أكد كتاب إسرائيلي جديد هو "غزة كالموت" لمؤلفه الصحافي شلومي إلدار أن الإسرائيليين لا يعرفون ويفضلون عدم معرفة شيء عن الفلسطينيين المقيمين في قطاع غزة بدافع الرغبة في التعامي عن رؤية الطرف الآخر أحيانا وبسبب كونهم ضحايا التعمية والمغالطة المقصودة من قبل صناع القرار. وشدد الكتاب الجديد على فكرته المركزية بالإشارة إلى هيمنة العقلية والاعتبارات العسكرية على عملية التفكير الإسرائيلي الخاصة بتسوية الصراع لافتا إلى فشلها في تأمين حل المشكلة الأمنية الكبيرة لإسرائيل والى دورها- العقلية العسكرية- في تجنيد كافة السكان الفلسطينيين نحو دائرة الانتفاضة بعد أن تبين أن "الحل الأسهل" هو الأكثر سوءا.
وأكد الدار انه استنادا إلى تجربة طويلة فإن السياسات العسكرية دائما مفضلة على تلك المدنية حتى بعد توقيع اتفاقات السلام. وأشار إلى أن الجيش هو الذي يوصي ويملي وينفذ قبل وبعد اتفاقات أوسلو لافتا إلى أمثلة ميدانية كثيرة تتناقض مع الرواية الإسرائيلية الرسمية المهيمنة.
في الواقع يكمّل هذا الكتاب مقولة مشابهة صدرت عن كتب إسرائيلية أخرى ("الحرب السابعة" و"سهم مرتد" وغيرهما) رأت النور في السنوات الخمس الأخيرة وهي تحمّل السياسات الإسرائيلية قسطا وافرا من المسؤولية عن نزيف الدم وبقاء الجانبين في الدائرة المفرغة، لكنه أكثر جرأة في فضح تواطؤ الاحتلال على مساعي التهدئة والسلام وفي كشف عمق سيطرة المؤسسة العسكرية على صناعة القرار في إسرائيل.
وأوضح الكاتب الصحافي شلومي إلدار، مراسل القناتين الأولى والعاشرة الإسرائيليتين في غزة منذ العام 1995 ، في كتابه أن الأنباء المتعلقة بالقطاع خلال الانتفاضتين الأولى والثانية قد وصلت دوما من الزاوية العسكرية الإسرائيلية بهدف تضليل المجتمع الإسرائيلي وكأن هناك حلا عسكريا لهما. وأضاف في مقدمة الكتاب "سعت إسرائيل الرسمية إلى إيهام الإسرائيليين بوجود خطة جاهزة في الدرج للقضاء على الانتفاضة لكنها تتردد في استخدامها خشية غضب العالم. إن الاستخدام المكثف لمصطلح "بنى الإرهاب" الذي تم تلقينه للإسرائيليين أوحى بوجود قواعد عسكرية للتدريب في غزة يقدر الجيش على محوها واجتثاث المشكلة لو أعطي الضوء الأخضر من قبل المستوى السياسي..".
وسائل الإعلام الإسرائيلية شريكة في التضليل
واتهم الدار وسائل الإعلام الإسرائيلية بالمشاركة في خلق حالة الجمود داخل المجتمع الإسرائيلي حينما تبنت المزاعم الرسمية حرفيا دون إبداء أي تساؤل حول حقيقتها أو مراميها. وأشار الدار إلى أن الإسرائيليين لم يعرفوا أنه ليست هناك قواعد عسكرية ولا بنى تحتية يمكن الإجهاز عليها بضربة واحدة مثلما أنهم لم يعرفوا أن الجيش يعدم جواب عسكري للانتفاضة.
وشدّد الكتاب على أن قوة القوى الفلسطينية المعتدلة قد انحسرت ميدانيا لصالح "حماس" و"الجهاد" وفصائل المعارضة الأخرى مع وقف الانتفاضة وانجاز فك الارتباط عن غزة في صيف 2005 على خلفية السياسات الإسرائيلية التي تخلو من التفكير. وأشار الدار إلى إن إسرائيل انسحبت من غزة في عملية درامية وتاريخية تاركة وراءها مدينة محطمة وجائعة وسجينة مليئة بالكراهية والعدوانية- "غزة كالموت"- دون أن تقول كلمتها الأخيرة بعد.
ونوه الكاتب إلى أن مؤلفه هو ثمرة تجربة 15 عاما من العمل الصحافي المكثف في القطاع بدءا من العام 1990 أي قبل إعلان "أوسلو" بثلاثة أعوام وانتهاء بخطة أريئيل شارون. وأوضح أنه خلال هذه المدة عمل على استجلاء جذور "الجنون" واستبيان "أطباع العرب" لافتا إلى انه رافق ميلاد وترعرع قادة فلسطينيين وخبر من عمل من أجل الانتقام إلى جانب من حاولوا الحفاظ على عقلانية وسط بحر من الجنون.
ويستبق الكاتب أولئك الذين يمكن أن يلوموه ويتهموا كتابه بأحادية النظرة واعتماد رواية الفلسطينيين وبالتعامل المتسامح مع أخطائهم فيقول "لا أبرىء الفلسطينيين من المسؤولية عن العمليات التخريبية التي جبت أرواح أبرياء كثر ولا أزعم أنهم كانوا خالين من الأخطاء التي ساهمت في تدمير المسيرة السلمية، كما أنني أتهم القيادة الوافدة من تونس والتي لم تغير أنماط تفكيرها ولا الوصمات المخزونة لديها حيال الإسرائيليين. غير أن مثل هذه المزاعم وردت وترد في كتب كثيرة. ما أردته هنا هو محاولة فهم ما يجري خاصة فيما يتعلق بالجماهير الفلسطينية على أشكالها: العاطلون عن العمل والفاقدون للأمل بحياة أفضل، قادة حماس وطرق تفكيرهم وإمكانية جسر الهوة بينهم وبين عقلية "الأمن والسلام" الإسرائيلية".
وينوه الكاتب إلى أن نقطة انطلاقه لفحص النشاط الإسرائيلي في القطاع منذ الاحتلال تدور حول السؤال: هل نشطت إسرائيل انطلاقا من حكمة سياسية طويلة الأمد أخذت بالحسبان المخاطر والنتائج أو أنها تحركت بدوافع أخرى مثل إرضاء الرأي العام الإسرائيلي أو تبني حلول "اضرب واخلص" دون الأخذ بالحسبان العواقب المدمرة والمؤثرة لهذه القرارات على أمن إسرائيل ومواطنيها. وتساءل الكاتب: هل هناك سياسة إسرائيلية في غزة؟ وكيف سيطرت المفاهيم العسكرية على العمليات السياسية برمتها وصارت هي التي تقرر؟.
ويقتبس الدار في هذا السياق "صديقه" الناشط إيهاب الأشقر، عضو قيادة الانتفاضة الأولى، الذي قال "أنتم الإسرائيليون لا تعرفون أن شعبا آخر يعيش هنا؟ شعب فيه السمين والنحيل والجميل والقبيح والمتطرف والمعتدل والمسن والشاب.. شعب بأغلبيته يريد الحياة بهدوء".
فسيفساء بشري فلسطيني
ويلفت الدار إلى أن "غزة كالموت" هو قطعة فسيفساء بشرية مركبة من أشخاص يروون قصة واحدة كبيرة حول إضاعة الفرصة. وأضاف "وهو قصتي أنا أيضا كصحافي إسرائيلي في غزة بين الانتفاضتين وداخلهما. حاولت نقل صورة الواقع كما هو لا عبر فوهة البندقية والمفاهيم إنما من خلال عدسة الكاميرا والعيون التي ترنو للمعرفة".
ويسهب الكتاب في وصف أهمية قضية الأسرى بالنسبة للفلسطينيين ويعتبر أنها "السبب المركزي لفشل كافة المسيرات السلمية منذ توقيع اتفاقية أوسلو ولاندلاع الانتفاضة"، لافتا إلى أن إسرائيل أخطأت في فهم وتقدير حجم الضغط الكبير الذي مارسه الأسرى على قيادة السلطة الوطنية. وأضاف "فيما اعتبر الفلسطينيون أن سجناءهم هم أسرى حرب ينبغي الإفراج عنهم كشرط للسلام فقد قامت إسرائيل بتكبيل يديها بمصطلح "أسرى دماؤهم ملطخة بالدماء" لا يمكن إطلاق سراحهم للأبد بدلا من أن تجتهد في إيجاد تسوية أو مخرج". وأشار الكاتب إلى انه عند توقيع اتفاقات كانت إسرائيل تلتزم بالقيام بالإفراج عن أسرى لكن سرعان ما كانت تفرج عن سجناء جنائيين ولصوص سيارات أو أسرى انتهت مدة محكومياتهم وهذا ما دفع الفلسطينيين للشعور بأنهم مضللون. كما نوه الدار إلى أن إسرائيل لم تثمن وزن ودور الأسرى الفلسطينيين في دفع مسيرة السلام وليس العكس. وأضاف "وفي ذلك تنعكس هيمنة المفاهيم العسكرية حيث لا تسمع آراء مديري السجون الذين يحتكون بالأسرى يوميا ويعرفون مواقفهم وقدرتهم على تغيير الأوضاع السياسية".
كما يسهب الكتاب في تبيان المعاناة اليومية الكبيرة اللاحقة بالفلسطينيين جراء الإجراءات الإسرائيلية الصارمة في المعابر خاصة في معبر "إيرز" وجعل خروج الصادرات والعمال الفلسطينيين مهمة غير إنسانية إلى حد كبير إضافة إلى الأثمان الباهظة التي تكبدها الفلسطينيون نتيجة عمليات حراسة المستعمرات من قبل الاحتلال.
ويوضح الكتاب أن القيادة الإسرائيلية طالما كانت تعي في قرارة نفسها أن مطالبتها الرئيس الراحل ياسر عرفات ومحمود عباس من بعده بنزع أسلحة المنظمات المسلحة هي مطالبة ليست عملية، كون السلطة الفلسطينية غير قادرة على ذلك بعد أن خرج المارد من القمقم خلال الانتفاضة. وأضاف "هذه المطالب الإسرائيلية كانت موجهة في الواقع لآذان الإسرائيليين قبيل كل خطوة ربما تفسر كتنازل إسرائيلي". وينوه الكتاب بأن الرئيس محمود عباس كان معنيا دائمًا بوقف التسلح وفوضى السلاح غير أنه لا يقوى على ذلك بواسطة 2700 بندقية متقادمة، ويكشف أن اريئيل شارون في لقائه الأخير مع عباس في حزيران 2005 رفض طلب الأخير تزويد الشرطة الفلسطينية بالسلاح والذخائر بحجة أن السلطة تتمتع في الواقع بقوة أكثر مما يبدو في الإعلام. وفي هذا السياق يزعم الكاتب أن الفلسطينيين والإسرائيليين يتصرفون بموجب دوافع وضغوطات داخلية ترمي إلى إشباع رغبات الرأي العام المحلي ومراضاة الأنا والكرامة القومية للجانبين..
ويستذكر الكاتب عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي نحشون فاكسمان في تشرين الأول 1994 ويشير إلى أن الأمن الوطني انتدب الناشط المطلوب جمال أبو سمهدانة لإقناع حماس بعدم جدوى مساومة إسرائيل بالجندي من أجل الإفراج عن أسرى فلسطينيين. وأضاف "أكد لي أبو سمهدانة وقتذاك أن قيادة حماس في غزة استجابت لطلبي بعدم قتل الجندي وكانت تبحث عن طريقة للنزول عن الشجرة لكنها فوجئت بالمحاولة الإسرائيلية الفاشلة للسيطرة على الخاطفين في بيت نبالا". وأشار الدار إلى أن القائد في كتائب عز الدين القسام عبد الفتاح السطري قد أكد أمامه قرار حماس عدم قتل الجندي حتى بعد نفاد وقت الإنذار بقتله.
وفي السياق ذاته يقول الكتاب إن السلطة الوطنية بمبادرة محمد دحلان أوشكت عام 1996 على إبرام اتفاق مع "حماس" على وقف العمليات الاستشهادية داخل إسرائيل ودمج مسلحيها في أجهزة السلطة ضمن "جيش الشعب" لكن إسرائيل قبرت فرصة كبيرة باغتيالها المهندس يحيى عياش في 15 كانون الثاني 1996. ويقتبس المؤلف عن محمد دحلان قوله إن السلطة وحماس بدأتا بتدوين بنود الاتفاق بينهما لوقف العمليات في العمق الإسرائيلي ودمج الكتائب المسلحة في الأجهزة الرسمية مقابل التزام إسرائيل بوقف الاغتيالات والملاحقات. وأشار الكتاب إلى أن الجانب الإسرائيلي كان مطلعًا على الاتصالات المذكورة غير أنه كان يتهرب تارة أو يوافق شرط إخراج يحيى عياش ومحمد ضيف من دائرة الالتزام رغم تحذيرات محمد دحلان من المس بعياش.
