المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 791

احتلت قضية التهديدات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي، أريئيل شارون، مساء الجمعة الماضية، بالتعرض لحياة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، حيّزاً كبيراً من اهتمام وتقارير وتعليقات الصحف العبرية على مدار اليومين الفائتين، لا سيما في ضوء ما أثارته هذه التصريحات الشارونية من تداعيات وردود فعل مستنكرة واسعة النطاق على المستويين الدولي والإقليمي.  وبمعزل عن جميع ما تناقلته وسائل الإعلام خلال الساعات الماضية من أنباء عن تحركات وتدخلات و "طلبات" أميركية وعربية وفلسطينية تحذر إسرائيل من مغبة وعواقب الإقدام على أية خطوة طائشة تلحق الأذى بشخص الرئيس عرفات، فقد رجّح معظم المعلقين والمحللين الإسرائيليين، حتى قبل "لهجة التراجع والتخفيف" من حدة تصريحات شارون، كما ترددت أخيراً على لسان أكثر من مسؤول في الحكومة الإسرائيلية، إحتمالية أن يكون الهدف الحقيقي من وراء تصريحات شارون هو لأغراض "الإستهلاك المحلي" والسعي إلى تشنيف آذان منتسبي حزبه (الليكود) قبل طرح خطته الأحادية الجانب عليهم في الإستفتاء المقرر إجراؤه في الثاني من الشهر المقبل.

 

 

مع ذلك، وفي الوقت ذاته، لم يستبعد المعلقون الإسرائيليون في تحليلاتهم أن تكون تصريحات شارون التهديدية  تهدف إلى "ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد"، ومن ضمن ذلك تمهيد الطريق وتهيئة الأجواء لإبعاد الرئيس الفلسطيني إلى غزة بعد، وربما قبل، تنفيذ خطة الإنفصال الإسرائيلي عن قطاع غزة.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد نسبت اليوم (الاثنين) إلى مصادر سياسية في القدس الغربية قولها إن شارون "يريد تمهيد الطريق لإبعاد الرئيس عرفات إلى قطاع غزة" في إطار خطته المتعلقة  بالإنسحاب من القطاع مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي يمتلك خططاً دقيقة ومفصّلة لإبعاد عرفات في أية لحظة.

 

وفي نطاق لهجة التراجع ذاتها عن التهديد الفعلي والمباشر لحياة الرئيس عرفات، صرّح الوزير إيهود أولمرت، القائم بأعمال رئيس الحكومة، بأن رئيس الوزراء شارون لايقصد القول إنه يعتزم تنفيذ أمر ما (ضد الرئيس عرفات) هذا الأسبوع أو اليوم أو بعد غد ... كذلك استبعد الوزير غدعون عزرا، المقرب من شارون، تنفيذ الأخير لتهديداته ضد الرئيس عرفات في المستقبل القريب ... .

في السياق ذاته قال قائد المنطقة العسكرية الوسطى (تشمل الضفة الغربية)، الجنرال موشي كابلينسكي، إن الجيش الإسرائيلي "لم يتلق أي تعليمات في هذا الشأن لكنه مستعد للتحرك ...".

من جهتها ذكرت صحيفة "معاريف" أن "شارون يحاول تمهيد الأرضية لإبعاد عرفات إلى قطاع غزة في إطار خطة فك الإرتباط" وأضافت أن تهديدات شارون جاءت "لتوفير الذريعة لقوات الأمن الإسرائيلية في حال تعرض عرفات للأذى أثناء إبعاده إلى غزة".

ورفض شارون طلب عدد من وزرائه في جلسة الحكومة  أمس، الأحد، بحث تهديداته الرئيس الفلسطيني, لكنه استمع الى تعقيباتهم التي جاءت في معظمها مؤيدة. وقال زعيم حزب "شينوي"  وزير العدل، يوسف لبيد،  انه لا يعتقد بأنه يجب التخاصم مع الأميركيين بسبب الرئيس الفلسطيني, فيما دعا وزير الداخلية ابراهام بوراز الى عدم المساس بالرئيس الفلسطيني "فهو ليس (عبدالعزيز) الرنتيسي أو (الشيخ أحمد) ياسين ومن شأن إيذائه ان يورطنا في كارثة فظيعة".

 

واعتبر زعيم "العمل"، شمعون بيريس، تصريحات شارون "خطأ جسيماً وتفتقر الى الحكمة" وأنها وحدت الفلسطينيين حول عرفات وحشدت دعماً أميركياً لحصانته. وأضاف في سياق حديث اذاعي: "ينبغي أن نفكر بالعقل لا أن تغلب علينا العاطفة أو نتصرف طبقاً للمزاج فنحصد نتائج عكسية". واعتبر احتمال نفي الرئيس الفلسطيني الى قطاع غزة "فكرة جيدة".

ونفت أوساط قريبة من شارون ان يكون وراء تهديداته الاخيرة سعيه الى حشد تأييد اعضاء حزبه "الليكود" لخطته الانفصال عن الفلسطينين وضمان غالبية الاستفتاء الذي سيتم الاحد المقبل, ولم تستبعد احتمال تنفيذ شارون تهديداته في حال وقوع عملية استشهادية توقع عدداً كبيراً من القتلى الاسرائيليين تنفذها حركة "فتح" ويكون ممكناً ربط عرفات بها. وذكّرت بأن كل من هدده شارون في الماضي تمت تصفيته, معترفة في الوقت نفسه, بأن تهديد شارون الرئيس الفلسطيني يعزز فرص حصول خطة الانفصال على تأييد غالبية اعضاء "الليكود".

وعلى رغم تأكيد مصادر صحافية اسرائيلية ان ردود الفعل الاميركية على تهديد شارون التي اوضحت ان واشنطن ما زالت ترى في التزام شارون عدم المساس بعرفات سارياً, جدية تنم عن قلق اميركي حقيقي من احتمال ان يُشعل ايذاء الرئيس الفلسطيني المنطقة برمتها، الا انها اشارت الى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي لن يتردد في الاقدام على مأربه في حال اضطر الى الاستقالة من منصبه سواء لفشله في تنفيذ خطة الانفصال, او في اعقاب قرار للمستشار القضائي للحكومة ميني مزوز بتقديمه الى المحاكمة في قضية فساد ورشوة. "في هذه الحال" قالت اذاعة الجيش "فان شارون لن ينصرف الى بيته من دون ان يأخذ معه (الرئيس) عرفات, عدوه اللدود عملاً بالمقولة: عليّ وعـلى اعـدائي!".

 

الى ذلك عاودت الصحف العبرية الحديث عن معارضة قادة الاجهزة الامنية استهداف الرئيس الفلسطيني "على رغم ان خططاً جاهزة متوافرة في الدرج", وذلك لخشيتها من تداعياتها، لكنها استدركت لتضيف ان "الوضع قد يتبدل في حال وقوع حدث طارئ".

 

 

تعليقات في صحيفة "هآرتس":

"شارون قد ينفذ تهديده في ظروف معينة"

 

رأى زئيف شيف، المعلق العسكري في صحيفة "هآرتس"، يوم الأحد، أن  تهديدات رئيس الوزراء الاسرائيلي، أريئيل شارون، بالقتل ضد الرئيس الفلسطيني، التي أطلقها مساء الجمعة الماضية في لقاء مع القناة التلفزيونية الاسرائيلية الثانية، تستهدف "تعزيز مكانته في صفوف المصوتين، من منتسبي "الليكود"، في الاستفتاء على خطة فك الارتباط". إلى ذلك إدعى شيف "ان استمرار سلطة عرفات ووجوده في المناطق يخدمان مخططات شارون. فطالما أن عرفات في السلطة بامكان شارون مواصلة الادعاء بان لا شريك فلسطينيا للمفاوضات. وان الامريكان يؤيدون هذا الامر، حتى ان هناك موافقة صامتة على ذلك لدى العديد من الزعماء الاوروبيين. وهذا الامر يمنح شرعية ما لموقف شارون الرافض للمفاوضات والمؤيد لخطوات احادية الجانب. بكلمات اخرى، فان تصريح شارون بخصوص عرفات هو مجرد كلمات لا تعبر عن استراتيجيته الحقيقية، غير ان الكلمات تثير انطباعا سلبيا هو ان شارون ينوي خرق تعهداته لبوش"، على حد ما يعتقد هذا المعلق.

