المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"المشهد الاسرائيلي":

وضعت تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئيل شارون، في جلسة الحكومة، الأحد، حدًّا لتكهنات صحافية ذهبت بعيداً في تقدير حجم التجاوب الاسرائيلي مع ما اعتبر "مبادرة سلام"، من طرف الرئيس السوري، بشار الأسد.

فقد أكد شارون في هذه الجلسة أنه لا ينبغي باسرائيل أن تخرج عن طورها جراء "المبادرة السورية" وأنه في حالة تجدد المفاوضات مع سوريا فانها يجب أن تبدأ من نقطة الصفر، نافياً الأنباء التي سبق أن تحدثت عن تسوية 80 بالمئة من القضايا العالقة بين الطرفين لدى توقف هذه المفاوضات في عهد رئيس الوزراء السابق ايهود براك، حين كان الأسد الأب رئيساً للبلاد.

إلى ذلك أضاف شارون أنه يتعين "تفحص دوافع الاعلان السوري الاخير"، في إشارة الى التصريحات التي أدلى بها الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في الفاتح من كانون الأول ديسمبر الجاري والتي دعا في سياقها الادارة الأمريكية الى بعث الحرارة في مسار المفاوضات السورية - الاسرائيلية من النقطة التي انتهت عندها في سنة 2000، والتي يقول الجانب السوري إنه تم عندها الاتفاق على أن تنسحب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة مقابل سلام شامل وتطبيع كامل للعلاقات بين الطرفين. وأكد شارون، كذلك، أنه يتعين التأكد من أن هذا الأعلان السوري صادق وحقيقي وغير ناجم عن "رغبة سوريا بتخفيف الضغط الذي تقع تحت وطأته عقب إقرار الكونغرس الأمريكي قانون محاسبة سوريا، الذي يعني فرض عقوبات إقتصادية عليها".

في الوقت نفسه كرر شارون شروط إسرائيل لتجديد هذه المفاوضات. وهذه الشروط هي، فضلاً عن البدء بالمفاوضات من نقطة الصفر: أن تطرد سوريا من أراضيها ما أسماه "معسكرات التدريب" التابعة لـ "المنظمات الارهابية" وأن تكف عن تقديم الدعم الاقتصادي لهذه المنظمات، وأن تطرد "حراس الثورة الايرانيين" من لبنان، وأن تنزع سلاح منظمة "حزب الله" وأن تزود إسرائيل بمعلومات حول أسراها المفقودين.

وبموجب ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الاثنين 29/12، فان شارون نفى أيضاً ما نشر عن التوصل الى إتفاق حول 80 بالمئة من القضايا العالقة بين الدولتين في فترة حكومة سلفه، ايهود براك.

وفي موازاة ذلك نشرت صحيفة "معاريف"، 29/12، على لسان مسؤولين كبار في مكتب شارون نفيًا للنبأ الذي انفردت بنشره صحيفة "الوطن" السعودية، ومؤداه أن شارون نقل رسالة الى الأسد تضمنت اقتراحاً بعقد قمة بين الزعيمين، وأن الذي نقل هذه الرسالة هو وزير الخارجية اليوناني، باباندريو.

من ناحيته أعلن وزير المالية ورئيس الحكومة الأسبق، بنيامين نتنياهو، أن وضعية سوريا حالياً مختلفة تماماً عن وضعيتها إبان فترة حكومة براك ومحادثات "شيبردزتاون". فسوريا الآن- تابع نتنياهو- استحالت الى قرية نائية يصارع قادتها من أجل الحفاظ على الحكم في أعقاب التغييرات الدراماتيكية في المنطقة.

في حين أن إسرائيل ازدادت قوة على قوة. من هنا فليست هناك أية مفعولية أو وزن للمطالب السورية، على حد تعبيره.

عند هذا الحد تجدر الاشارة الى ان تطرق شارون الى موضوع المفاوضات مع سوريا جاء في اليوم نفسه الذي نشرت فيه صحيفة "هآرتس"، في مقالة بقلم معلقها السياسي "ألوف بن"، ان مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي، أرييل شارون، يجري ما أسماه "فحصاً جدياً وحذراً" لاقتراح الرئيس السوري، بشار الأسد، الداعي "إلى تجديد مفاوضات السلام مع إسرائيل".