السبب الحقيقي وراء اغتيال يحيى عياش
يكتفي المؤلف بالإشارة إلى رأي محمد دحلان الذي اعتبر أن جهاز الأمن العام (الشاباك) فضل تصفية عياش من أجل التغطية على فشله اثر اغتيال اسحاق رابين خاصة وأن لجنة التحقيق الرسمية قد أوصت باستقالة رئيس الجهاز كارمي جيلون. وفيما لا يعلق الكاتب على رؤية دحلان هذه فإنه يكمل عرضها بالقول إن القيادة الفلسطينية الرسمية اعتقدت أن واقع اتفاق أوسلو ومجمل العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية كانت ستبدو مختلفة تماما لو منحت إسرائيل الفرصة لاتفاق حماس والسلطة الوطنية في أن يخرج للنور وتحاشت اغتيال عياش.
ويلقي الكتاب الضوء على مختلف الحملات العسكرية وعمليات القصف الوحشية التي قام بها الاحتلال ضد المدنيين والعسكريين في قطاع غزة وسط استخدام مفرط للقوة منوها أن ذلك صب الزيت على النار وجند المزيد من الفلسطينيين إلى دائرة المقاومة بعيدا عن انجاز هدف الجيش بحسم المواجهة عسكريا وكي وعي الفلسطينيين. ومن ضمن هذه العمليات حملة "قوس قزح" ضد رفح عام 2004 التي زعم الاحتلال رسميا أنها تهدف إلى الكشف عن الخنادق وهذا ما يفنده الكاتب بالإشارة إلى أن حي تل السلطان المستهدف يبعد عن محور صلاح الدين (فيلادلفي) أكثر من كيلومترين..
واعتبر الكتاب أن مواصلة الاحتلال قصف أهداف متعددة في القطاع في ضوء استمرار العمليات التفجيرية في المدن الإسرائيلية رغم الإجهاز على قواعد المقاومة في الضفة الغربية تنم عن رغبة إسرائيل بجعل غزة هدفا لضربات "فشات الخلق" لإشباع رغبات الإسرائيليين بالانتقام خاصة وأن الجيش لا يستطيع مصارحتهم بأنه استنفد كل الوسائل لمواجهة تفجيرات الحافلات وصواريخ القسام ولم يعد ثمة ما يفعله للحيلولة دون وقوعها. ونوه الكتاب أن الطريقة الوحيدة التي بقيت في أيدي الجيش تتمثل بالسعي لقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين لغرض الردع.
ويشير الكتاب إلى استخدام الاحتلال لأسلحة سرية خلال قصف استهدف مطلقي صواريخ القسام في مخيم النصيرات في اكتوبر2003 والى انكشاف أكاذيب الجيش حول حقيقة القصف الذي أودى بحياة تسعة مدنيين وذلك بفضل تهديدات النائب اليساري يوسي سريد الذي هدد بنشر المعلومات التي بحوزته حول العملية. وأكد الكتاب أن إسرائيل لم تبادر إلى بلورة أي برنامج عدا الحملات العسكرية العينية لافتا إلى أن الفلسطينيين أدركوا ذلك خلال الانتفاضة الثانية. ويقتبس المؤلف انتقادات ضباط كبار خدموا في القطاع قالوا إن المواجهة الأخيرة مع الفلسطينيين امتازت بغياب الفرق بين الإستراتيجية والتكتيك في إشارة إلى ضعف المستوى السياسي وانقطاعه عما يحدث في الميدان تاركا للجيش حرية التصرف كما يروق له.