 

وانتقد شيف تهديدات شارون معتبرًا انها تشكل "خرقا لتعهده للادارة الامريكية اضافة الى خرقه قبل ذلك تعهدًا للادارة نفسها بخصوص مسار الجدار"،  ووعده لوزير المالية الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بان المسار سيشمل مستوطنة اريئيل، لكي يؤيد نتنياهو خطة "فك الارتباط". وتساءل شيف: لماذا لا يتراجع الجانب الامريكي عن تعهداته التي منحها لشارون لدى زيارة الاخيرة الى واشنطن، قبل اسبوعين، لافتا الى ان ذلك قد يحصل خلال اجتماع "الرباعية" القريب.

 

وحول وعد شارون لنتنياهو فيما يتعلق بالجدار، كتب شيف: "تصريح شارون بخصوص ضم الكتل الاستيطانية داخل الجدار، يتضمن تلميحا بخرق التفاهمات مع الولايات المتحدة، اذا ما نفذ شارون وعده لنتنياهو.  فقد اوضح نتنياهو انه يؤيد خطة فك الارتباط لأن شارون وعده بضم الكتل الاستيطانية داخل الجدار. ولكن بموجب التفاهمات التي تم تحقيقها مع الولايات المتحدة، ستواصل اسرائيل بناء الجدار بشكل جزئي في المقاطع التي لا خلاف حولها مع الولايات المتحدة.  اما بالنسبة للمقاطع موضع الخلاف فان اسرائيل تعهدت بتنسيق ذلك مسبقا مع الادارة الامريكية. وتعني كلمة تنسيق في هذه الحالة الحصول على موافقة امريكية".

 

من ناحية أخرى كتب المراسل السياسي في الصحيفة، ألوف بن، مقالا قال فيه ان شارون قد ينفذ تهديداته بقتل الرئيس الفلسطيني "عندما تسمح الظروف بذلك". لكن "المشكلة الرئيسية امام شارون الان هي المعارضة الامريكية. فاسرائيل رفعت مستوى الاغتيالات بحق كبار الشخصيات الفلسطينية. كذلك فان اغتيال الشيخ احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي مر بهدوء نسبي. ولم تطلب الولايات المتحدة عدم التعرض لهما وانما طلبت من اسرائيل فقط ان تأخذ بالحسبان عواقب افعالها. اما عرفات فقد بقي خارج هذا المجال وحظي بحماية امريكية، لان قتله قد يشعل المنطقة وسيعرقل المشاريع الامريكية في الشرق الاوسط".

غير ان "بِن" اشار الى ان هذه القيود قد تتضاءل في ظروف معينة، "خصوصا اذا وقعت عملية تفجيرية كبيرة يكون بالامكان ربط عرفات بها، مثل ان ينفذ العملية "تنظيم" فتح". عندها- أضاف-  ستتزايد الضغوط في اسرائيل  لتنفيذ "القرار بطرد" عرفات.

 

أما الظروف الأخرى، التي قد تدفع شارون الى تنفيذ تهديده، فهي برأي "بن": في حال خسر جورج بوش الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني القادم. ويؤكد "بن":"فترات انتقالية كهذه هي توقيت معروف لشد الحبل في العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل. بضعة امثلة على ذلك: استغلت الادارة الامريكية في العام 1960 الفترة الانتقالية للكشف عن مشروع المفاعل النووي الاسرائيلي في ديمونا. وطردت حكومة رابين في العام 1992 المئات من شخصيات حماس الى لبنان. ونقلت اسرائيل في العام 2000 اجهزة انذار ضد الصواريخ الى الهند، تحسبا من ان يعارض الامريكان هذه الصفقة".

واضاف: "بالامكان التوقع أيضًا بأن يكون عرفات  في دائرة الخطر في حال اضطر شارون لسبب ما إلى اخلاء كرسيه، ولن يرضى بالعودة الى مزرعته فيما عدوه القديم ما زال في الحكم. في وضع كهذا قد يفضل رئيس الحكومة تنفيذ تهديده، فيما هو على يقين بان الولايات المتحدة لن تتمكن من فعل شيء ضده. كما ان التسويغ بانه طالما بقي عرفات في الحكم فان اسرائيل معفية من اجراء مفاوضات حول الحل الدائم لن تثير اهتمام شارون وهو في طريقه الى البيت".

 

من جهتها قالت صحيفة "معاريف"، يوم الاحد، ان "شارون (بتهديده عرفات بالقتل) إنما يحاول تمهيد الارضية لطرد ياسر عرفات الى قطاع غزة، في اطار خطة فك الارتباط التي بادر اليها". وأضافت ان أقوال شارون جاءت "لتوفير الذريعة لقوات الامن في حال اصابة عرفات لدى نقله الى غزة. وكما نشر في الماضي، فإن الجيش الاسرائيلي يقدر بأنه في حال طرد عرفات بالقوة، فان هناك امكانية لأن يصاب رئيس السلطة الفلسطينية او حتى لأن يقتل"..


وقالت الصحيفة ان الاراء منقسمة بين "الجهات الامنية الاسرائيلية" بخصوص ابعاد عرفات الى غزة. ونقلت عن ضابط عسكري كبير قوله ان طرد عرفات "سيساعد على منع تحويل القطاع الى حماستان وسيمنح الفلسطينيين فرصة لاظهار كيف ستبدو دولة فلسطينية عتيدة بقيادة عرفات. ولكن من الجهة الاخرى، فان من شأن طرده الى غزة ان يعزز مكانة عرفات من جديد وكذلك أن يعزز ظروف معيشته الاساسية".

 


بنزيمن:

مرة أخرى، شارون يوقع نفسه في مصيدة

 

وتحت عنوان "شارون لايفك إرتباطه" كتب الكاتب والمحلل الإسرائيلي عوزي بنزيمن في تعليق له بصحيفة "هآرتس" ] الأحد[ :

هذه المرة كسابقاتها عند شارون: فتركيبته النفسية ترغمه على "تفخيخ" مشاريعه وخططه بالمتفجرات وعرقلة طريقه نحو الهدف.

وأضاف بنزيمن: لقد أوقع شارون نفسه دوماً في مصيدة وعرقل طيلة حياته العسكرية والسياسية خطواته من خلال تصرفاته وسلوكه المتهور.

واعتبر بنزيمان أن شارون بتصريحه التهديدي ضد الرئيس عرفات إنما سعى إلى تشنيف آذان منتسبي الليكود الذين ينشد الحصول على موافقتهم على خطته في الإستفتاء المرتقب.

وأضاف: ربما كان شارون يعتقد بأن التلويح بالسيف ضد عرفات ينطوي على قيمة رادعة لثني حركة "حماس" عن الثأر لدماء الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي.

وخلص بنزيمن للقول: مهما كان الهدف فإن شارون يقحم بنفسه بهذه الطريق في مصيدة سياسية ذات علاقة بصورته، الأمر الذي يشوش قدرته على الوصول بخطته إلى مرحلة الموافقة والخروج إلى حيّز التنفيذ.

وختم تعليقه قائلاً: للوهلة الأولى يمكن الإستنتاج أن شارون لن يجرؤ في هذه المرة أيضاً على المس بعرفات في ظل ردود الفعل الأميركية الحازمة، ولكن هذا ليس مؤكداً، فطبعه قد يغلب عليه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات