المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الشرق الاوسط - "جرد حساب نووي"

"المشهد الاسرائيلي":

نقلت صحيفة "هآرتس" (26/12) عن مصدر امريكي رفيع قوله: "لا اعتقد انه ستكون هناك تغييرات في سياستنا تجاه اسرائيل في المجال النووي. سيطرح العرب الموضوع، وستضطر اسرائيل الى ايجاد طريقة لشرح سياستها. لكننا ندرك انه طالما تواجه اسرائيل رفضا عربيا من اتجاهات عديدة، فان الطريق للتعامل مع هذا الموضوع ستكون في اطار محادثات هادئة".

من جهة اخرى، لفت التقرير الصحفي الى ان اسرائيل تواجه في الاسابيع الاخيرة "مصائب جادة" في محيطها الاستراتيجي. اذ تعمل الولايات المتحدة على تحييد تدريجي لـ"التهديدات الامنية في المنطقة: احتلال العراق، ارغام ايران على توسيع المراقبة على منشآتها النووية، والوعد الليبي بتفكيك اسلحة الدمار الشامل. وبحسب التقديرات الاسرائيلية فان الدور الان على سورية".

من جانبه، تتعالى بقوة في العالم العربي، وفي مقدمته مصر، الاصوات الداعية الى ادخال اسرائيل في دائرة نزع السلاح من المنطقة.

وجاء الرد الاسرائيلي، كما هو متوقع، من خلال ابراز عدم الثقة بوعود الدول العربية، التي وصفتها اسرائيل بـ"المعادية"، زاعمة ان الخطر لم يزُل بعد. "ولكن اذا اتضح ان الايرانيين والليبيين سيفون بوعودهم، ستواجه اسرائيل اسئلة بخصوص حاجتها الى هوامش امنية واسعة، وستتم مطالبتها بالاسهام بدورها في التغيٌرات الحاصلة في المنطقة". وترى "هآرتس" ان "الاخبار الجيدة" - بالنسبة لجهاز الامن الاسرائيلي - نشرت في توقيت سيء، اي فيما المعركة على ميزانية الامن في اوجها.

وبحسب المصدر الامريكي الرفيع، فان الادارة الامريكية سوف تلتزم بموقفها منذ سنوات طويلة، وهو الموقف الداعي جميع دول العالم الى الانضمام لمعاهدة منع نشر الاسلحة النووية، "غير انها تعترف بأن لاسرائيل مكانة خاصة. فهناك تفاهم بين الولايات المتحدة واسرائيل منذ العام 1969، مفاده انه طالما حافظت اسرائيل على "ضبابية" ولم تتحول الى قوة نووية عظمى معلنة، ستمنح الولايات المتحدة الدعم لاسرائيل ولن تفرض عليها الانضمام الى معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، ما يعني القضاء على القدرة النووية".

ويشار في هذا السياق الى ان الهيئة العامة للامم المتحدة تتخذ قرارا في كل عام، باغلبية كبيرة، يقضي بوجوب توقيع اسرائيل على المعاهدة وتفكيك ترسانتها النووية، لكن هذه القرارات تبقى مجرد تصريحات. وصوتت 162 دولة، في مطلع كانون اول الجاري، الى جانب مطالبة اسرائيل بالانضمام الى المعاهدة، وعارضتها اربع دول هي: الولايات المتحدة، اسرائيل، ميكرونيزيا وجزر مارشال، وامتنعت عشر دول عن التصويت، بينها استراليا واثيوبيا، اللتان صوتتا الى جانب اسرائيل في قضية الجدار العازل.

كذلك، تعهد الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون، من خلال رسالتين بعثهما الى رئيسي الحكومة الاسرائيليين السابقين، بنيامين نتنياهو وايهود براك، بالحفاظ على "قدرة الردع الاستراتيجية الاسرائيلية، والتيقن من ان مبادرات مراقبة الاسلحة في الشرق الاوسط لن تمس بها في المستقبل". وكان نتنياهو قد طلب، وحصل، على رسالة التعهد من ادارة كلينتون في اعقاب التوقيع على اتفاق "واي" في نهاية العام 1998، وبمبادرة مستشاره عوزي اراد. اما براك فقد طلب رسالة التعهد في اول لقاء له مع كلينتون في تموز 1999.

ومن الجدير بالذكر ان النص المعدل لرسالة التعهد لبراك، تضمن اعترافا امريكيا بتعزيز قدرة اسرائيل على "الردع بقواها الذاتية". وعبر براك عن اعتزازه بالحصول على التعهد من كلينتون، في مقابلة تضمنها كتاب الصحفي ران ادليست بعنوان "حربه ضد الجن". وقالت مصادر سياسية في الحكومة الاسرائيلية ان اسرائيل طلبت تعهدا مشابها من الرئيس جورج بوش، لكنها لم تحصل عليه.

وكان رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، صرح في مقابلة اجرتها معه صحيفة "معريف" قبل ثلاثة شهور، انه يحظر على اسرائيل تقليص ميزانية تطوير "الوسائل الخاصة" (وهو التعبير الاسرائيلي المتعارف عليه بخصوص قوة الردع الاستراتيجية). وقال شارون في حينه ان "تطوير الوسائل الخاصة هو قوتنا. هذه الامور في غاية الاهمية من ناحية النظر الى المستقبل. لا يمكن ان نتوقع بقاء الولايات المتحدة هنا الى الابد. مثل هذه الامور من شأنها ان تتغير".

وبموجب رؤية شارون، فان تحييد الولايات المتحدة للتهديدات يوفر لاسرائيل وقتا ثمينا، يمكنها من الحفاظ على تفوقها العسكري مقابل جيرانها، لكن لا بديل عن "قدرة الردع الذاتية".

وتشير التقارير الصحفية حول هذه المسألة الى ان الولايات المتحدة لن تضغط على اسرائيل للانضمام الى معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، لكن من الممكن ان تطرح مبادرة تم تجميدها منذ سنوات على طاولة مرة اخرى. وتتحدث المبادرة حول صياغة معاهدة دولية تقضي بوقف انتاج مواد انشطارية تستخدم في الاسلحة النووية، مثل البوطونيوم واليورانيوم المخصب بدرجة عالية. وتهدف المبادرة المقترحة، والتي تعرف في اسرائيل باسم "معاهدة القطع" (من كلمة cutoff)، الى لجم المخططات النووية الاسرائيلية، الهندية والباكستانية، التي لا تخضع للاتفاقيات الدولية المتعلقة بمراقبة الاسلحة النووية. وقد حاول الامريكيون تلمس كيفية رد الفعل الاسرائيلي على الفكرة في فترة حكومة نتنياهو، وكان رد الفعل الاسرائيلي رافضا بشكل حاد للغاية. وقال نتنياهو لكلينتون ان "اسرائيل لن توافق على مس كهذا بامنها القومي". كذلك قوبلت محاولات امريكية بطرح الموضوع مجددا خلال "الحوار الاستراتيجي بين الدولتين برفض صارم من جانب اسرائيل. وقال المصدر الامريكي ان الادارة الامريكية تفهمت الامر ولم تطرحه مرة اخرى منذ ذلك الحين.

وتقوم الادارة الامريكية في هذه الاثناء بدراسة "معاهدة القطع" من جديد. ويتوقع الاسرائيليون ان يتم طرح "صيغة ملطفة" وتكون مجرد تصريح. وستتعهد الدول التي ستوقع على المعاهدة بعدم انتاج المواد الانشطارية في المستقبل، وفي الوقت ذاته لن يتطلب من هذه الدول التصريح حيال الترسانة التي بحوزتها، وعدم تعرضها للمراقبة. رغم ذلك، الا انه من غير الواضح فيما اذا كانت الولايات المتحدة ستنجح في تجنيد الدعم للصيغة المخففة، ومدى رغبتها في دفع مبادرتها، لكن الاسرائيليين يتابعون الابحاث الجارية في واشنطن، والتي تشارك فيها السفارات الامريكية في المنطقة.

ويدعي الموقف الاسرائيلي الفعلي بان "معاهدة القطع" يجب ارجاءها للمستقبل عندما يعلن عن الشرق الوسط منطقة منزوعة من السلاح النووي. وتزعم اسرائيل منذ سنوات طويلة بانه بعد استكمال عملية السلام الشامل مع الدول في المنطقة، يصبح بالامكان الحديث عن نزع السلاح النووي وابرام اتفاقيات مراقبة متبادلة، "وحتى ذلك الحين ليس هناك ما يمكن الحديث حوله". ويبقى السؤال: هل ستنجح اسرائيل، في ظل الاجواء الاستراتيجية الجديدة، بمواصلة عنادها ورفض الابحاث الجارية حول قدرتها النووية الى الابد.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات