الأذربيجانية، وأخرى في لاغوس عاصمة نيجيريا.
ويقول "ميلمان" إن هذه المحاولات والجهود الإيرانية هي جزء من "حرب الإستخبارات" المتبادلة بين طهران وتل أبيب، والتي قام الإيرانيون خلالها مراراً بمحاولات لتجنيد وزرع عملاء وجواسيس لهم في إسرائيل، في المقابل فقد ضبط عملاء إسرائيليون، في إحدى المرات، في قبرص أثناء محاولتهم زرع أجهزة تنصت على السفارة الإيرانية. وبحسب "ميلمان" فإن جل الجهد الإستخباري الإسرائيلي ضد إيران موجه اليوم لجمع معلومات عن برامج التسلح الإيراني ولا سيما البرنامج النووي.
[سوابق في "الإرهاب والتجسس"]
وأورد "ميلمان" في تقريره تسلسلاً بأهم ما اعتبره حوادث "الإرهاب والتجسس" في حرب الإستخبارات بين إيران وإسرائيل وذلك على النحو التالي:
§ نيسان 1991 : القاء القبض على أربعة إسرائيليين بالقرب من مقر السفارة الإيرانية في نيقوسيا (قبرص) للإشتباه بأنهم عملاء لجهاز "الموساد" الإسرائيلي كانوا في مهمة تجسس على السفارة.
§ آذار 1992: مقتل 29 شخصاً في إنفجار استهدف سفارة إسرائيل في بوينس آيرس (عاصمة الأرجنتين)، وتشتبه إسرائيل في أن الهجوم نفذ بتدبير من منظمة "حزب الله" اللبنانية بالتعاون مع إيران، وذلك كعمل إنتقامي إثر قيام إسرائيل باغتيال الأمين العام لحزب الله ، عباس موسوي، في شباط من العام ذاته.
§ تموز 1996 : مقتل 86 شخصاً في عملية تفجير استهدفت مقر مؤسسات الجالية اليهودية في العاصمة الأرجنتينية، ويعتقد أن الهجوم نفذ على يد عملاء استخبارات ودبلوماسيين إيرانيين.
§ أيلول 1996: أصدرت محكمة إسرائيلية حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات على هرتسل راد، وهو إسرائيلي من أصل يهودي إيراني، وذلك إثر إدانته بتهمة إجراء إتصال مع عملاء استخبارات إيرانيين.
§ شباط 1996 : اعتقل جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" الدكتور رجب سلامة، وهو فلسطيني قدم إلى الضفة الغربية من الأردن، وذلك كمشبوه بالتخابر مع عملاء استخبارات إسرائيلية بهدف جمع معلومات استخبارية في إسرائيل.