المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 809

الهزيمة المدوّية التي مني بها رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون في استفتاء أعضاء حزبه "الليكود" على خطة الفصل من جانب واحد عن الفلسطينيين، دفعت العديد من المعلقين وكتّاب الأعمدة في الصحف العبرية اليومية إلى اعتبار ووصف نتائج الإستفتاء الليكودي على أنه "هزة سياسية" وفشل مريع  لنهج وزعامة شارون الفردية المتغطرسة، وإقحام للسلطة الحاكمة والطبقة السياسية الإسرائيلية بأكملها، بل وللدولة العبرية برمتها، في دوامة سياسية جديدة، تؤكد مرة أخرى على "أزمة القيادة" المستمرة في النظام السياسي الإسرائيلي، يصعب التكهن بنتائجها وتداعياتها.

 

فتحت عنوان "زلزال" كتب عوفر شيلح في افتتاحية صحيفة "يديعوت أحرنوت" (الإثنين) إن من الصعب وصف نتائج التصويت في استفتاء أعضاء الليكود (الأحد) بكلمات أخرى عدا تلك الكليشيه المعروفة " زلزال".  وأضاف شيلح: إن التصويت (الحسم) ضد رئيس وزراء يتولى المنصب من جانب أعضاء حزبه ينطوي في حد ذاته على هزة أو زلزال.  فالفارق الكبير والحاسم في نتيجة التصويت يحيل هزيمة شارون إلى حقيقة سياسية لاجدال فيها.  ورغم كل التلميحات الصادرة عن مقربي رئيس الوزراء، فإن شارون لا يستطيع القفز عن النتيجة الحاسمة في الاستفتاء.

ورأى المعلق أنه إذا كان شارون يرغب في إبقاء خطة فك الإرتباط على قيد الحياة فإنه سيتعين عليه باديء ذي بدء أن يواجه وجهاً لوجه الأغلبية المعارضة لسياسته في حزبه الذي يتزعمه.

واعتبر شيلح أن غطرسة شارون وتبجحه هو ما أوقعه في هذا المأزق، إذ اعتقد بطيش واستهتار حينما قرر طرح خطته للإستفاء في الليكود، كنوع من الإلتفاف والمداورة على ضرورة الحسم من قبله، أنه لايعقل أن يصوت أعضاء حزبه  ضده  وضد  خطته.

وخلص شيلح إلى القول: إن شارون يظهر اعتباراً من ظهور نتائج الإستفتاء، ليس فقط في صورة من مني بفشل سياسي، قد لايكون له مثيل في تاريخ الأحزاب الإسرائيلية، وإنما في صورة الرجل الذي أقحم نفسه في مأزق نتيجة لغروره وتبجحه واستهتاره، ملحقاً بذلك ضرراً جسيماً بقواعد الحكم واستقرار النظام السياسي في إسرائيل فضلاً عن الأذى الكبير الذي ألحقه بالعلاقات الخارجية لإسرائيل.

 

"الذيل والكلب"

وتحت هذا العنوان كتب ناحوم برنياع في تعليق له بنفس الصحيفة (يديعوت): إن شارون مني بهزيمة مرتين، في الأولى على يد أولئك الذين ذهبوا إلى صناديق الإقتراع، وفي الثانية على يد الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء الذهاب.  والهزيمة الثانية أشد مرارة، ذلك لأنها تدل على أن السياسة الشارونية أصبحت ممقوتة ليس فقط من قبل الجمهور الواسع، وإنما أيضاً لدى أولئك الذين يحملون في جيوبهم بطاقة عضوية حزبية.

واستطرد المعلق: عندما تحجم الأغلبية عن الذهاب إلى صناديق الإقتراع، فإن الأقلية تكون هي المستفيد أو الرابح من ذلك.  وكما يقال فقد "لعب الكلب بذيله".  وقد حصل ذلك في السيطرة المدمرة للمتدينين الحرديم على القدس، وحصل  أمس (الأحد) عندما سيطر المستوطنون المتدينون على حزب الليكود.

ولّخصت زميلة "برنياع" في الصحيفة سيما كدمون "الموقف" بقولها: إن أريئيل شارون "يصبح" اليوم على واقع جديد وهو إنه رئيس وزراء بدون حزب.

وأضافت: إذا كان شارون قد بدا خلال الفترة الأخيرة فاقداً للسيطرة على وزرائه وأعضاء كتلته وأعضاء مركز حزبه، فإنه أمسى منذ الأحد فاقداً أيضاً لمنتسبي حزبه.

وخلصت "كدمون" إلى القول: إن على شارون أن يقرر الآن إذا ما كان ينوي المضي قدماً في خطته مقطوعاً أو مفكوك الإرتباط عن حزبه، أم أنه سيتبنى شعار المعارضين له: "نحبك يا شارون، لكننا نعارض الإنفصال".

 

لبيد: الليكود ليس الدولة!

ورأى زعيم حزب "شينوي" وزير العدل، يوسيف  لبيد، في تعليق نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت": أنه ليس من المنطقي أو المعقول أن يحسم في شأن خطوة مصيرية كإخلاء قطاع غزة، من قبل أغلبية في حزب واحد، مهما كانت هذه الأغلبية كبيرة.

وأضاف: من حق رئيس الوزراء أن يأخذ وجهة نظر أعضاء حزبه، وهو الذي يقرر إذا ما كان سيصغي لهم أم لا؟ لكن رأي أغلبية أعضاء الليكود لايلزم حكومة إسرائيل وبرلمانها ولايلزم قطعاً ممثلي "شينوي" في الكنيست والحكومة.

وتابع "لبيد": في ضوء نتائج استفتاء الليكود قد يقرر رئيس الوزراء إجراء استفتاء عام، ذي طابع استشاري غير ملزم في نتائجه، أو استفتاء تكون نتائجه ملزمة كقانون.  وفي اعتقادي فإن خطة "فك الإرتباط" ستحظى في هاتين الحالتين بتأييد أغلبية ساحقة.

وانتقد لبيد بشدة فكرة استفتاء الليكود على الخطة التي لم تناقشها الحكومة بعد، معتبراً أن "الحكومة هي المخولة فقط، والكنيست هي السلطة ذات السيادة التي يحق لها أن تقرر مع أو ضد الإنفصال ..."

وختم قائلاً: "الليكود ليس الدولة، وإسرائيل ليست الليكود".

 

قائد بلا جيش ...

 

واعتبر ألوف بن، المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، في تحليل له أن هزيمة شارون تضعه في مكان مشابه للمكان الذي وقف فيه سلفه (في رئاسة الوزراء) إيهود باراك، في أواخر ولايته القصيرة.  فقد حذا شارون (حسب رأي المعلق) حذو باراك بطرح "مبادرة جريئة تنطوي علىتنازلات سياسية"، ووقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه باراك، عندما اعتقد أنه "يكفي عمل الشيء السليم" والفوز بالتأييد الأمريكي، والتحرر بذلك من أثقال النظام السياسي المحلي ذي الميول اليمينية المزمنة.

كذلك فقد رأى شارون، مثل باراك، في خصومه مجرد ثلة أقزام قصيري النظر، لايستطيعون إدراك أهمية اللحظة والإختيار المصيري.  وعلى غرار الوضع الذي ألفى باراك نفسه قابعاً فيه - استطرد "بن" في خلاصة تحليله – فقد بقي شارون أيضاً زعيماً بدون مؤيدين في لحظة الحسم ... وفيما ذهب باراك إلى مؤتمر كامب ديفيد مع حزبه، لكن بدون إئتلاف، فإن شارون ذاهب إلى خطة فك إرتباط مع إئتلاف مستقر، ولكن من دون حزب يقف خلفه.

وأشار "بن" إلى أن وزير الخارجية سيلفان شالوم، كان في طليعة المنبهين إلى عواقب تحركات شارون، حيث حذر طوال الأشهر الماضية من أن خطة فك الإرتباط ستقود إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة.  وعلى ما يبدو فقد أحسن "شالوم" قراءة الوضع السياسي، إذ أن شارون نفسه بات يتحدث الآن أيضاً عن إمكانية تقديم موعد الإنتخابات.

وواصل "بن" في تحليله معرباً عن تقديره أن وزراء الليكود "المترددين" في دعم خطة شارون، شالوم ونتنياهو وليفنات، والذين باستطاعتهم ترجيح الكفة في أي تصويت داخل الحكومة، لن يسارعوا إلى إنقاذ شارون من ورطته، لاسيما وأن الثلاثة يتطلعون إلى خلافة شارون في زعامة الليكود ورئاسة الحكومة، هذا فضلاً عن أن شارون لم يشركهم في بلورة خطته وفي اتصالاته ومباحثاته مع المسؤولين الأميركيين.

وخلص "بن" إلى القول: لهذا السبب من الصعب أن نأخذ على محمل الجد التلميح الذي أطلقه شارون بواسطة مؤيده الوزير إيهود أولمرت، بأنه سيمضي قدماً في دفع خطته للإنفصال، بوسائل أخرى؟!

إذ سيكون من الصعب عليه تجنيد أغلبية في الحكومة لدعم الخطة، كما يتوقع أن يواجه معارضة ورفضاً لها إذا قرر طرحها على استفتاء عام، للإلتفاف على قرار الحزب.

 

 

من ناحيته رأى المعلق في صحيفة "معاريف"، نداف إيال، أن "حلم إقامة حكومة وحدة بين العمل والليكود، بمشاركة شينوي بدأ يبتعد". ومضى يقول: "الحلبة السياسية شهدت أمس (الأحد) هزة عنيفة: للمرة الاولى منذ ثلاث سنوات ونصف السنة يمنى شارون بخسارة. الخسارة كانت متوقعة، لكن من غير الواضح لأحد مدى انعكاساتها". وأضاف أن أحزاب اليمين (المتطرف) "باقية في الحكومة وهي راضية جدًا، ما من سبب يرغمها على الانسحاب منها".

 

لكن الكاتب يشير  الى ان "شينوي يواجه مشكلة صعبة: المشكلة الكبيرة بالنسبة لشارون باستثناء اعادة كرامته السياسية ومستقبل اسرائيل السياسي، تكمن في الحفاظ على الائتلاف، لجهة البقاء مع شينوي. وستكون هذه مهمة صعبة فيما مكانة شارون ضعيفة جدا. ووزراؤه يهزأون منه خلف ظهره لانه خسر المعركة الاهم بالنسبة له".

غير أن شينوي- تابع- فقد الذريعة بأن شارون سيحقق السلام. ومنذ الآن فصاعدًا سيتصاعد الضغط على هذا الحزب لاستمرار الشراكة مع شارون "الذي لم ينجح في تمرير خطة فك الارتباط". أما حزب "العمل" فينوي، برأي "ايال"، استغلال الخسارة من أجل "تحديد الفوارق بينه وبين اليمين".

 

الإمكانيات المتاحة لشارون

ورأى العديد من المحللين الإسرائيليين إن نتائج تصويت أعضاء الليكود في "استفتاء الأحد" تطرح الآن على بساط البحث عدة خيارات واحتمالات ممكنة أمام رئيس الوزراء "المهزوم" أريئيل شارون، والتي يمكن إيجازها بالتالي:

·        طرح خطة الإنفصال على استفتاء عام، يشمل سائر الإسرائيليين أصحاب حق الإقتراع .. ويشكل ذلك إمكانيه محتملة، لكن تنفيذ هذه الخطوة يحتاج إلى إجراءات تشريعية وقانونية وتنظيمية خاصة تتطلب فترة من الوقت.

·        أن يعلن شارون في أعقاب فشله في الإستفتاء عن استقالته، ما سيمهد الطريق أمام صعود بنيامين نتنياهو، كمرشح من قبل الليكود، لخلافة شارون في رئاسة الحكومة، وفي حال فشله في تشكيل حكومة جديدة ضمن المهلة القانونية المحددة (21 يوماً)  فسوف يتم عندئذٍ الإعلان عن إجراء انتخابات عامة مبكرة في غضون ثلاثة أشهر يتولى خلالها شارون رئاسة حكومة انتقالية.  غير أن فرصة هذه الإمكانية برمتّها ضئيلة حسبما يرى أغلب المحللين.

·        أن يطرح شارون خطته للتصويت في الحكومة لكنه سيواجه على الأغلب معارضة من جانب معظم الوزراء بما في ذلك وزراء الليكود الكبار (نتنياهو، شالوم، وليفنات).  وفي هذه الحالة ليس من المستبعد أن يلجأ شارون إلى توسيع حكومته أو تشكيل حكومة وحدة مع حزب العمل الذي يبدو أن العديد من رموزه وفي طليعتهم رئيس الحزب شمعون بيريس ينتظرون هذه اللحظة بفارغ الصبر.

·        أن يعلن شارون في ضوء نتيجة إستفتاء الليكود عن رضوخه لإرادة أغلبية أعضاء حزبه، وبالتالي التخلي عن خطته للإنفصال والإنسحاب الأحادية الجانب، والتوجه نحو بلورة خطة بديلة، مقلصة أو تنطوي على تنازلات أقل من خطته الأصلية (الساقطة في إستفتاء الليكود) بحيث تحظى "الخطة البديلة" بموافقة الحزب والحكومة وربما الكنيست.

واعتبر المحللون أن هذه الإمكانية واردة ولها فرص كبيرة في النجاح.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات