المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 853

أجرت اسرائيل وسوريا سلسلة من الاتصالات غير الرسمية قبل اندلاع الحرب على العراق، بحثتا خلالها امكانيات استئناف المفاوضات المباشرة بين الدولتين. وفي معرض هذ الاتصالات، قدم الرئيس السوري ، بشار الأسد، عرضًا صريحًا باستئناف المفاوضات فورًا، لكن رئيس الحكومة أرئيل شارون رفض هذا العرض، بعد مشاورات أجراها، شملت تحليلا دقيقاً للعرض السوري وظروفه.وعلمت "معريف" التي نشرت تفاصيل عن هذه الاتصالات (الاثنين 5/5) ان الاتصالات جرت بين شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد، وبين المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الاسرائيلية، ايتان بنتسور، وان هذه الاتصالات جرت في الاردن، بمعرفة النظام هناك.

 

وخلال اللقاءات، اوضح ماهر الأسد انه يتحدث باسم شقيقه، الرئيس السوري. اما بنتسور، وهو رجل اعمال مستقل اليوم، فلم يكن يمثل اسرائيل بصفة رسمية، غير انه دأب على تقديم تقارير مفصلة عن اللقاءات الى الحكومة الاسرائيلية، وكان رئيس الحكومة ارئيل شارون، شخصياً، مطلعًا على التفاصيل، أولاً بأول.

وماهر الأسد هو الابن الثالث للرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد. الابن البكر، بشار، الذي كان يفترض ان يخلف والده في كرسي الرئاسة، قتل في حادثة تحطم طائرة. ونشبت بين ماهر وشقيقه، الرئيس بشار، خلافات ونزاعات حادة في الفترة الأولى من تولي بشار الرئاسة، لكنهما تصالحا، مؤخرًا، وعادت العلاقات بينهما الى مجاريها الطبيعية. ويتولى ماهر، الآن، بعض المناصب القيادية المركزية في عدد من الوحدات الرفيعة في الجيش السوري، مهمتها الأساسية حماية النظام والمحافظة عليه.

خطوات متبادلة

سلسلة اللقاءات بين الممثلين الاسرائيليين والسوريين كانت، حسبما وصفتها مصادر سياسية في القدس، "جدية ومعمقة"، وأثارت خلافات في الرأي بين مسؤولين اسرائيليين حول مدى جدية النوايا السورية. فخلال الاتصالات، عرض ماهر الأسد، باسم شقيقه الرئيس بشار، استئناف المفاوضات بين اسرائيل وسوريا، بصورة فورية. ووفقا لمصادر مطلعة، لم تضع سوريا اي شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات، وذلك خلافا للاتصالات السابقة بين البلدين. وقد بحث الجانبان جملة من الأفكار تتعلق بخطوات متبادلة تتخذها الدولتان مع استئناف المفاوضات بينهما.

في اعقاب هذه الاتصالات، أجرى رئيس الحكومة الاسرائيلية ارئيل شارون سلسلة مشاورات حول الموضوع، تقرر في نهايتها، عدم الاستجابة للعرض السوري. فقد قدّر شارون بأن الرئيس السوري يشعر بضائقة سياسية متفاقمة على ضوء التوتر في الخليج والترقب للغزو الامريكي الوشيك على العراق، في تلك الأيام، ولذلك فهو (ألأسد) يريد "استخدام" اسرائيل من اجل تخفيف الضغط الامريكي عنه وعن بلاده.

وكان هناك سبب آخر وراء رفض العرض السوري، تمثل في تقديرات شارون بأنه لن يستطيع التحرك في مسارين سياسيين في الوقت ذاته - مع الفلسطينيين ومع السوريين. وهذا، علاوة على ان شارون كان مدركا للثمن السياسي المطلوب لعقد سلام مع سوريا، ولأنه يرى - من حيث توجهاته السياسية - ان دولة اسرائيل لا تستطيع السماح لنفسها بالانسحاب الى "خط الماء" في بحيرة طبريا، حتى ولو كان المقابل سلامًا كاملاً مع سوريا ولبنان.

خلال الاتصالات، اختلفت تقييمات المسؤولين الاسرائيليين المعنيين بشأن صدقية وجدية النوايا السورية. ففي جهاز الاستخبارات العامة (الموساد) كان ثمة من اعتقد بأنه بعد أكثر من سنتين من استقرار حكم بشار الأسد في سوريا، اصبح السوريون ناضجين للعودة الى مسار المفاوضات وعقد صفقة سياسية شاملة مع اسرائيل، وخاصة حيال الأوضاع المتحركة في الشرق الاوسط. لكن عناصر أخرى قالت، بالمقابل، ان "الأسد الشاب ليس ناضجاً"، بعد، لتحرك سياسي تجاه اسرائيل، وان دوافع عرضه هذا هي تكتيكية وسياسية داخلية، فحسب.

فرصة ذهبية

يذكر ان وزير الخارجية في حكومة شارون الاولى، شمعون بيرس، حاول استئناف الاتصالات مع سوريا، و "كاد" ان يلتقي مع وزير الدفاع السوري، مصطفى طلاس، في شقة كريمة طلاس في باريس. وتقول "معريف": "في تلك الفرصة، جلس بيرس ينتظر طلاس في شقة ابنة الوزير السوري الذي كان في الغرفة المجاورة، لكنه "هرب" في اللحظة الأخيرة عائدًا الى الفندق الذي كان ينزل فيه". كذلك بذل وزير الدفاع السابق، بنيامين بن اليعيزر، جهودًا كبيرة في محاولة لاقناع رئيس الحكومة شارون بالسير في المسار السوري، لكنه قوبل برفض عنيد.

ورفض ديوان رئيس الحكومة الاسرائيلية تأكيد اجراء الاتصالات في عمان قبل الحرب على العراق. لكن شارون نفسه قال، في جلسة الحكومة صباح الأحد (4/5)، ان اتصالات كهذه جرت، حقًا، وانه قدمت خلالها عروض لاستئناف المفاوضات بين البلدين. ويتبين الآن ان تلك الاتصالات كانت أكثر جدية مما كان يعتقد بداية. وصدرت عن ديوان رئيس الحكومة شارون (5/5) تصريحات مفادها ان اسرائيل مستعدة لاستئناف المفاوضات مع سوريا دون اية شروط مسبقة، وانها غير مستعدة للعودة الى خطوط حزيران 1967، ولا في أي حال من الأحوال.

ويشير مقربو شارون الى انه وفقا لتقديرات رئيس الحكومة الاسرائيلية شارون، فان الحديث يجري عن "مناورة سورية مميزة، وليس عن عرض جدي". وبالمقابل، تعتقد مصادر سياسية مهنية ان فرصة ذهبية نادرة قد نشأت الآن، في الظروف المستجدة، لتحرك سياسي جوهري مقابل السوريين، وان تحركا كهذا سيكون أسهل، بما لا يقاس، من تطبيق "خارطة الطريق" واقامة دولة فلسطينية.

الوسيط السوري

ماهر الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس السوري بشار الأسد، ولد في دمشق في العام 1968. منذ تعيين بشار رئيساً، اصبح ماهر شخصية نافذة في القيادة السورية، تمت ترقيته الى رتبة "مقدّم" وانتخب عضواً في اللجنة المركزية لحزب البعث الحاكم.

ويحرص ماهر على الظهور الى جانب شقيقه الرئيس، ويجهر بتأييده العلني. ومن المحتمل ان يكون قد أدى، في هذه الاتصالات، دور امين سر الرئيس ومبعوثه الخاص. وتقول مصادر عربية في دمشق ان ماهر قام، في اواخر العام 2000، بزيارة سرية الى العراق استغرقت يومين، والتقى خلالها بقصي، نجل صدام حسين، حيث بحثا آفاق التعاون العسكري بين العراق وسوريا.

ومثلما فعل شقيقه الأكبر، باسل، كذلك تولى ماهر ايضا قيادة احدى الوحدات الرفيعة في الحرس الجمهوري، وهو منصب رفيع ومؤثر جدًا. وبعد مقتل باسل، اشارت تقديرات عديدة الى ان ماهر هو الذي سيخلف والده، الذي فضّل بشار في النهاية.

احد الاسباب التي دفعت الأسد الوالد الى "القفز" عن ماهر يكمن في مزاجه الحاد والعنيف. ففي العام 1999، وخلال جدال مع صهره، أطلق الرصاص عليه في بطنه مما ادى اضطره الى الرقود في مستشفى باريسي، بضعة اسابيع. ولم ينل أي عقاب على تلك الحادثة.

الوسيط الاسرائيلي

ايتان بنتسور، المدير العام السابق لوزارة الخارجية، هو دبلوماسي مخضرم، ذو تجربة واسعة في السلك الدبلوماسي الاسرائيلي ويحظى بتقدير كبير في اسرائيل.

في سجل بنتسور التاريخي، محاولة دراماتيكية واحدة لفتح أفق تفاوضي مع كوريا الشمالية في بداية التسعينات. وهي محاولة تم اجهاضها من قبل اوساط سياسية في اسرائيل.

بنتسور، وهو رجل اعمال مستقل اليوم، كان مديرًا عامًا لوزارة الخارجية ابان حكومة نتنياهو، وقام ايهود براك بعزله، اثر استقالة وزير الخارجية دافيد ليفي. بنتسور مقرب من شارون ، وكان احد مستشاريه السياسيين في الفترة التي أشغل فيها منصب رئيس المعارضة، لكن محاولة تعيينه مستشارًا سياسياً بعد فوز شارون برئاسة الحكومة، أُفشلت لاعتبارات داخلية.

بنتسور من مواليد اسرائيل، يسكن في مدينة القدس الغربية، خريج الجامعة العبرية ويحمل شهادة الماجستير من جامعة لندن. في العام 1997 أصدر كتابه "الطريق الى السلام تمر في مدريد" والذي قدم فيه تحليلا لمؤتمر مدريد (الذي كان بنتسور عضوًا في الوفد الاسرائيلي اليه) واسقاطاته على عملية السلام في الشرق الاوسط.

شارون مستعد للتفاوض مع سوريا بدون شروط مسبقة

بعد انكشاف امر الاتصالات، اعرب رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون عن استعداده لاجراء حوار سلام مع سوريا بدون شروط مسبقة. وقالت مصادر صحفية اسرائيلية على لسانه "ان شارون اعلن اثناء محادثاته الاحد مع مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط وليام بيرنز، انه مستعد للقاء المسؤولين السوريين في اي مكان وزمان بدون شروط مسبقة".

وخلال زيارته الخاطفة نهاية الاسبوع الى دمشق وبيروت دعا وزير الخارجية الاميركي كولن باول الى نزع سلاح حزب الله اللبناني الذي تعتبره واشنطن تنظيما "ارهابيا" واعلن ان سوريا قد بدأت بالتحرك ضد الحركات "الراديكالية" الفلسطينية المتمركزة في العاصمة السورية، لاسيما حركتي حماس والجهاد الاسلامي.

وكانت صحيفة "يديعوت احرونوت" نقلت عن مسؤول اسرائيلي قوله ان اسرائيل تشكك في ان تفضي جولة باول الى الشرق الاوسط الى استئناف محادثات السلام مع سوريا. وقال هذا المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه "ان احتمال استئناف المفاوضات بين اسرائيل وسوريا ضئيل جدًا. وليس مسالة واردة قطعا في الوقت الحالي".

المصطلحات المستخدمة:

الموساد, دولة اسرائيل, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات