(*) الكتاب: "فوبيا الديمغرافيا- بين النفخ المتعمّد والتوقعات الواقعية" (ضمن سلسلة "أوراق إسرائيلية")
(*) المؤلف: مجموعة من الكتاب الإسرائيليين
(*) إصدار: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، أيلول 2007
يقدّم هذا العدد من "أوراق إسرائيلية" (*) جانبًا من السجال الذي دار ويدور في إسرائيل بشأن الميزان الديمغرافي وتوقعاته المستقبلية وإحالاته السياسية.
وينقسم المتساجلون، حسبما توضّح المقالات المنشورة هنا، إلى فئتين: تقول الفئة الأولى إنه لا توجد "مشكلة" ديمغرافية ولم يسبق أن وُجدت مشكلة من هذا القبيل، والمهم أن شيئًا من ذلك لن يظهر في المستقبل، وعليه فلا مبرّر إطلاقًا للتفكير بحلول سياسية على شاكلة "الانفصال" عن قطاع غزة فيما يتعلق بمنطقة الضفة الغربية، في حين تقول الفئة الثانية بوجود مشكلة كهذه ستتفاقم في المستقبل، ولذا فهي تستدعي التقدّم بحلول سياسية تضع في صلبها "غاية الحفاظ على الطابع اليهودي لإسرائيل" قبل أي شيء آخر.
وللتمثيل على جوهر طرح الفئة الأولى يضم العدد مقالة "ديماغوغرافيا" التي كتبها طاقم من ثلاثة باحثين إسرائيليين وأميركيين (بينيت تسيمرمان وروبرتا زايد ومايكل أ. ويز) وتتناول ما يعتبر هؤلاء أنه "الجانب الديماغوغي للمسألة الديمغرافية". وهي المقالة التي استجرّت ردًا مطولاً من البروفيسور سرجيو ديلا- فرغولا، وهو من أبرز شخصيات الفئة الثانية وأحد كبار الخبراء الديمغرافيين في إسرائيل، والذي ارتأينا أن ننشره أيضًا.
وكان الطاقم الإسرائيلي- الأميركي المذكور قد أثار، قبل حوالي عامين، عاصفة عندما ادعى أن الرقم الحقيقي للسكان الفلسطينيين في مناطق السلطة الوطنية (في الضفة الغربية وقطاع غزة) قد جرى تضخيمه بمليون نسمة، حسبما ذكر جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، الذي جرى الإدعاء بأن معظم الديمغرافيين يستندون إليه. وقد تمّ ذلك في نطاق بحث صدر عن "مركز بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية" في جامعة بار- إيلان حمل عنوان "فجوة المليون- السكان العرب في الضفة الغربية وقطاع غزة". لكن الذي يستشف من مقالة ديلا- فرغولا أن المؤسسة الديمغرافية في إسرائيل لا تستند كذلك إلى جهاز الإحصاء الفلسطيني إلا بمدى ما إنّ معطياته "تسعف" السيناريوهات الجغرا- سياسية الإسرائيلية، تمامًا مثلما يسلك الطاقم إياه وشركاؤه في إسرائيل.
إنّ هذا السجال في الواقع لا يدور حول الأرقام فقط، بل بين من يعتقد أن ثمة مشكلة ديمغرافية صعبة ومهددة لـ"إسرائيل اليهودية" (ديلا- فرغولا) وبين من يدعي أن المستقبل الديمغرافي سيظل لصالح "إسرائيل اليهودية" على الدوام (وهؤلاء هم أعضاء الطاقم تسيمرمان وزايد وويز وشركاؤهم في إسرائيل أمثال الدبلوماسي السابق يورام أتينغر).
وبالطبع ثمة لهذا السجال تأثيرات وتداعيات سياسية واسعة، لا سيما بشأن السؤال المتعلق فيما إذا كانت ثمة حاجة لـ"خطة التجميع" (الانطواء) أو أنه يمكن التنازل عنها، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن السجال اشتعل في أعقاب الإعلان عن تلك الخطة، رغم أن توقيته جاء بعد أن أطاحت بها الحرب على لبنان في الصيف المنصرم (2006). لكن ذلك لا يعني انتفاء تلك التأثيرات والتداعيات على سيناريوهات التسوية الأخرى، التي لا بدّ أن تطرح.
إنّ ما يتعيّن ملاحظته، عطفًا على ما تقدّم، هو أن ثمة قاسمًا مشتركًا للفئتين المتساجلتين يتجاوز الخلاف الحادّ في ظاهره بشأن الأرقام وتداعياتها على السياسة إزاء النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. ويتمثل هذا القاسم المشترك في غاية الحفاظ على الطابع اليهودي لإسرائيل. وبالتالي تبقى حقوق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه ووطنه مرهونة بهذه الغاية أولاً ودائمًا، سواء من وجهة نظر المؤيدين للانفصال الجغرافي عن مناطق فلسطينية أخرى أو المعارضين له. ومن نافل القول إنّ ضرورة الانفصال عن العرب الفلسطينيين يقف في صلب إجماع يسود الرأي العام الإسرائيلي منذ عدة أعوام، لكن من غير تحميل النفس "عناء" الحلّ العادل للقضية الفلسطينية، أي من غير الانسحاب إلى حدود 1967 ومن غير القدس وطبعًا من غير حقّ العودة للاجئين. فهذه الأمور كافة تبقى معلقة على "أفق سياسيّ ضبابيّ".
كما أنّ في هذا السجال ما يعيد إلى الأذهان تقليدًا صهيونيًا عريقًا يتصل بتحويل الجغرافيا إلى وسيلة لخدمة غايات الديمغرافيا. وتلمح مقالة تسيمرمان وشريكيها إلى هذا التقليد، لدى حديثها عن مسوغات قبول الحركة الصهيونية اقتراح التقسيم في العام 1937 (بحسب "لجنة بيل") و"مشروع التقسيم" في العام 1947 (بموجب القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة). وعلى ما يبدو فإنّ الحجج السياسية الإسرائيلية، التي لا تمتد بخيوط دقيقة أو حتى بحبال غليظة إلى الماضي، تبقى قليلة.
أخيرًا تجدر الإشارة إلى أنّ هذا السجال دار في أواخر العام 2006 ومطلع العام 2007 على صفحات مجلة "تخيلت" (سماويّ) الإسرائيلية. وهي مجلة فصلية فكرية تصدر منذ العام 1996 عن "مركز شاليم". وتتبنى المجلة فكرًا صهيونيًا محافظًا ورأسماليًا. وتستمد وجهة نظرها، أساسًا، من فكر المحافظين الجدد والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. وهي متحزبة لفكر اليمين الإسرائيلي الجديد.
_______________________
(*) المقالة أعلاه هي نص تقديم هذا العدد- رقم 41- من سلسلة "أوراق إسرائيلية".