ونقل" بن" عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى أن هذا "الفحص يجري بوسائل استخبارية وفي محادثات مع شخصيات أجنبية اجتمعت مع الأسد وبالتشاور مع خبراء في الشؤون السورية". وأضاف ان هدف هذا الفحص هو "تقدير فيما إذا كان إقتراح الأسد جدياً أم أن غايته فقط التهرب من الضغط الأمريكي على سوريا، وعندها سيكون التجاوب معه بمثابة خطأ تاريخي"، على حد تعبيره.

وفي رأي المصدر السياسي الاسرائيلي نفسه فان "التعامل الحذر" مع سوريا مطلوب، من جانب إسرائيل، لسببين : الأول - موقف الولايات المتحدة،" حيث أعلنت مؤخراً أن سوريا ستكون المحطة القادمة في مسيرة التغيير الإقليمي بعد المعالجة الناجحة لنزع سلاح ليبيا. وستتمثل الوسيلة الرئيسية لذلك في قانون محاسبة سوريا، الذي يهدد بسلسلة من العقوبات إزاء الأسد ونظامه".ووفقاً لما يقوله" بن" فقد أعلن مسؤول أمريكي كبير مؤخراً أن "واشنطن تشكك في دوافع الأسد لكنها تتوقع من إسرائيل رد فعل على إقتراحاته".

أما السبب الثاني فهو متعلق باعتبارات إسرائيلية داخلية " حيث أن إسرائيل تعرف جيداً مطالب سوريا الاقليمية، وهي الانسحاب من هضبة الجولان. ولن يكون من البساطة تحميل الشعب (الاسرائيلي) الآن أعباء هذه المسألة، إذ أن للجولان مكاناً في قلب هذا الشعب أكبر من المكان الذي للضفة الغربية"، على حد قول المسؤول الاسرائيلي نفسه.

وأعاد" بن" الى الأذهان أن الرئيس الأسد إقترح في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في الفاتح من كانون الأول\ديسمبر الجاري أن "تبادر الولايات المتحدة الى تجديد المفاوضات الاسرائيلية - السورية من النقطة التي توقفت عندها في سنة 2000". وأضاف أن شارون امتنع حتى الآن عن التعقيب على هذا الاقتراح." لكن في إسرائيل ازداد مؤخرا الاهتمام بفحص المسار السوري على خلفية الجمود المطلق في المحادثات مع الفلسطينيين وعلى خلفية التقدير بأن رئيس الحكومة الفلسطيني، أحمد قريع، غير راغب ولا يستطيع أن يفعل شيئاً لوقف الإرهاب"! كما أشار" بن" الى اختفاء الأحاديث الاسرائيلية التي كانت في السابق"تستهتر بالرئيس بشار الأسد وتصفه بأنه غير جدي وغير ناضج".

كما يشير إلى أن "المؤيد البارز لاحياء المسار السوري في التركيبة الحالية للقيادة الاسرائيلية هو وزير الخارجية سيلفان شالوم، الذي دعا في خطابه أمام مؤتمر هرتسليا الأخير الى التوجه نحو المسار السوري في حالة الفشل مع الفلسطينيين"."

وأضاف أن رئيس هيئة أركان الجيش الاسرائيلي، الجنرال موشيه يعالون ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، الجنرال أهرون زئيفي فركش، يؤيدان موقف شالوم السالف. مقابل هؤلاء فان وزير "الأمن"، شاؤول موفاز، يعتقد بأنه يجب "تكريس كل الجهود الاسرائيلية في الجانب الفلسطيني".

ولكن على خلفية تصريحات شارون في جلسة الحكومة عاد "ألوف بن"، في تعليق ثان له، الى التأكيد على أن رئيس الوزراء الاسرائيلي "لا ينوي الانسحاب من الجولان. وحتى أنه لن يدرس أمراً كهذا في وقت تعاني فيه سوريا عزلة شبه مطلقة وتخضع لضغوط أمريكية ثقيلة الوطأة".

كذلك أكد هذا المعلق أن وزير الخارجية الاسرائيلي، على رغم حماسته لإحياء مسار المفاوضات مع سوريا، غير متحمس للانسحاب من الجولان. أما دافعه الرئيسي للموقف السالف فانه يتمثل في إظهار إسرائيل كدولة مناصرة للسلام وربما عندها "ستقطف عدة ثمرات دبلوماسية، على شاكلة تجديد علاقاتها الدبلوماسية مع بعض الدول العربية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات