وضعت عملية "دوّار غيها" الى الشرق من تل ابيب (25/12) حدًّا لفترة من الهدوء النسبي الذي تمتعت به الجبهة الداخلية الاسرائيلية لمدة تزيد على الثلاثة شهور، عادت اسرائيل والفلسطينيون في ختامها الى الدائرة الدموية "بقوة"، وفي نفس الوقت تقريبا. وقد دفعت هذه التطورات نحو تعزز الاعتقاد لدى الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي بتراجع فرص العلية السياسية التي قطع الاعداد لتجددها الكثير في الاسابيع الاخيرة.
ظاهريا، لا توجد صلة بين العملية الفلسطينية وتلك التي نفذتها اباتشي اسرائيلية في غزة في نفس اليوم، الا ان العمليتين – كما يكتب زئيف شيف في "هارتس" (26/12) تعكسان تصعيدا متجددا يمكن ان يكون مرده "خطاب هرتسليا" الذي القاه ارئيل شارون في وقت سابق من هذا الشهر.
بعد العملية الاخيرة، التي سقط فيها عدد من القتلى والجرحى، يتأكد مرة اخرى ان الاعتقاد السائد بخصوص قدرة اسرائيل على وقف العمليات التفجيرية كان خاطئا. فقد ارتكب الجيش الاسرائيلي خلال الايام الماضية، سلسلة من الاعتداءات على الفلسطينيين في نابلس ورفح، انتهت بسقوط عدد كبير من الشهداء. كذلك فان عملية اغتيال حميد مقلد، الذي وصفته اسرائيل بالمسؤول عن الذراع العسكري في حركة الجهاد الاسلامي، تم التخطيط لها، بحسب المصادر الاسرائيلية، "منذ الكشف عن نيته في تنفيذ عملية كبيرة، قبل عدة اشهر". وزعمت مصادر أمنية وسياسية اسرائيلية ان توقيت عملية الاغتيال سببه "اقتراب موعد اخراج العملية التفجيرية الكبيرة الى حيز التنفيذ، وليس بسبب دوافع سياسية".
في فترة "الهدوء النسبي" آمن الجمهور الاسرائيلي بوجود "تفاهم سري" بين اسرائيل والفصائل الفلسطينية، يتم من خلاله الحفاظ على ضبط النفس من كلا الطرفين والامتناع عن تنفيذ عمليات تفجيرية وعلميات اغتيال من الجو. وتعزز هذا الانطباع بسبب الحديث عن وقف اطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية، واعلان رئيس الحكومة الاسرائيلي، اريئيل شارون، بان اسرائيل "سترد على الهدوء بالمثل".
غير ان هذا الاعتقاد كان مضللا والهدوء كان مزيفا. والمواجهة بين الطرفين استمرت كما كانت، بالوتيرة ذاتها. وادعى جهاز الامن الاسرائيلي طوال الوقت بان توقف العمليات التفجيرية نابع من "نجاح الجهود باحباطها والقاء القبض على عناصر وهم في طريقهم لتنفيذ عمليات، وليس بسبب الامتناع عن تنفيذ عمليات من جانب الفلسطينيين". كذلك نشرت سلطات الامن الاسرائيلية معطيات تبين انه في اعقاب العملية التفجيرية في مطعم مكسيم في حيفا، قتل 12 اسرائيليا، جنودا ومدنيين، في عمليات نفذها فلسطينيون، اضافة الى القاء القبض، بحسب المزاعم الاسرائيلية، على 35 فلسطينيا كانوا في طريقهم الى تنفيذ عمليات.
ونقلت "هآرتس" عن مصدر امريكي رفيع تبنيه للرواية الاسرائيلية في هذا الصدد، اذ قال انه "جرت محاولات لتنفيذ عمليات تفجيرية، وحتى عمليات كبيرة. ونحن قلقون مثل الاسرائيليين، اذ ليس هناك نجاح (بمنع العمليات) بنسبة مئة بالمئة. سوف يستمر الارهابيون في محاولاتهم ودائما تظل "رعاية الله" الى جانبنا. واضاف المصدر الامريكي، ردا على سؤال حول اذا ما كان رئيس الحكومة الفلسطيني، احمد قريع (ابو العلاء)، يفعل شيئا لمنع العمليات، انه "من غير الواضح ان هناك جهودا يبذلها احد في الجانب الفلسطيني".
وقال مسؤولون في مكتب شارون ان الانفجار الحاصل (عملية اغتيال مقلد والعملية التفجيرية الى الشرق من تل ابيب) هو "حادث موضعي". وتم ابلاغ شارون بعمليتي الاغتيال والتفجير في اثناء اجتماعه مع وزير خارجيته، سيلفان شالوم، الذي تناول الزيارات التي سيقوم بها شالوم الى الاردن واثيوبيا. "استمع شارون الى التقارير وقرر عدم الرد على العملية التفجيرية وعدم الدعوة الى اجتماع تشاوري خاص".
الا ان النتيجة الاساسية للحادثين، الاغتيال والعملية التفجيرية، كانت استمرار تضاؤل الاحتمالات، الضئيلة اصلا، لتجديد العملية السياسية وتنفيذ "خارطة الطريق". ويواجه الجانبان صعوبة حتى في تنسيق لقاء تحضيري بين مديري مكتبي شارون وابو العلاء، حسن ابو لبدة ودوف فايسغلاس، الذي من شانه ان يفضي الى لقاء بين رئيسي الحكومتين. وفي اعقاب سقوط عدد كبير من الشهداء الفلسطينيين من جراء الاجتياح الاسرائيلي لرفح، ابلغ الجانب الفلسطيني الاسرائيليين بالغاء اللقاء بين ابو لبدة وفايسغلاس. وثار الغضب في الجانب الاسرائيلي بادعاء ان الفلسطينيين اعلنوا عن الغاء اللقاء من خلال الاذاعة قبل ابلاغ الاسرائيليين بشكل رسمي. وزعم الاسرائيليون انهم غاضبون من اللقاء بين رئيس المعارضة الاسرائيلية، شمعون بيرس، والوزير الفلسطيني صائب عريقات، الذي كان من المفترض ان يشارك في اللقاء مع فايسغلاس. كذلك رفضت اسرائيل طلبا فلسطينيا بعقد اللقاء بين ابو لبدة وفايسغلاس يوم الاحد القادم. وقال بيرس انه فهم من عريقات ان قريع سوف يلتقي بشارون، لكن ابو العلاء يعلم انه لن ينتج عنه شيئا.
ويتمسك شارون بموقفه بان "خارطة الطريق" مفقود الامل منها ولذلك ستحتل مكانها خطته بخصوص الخطوات احادية الجانب، التي اعلن عنها في "خطاب هرتسليا". غير ان الطريق ما زالت طويلة: يفضل الامريكيون مواصلة لعبة عرض خارطة الطريق، ما يعني استمرار الجمود، وعدم اعطاء دفع لخطة شارون.
حاليا، يتأرجح ائتلاف شارون الحكومي بين معارضي الانسحاب واخلاء المستوطنات والمشادات على ميزانية الحكومة للعام 2004. وبالامكان التوقع، في مثل هذه الظروف، استمرار المواجهة من دون وجود مخرج سياسي.