تصفية محمود عباس
تحت عنوان "الهدف: تصفية أبو مازن" يقول الكاتب إن "أمنية هامة لإسرائيل قد تحققت في ابريل 2003 عندما انتخب محمود عباس رئيسا للحكومة الفلسطينية، وهو المعروف بموقفه ضد الانتفاضة المسلحة". لكن إسرائيل، يؤكد الكتاب، بادرت إلى بتر السلم الطويل من تحت أقدام أبو مازن ورجالاته الذين استعدوا للقيام بتغييرات في الجانب الفلسطيني. وحينما توجه عباس لإسرائيل طالبا منحه الفرصة لإعادة ترتيب الأمور باشرت هذه بموجة اغتيالات للناشطين الفلسطينيين في "موسم صيد" جديد فيما سارع رئيس وزرائها إلى نعت أبو مازن بـ"الفرخ". ولفت الدار إلى قيام الاحتلال باستخدام الأعذار الجاهزة لتبرير اغتيالاته. وأضاف "لكن الجيش لم يصرح بحقيقة أسباب الاغتيال في حوادث غير قليلة ودائما كانت إسرائيل ترفع من أهمية ودرجة من تغتاله بل وتزور وظيفته كما حصل مع الناشط رائد أبو زيد الذي عمل موظفا في نادي الأسير في البريج واغتيل في ربيع 2003 بحجة انه نائب محمد ضيف". ولفت إلى أن المس بالمدنيين العزل جراء سياسة الاغتيال العشوائية وغير المفهومة هي التي حركت مجموعة من الطيارين لإصدار بيان أكدوا فيه رفضهم المشاركة بعمليات القصف الجوي في القطاع. وأشار الكتاب إلى أن سلسلة الاغتيالات التي طالت القادة السياسيين في حماس قد ضاعفت من قوتها على حساب السلطة الفلسطينية ومحمود عباس. ومن ضمن الأمثلة الصارخة على دأب إسرائيل على عرقلة مساعي عباس وصولا للهدنة يورد الكتاب بلوغه غزة في أيار 2003 من أجل التوصل إلى اتفاق تهدئة مع الفصائل فوجد إسرائيل تسابقه لزيارة القطاع وتبدأ بعملية اجتياح وحصار لبيت حانون. واستذكر الكتاب اغتيال القائد السياسي في حماس إسماعيل أبو شنب في آب 2003 بهدف الانتقام من عملية تفجيرية في القدس نفذها ناشط من حماس من الخليل دون علم قيادة الحركة وبهدف الإجهاز على الهدنة.
حماس حركة براغماتية
يرفض الكتاب الموقف الإسرائيلي الرسمي الزاعم أن "حماس" و"الجهاد الإسلامي" قد قبلتا بالهدنة الأخيرة (حزيران 2003) بسبب خوف قادتيها من الاغتيال. ويضيف "الأسباب مركبة وحماس حساسة لنبض الشارع وهي استشعرت برغبة أغلبية الشارع الفلسطيني بالهدنة إضافة إلى الأسرى أنفسهم".
ويشير الكتاب إلى أن بعض كبار مسؤولي الأجهزة العسكرية يبدون اليوم ندمهم على الخطأ الكبير في تعاملهم مع حكومة محمود عباس لافتا إلى أن إسرائيل تجاهلت عمدا إشارات سياسية براغماتية صادرة من حماس وقائدها الشيخ احمد ياسين، منها تصريحات إسماعيل هنية في 1995 حول التوصل إلى تسوية تقام فيها دولة فلسطينية بحدود العام 1967 فيما ترجأ القضايا الجوهرية الأخرى لمدة عشرين عامًا- للأجيال القادمة. واقتبس الكاتب إسماعيل هنية يقول إن تصريحاته هذه جاءت بموافقة الشيخ احمد ياسين نفسه الذي كان قد صرح بما هو مشابه في مطلع الانتفاضة الأولى. ولفت إلى أن رئيس الموساد السابق افرايم هليفي كشف في حينه للقناة الإسرائيلية الأولى حقيقة مسعى حماس لفتح قناة اتصال مع إسرائيل نحو التوصل للحل المذكور. وأضاف على لسان هليفي "قام الشيخ ياسين من سجنه في عسقلان بإيصال الرسالة السياسية لخالد مشعل حيث قام بدوره باطلاع الملك الأردني الذي أوصل الرسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو". ويقول الكاتب إن حماس اضطرت للتصدي لاتفاق أوسلو ليس بدافع سياسي يتعلق بالتنازل عن أراضي 48 أو حق العودة فحسب إنما بالأساس بسبب إخراجه الحركة خارج اللعبة وتحويلها إلى معارضة. ويعتبر الكاتب أن القيادة الجماعية الراهنة للحركة تتعمد الخطاب الضبابي وتسعى إلى السيطرة على مقود القيادة في السلطة الوطنية بدلا من محاربتها خلافا لما حصل في الماضي منوها إلى أنها تهدف أيضا بواسطة ذلك إلى منع انشقاق الحركة وإنقاذها من فوضى مسلحة بعد خروج المارد من القمقم وانفلات الأمور مشيرا إلى الجناح العسكري المتشدّد داخلها.