المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: حلمي موسى

يتحرك رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون، رغم هزيمته المدوية في مؤتمر "الليكود"، بارتياح. فمعارضوه داخل "الليكود" لا يريدون حتى اللحظة إسقاطه وإنما يريدون تطويعه. والأحزاب اليمينية الدينية والقومية مستعدّة للتعامل معه، وفقط كل ما تطلبه هو أن يتكلم كما يشاء وأن لا يفعل شيئاً على الأرض يخالف مبادئها. وأحزاب الوسط ترى منه السدّ الأخير أمام طوفان القوى اليمينية. أما حزب "العمل"، فحدّث ولا حرج: يعلن أن الانتخابات المبكّرة ضرورة، ولكنه لا يمانع في استئناف المفاوضات لتشكيل حكومة وحدة وطنية رغم اعتراض مؤتمر "الليكود".

ولكن راحة شارون لا تنبع فقط من الوضع السياسي الداخلي الإسرائيلي المتنافر الذي يسمح له بالبقاء في سدة الحكم، وحتى في زعامة "الليكود". فهناك الموقف الأميركي الذي قدّم لشارون أقوى غطاء سياسي سبق لإدارة أميركية أن قدّمته لحكومة إسرائيلية. فإدارة الرئيس بوش رأت في شارون حليفاً يجب استرضاؤه والابتعاد عن ممارسة أية ضغوط ضده. ولذلك حاولت هذه الإدارة بلورة سياسة أميركية في المنطقة تقوم على "إخراج" المواقف الإسرائيلية بلباس أميركي.


وهكذا كان الأمر مع "خريطة الطريق"، التي شكلت ذروة القبول الأميركي بالسياسة الإسرائيلية، ثم بالنزول عن هذه الذروة تبعاً لمقتضيات شارون الداخلية. ورغم خطط ووثائق ميتشيل وتينت، لم يبق من "خريطة الطريق" سوى ما كانت تصرّ عليه حكومة شارون: خطة الفصل. ولكن خطة الفصل هذه، حتى وإن صدقت نوايا شارون في إعدادها أصلاً، ليست قابلة للتنفيذ بسبب التوازنات السياسية داخل إسرائيل. وصارت هذه الخطة، مع مرور الوقت، مجرد يافطة. فالخطة حسب قرارات الحكومة الإسرائيلية مقبولة "من حيث المبدأ". لكنها تحتاج الى تقسيم للمراحل. ولن يبدأ النقاش الرسمي في أول مرحلة من مراحلها إلا في شباط القادم.


وحتى ذلك الحين ستكون قد توضحت للعموم عدة أبعاد مجهولة: الانتخابات الأميركية، مدى قدرة شارون على الصمود في الكنيست وتمرير الميزانية العامة، والوجهة التي سوف تتخذها القيادة الفلسطينية.
واليوم، يبدو أكثر من أي وقت آخر أن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش سواء بقيت أم خسرت الحكم سوف تترك وراءها سياسة أميركية أكثر موالاة لإسرائيل. فالمرشح الديموقراطي جون كيري ينافس بوش في الوعود التي يطلقها لمصلحة شارون. وإذا كانت إدارة بوش قد "تفاهمت" مع حكومة شارون على غضّ الطرف عن توسيع المستوطات، فليس من المستبعد أن يعلن الرئيس الجديد "تفهمه" لقيام مستوطنات جديدة. فالنقاط الاستيطانية التي أقامت أميركا الدنيا ولم تقعدها وهي تصرخ مطالبة بإزالتها لا زالت قائمة، والحكومة الإسرائيلية "تتفنّن" في اختراع الذرائع الكفيلة ببقائها.


والمفاوضات الائتلافية جارية على قدم وساق منذ شهور. غير أن شيئاً لم يتغير. ومن المحتمل أن لا يتغير شيء. فحكومة شارون تشعر بسعادة بالغة ل"الشلل" الذي أصابها. إذ بدل أن يلتفت الجمهور الإسرائيلي الى الوضع الاقتصادي والأمني المتدهور يتلهّى ب"التعذيب" الذي يتعرّض له أريئيل شارون داخل حزبه. وحزب "العمل" الذي يفترض به أن يكون حزب المعارضة الأساسي، لا يعارض شارون في شيء إلا في السرعة التي يريدها لدخول الحكومة. أما "اليسار" الإسرائيلي وما تبقى منه فإنه بات في الهامش عاجزاً عن خلق أية وقائع احتجاج، بل إن صرخاته باتت أكثر خفوتاً.

ولذلك ليس صدفة أن تسعى الأحزاب الحريدية ل"التوافق" مع شارون وأن تحاول اقتسام كعكة السلطة معه، حتى وإن كان ثمن ذلك الجلوس الى جانب الحزب العلماني "النجس" في نظرها "شينوي". كما أن حزب "العمل" الذي سعى طوال الوقت ل"مشاركة" الليكود في السلطة لم يضع لنفسه أية قواعد أو اشتراطات. بل إن الاشتراطات الأولية التي كان يعلنها بين حين وآخر تراجعت لكي يحصر نفسه فقط في "تأييد خطة الفصل". وحزب "العمل" الآن على استعداد، رغم صخب بعض قادته ودعوتهم إلى عدم دخول حكومة الوحدة، هو أول من يسعى الى دخولها.
فحزب العمل يريد من شارون أن يرسخ سابقة إخلاء مستوطنات "داخل أرض إسرائيل"، كي يبرر القول بأن اليمين فشل تاريخياً، وهو ينفذ سياسة حزب "العمل". و"الليكود" العاجز عن إعلان مجابهته للعالم يقول من خلال شارون إن بقاء الوضع القائم هو السبيل الأفضل. والأحزاب الحريدية ترى أن شارون الضعيف والمحتاج إليها، ولو بشكل مؤقت، أفضل من البقاء بعيداً عن مركز الفعل السياسي والاقتصادي.

ومن الوجهة العملية، فإن الراغبين في التغيير عاجزون عن إحداث ذلك، والقادرين على الفعل يشعرون أن هذا ليس زمانهم. لذلك تدور جميع القوى والتيارات حول استمرارية الوضع الراهن الى حين تغيّر الظروف.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, الليكود, الكنيست, شينوي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات