المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • العرب في إسرائيل
  • 1108

 

مقدمة تفجرت هبة يوم الارض في الثلاثين من اذار عام 1976، على شكل احتجاج شعبي شامل وتحد جريء لممارسات السلطات الاسرائيلية الرامية الى السيطرة على الاراضي العربية، وتجريد اصحابها الشرعيين منها. وتفاوتت هذه الممارسات بين الامعان في مصادرة الاراضي وتنفيذ مشاريع التهويد، وبناء المستوطنات والمعسكرات والمناطق الامنية المغلقة بمحاذاة البلدات العربية وعلى اراضيها، وتقليص مناطق النفوذ ومسطحات البناء، وغيرها من الممارسات العدائية ضد الاقلية العربية الفلسطينية، وحقها في التطور والتجذر في وطنها. وسادت قناعة راسخة في اوساط الجماهير العربية مفادها ان هذه الممارسات السلطوية ترمي الى تضييق الخناق على البلدات والتجمعات العربية وتحويلها الى معازل مكتظة تفتقر الى أبسط اسباب العيش الكريم والتنمية والتطور. لا بل ان نوايا الاقتلاع والتشريد والتهجير بقيت تراود مخيلة مخططي السياسة الرسمية تجاه الاقلية العربية وتوجه برامجهم ومشاريعهم الاستيطانية.

 

وبعد انقضاء ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن على يوم الارض واحداثه التاريخية، فانه من الطبيعي ان نطرح على انفسنا مجموعة من التساؤلات ذات العلاقة بجوهر موضوع يوم الارض. فهل تختلف ممارسات السلطة خلال السنوات الاخيرة تجاه الاراضي والبلدات العربية جوهريا عن تلك التي انتهجتها عشية يوم الارض؟ وهل اثمرت هبة يوم الارض في تغيير اهداف السياسة الرسمية تجاه الجماهير العربية؟ وما هي الدروس والعبر التي استخلصتها الاقلية العربية من يوم الارض وتجربته؟ وللاجابة على هذه التساؤلات لا بد اولا من استعراض مجمل المواقف والممارسات والسياسات الرسمية المنتهجة حيال الاقلية العربية في مجالات الارض والتخطيط، ومن ثم تحليل الاهداف والنوايا المعلنة والخفية التي توجه هذه الممارسات، واخيرا مقارنتها بالقناعات التي سادت في اوساط الاقلية العربية خلال حقبة يوم الارض بخصوص اهداف السلطة ونواياها، واستخلاص الاستنتاجات المناسبة. ويستعرض الموجز التالي ابرز الابواب والموضوعات التي تشكل جوهر القضايا والتحديات التي تواجه الاقلية العربية في نضالها من اجل البقاء والتطور في وطنها، وتنطوي على ادلة دامغة تفضح حقيقة النوايا التي تقف من وراء الممارسات الرسمية المعهودة. قضية العرب في النقب تواصل السلطة تنفيذ سياستها الرامية الى سلب ما تبقى من الاراضي العربية في النقب، واقتلاع اصحابها الاصليين منها بشتى الوسائل، وحشرهم في بضع قرى بديلة تعد باقامتها في المستقبل.

وتقدر مساحة الاراضي التي تسعى السلطة لانتزاعها من مالكيها العرب بحوالي 800 الف دونم. ويمكن ايجاز الممارسات المتبعة لتحقيق مخططات السلطة في النقب كالتالي: 1. منازعة العرب على ملكية ارضهم: تتهيا السلطات القضائية الرسمية للشروع بمبادرة شاملة تهدف الى تسريع وتيرة انتزاع ملكية الاراضي من اصحابها الاصليين، وعلى اوسع نطاق. وكما يبدو فان السلطات قد ضاقت ذرعا بالاجراءات القضائية المتبعة لغاية الان لانتزاع ملكية الاراضي العربية بذريعة انها تجري ببطء وبوتيرة لا تتناسب مع مخططات التهويد والاستيطان المزمعة. ومن اجل ذلك ايضا تقوم بالتعجيل بسن قانون"دحر الغزاة" لتضمن طرد العرب من ارضهم، ولتفادي الاجراءات القانونية التي قد يلجا اليها اصحاب الاراضي للدفاع عن حقوقهم في اراضيهم. 2. هدم البيوت والمضارب البدوية: ولهذا الغرض، اقيمت مؤخرا وحدة خاصة شبه- عسكرية مهمتها تكثيف عمليات الهدم. وتشارك في هذه الوحدة كل من وزارات القضاء والامن الداخلي والداخلية. ويكاد لا يمر اسبوع دون ان تشبع هذه الوحدة ومثيلاتها نهمها لهدم البيوت والاعتداء على اصحابها وتشريدهم. 3. محنة القرى غير- المعترف بها: تواصل السلطة التنكر لحقوق القرى غير المعترف بها في الوجود على ارضها وبالحصول على الاعتراف الرسمي، وبتلقي الخدمات البلدية والانسانية الاساسية لمواطنيها الذين يربو عددهم على 46 الف نسمة. ولذلك، فهي تتجاهل المجلس الاقليمي (المنتخب) للقرى غير المعترف بها وتسعى لتغييبه.

بل قامت مؤخرا بفرض مجلس اقليمي معين لبعض القرى الواقعة في منطقة جغرافية محدودة، ليكون بمثابة الاداة المباشرة والطيعة لتنفيذ المخططات الحكومية ضد هذه القرى واراضيها ومواطنيها. 4. اتلاف المزروعات والحقول: وقد اصبح هذا العمل الهمجي تقليدا سنويا مألوفا، حيث تقوم طائرات خفيفة، تستخدمها"دائرة اراضي اسرائيل"، برش حقول المواطنين العرب ومزروعاتهم بالمبيدات الكيماوية والسموم، فيما يذكر بفعل افة الجراد او باثار الاسلحة الكيماوية على الزرع والضرع (وقد تسبب استعمال المبيدات باضرار صحية لطفل عربي كان يتابع منظر رش مزروعات عائلته عن كثب). ومن المستهجن ان المنظمات التي تدعي المحافظة على البيئة والدفاع عن الطبيعة تتغاضى كليا عن هذه الممارسات المشينة، لا بل ان بعضها يساهم في عمل الدوريات الخضراء التي تفرض الارهاب على العرب وتعيث الخراب في ممتلكاتهم. 5. تكثيف مشاريع الاستيطان والتهويد: تبادر الحكومة واذرع الاستيطان المختلفة (كالوكالة اليهودية ودائرة اراضي اسرائيل) لاقامة مستوطنات يهودية جديدة على الاراضي العربية المصادرة او التي تتم السيطرة عليها رويدا رويدا. فمؤخرا، قاد وزير الاسكان شخصيا"حملة" استيطانية خاطفة، تحت جنح الظلام، لاقامة مستوطنة جديدة على اراضي عشيرة العقبي التي شرد اهلها منها في مطلع الخمسينيات. ويذكر ان الموقع الذي أقيمت عليه هذه المستوطنة كان معدا لاعمار قرية عربية لابناء عشيرة العقبي. كما يجري تكثيف بناء"مستوطنات الافراد"، حيث تُقطع"دائرة اراضي اسرائيل" عائلات يهودية مساحات شاسعة من الاراضي العربية، وتوكل اليها مهمة تسييجها ومنع اصحابها العرب من استعمالها والعيش عليها.

واخر صرعة من هذا القبيل تتمثل بمشروع"سياحي" مقترح تحت مسمى"درب الخمور" يقضي باقامة حوالي 30 مستوطنة جديدة للافراد على اراضي النقب. هدم البيوت العربية يعتبر هدم البيوت العربية، بذريعة البناء غير المرخص، موضوعا لا يقل في اهميته، عن قضية النقب، ضمن السياسات والممارسات الرسمية في مجالات الارض والتخطيط. فعمليات الهدم تشمل كافة مواقع تواجد الاقلية العربية في البلاد دون استثناء. وهي تنطوي على ابعاد غير انسانية من قهر وخراب وتشريد للاهالي. وعادة ما تثير مواجهات عنيفة بين اجهزة الهدم والقمع وبين الاهالي الذين يتصدون للدفاع عن وجودهم وبقائهم. وتتعامل السلطة مع البناء غير المرخص في البلدات والتجمعات العربية وفي الاحياء العربية في المدن المختلطة على انه تحد بالجملة لمبدأ سيادة القانون، وتعبير عن النوايا المبيتة لدى العرب للسيطرة على اراضي الدولة، ووسيلة للتملص من دفع الضرائب المستحقة عند استصدار رخص البناء حسب القانون. واستنادا على هذا الفهم المشوه للأمور، تزيّن السلطة لنفسها وللرأي العام شن حملة شعواء على البيوت العربية غير المرخصة، فتهدم بعضها، وتحظر استعمال بعضها الاخر، وتفرض على اصحابها غرامات باهظة واحكاما بالسجن وغيرها من العقوبات واعمال التنكيل. وبالحقيقة، فانه تكاد لا تخلو اية بلدة عربية من البيوت غير المرخصة، نظرا لضيق مسطحات البناء التي تقرها مؤسسات التنظيم والبناء، التي لا تتسع لسد احتياجات المواطنين لبناء منازلهم، ناهيك عن حاجاتهم لاقامة الورش الصناعية والتجارية.

فالمسؤولية عن البناء غير المرخص تقع أولا واخيرا على مؤسسات التنظيم: فهي لا تحرك ساكنا من اجل توفير الظروف المواتية للمواطنين لاستصدار رخص البناء حسب القانون، وبالمقابل تسارع الى معاقبتهم والتنكيل بهم حال قيامهم ببناء المأوى لهم ولعائلاتهم. ولا يظنن احد ان البناء غير المرخص هو تقليد يتفرد به العرب دون غيرهم. فالمستوطنات والمدن اليهودية تعج بالابنية غير المرخصة القائمة على اراضي الدولة، حتى الزراعية منها التي تمنحها"دائرة اراضي اسرائيل" للمواطنين اليهود باثمان بخسة، او التي يسيطر بعضهم عليها عنوة دون حسيب او رقيب. ولكن، بالمقابل، فهدم البيوت والتنكيل باصحابها هي"حظوة" للعرب فقط. ومما يفضح نوايا السلطة الحقيقية من وراء هدم البيوت العربية بحجة المحافظة على القانون والنظام، ان مؤسسات التنظيم غالبا ما لا تابه بما يجري داخل مسطحات البناء في البلدات العربية من تجاوزات ومخالفات، اللهم الا اذا كانت سببا لفرض الغرامات والمخالفات على المواطنين.

ولكن قائمتها سرعان ما تقوم عندما يتجاوز البناء غير المرخص حدود هذه المسطحات، على اعتبار ان ذلك يعني في الواقع توسيع المساحات التنظيمية، وهو الامر الذي يغيظ مؤسسات التنظيم. واصبح من المعتاد ان تتحول كل عملية هدم الى صدام عنيف بين الشرطة والوحدات الخاصة التي تحمي وتؤمن الهدم، وبين المواطنين العرب الذين يستفزهم هذا العدوان السافر عليهم. ورويدا رويدا يتحول الهدم الى شبه حملات عسكرية منظمة تشارك فيها قوات مدججة بالاسلحة والعتاد. ويتساءل البعض: هل سيبقى رفض الخدمة العسكرية مقصورا على الخدمة في المناطق المحتلة خشية اضطرار الجنود اصحاب الضمائر الحية للمشاركة في تنفيذ موبقات الاحتلال، او ربما انه سيتسع ليشمل بعض رجال الامن الذين يشاركون ويشهدون تنفيذ عمليات هدم البيوت العربية التي لا تقل فظاعة ووحشية عن ممارسات الاحتلال؟ ملف"دائرة اراضي اسرائيل" تلعب"دائرة اراضي اسرائيل" دورا مركزيا في رسم وتوجيه سياسة الارض والتخطيط الرسمية تجاه الاقلية العربية، نظرا لانها تتصرف بما يربو على 93% من مساحة الاراضي في البلاد. والمبدأ الاساسي الذي تنطلق منه الدائرة يقضي بأن اراضي الدولة هي ملك للشعب اليهودي ويجب تسخيرها كلها لمصلحته ولتنفيذ مشاريعه القومية.

وبالمقابل، فهي تتهم العرب بالنية للسيطرة على اراضي الدولة، وتسعى، بشتى الوسائل، لمنعهم من استعمالها لاي غرض كان. وتتلخص ممارسات"دائرة اراضي اسرائيل" تجاه العرب كالتالي: 1. تدفع وتمارس الضغوط على الجهات المخولة لتكثيف هدم البيوت العربية، لا بل انها تبادر للهدم بقواها الذاتية، تحت حماية الشرطة وحرس الحدود، كما حصل مؤخرا في البعنة، وكما يحصل في النقب مرارا وتكرارا. 2. تلح ادارة الدائرة على الحكومة جهارا للعودة الى تطبيق اسلوب حملات المصادرة الشاملة للاراضي العربية، والتي كانت قد تقلصت بعد عام 1976، لاسباب عديدة اهمها هبة يوم الارض ونتائجها. 3. تقدم الدائرة الاراضي اللازمة لاذرع الاستيطان المختلفة، وتمنح التسهيلات السخية للمواطنين اليهود من اجل اقامة المستوطنات اليهودية في قلب المناطق العربية في الجليل والنقب ووادي عارة بغية تهويدها والتلاعب بالتوازن الديموغرافي فيها .4 تمارس الدائرة التمييز ضد العرب في مجال تخصيص الاراضي، سواء كان ذلك بتخصيص مساحات محدودة جدا من اراضي الدولة للبناء في البلدات العربية، او بمنع العرب من البناء والسكن في المستوطنات اليهودية التي تقام على اراضي الدولة.

كما وتقوم بالتضييق على السلطات المحلية العربية وتحد من برامجها لاستغلال اراضي الدولة (وهي بالحقيقة الاراضي المخصصة للاستعمال العام) لمصلحة مواطنيها ولبناء المؤسسات العامة عليها. 5. تعقد صفقات مشبوهة لمبادلة اراضي الدولة الواقعة ضمن مناطق النفوذ ومسطحات البناء في البلدات العربية، مقابل بعض الاراضي العربية التي لم تأت عليها المصادرة والواقعة في مسطحات المستوطنات اليهودية. فهي تمنع اصحاب هذه الاراضي من البناء عليها ضمن المستوطنات لا لشيء سوى كونهم عربا، وتعرض عليهم مساحات من اراضي الدولة تقع ضمن مسطحات البلدات العربية مقابل التخلي عن اراضيهم الاصلية. وبذلك تكون النتيجة العملية لصفقات المبادلة توسيع المستوطنات على حساب اراضي البلدات العربية التي هي بأمسّ الحاجة لها. واحيانا يقع بعض المواطنين البسطاء، والمحتاجين للارض لغرض بناء المأوى، ضحية لهذه الأحابيل التي يساهم الوسطاء وتجار الارض في تمريرها وتزيينها للناس. 6. تستغل حاجة المواطنين في البلدات العربية لقسائم البناء لغوايتهم وابتزازهم ودفعهم للتجند والتطوع للخدمة العسكرية مقابل تسهيلات في الحصول على قسائم من اراضي الدولة.

التمييز ضد البلدات العربية تعاني البلدات العربية وسلطاتها المحلية من سياسة التمييز المنهجية التي تمارسها السلطة ضدها في مجالات الارض والتخطيط. وترمي هذه السياسة الى الحد من اتساع البلدات العربية واعاقة تطورها وفقا لاحتياجات مواطنيها، ومضاعفة الكثافة السكانية فيها، وتفريغها من الفعاليات الاقتصادية والمناطق الصناعية وجعلها بؤرا استهلاكية محضة تفتقر الى اية استقلالية او قدرة انتاجية. اما الممارسات الرسمية المنتهجة لتحقيق الاهداف المذكورة فتتلخص كالتالي: 1. مناطق النفوذ ومسطحات البناء: لا نجانب الواقع كثيرا اذا قلنا بانه لم يتم توسيع منطقة نفوذ اية بلدة عربية بشكل ملحوظ خلال العقدين الاخيرين. اما مسطحات البناء فيجري توسيعها احيانا، بشق الانفس، بوتيرة لا تتناسب قطعا مع الزيادة السكانية والاحتياجات الموضوعية. لذلك فان مجمل مساحة مناطق نفوذ البلدات العربية لا يتجاوز 3% من مساحة البلاد. وبالمعدل، تزيد حصة المواطن اليهودي من الارض المخصصة للتطوير والبناء بحوالي الثلث عن حصة المواطن العربي، مما يعني ان الكثافة السكانية تزيد في البلدات العربية بحوالي الثلث ايضا عنها في البلدات اليهودية. 2. المناطق الصناعية والتجارية: تفتقر غالبية البلدات العربية الى المناطق الصناعية والتجارية، في حين تحظى اصغر المستوطنات اليهودية بمناطق صناعية ضخمة ومترامية الاطراف. وتبلغ الهوة في تخصيص الاراضي الصناعية بين المواطنين اليهود والعرب نسبة 1:100 لصالح اليهود في لواء الشمال، ونسبة 1:25 في لواء حيفا، ونسبا مشابهة في باقي الالوية التي يعيش فيها اليهود والعرب في البلاد.

ويترجم هذا التفاوت الهائل بتأثيرات سلبية على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لدى المواطنين في البلدات العربية مثل مستوى الدخل المتدني، ونسبة البطالة التي تبلغ ضعف معدلها القطري، وانتشار ظاهرة الفقر وتعمقها بين العائلات العربية، والمس الشديد بمستوى الدخل الذاتي للسلطات المحلية من الارنونا على المصالح والورش الصناعية، وغيرها من التأثيرات الهدامة. 3. المحميات الطبيعية والمناطق المفتوحة: تستغل مؤسسات التنظيم اللوائية والقطرية الرغبة العامة بحماية الطبيعة كمبرر ووسيلة لاعاقة تطور واتساع البلدات العربية. وتقوم بالاعلان عن المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية العامة والمناطق المحمية على انواعها في الاراضي المتاخمة لمسطحات البلدات العربية، بما في ذلك الاراضي التي تعود بالملكية الخاصة للمواطنين العرب.

وفي نفس الوقت تقوم"الكيرن كييمت" بتسييج هذه المناطق والمساحات الشاسعة بالاسلاك الشائكة التي تحول دون دخولها، فيما يشكل تناقضا صارخا مع الهدف المعلن من وراء تخصيصها كمناطق مفتوحة للتجول والنزهة والنقاهة. وتتشكل بذلك عقبة كاداء يصعب تخطيها امام توسيع مسطحات البناء، خاصة ان المنظمات التي تعمل في مجال حماية البيئة والطبيعة تتجند لهذا الغرض ظنا منها بانها تساهم بذلك في"المحافظة على الطبيعة". 4. الخرائط الهيكلية والمخططات التوجيهية: تقوم وزارة الداخلية بفرض خرائط هيكلية ومخططات توجيهية لا تلبي احتياجات المواطنين والسلطات المحلية في البلدات العربية. كما وتتضمن فرض انماط بناء وتقييدات تنظيمية لا تستوي مع الواقع السائد فيها. وفي بعض القرى التي تم الاعتراف بها خلال العقد الاخير يتم اعداد الخرائط الهيكلية ببطء شديد وبمعزل عن رغبات المواطنين، في حين انهم ينتظرون هذه الخرائط بفارغ الصبر لاستصدار رخص البناء لبيوتهم ولتطوير البنية التحتية في قراهم. كما يتواصل تغييب رؤساء السلطات المحلية وممثلي المواطنين العرب عن عضوية لجان التنظيم اللوائية والقطرية. اما اللجان المحلية للتنظيم، المعينة عادة من وزير الداخلية، فتستغل انشغال الرؤساء العرب في تسيير شؤون بلداتهم، لتقوم بابتلاع العوائد والفوائد المالية التي تجنيها من المواطنين بدل ان تعيدها، كما ينص القانون، لخزينة السلطات المحلية المعنية. 5. المدن المختلطة: يعاني المواطنون العرب في المدن المختلطة من سياسة تمييز مزدوجة: مرة كباقي كافة المواطنين العرب، ومرة اخرى نتيجة تعامل سلطاتهم المحلية معهم كغرباء وكمواطنين غير مرغوب بهم في مدنهم. ولا حاجة للاسهاب في وصف التمييز والاهمال الذي تعاني منه غالبية الاحياء العربية في المدن المختلطة سواء في مجالات البنية التحتية والخدمات البلدية والاجتماعية وغيرها. ولكن لا بد من الاشارة الى ظاهرتين خطيرتين اخذتين بالاستشراء خلال السنوات الاخيرة.

الاولى تتعلق بالمحاولات الدؤوبة للسيطرة على الممتلكات والبيوت العربية في المدن المختلطة وتصفيتها بأبخس الاثمان لصالح المضاربين بالعقارات وشركات الاسكان الشعبي (مثل عميدار) والبنوك التجارية ودائرة اراضي اسرائيل. والثانية تتعلق باعتماد نموذج اقامة الجدران الفاصلة بين الاحياء اليهودية المزدهرة وبين الاحياء العربية المجاورة لها، لتجنب حتى امكانية التواصل البصري بين اليهود والعرب. ولا شك في ان هذه الممارسات تنم عن توجه عنصري منفلت العقال يصبو الى طمس المعالم العربية والتخلص من المواطنين العرب فعليا في المدن المختلطة، او على الاقل الى عزلهم كليا عن محيطهم عندما يتعذر الطرد والتهجير الفعلي. 6. القرى والتجمعات غير المعترف بها: لا تزال بعض البلدات والتجمعات العربية الواقعة في مناطق اخرى غير النقب تعاني من غياب الاعتراف الرسمي بها، رغم الادعاء الرسمي بان قضية القرى غير المعترف بها لم تعد موجودة سوى في النقب. ونذكر منها على سبيل المثال قرى مثل عرب النعيم (الواقعة ضمن المجلس الاقليمي مسجاف) ودار الحانون (الواقعة ضمن المجلس الاقليمي منشيه) وحي سركيس (الواقع بين شفاعمرو وكريات اتا). سياسة الاستيطان والتلويح بالخطر الديموغرافي تواصل الحكومات المتعاقبة في اسرائيل، مع اختلاف انتماءاتها الايديولوجية والحزبية، سياسة اقامة المستوطنات اليهودية الجديدة في كافة ارجاء البلاد، وخاصة في المناطق التي ما زالت تمتاز بطابعها العربي- الفلسطيني.

وتهدف سياسة الاستيطان اصلا الى ترسيخ السيطرة والهيمنة اليهودية على الاراضي والمناطق الجغرافية باشملها، وتطويق البلدات العربية بالمستوطنات الجديدة وخلق حواجز ومعيقات مصطنعة امام توسعها، ومحاولة خلخلة التوازن الديموغرافي القائم في المناطق ذات الاغلبية السكانية العربية. لذلك، فقد كانت مناطق الجليل ووادي عارة وشمال النقب الاكثر استهدافا للحملات الاستيطانية المحمومة. ومما يجدر التنويه به ان السياسة المعلنة لمؤسسات التنظيم العليا تنفي الحاجة لاقامة المستوطنات الجديدة، وترى ان اسكان المستوطنات القائمة وتقويتها يجب ان يحظى بموقع الاولوية في فعاليات اذرع الاستيطان. وغالبا ما تشهر لجان التنظيم هذا الموقف في مواجهة المطالبة العادلة باقامة بلدات عربية جديدة كاحدى الوسائل لتوفير حلول السكن للمواطنين العرب الذين تضيق بهم سبل الاسكان في بلداتهم القائمة. الا ان لجان التنظيم سرعان ما تذعن للضغوط التي تمارسها الوزارات واذرع الاستيطان (ويذكر ان مكتب رئيس الوزراء يلعب دور الريادة في الموضوع) من اجل اقرار اقامة المستوطنات الجديدة، بل انها تتحول احيانا الى عضو فاعل في جوقة الداعين للاستيطان، متناسية سياستها المعلنة حوله ومسفرة عن وجهها الحقيقي كاداة فاعلة للتهويد واقامة المستوطنات.

وفي الاسابيع القليلة الماضية اقرت اللجنة اللوائية للتنظيم في لواء الشمال اقامة مجموعة من المستوطنات، منها مستوطنة"شيبولت" (في اعالي جبل طرعان)، ومستوطنة"رمات اربيل" ( الى الشرق من عيلبون) وغيرها، وكذلك توسيع مجموعة اخرى من المستوطنات القائمة. بحث عام وتلخيص تشكل السياسة الرسمية التي يجري تطبيقها على الاقلية العربية في مجالات الارض والتخطيط حلقة مهمة ضمن الرؤية الاستراتيجية العامة للمؤسسة الحاكمة ووسيلة لتحقيقها. وتشغل السيطرة على الارض موقع الصدارة في بنود هذه السياسة. فتاريخيا، شكلت السيطرة على اكبر رقعة من الارض واقل عدد من السكان العرب الفلسطينيين المنهج الذي تبنته المؤسسات اليهودية وعملت بموجبه لغاية اقامة الدولة عام 1948. وقد انطوت هذه الحقبة على ممارسات الطرد والتهجير والارهاب بحق الشعب الفلسطيني بقصد تفريغ البلاد من سكانها لتسهل السيطرة عليها بالكامل. وبعد قيام الدولة حلت مرحلة اغتنام وسلب الاراضي العربية بالجملة عن طريق استعمال وسائل شتى، تراوحت ما بين تهجير اجزاء من ابناء الشعب الفلسطيني الذين بقوا في الوطن الى ما وراء الحدود، والتهجير الداخلي، وتطبيق شتى انواع قوانين المصادرة الموروثة عن الحكم العثماني والانتداب البريطاني، والقوانين المستحدثة خصيصا لهذا الغرض (مثل قانون املاك الغائبين وغيره). واستمرت هذه المرحلة طيلة مدة الحكم العسكري ولغاية ظهور بوادر تعاظم وزن الجماهير العربية في البلاد كما وكيفا.

وبعدها تحولت السلطة الى مرحلة مصادرة الاراضي العربية، التي سلمت من المرحلتين الانفتين، بشكل انتقائي. وسخّرت خلال هذه المرحلة قوانين المصادرة المختلفة والصلاحيات التي يتمتع بها القادة العسكريون لاغراض اقامة المعسكرات والاعلان عن مناطق مغلقة للتمارين والمناورات العسكرية وغيرها. وتعتبر حقبة يوم الارض عام 1976 الخاتمة لهذه المرحلة. وفي مطلع الثمانينات بدأت للتوّ مرحلة جديدة من المصادرة غير المباشرة للاراضي (بمعنى وضع التقييدات على استعمال الاراضي) وهدم البيوت وحملات التهويد والاستيطان التي ما زالت تطبق لغاية يومنا هذا، مع التفاوت في الحدة والاتساع بين الحين والاخر. اما الوسائل الرئيسية التي استخدمت لتحقيق اهداف هذه المرحلة فتعتمد على قانون التنظيم والبناء وقانون السلطات المحلية، وعلى الصلاحيات الادارية التي يتمتع بها وزير الداخلية ورؤساء لجان التنظيم وغيرهم من المسؤولين الرسميين. وكما يجري الحديث جهارا عن الترانسفير والكانتونات وجدران الفصل العنصرية في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فقد اصبحت افكار وممارسات التضييق والخنق والتطويق والفصل العنصري والخطر الديموغرافي امورا عادية وروتينية في سياق التعامل مع الاقلية العربية في البلاد. ومن استعراض كل ما تقدم من الممارسات والقضايا والملفات الساخنة، يمكن تلخيص الاهداف الرئيسية للسياسة الرسمية المنتهجة تجاه الاقلية العربية في الحقبة الحالية كالتالي: 1. تقليص الانتشار الجغرافي للاقلية العربية وحصر تواجدها في معازل وغيتوات محصورة ومكتظة تسهل السيطرة عليها والتحكم بمصيرها. 2. مصادرة الاراضي العربية التي يتم تفريغها من العرب، اذا وجدت السلطة الى ذلك سبيلا، او فرض القيود الشديدة على استعمالها والتصرف بها لمصلحة اصحابها. 3. خلق الحواجز والمعيقات امام توسع البلدات والتجمعات العربية سواء بالذرائع الطبيعية (المحميات والاحراج) او الاصطناعية (الشوارع الالتفافية والمستوطنات والمعسكرات وغيرها). 4.

الابقاء على اوضاع التخلف الاقتصادي والبطالة والفقر في البلدات والتجمعات العربية. 5. اتباع سياسة الفصل العنصري بواسطة منع العرب من السكن في البلدات اليهودية المتطورة، ومنع اقامة بلدات عربية جديدة او اعادة اعمار اية قرية مهجرة. والنتيجة العامة المرجوة من تطبيق هذه السلسلة المتكاملة من الاجراءات والممارسات هي تهميش الاقلية العربية واضعافها، وتركيزها في مواضع محددة لتسهل ممارسة التمييز ضدها، وايصال المواطن العربي للاستنتاج بان الوسيلة الوحيدة المتاحة امامه لتحسين ظروف معيشته هي الهجرة"الطوعية" من وطنه، فيكون بذلك قد اسهم افضل مساهمة في حل مشكلة الخطر الديموغرافي الذي اصبح يقض مضاجع المؤسسة الرسمية في البلاد.

خاتمة لايجاز الاجابة على التساؤلات المطروحة حول يوم الارض ومساهمته في تغيير السياسة الرسمية تجاه الاقلية العربية نقول ان جوهر هذه السياسة ما زال على ما كان عليه قبل يوم الارض. ولكن احلام التهجير والتشريد القسري الى ما وراء الحدود، التي شكلت الخيار الطبيعي لدى السلطة طيلة العقود الماضية، قد تبددت وخابت ولم تعد واردة في الحسبان نظرا لتعاظم وزن وفاعلية الجماهير العربية. كما ان الوسائل التي تستخدمها السلطة لتحقيق اهدافها اخذت تتحول للاعتماد على قوانين التنظيم والبناء والسلطات المحلية وحماية البيئة، اكثر من تطبيق قوانين المصادرة المباشرة للارض. ولكن الاثر الرئيسي حقا ليوم الارض هو ذاتي، وينعكس في اساليب مواجهة الاقلية العربية لمخططات واهداف السياسة الرسمية المقيتة. فالوعي بحقيقة نوايا السلطة واساليبها الملتوية قد تضاعف بالمقارنة مع الحقب التاريخية السابقة. كما ان انماط العمل والنضال لافشال مخططات السلطة ونواياها قد اتسعت وتطورت بشكل يبعث على الارتياح. ويجري العمل حثيثا من اجل بناء المؤسسات الوطنية المتخصصة والقدرات الذاتية للتعامل مع القضايا المطروحة بمستوى متميز من المهنية والمهارة والعمق. ويشكل هذا التطور، بالاضافة الى الايمان بالحق والقدرة على الصمود والصلابة في المواقف والجاهزية الشعبية التي لم تكن يوما موضع شك، حجر الرحى في نضال شعبنا من اجل الحياة الحرة الكريمة على ارضه وفي وطنه. (*) رئيس المركز العربي للتخطيط البديل وأشغل في السابق منصب رئيس مجلس عيلبون المحلي

المصطلحات المستخدمة:

المؤسسات الوطنية, دورا, مجلس اقليمي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات