المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 1075

- الكتاب: ما بعد فك الارتباط .. سيناريوهات إسرائيلية
- الكاتب: شلومو غازيت وآخرون
- المترجم: مؤسسة مدار
- عدد الصفحات: 86
- الناشر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، رام الله
- تاريخ النشر: أكتوبر/ 2005

أصدر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) ضمن سلسلة أوراق إسرائيلية، ترجمة للنشرة الإستراتيجية الصادرة عن "مركز يافه للدراسات الإستراتيجية" في جامعة تل أبيب، تضمنت السيناريوهات الإسرائيلية لمرحلة ما بعد خطة فك الارتباط عن قطاع غزة.

وضمّت النشرة ست مقاربات شملت خيارات إسرائيل المقبلة وتأثير خطة فك الارتباط مع قطاع غزة على السياسة والمجتمع الفلسطيني والإسرائيلي، وقوة الردع الإسرائيلية، إضافة إلى مستقبل علاقة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مع الولايات المتحدة الأميركية.

ومع أن النشرة كتبت عشية تنفيذ الخطة، في أجواء عامة قد تكون مختلفة عن الأجواء التي جرى فيها تنفيذ خطة الانفصال، فإنها تمحورت حول الترتيبات الإسرائيلية الداخلية للخطة المذكورة، والتداعيات الخارجية، وبالأساس ما هو مرتبط بالعلاقات الإسرائيلية الأميركية.

ولعلّ أكثر ما يمكن أن يستشف من هذه النشرة التي شارك فيها أبرز الأكاديميين والباحثين في "مركز يافه"، بالإضافة إلى شلومو غزيت رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، أن ثمة شبه إجماع بين أصحاب المقاربات كافة، على أن الفترة القريبة القادمة لن تشهد أية تطورات جوهرية منِ شأنها أن تشي بوجهة سياسية إسرائيلية معينة.

ويرى أصحاب المقاربات أن عدم تبلور وجهة سياسية على الساحة الإسرائيلية في الفترة القريبة لا يعود إلى عدم امتلاك قباطنة الدولة الإٍسرائيلية، بمن فيهم أريئيل شارون، لأجندة سياسية محدّدة فحسب، بل إلى كون هذه الفترة ستسيطر عليها أجواء الانتخابات البرلمانية في إسرائيل ومناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وستكون تلك الأجواء متأثرة بخطة "فك الارتباط" إلى حد بعيد.

الواقع السياسي

وفي هذا الصدد يكتب رجل الاستخبارات شلومو غازيت، في مقاربته الاستهلالية التي تبدو لنا شديدة الأهمية أكثر من سائر ما تحتويه النشرة، أن إخلاء المستوطنات في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية لن يحظى بأي امتداد في غضون الفترة القريبة المنظورة، لأن الجميع يفترضون أنه بعد الانتهاء من تنفيذ الانسحاب ستدخل الحلبة السياسية الإسرائيلية بكل زخمها مرحلة الاستعداد للانتخابات العامة، التي ستجري على ما يبدو في 2006.

وبالتالي فلن تكون هذه الفترة سانحة لأية تحركات ذات طابع سياسي غير مألوف، على نسق الطابع الذي ميز خطة فك الارتباط، وذلك لا يعني بأي حال من الأحوال، حسب غازيت، أن الانتخابات في إسرائيل ستطوي صفحة الانسحاب المذكور.

ويشير غازيت إلى أن نتائج تلك الانتخابات ستكون متأثرة بشكل كبير بالسجال السياسي والعمومي الذي تصاعد في السنة الأخيرة حول فك الارتباط مع قطاع غزة، من جهة وبما خلفه هذا السجال من "انقسام عميق" في أوساط السكان اليهود في إسرائيل، من جهة أخرى.

وبصرف النظر عن النتائج، التي ستسفر عنها الانتخابات العامة في إسرائيل، فإن الموضوع الأساسي والأكثر أهمية يتوقع أن يكون ماثلاً أمام الإسرائيليين عمومًا في حمأة المعركة الانتخابية يتمثل، في رأي غازيت وغيره، في الحاجة السياسية والوجودية إلى حسم ما يسميه "الخيار الصعب".

ضمن ذلك يرى رجل الاستخبارات في مقاربته أنه سيتعين على الإسرائيليين الاختيار بين الخط السياسي العام الذي انتهج حتى الآن والذي يقف في صلبه الحفاظ على استمرار الوجود الإسرائيلي (الاحتلالي) في الضفة الغربية، وبين تبني سياسة تواصل خطوات رئيس الوزراء شارون الرامية إلى الانفصال عن الفلسطينيين، حتى وإن كانت خطوات أحادية الجانب كما هي الحال بالنسبة للخطوات التي تم اتخاذها بخصوص قطاع غزة وشمال الضفة، والتي تنطوي من حيث "الجوهر" على مفهوم يناقض الخط الراسخ المشار إليه.

ويرى غزيت أن نوايا شارون المعلنة من وراء الخطة تصب جميعها في مصب "حماية مستقبل الدولة اليهودية" من الخطر الديمغرافي العربي الداهم، و تشكّل هذه النوايا أرضية كافية يمكن الركون إليها لتزكية الخطة.

لكن في الوقت ذاته يشير غازيت إلى أن أية خطوات إسرائيلية مستقبلية أحادية الجانب، ستتأثر بما حصل ويحصل لدى الطرف الفلسطيني، وعلى المستويين الإقليمي والعالمي، منبها إلى أن عدم النظر إلى هذه الدوافع يعني، ببسيط العبارة، التسليم بالدوافع والرؤية الإسرائيلية فقط.

ووفق قراءة غازيت التي دونها في النشرة، فإنه في ضوء الرغبة العارمة في عدم إلحاق شروخ إضافية بالنسيج الاجتماعي الإسرائيلي، الذي تخلخل كثيرًا تحت وطأة الانسحاب من غزة، وإخلاء المستوطنات في القطاع وشمال الضفة الغربية، فمن المتوقع أن تنتهج إسرائيل، في مرحلة ما بعد فك الارتباط، سياسة عامة غايتها أن تمتنع بوضوح عن اتخاذ أية خطوات انفصال إضافية عن الضفة الغربية.

وأوضح أن الأعمدة الرئيسية لهذه السياسة ستستند على استكمال بناء الجدار الأمني، الذي سيتحول إلى جدار فاصل وإلى خط حدودي غير مباشر، وفي موازاة ذلك تتواصل أعمال الاستيطان في غالبية المناطق الواقعة خلف الجدار.

تجدد الكفاح

ويلفت غازيت النظر إلى أن من شأن هذه السياسة أن تجر، عاجلاً أم آجلاً، إلى تجدّد الكفاح العنيف من جانب الفلسطينيين، وإعادة إسرائيل إلى مكانتها الدولية المهتزة التي استشرت قبل إطلاق خطة فك الارتباط، من قبل رئيس الوزراء أريئيل شارون، إضافة إلى تحمل إسرائيل أثمانًا باهظة، سياسية واقتصادية تتعلق بتعزيز الاستيطان وضمان أمنه.

وفي ختام قراءة الكاتب لطبيعة العلاقة بين إسرائيل من جهة والفلسطينيين والدول العربية من جهة أخرى يرسم الكاتب ثلاثة سيناريوهات.

الأول ينصح من خلاله إسرائيل بتوقيع اتفاق سياسي مع الفلسطينيين فقط، مشيرا إلى أنه من المحظور على إسرائيل أن توهم نفسها بأنه من الممكن التوصل إلى مصالحة حقيقية مع الفلسطينيين والعالم العربي المحيط بها في المستقبل القريب.

وفي السيناريو الثاني يرى الكاتب أنه إذا اضطرت إسرائيل إلى توقيع اتفاق سياسي مع الفلسطينيين في المستقبل القريب، فإن وجودها سيكون مضموناً بقوتها العسكرية وقدرتها على ردع الفلسطينيين ومنعهم من القيام بعمليات عسكرية ضدها.

