المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اتفقت غالبية التعليقات الصحافية الإسرائيلية، التي ظهرت غداة العملية العسكرية التي استهدفت، يوم السبت 6 ايلول، اجتماعًا ضم أبرز الوجوه السياسية والعسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، على أن وراء الهدف المباشر المخصوص لهذه العملية - وهو تصفية هذه القيادة "بالجملة" أو على الأقل "توجيه إنذار عملياتي لها بأنها ستبقى في مرمى سياسة الاغتيالات الإسرائيلية"، على حد تعبير زئيف شيف، المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس"، تطبيقًا لتصريحات قائد هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال موشيه يعلون، وغيره من العسكريين الإسرائيليين - غاية أبعد، تتمثل في ممارسة الضغط الشديد على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لكي لا يدع على حاله الفراغ الناشئ من استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن).

في هذا الصدد كتب أليكس فيشمان، المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه على رغم تلك العملية العسكرية، لا يزال الوسط السياسي الإسرائيلي متمسكًا برؤية أن ما هو حاصل في العلاقة مع الفلسطينيين لا يعدو كونه أكثر من "أزمة تكتيكية" تستهدف "ممارسة الضغط على ياسر عرفات من أجل أن يعيد أبو مازن إلى كرسيه مع المزيد من الصلاحيات"، على حد تعبيره.

وسبق لإسرائيل أن أوضحت، حسبما يضيف هذا المعلق، أن أي شخص "من بطانة عرفات"، مثل أبو علاء أو صائب عريقات أو غيرهما، "لن يكون شريكاً في المباحثات"، من وجهة نظرها. زد على ذلك أن المسؤولين فيها "لا يؤمنون بأن عرفات سيمنح وزير المالية سلام فياض أو محمد دحلان صلاحيات لم يرغب بمنحها لأبو مازن"!

وفي رأي فيشمان فإن الافتراض السائد في إسرائيل الآن هو أن "أبو مازن سيعود إلى منصبه في خاتمة المطاف. بدون هذه العودة ستصل الأمور إلى حالة من الفلتان الكامل، حيث لا اتفاقات ولا تفاهمات ولا محادثات، ما يعني العودة إلى أيام ما قبل مؤتمر العقبة".

وكشف فيشمان أنه في الوقت، الذي صودق فيه على خطة تصفية قيادة "حماس"، كانت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على دراية تامة برسالة استقالة أبو مازن وعرفت أن من شأن نجاح خطة كهذه أن يستجر إسقاطات كبيرة على الأوضاع في المناطق الفلسطينية. وبناء على ذلك صدرت الأوامر إلى الجيش بالاستعداد للجوء إلى "الفصل الأول من الخطط العسكرية الجاهزة المعدة لمواجهة احتمال حصول تدهور شامل في المناطق الفلسطينية". ويشمل هذا الفصل تصعيد "اليقظة الاستخبارية" و"زيادة الجهوزية في وحدات الجيش" والاستعداد لتعزيز قوات الجيش في المناطق الفلسطينية بموازاة الاستعداد لتلقي ضربات صواريخ "القسام"، بما في ذلك في اتجاه مدينة عسقلان، الأمر الذي يستدعي دخول الجيش الإسرائيلي برًا إلى شمال قطاع غزة وإغلاق المناطق الفلسطينية لعدة أيام.

وبموجب قراءة الأجهزة الأمنية فإن ثمة احتمالا قويًا بأن يترتب على كل ذلك "وضع من الفوضى العامة سيستوجب قيام الجيش الإسرائيلي بإعادة احتلال المناطق وفرض الحكم العسكري الإسرائيلي عليها مرة أخرى"، على ما يقول فيشمان، الذي أضاف أن المسئولين في أجهزة الأمن الإسرائيلية يعتقدون، في شبه إجماع، أن الوصول إلى مثل هذه المرحلة من مراحل الصراع لا يزال مستبعدًا في الوقت الراهن.

ويستند هذا المعلق إلى آراء المسئولين الأمنيين هؤلاء لكي يؤكد أن المنظور الإسرائيلي للأيام المقبلة يتوقع باستحالة دوام الأزمة الأخيرة لفترة طويلة من الوقت. وهو منظور ينطلق من التقدير بأن "مصير ياسر عرفات السياسي منوط بمصير أبو مازن السياسي. وبكلمات أخرى: إذا لم يعد أبو مازن إلى منصبه (رئيساً للوزراء) فإن طرد ياسر عرفات هو مسألة وقت، ليس أكثر"!

وهذا ما يكتبه فيشمان بالحرف: "يسود اتفاق كامل بين الأجهزة الأمنية وبين الأجهزة السياسية في إسرائيل على أن الفراغ الناشئ الآن في العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين من شأنه أن يجعل أيام عرفات السياسية قصيرة. وهناك ناطقون رفيعو المستوى في الجهازين السياسي والأمني في إسرائيل يتكلمون عن طرد عرفات بمصطلحات عملية وفي ظرف فترة زمنية قصيرة. ولسان حال هؤلاء يقول: إنه (الرئيس ياسر عرفات) يوشك أن يرتكب الخطأ الذي يشكل الذريعة (للطرد). ويتعين علينا أن نهتم بالتوقيت العملي (الميداني) وبأن يخرج من هنا حيا يرزق"!

مقابل ذلك ذكر زئيف شيف، المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس"، أن محاولة إسرائيل الرامية إلى تصفية زعيم "حماس"، الشيخ أحمد ياسين، سوية مع قادة آخرين لحركة نفسها، غير منفصلة برأيه عن "المعارضة المتجددة، من طرف واشنطن، لطرد الرئيس ياسر عرفات"، وهو الأمر الذي تلح عليه إسرائيل في الفترة الأخيرة، كما كانت عليه الحال دائمًا.

وأضاف شيف أن الزيارة التي يقوم بها إلى واشنطن الآن دوف فايسغلاس، مدير مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي أرئيل شارون، تستهدف بصورة رئيسة تلقي "ضوء أخضر" من الإدارة الأمريكية لطرد الرئيس ياسر عرفات من المناطق الفلسطينية. ومع ذلك - يؤكد شيف - فقد تلقى فايسغلاس حتى الآن "جوابا قاطعا" بأن واشنطن ما زالت "تطالب إسرائيل بعدم المساس بعرفات خشية أن يؤدي ذلك إلى تعقيد كامل للوضع، وإن كان في غير نيتها أن تقربه ثانية من العملية السياسية"، على حد تعبيره.

وأشار شيف إلى أن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية يقفان وراء القرار القاضي بعدم المساس بالرئيس عرفات، وأن الذي أبلغ فايسغلاس به كانت كونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومي.

وأخيرًا يؤكد شيف أن هذه المعلومات بددت الاعتقاد الإسرائيلي بأن الجهة الوحيدة التي تعارض المساس بعرفات هي وزارة الخارجية الأمريكية، وبأن فايسغلاس سيسمع رأيا آخر في هذا الشأن لدى البيت الأبيض أو مجلس الأمن القومي أو لدى نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات