(*) رام الله- صدر حديثًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار العدد رقم 44 من سلسلة "أوراق إسرائيلية" ويضم وثيقة مؤتمر هرتسليا الثامن بعنوان "وجهات إسرائيل الإستراتيجية بعد 60 عامًا على إقامتها".
يشتمل هذا العدد على الملخص التنفيذي لمؤتمر هرتسليا الثامن حول "ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي"، والذي صدر في أيار 2008، وعلى بضع أوراق عمل جرى التداول بشأنها في المؤتمر [ورقة حول "تبادل الأراضي كوسيلة لحل النزاعات الإقليمية بين إسرائيل وجاراتها"، وثانية حول "القدس كمسألة مركزية في مناعة إسرائيل القومية"، وثالثة حول "المسؤولية الحكومية تجاه الدمج والمساواة بين اليهود والعرب في إسرائيل"].
وقد عقد مؤتمر هرتسليا الثامن تحت العنوان "إسرائيل في عامها الستين- هل المناعة أبدية؟".
أمّا أبرز محاوره فكانت التالية: التحديات الوطنية والاقتصادية والاجتماعية في عصر العولمة؛ التحديات السياسية الوطنية على خلفية التغيرات الإقليمية؛ البدائل الإستراتيجية من جرّاء انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط؛ اتجاهات وغايات إسرائيل والشعب اليهودي في الأعوام الستين المقبلة.
واعتبرت وثيقة الملخص التنفيذي أن العام الستين على استقلال إسرائيل- 2008- هو عام حاسم في مواجهة التهديد النووي المتصاعد من جهة إيران، وهو عام مهم في ما تعتبره "المحاولة الإضافية الأخرى للتوصل إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين، ولو على الصعيد المبدئي فحسب". وتؤكد أنه في نظرة شمولية يبدو واضحا أن إسرائيل لا تزال تواجه تحديات أمنية متصاعدة ومعقدة على المدى القريب، المتوسط والبعيد. وإن القاسم المشترك للتحديات الأمنية يتمثل في تفاقم التهديد المباشر على مجمل السكان المدنيين، بعد أن أضحت المفاهيم الماضية بشأن الجبهة الخارجية [القتالية] والجبهة الداخلية غير نافذة، وأضحت الحاجة إلى الاستعداد لحماية الجبهة الداخلية وضمان حياتها المنتظمة ماسة وملحة لا أقل من تطوير القدرات القتالية.
ولدى انتقالها إلى الملف الإسرائيلي- الفلسطيني تشير الوثيقة إلى أن التشرذم في الساحة الفلسطينية الداخلية يصعب التحرك السياسي والأمني من جانب إسرائيل، وخاصة قدرتها (وكذلك مساعي المجتمع الدولي) على التوصل إلى تسوية نهائية ودائمة مع الفلسطينيين. وثمة من يرى في استيلاء حماس على قطاع غزة وفي التشرذم الفلسطيني تحولا دراماتيكيا وجوهريا لا يتيح بعد اليوم أي تسوية مع كيان فلسطيني واحد. وتؤكد أن رئيس الحكومة، وزيرة الخارجية ووزير الدفاع، لا يزالون يعتبرون رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن)، شريكا للمفاوضات ويفضلون خيار مواصلة الحوار السياسي. وثمة فرضية تقول إن البديل لمثل هذا الحوار سيكون استيلاء حماس على مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية) أيضا، وهي نتيجة غير مرغوب فيها بالنسبة إلى إسرائيل. ومع ذلك، وفي ضوء التشرذم المذكور، ثمة شكوك كبيرة حول قدرة أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح على إنهاء الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين بصورة مطلقة.
وأكد محرّر "أوراق إسرائيلية"، أنطوان شلحت، في كلمات التقديم أنّ مردّ الاهتمام الذي يبديه مركز "مدار" بـ"مؤتمر هرتسليا" هو أنه، منذ انعقاده لأول مرّة في العام 2000، يستقطب اهتماماً واسعاً لدى مختلف الأوساط، المحلية والإقليمية والدولية، المهتمة والمتابعة للشأن الإسرائيلي. هذا الاهتمام ينبع أولاً من واقع ماهية وشمولية مواضيع التفكير الآني والإستراتيجي التي تتخلل وتسم أوراق العمل والمناقشات والأفكار والتوصيات التي يتم تداولها في أعمال المؤتمر ويصار إلى إجمالها في تلخيصات ووثائق تصدر عنه. وينبع ثانياً، وربما الأهم، من نوعية ومكانة الشخوص، سواء القائمين على المؤتمر أو المشاركين فعليا في أعماله. وعادة ما يكون في عداد هؤلاء رئيس الحكومة وكبار الوزراء ورؤساء وقادة المؤسسة العسكرية والأمنية والأكاديمية وغيرهم. وبهذا المعنى لا يزال مؤتمر هرتسليا بمثابة التئام لـ"العقل الجماعي الإستراتيجي المفكر" للدولة الإسرائيلية، على الرغم من أن هناك من بات يعتبر هذا المؤتمر منصة مهمة لإسماع الآراء، من دون قدرة فعلية على أن يملي أجندة عامة.