ويتطرق السيناريو الثالث إلى الحالة التي ستقرر إسرائيل فيها عدم التوقيع على اتفاق مع الفلسطينيين والدول العربية، منبها إلى أنه في حينها ستكون إسرائيل قد اختارت طريق المواجهة العنيفة في المستقبل المنظور، إلى حين التوصل إلى اتفاق سياسي عبر مسيرة متدرجة وطويلة تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون قيادتها ملتزمة بتحمل مسؤولية إدارة شعب ودولة وتكون ملتزمة بتغيير أجندتها القومية.

المجتمع الإسرائيلي

وفي محور الحديث عن انعكاسات الانفصال على المجتمع الإسرائيلي، يرى مئير إلران، الباحث في مركز يافه، أن عملية الانسحاب من قطاع غزة وأربع مستوطنات من شمال الضفة الغربية ستشكل مفترق رئيسياً في طريق المجتمع الإسرائيلي المستقبلي.

ويؤكد أن تنفيذ خطة الانسحاب الذي تم بنجاح من شأنه أن يقوي إسرائيل على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأنه سيحافظ للحكومة الإسرائيلية على هامش من المناورة سيعزز قدرة المؤسسة الرسمية على تنفيذ إجراءات منظمة وديمقراطية على صعيد اتخاذ القرارات حتى فيما يتعلق بالقضايا القومية الصعبة والمثيرة للخلاف.

أما فلسطينياً فيرى الباحثان شالوم هراري، ود. مارك هيلر، أن خطة فك الارتباط الإسرائيلية تحمل للمجتمع الفلسطيني مخاطر وفرصاً على حد سواء.

ويشير الباحثان في دراستهما التي كتباها في النشرة إلى أن مخاطر الخطة على الفلسطينيين أكبر من الفرص، منبهين إلى أن الانفصال لن يسهم إلا بقدر ضئيل في تحقيق الأمن العام ووضع حد للفوضى وكبح الانقسام الاجتماعي ووقف التدهور الاقتصادي.

وأما أثر خطة فك الارتباط على قوة الردع الإسرائيلية فيخلص البروفسور يائير عفرون، إلى أن الفرضية التبسيطية القائلة بأن الانفصال عن قطاع غزة سيؤدي في حد ذاته إلى إضعاف قدرة الردع الإسرائيلية في مواجهة الفلسطينيين، ليست فرضية منطقية مقبولة.

ويؤكد أن دروس الانتفاضة تشير إلى أن الردع يعد عاملاً شديد التأثير، غير أن نجاحه منوط بتضافر عوامل سياسية وعسكرية ومصالح وصيرورات.

ويعبر الباحث الإسرائيلي عن اعتقاده أن ميزان الردع بين إسرائيل والفلسطينيين سيكون في المستقبل منوطاً بتوفر عوامل سياسية مع استخدام القوة العسكرية في حال ما إذا لم تتمخض العمليات السياسية عن نتائج كفيلة بمنع "العمليات العدائية" وتجدد الانتفاضة المسلحة.

العلاقات الأميركية الإسرائيلية

وبشأن العلاقات الإسرائيلية الأميركية تتمثل المقولة المركزية، التي تخرج بها السيناريوهات المنشغلة بهذا الأمر، في أن السياسة الأميركية لن تخضع لتغيير جوهري بعد فك الارتباط.

وعليه فإنها ستستمر في اتجاهها السائر نحو دفع العملية السياسية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على مراحل، دون أن تسقط من الحساب اعتبارات الحرب في العراق وتأثير العلاقة مع أوروبا.

ويرجّح القائلون بهذا الأمر أن تعمل الولايات المتحدة على تطبيق خريطة الطريق وما إلى ذلك.

ويتوقع الباحثان عيران ليرمان وروني بيرت، أن تكون الإدارة الأميركية أقل تفهمًا وتسامحًا في تعاملها مع موضوع تجميد الاستيطان الإسرائيلي وإزالة البؤر الاستيطانية العشوائية، في حين ستكون أكثر مرونة وسخاءً في التعامل مع مسألة "تفكيك المنظمات الإرهابية الفلسطينية".

(موقع "الجزيرة نت"، 4 كانون الأول/ ديسمبر 2005)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات