أجرى المقابلة: فراس خطيب
لا يعيش اليسار الإسرائيلي (الصهيوني) ربيع أيامه في الوقت الراهن، بل يشغل دوراً هامشياً في إتخاذ القرار حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وما زال حتى هذه الساعة يلملم رماد اوراقه التي إحترقت بعد فشل إيهود باراك في إملاء حل للصراع القائم. وامتد هذا الفشل ليس فقط الى كوادر ومراكز "حزب العمل" إنما ضرب أيضًا مصالح كل سائر الحركات اليسارية التي تقع تحت سقف واحد معه، فلولا فسحة الحظ لسجل حزب العمل في الإنتخابات الأخيرة، بقيادة عمرام متسناع، فشلاً لا يغتفر بعدما ورد الإحتمال في أن يكون حزب "شينوي" الثاني من بعد "الليكود". وكي لا ننسى، نتذكر إستقالة عضو الكنيست يوسي سريد من رئاسة حزب "ميرتس" غداة الإنتخابات الأخيرة التي سجل فيها أدنى نسبة أعضاء.
في ظل هذه الأوضاع العاصفة المضنية، ووسط محاولات إنعاش هذا الجسم الذي لم يعد صلباً في سبيل الدفاع عن المبدأ اليساري المتخبط والضائع، سقطت مظاهرة الـ 150 الفاً التي نظمها اليسار في ميدان رابين (السبت 15/5) من السماء، وإنقلبت الآية. ربما كان إنقلابها مجازياً لا يعتمد على توقعات عملية، لكن الدنيا قامت، وقام اليسار والإعلام متسائلاً: ماذا؟ اليسار من جديد؟ هل هذه حقيقة؟ ام أن ثمة خطأ في الدعوة؟ حقيقة كان هناك خطأ في الدعوة، ففي مظاهرة اليسار "التاريخية" تنفس شارون الصعداء بدلاً من قلقه. إذن، اين اليسار؟ وماذا عن الخطابات المتخبطة من على منصة المظاهرة؟.
من على تلك المنصة المشكوك بيساريتها لم يتحرر قائد المعارضة، شمعون بيريس، من "الشرق الأوسط الجديد"، والغى "مؤقتاً" خيار حكومة "وحدة وطنية". اما عامي أيالون فقد إجتهد في محاولة تغيير الصورة التقليدية والخارطة السياسية الإسرائيلية المألوفة، بقوله "نحن اهملنا من يجب ان يكون الى جانبنا" قال. وآخر دعا الى إسقاط الرئيس ياسر عرفات من منصبه، اما رافضو الخدمة العسكرية فقد همشوا وأزيحوا من برنامج المظاهرة.
ما كان هناك هو فقط خطاب واحد يذكّر (فقط يذكّر؟) بجو اليسار الإسرائيلي، لعضو الكنيست السابق، واحد قياديي حركة "سلام الآن"، تسالي ريشف، الذي قال في حينه: "يكمن الشر في المستوطنات، نحن جئنا لنطرح بديلاً لأريئيل شارون".
في حديث خاص لـ"المشهد الإسرائيلي" سألنا ريشف عن البديل فقال: "نحن نريد العودة الى الإتفاقيات التي ابرمت في سنوات ماضية، والتي أشرف عليها الرئيس الأمريكي كلينتون ولا نلغي أيضاً إتفاقيات مثل "جنيف"، نحن نتحدث عن انسحاب الى ما قبل حدود 67، وتقسيم القدس".
(*) "المشهد الإسرائيلي": لكن اليوم، ليس كافياً الحديث فقط عن المستوطنات وغزة؟ لماذا تتوقف "سلام الآن" عند ذلك الحد؟ هل هذا يعني حقيقة تأييدكم لشارون؟
(*) انا قلتها من على المنصة، إننا لن نكتفي بالإنسحاب من غزة، ولن نكتفي بإخلاء المستوطنات فقط، نحن نسعى الى أكثر من هذا بكثير. سنستمر بعد الإنسحاب من غزة بالمطالبة بالإنسحاب من نابلس، رام الله، وغيرهما، وإخلاء كل المستوطنات غير المتواجدة في منطقة غزة، نحن نصبو الى هذا، وهذا ما قلته. وانا اؤمن بأنه في حالة الإقتراح على الفلسطينيين نهاية للإحتلال وتفكيك للمستوطنات، ستبدو الامور سهلة.
(*)"المشهد الإسرائيلي": لم تذكر اللاجئين؟
(*) سؤال اللاجئين هو الأكثر صعوبة، والقضية ليست سهلة أبداً، ولكن، لنا موقف من هذا، نحن لا نؤيد عودة اللاجئين الى داخل حدود إسرائيل، هذا ليس وارداً، وهذه احد الأسئلة المركزية والصعبة التي نواجهها في مطالبنا، ولكننا نؤيد دائماً اتفاقيات تسعى الى حل القضية بطريقة عادلة.
(*) "المشهد الإسرائيلي": إعتبر البعض حركة "سلام الآن" اشبه ب "مقاولة مظاهرات لحزب العمل واليسار"، ما رأيك؟
(*) هذا ليس صحيحاً، ولكن حتى لو إتهمونا، فهذا ليس عيباً ان نكون مقاولي المظاهرات، نحن لسنا في جيب احد، الكل يعلم تماماً كيف كان خطابي (في مظاهرةالـ 150 الفاً - ف.خ) وخطاب شمعون بيريس مختلفين تماماً، ربما كان هناك تشابه بين ما قلته أنا وما قاله يوسي بيلين. نحن في "سلام الآن" هدفنا واضح منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً وهوإستقطاب كل الحركات السياسية اليسارية في إسرائيل لبناء معسكر سلام يضم كل الداعمين له. وتتمركز أهدافنا حول اقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة إسرائيل.
(*) "المشهد الإسرائيلي": سمعت طبعاً عن اللقاءات الليلية لقيام حكومة "وحدة وطنية"، شمعون بيريس، اوري شاني وحاييم رامون، ما هو موقفكم؟
(*) موقفي يرفض هذا تماماً، انا لا أنفي قيام "حكومة وحدة وطنية" ولكن ليس في الوضع الراهن، يعود هذا الى عدة أسباب أهمها ان لا توجد لشارون خطة مستقبلية واضحة ولا خط واضح، ففي هذه الأيام بالذات يبحث المستشار القضائي في قضيته وليس مؤكداً إذا ما كان سيستمر في مهمته أو لا، حزب العمل أخطأ أصلاً عندما إنضم الى الحكومة السابقة مع شارون، فذلك الإنضمام لم يؤثر على مواقف حكومة شارون، لا بل ترجم مبدأ الحكومة على ارض الواقع، فمثلاً بنيامين بن اليعيزر الذي أشغل منصب وزيرالدفاع نفذ سياسة اليمين والليكود وليس اليسار. انا لا اؤيد الإنضمام.
(*) "المشهد الإسرائيلي": متى ستؤيد إذن؟
(*) إذا كانت هناك سياسة واضحة، خطط واضحة مع توقيت محدد، ومع بداية وجدول لتنفيذ الخطط، عندها وفقط عندها لن نلغي إمكانية الإنضمام الى حكومة "وحدة وطنية".
(*)"المشهد الإسرائيلي": لماذا لم تذكر الهمجية المتبعة وهدم البيوت وتشريد أهلها في المناطق المحتلة ضمن سياق رفضك للتحالف مع شارون؟ اليوم قال لبيد (وزير العدل الاسرائيلي) إن "العجوز من رفح تذكرني بجدتي"؟ أليس في ما يرتكبه شارون ما يكفي لرفضكم التحالف معه؟
(*) اولا انا أشارك لبيد هذا الإنتقاد، وانا ايضا لا افهم هذه العملية ودوافعها. وطبعاً انا لا اؤيد السياسة المتبعة، هذا لن يفيد الموضوع، لدي الكثير من الانتقادات على هذا الموضوع. وانا سعيد جداً ان لبيد الذي يجلس في الحكومة ينتقد الحكومة بهذا الشكل. سأكون حذرا من التصريح عن جرائم حرب وما شابه، لان الجانبين، الاسرائيلي والفلسطيني، ينظران الى القضية من منظارهما الخاص وكل جانب يحاول ان يرسم ما يلائمه.
(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تفسر تأييد الجمهور للمواقف التي تتخذونها، تقسيم القدس، إخلاء المستوطنات وغيرها من القضايا، ولكن عند الإنتخابات يصوت هذا الجمهور الواسع لليمين؟ أليس الخطأ منكم؟
(*) توجد لهذا تفسيرات عديدة، فلدى اليسار مشكلة جدية فيما يتعلق بالقيادة، لا يوجد من يقود اليسار للفترة القادمة، وينتج عن هذا عراقيل عديدة. ودعني أنتهز الفرصة من على صفحات جريدتكم، وأقولها بكل صراحة إن الفلسطينيين أيضا لا يساعدوننا، فأحد الأسباب المركزية التي أبعدت الجمهور الإسرائيلي عن اليسار هو تقوية التيارات المتطرفة داخل المجتمع الفلسطيني، دائما يجب ان نتذكر أن إزدياد الآراء المعتدلة غير المتطرفة داخل الشارع الفلسطيني يساهم في نجاح اليسار الإسرائيلي. من أكثر المصاعب التي يواجهها اليسار الإسرائيلي إقناع الرأي العام ان هناك مع من نتحدث، والمقصود هنا التحدث مع تيارات من الشارع الفلسطيني والتي تؤمن بقيام دولة إسرائيل، حتى حدود 1967. هذا صعب جداً... يهمني جداً ان يسمع الجمهور الفلسطيني رأينا، وأنا دائما أشدد من على صفحات كل الصحف على عدم تأييد هذه الحكومة، انا أعلم انه من الصعب جداً ان نطلب إستجابة الفلسطينيين في هذا الصدد فهم متواجدون تحت الإحتلال وأوضاعهم صعبة للغاية ولكن مهم جداً تقوية الآراء المعتدلة.
(*)"المشهد الإسرائيلي": اما زلتم تخافون مشاركة اليسار العربي في مظاهراتكم؟ فأنا أعلم ان عضو الكنيست عصام مخول (الحزب الشيوعي) توجه من أجل المشاركة، لكنه لم يتلق رداً صريحاً؟
(*) انا لا أعلم عن تلك المبادرة، وبالتأكيد لم يتحدث عصام مخول معي، ربما مع جهات أخرى. نحن نؤمن بأنه يجب ان يكون للأحزاب العربية دور الى جانبنا، فالقضية مشتركة، وهذا ليس صحيحاً اننا نتخوف من وجودهم. الشراكة السياسية مهمة جداً ويجب ان نبني إطارًا موحدًا عن طريق التنازلات فيما بيننا كي نكون مؤثرين أكثر.