المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

هذا ما قاله د. طال طوفي، المحاضر في قسم التاريخ العام وكلية الأمن القومي في جامعة حيفا والخبير في التاريخ الأميركي المعاصر، في مقابلة خاصة مع المشهد الإسرائيلي، مضيفًا: حدوث أزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة هو أمر ما زال بعيدا جدا * من الناحية التاريخية لم ينجح الأميركيون في تحقيق شيء بواسطة ممارسة ضغوط على إسرائيل * في إمكان إسرائيل مهاجمة أماكن بعيدة عن حدودها مثل إيران، من أجل تدمير مشروعها النووي، من دون الحصول على موافقة أميركية

كتب بلال ضاهـر:

من المنتظر أن يلتقي رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في 18 أيار الحالي، مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في البيت الأبيض. وبحسب التوقعات، فإن نتنياهو سيستعرض خلال اللقاء السياسة الخارجية لحكومته، وخصوصا في ما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين وسورية والموضوع الإيراني.

وتشير التقارير، التي رشحت عن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، إلى أن نتنياهو يعتزم أن يكون موضوع البرنامج النووي الإيراني في مركز لقائه مع أوباما، وسط الحديث عن نية إسرائيل وقف هذا البرنامج بأي ثمن.

وأجرى "المشهد الإسرائيلي" اللقاء التالي مع الدكتور طال طوفي، المحاضر في قسم التاريخ العام وكلية الأمن القومي في جامعة حيفا والخبير في التاريخ الأميركي المعاصر.

(*) "المشهد الإسرائيلي": ما الذي يميز إدارة أوباما؟

طوفي: "ما زال من المبكر الإشارة إلى وجهة إدارة أوباما حيال الصراع في الشرق الأوسط. إذ أنه في هذه الأيام فقط أنهى المئة يوم الأولى في الحكم. ولا أعتقد أن بالإمكان الآن القول إن ثمة ما يميز الإدارة الجديدة. لكن إذا نظرنا إلى تصريحاته، خلال حملته الانتخابية داخل الحزب الديمقراطي ومعركة الرئاسة الأميركية، فإن أوباما طرح خطا يشي، من جهة، برغبته في إنهاء الصراع، ومن الجهة الأخرى، طرح خطا مؤيدا لإسرائيل بشكل كبير. لكن بالإمكان اعتبار الخط الثاني محاولة للحصول على أصوات اللوبي اليهودي لصالحه ولا يعبر عن سياسة معلنة مؤيدة لإسرائيل بصورة مطلقة، وربما لا تتعدى كونها دعاية انتخابية. وفي الأسابيع الأخيرة، أطلق أوباما تصريحات حول المصالحة مع إيران وسورية وحزب الله، وممارسة ضغوط على إسرائيل لتقبل بمبدأ الدولتين للشعبين. لكن لا تزال هذه التصريحات لا تعبر عن سياسة ثابتة".

(*) لكن يبدو واضحا أن ثمة خلافات في الرأي بين إدارة أوباما وحكومة إسرائيل، برئاسة نتنياهو؟

طوفي: "الحقيقة هي أن خلافات كهذه كانت موجودة دائما. ولا أعتقد أن هذا يميز الإدارة الأميركية الحالية فقط. ففي فترة (الرئيس الأميركي الأسبق هاري) ترومان، وهو الرئيس الأميركي الأول الذي تعامل مع إسرائيل بعد قيامها، جرت محاولة للضغط على إسرائيل لكي تنسحب من النقب في مقابل اتفاق سلام، وخلال فترة (الرئيس الأميركي الأسبق بيل) كلينتون، وهي ربما فترة ازدهار العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، كانت هناك خلافات. وما أريد أن أقوله هو أن إسرائيل ليست الدولة الـ 51 للولايات المتحدة، وإنما هي دولة لديها سياسة خارجية ومصالح، ولذلك هناك خلافات وهذا وضع مألوف".

(*) هل تختلف إدارة أوباما عن إدارة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش؟

طوفي: "نعم، إنها مختلفة، فإدارة أوباما ديمقراطية وإدارة بوش جمهورية. والجمهوريون نشطون أكثر في إدارة السياسة الخارجية لأميركا، وحتى أنه بالإمكان القول إن سياستهم عدوانية أكثر من الإدارات الديمقراطية، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية واستخدام القوة العسكرية. ودبلوماسية الجمهوريين معروفة باسم 'دبلوماسية البوارج والمدافع'، بينما الديمقراطيون أقل عنفا. لكن رغم ذلك، فإني أعتقد أنه ما زال مبكرا البحث عن فروق بين الإدارة الحالية والإدارة السابقة".

(*) هذا يعني أن الانطباع السائد الآن، وخصوصا في العالم العربي، بأن إدارة أوباما ستكون أفضل من سابقتها، هو انطباع غير صحيح؟

طوفي: "إن مجرد التصريحات التي يطلقها أوباما حول نيته التوصل إلى تسوية مع إيران، وتسخين العلاقات مع سورية، وهاتان دولتان كانتا تعتبران جزءًا من محور الشر، بحسب تعريف بوش، هو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن هذا أفضل من ذاك. لكن الديمقراطيين يقولون في الواقع إنه يجب أن نتحدث قبل أن نطلق النار. وربما هناك أمل لدى الجمهور الفلسطيني بأن تمارس إدارة أوباما ضغوطا على إسرائيل من أجل دفع خطة خريطة الطريق، مثلا. لكني في هذه الأثناء لا أرى أن هذه إدارة مؤيدة للعرب. فهذه إدارة مؤيدة لأميركا. وهي تدقق أولا في المصالح الأميركية، وإذا كانت هذه المصالح تقتضي التحدث مع إيران وسورية فإنهم سيفعلون ذلك. وإذا كانت المصلحة في التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط وتقتضي ممارسة ضغوط على إسرائيل فإن الإدارة الأميركية ستفعل ذلك. أما القول إن ثمة تغييرا بنسبة 180 درجة، من تأييد بالغ لإسرائيل إلى تأييد كبير للعرب، فإن هذا لن يحدث".

(*) الحديث لا يدور على تغيير بنسبة 180 درجة، لكن يظهر من التصريحات أن أوباما يصر على حل الدولتين وعلى عملية السلام، فيما حكومة نتنياهو تمانع حتى الآن.

طوفي: "حكومة نتنياهو جديدة، وهي في الحكم منذ شهر واحد فقط. هذا يعني أن لدينا هنا حكومتين جديدتين. صحيح أن هناك نتنياهو من معسكر اليمين وليبرمان (وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان) من اليمين المتطرف، لكني أعتقد أن حدوث أزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة هو أمر ما زال بعيدا جدا. رغم ذلك فإني أعتقد أن أوباما يحاول الآن ممارسة ضغط للتوصل إلى تسوية سياسية".

(*) هل نجحت الضغوط التي مارسها الأميركيون على إسرائيل في الماضي؟

طوفي: "من الناحية التاريخية لم ينجح الأميركيون في تحقيق شيء بواسطة ممارسة ضغوط على إسرائيل. وهناك مثال يتعلق بالضغوط التي مارسها الرئيس آيزنهاور على إسرائيل من خلال خطة 'ألفا' التي قضت بأن تنسحب إسرائيل من النقب لكن هذه الضغوط لم تنجح. لكن آيزنهاور مارس ضغوطا على إسرائيل للانسحاب من سيناء بعد حرب العام 1956 (العدوان الثلاثي على مصر) وفي هذه الحالة نجحت الضغوط. وفي الحالة الثانية كانت هناك اعتبارات أخرى لدى الأميركيين لممارسة ضغوط شديدة، بينها الحرب الباردة. لكن بعد حرب العام 1967 لم تكن هناك أي ضغوط أميركية على إسرائيل. بينما مارست أميركا ضغطا على إسرائيل خلال حرب العام 1973 من أجل أن توافق على وقف إطلاق النار وتتوقف عن محاصرة الجيش المصري. إلا أن أميركا لم تمارس ضغوطا جدية على إسرائيل لتنفيذ انسحابات كبيرة وذات أهمية. حتى الرئيس (الأميركي الأسبق جيمي) كارتر كان وسيطا في معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر. وبنظرة تاريخية فإنه كانت هناك ضغوط أميركية على إسرائيل لكنها لم تنجح دائما، إضافة إلى أن هذه الضغوط لم تكن دائما متعلقة بقضايا كبيرة مثل انسحاب من مناطق".

(*) نشهد في الفترة الأخيرة موجة انتقادات أوروبية ضد إسرائيل وخصوصا فيما يتعلق بالعملية السياسية مع الفلسطينيين وتعنت حكومة نتنياهو. إلى أي مدى تتأثر الولايات المتحدة بالانتقادات الأوروبية ضد إسرائيل؟

طوفي: "الولايات المتحدة تستمع إلى الانتقادات والمواقف الأوروبية لكنها لا تؤثر عليها فيما يتعلق بسياستها الخارجية. بعد شن الحرب على العراق رفضت الدول الأوروبية، باستثناء بريطانيا، المشاركة في الحرب، وحتى أنها وصفت الحرب بأنها غير شرعية. رغم ذلك شنت الولايات المتحدة حربا ضد العراق. فالولايات المتحدة لا تتطرق إلى الموقف الأوروبي ولا تتأثر به عندما تضع سياستها الخارجية. وخلال حربي كوريا وفيتنام نددت الدول الأوروبية بالسياسة الأميركية لكن هذه الأخيرة لم تتأثر بهذه المواقف. وأعتقد أن الأوروبيين يبلورون سياسة خارجية كي يشكلوا بديلا للأميركيين، وكي يشكلوا كتلة سياسية تكون لاعبا مركزيا في الصراع العربي الإسرائيلي في الشرق الأوسط".

(*) اشترط نتنياهو التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين بأن يعترف الفلسطينيون بأن إسرائيل هي "دولة الشعب اليهودي". هل تعترف الولايات المتحدة بإسرائيل بأنها "دولة الشعب اليهودي"؟

طوفي: "من جهة نعم ومن جهة ثانية لا. فمجرد حقيقة أن السفارة الأميركية موجودة في تل أبيب وليس في القدس تقول شيئا في هذا الشأن. لكن الولايات المتحدة تعترف بحق اليهود في الوجود ضمن حدود دولة إسرائيل التي تم رسمها بعد حرب الاستقلال (حرب العام 1948) أي في اتفاقيات العام 1949. ولدى الولايات المتحدة مشكلة كبيرة للغاية فيما يتعلق بالأراضي التي تم احتلالها في حرب الأيام الستة. وأعتقد أنها تعترف بأن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، لكنها إلى جانب ذلك هي دولة ديمقراطية، بمعنى أنه ينبغي التعامل مع وجود أقلية قومية".

(*) هل تقترب إدارة أوباما من سورية؟

طوفي: "توجد محادثات بين الجانبين وبداية مفاوضات بينهما. وينبغي البدء في ذلك من نقطة الصفر، إذ ليس هناك سفير أميركي في دمشق منذ سنوات. وفي فترة بوش تم وصف سورية على أنها جزء من محور الشر. وقبل سنة هاجمت قوات أميركية خاصة أهدافا داخل سورية. والآن توجد محاولة، ربما هي في إطار سياسة فرق تسد، لعزل سورية عن حزب الله وإيران مقابل مساعدات اقتصادية أميركية. وعلينا أن نتذكر دائما أن كل دولة تدير سياستها الخارجية وفقا لمصالحها. والأميركيون يعتبرون سورية أنها دولة معتدلة وبإمكانها التأثير على ما يحدث في المنطقة، وذلك في مواجهة الدول والمنظمات المتطرفة في الشرق الأوسط وعلى الأخص إيران وحزب الله وحماس".

(*) فيما يتعلق بإيران، وبنظرة تاريخية، هل بإمكان إسرائيل مهاجمة أماكن بعيدة عن حدودها، مثل إيران، من أجل تدمير مشروعها النووي، من دون الحصول على موافقة أميركية؟

طوفي: "التجربة التاريخية تثبت أن في إمكان إسرائيل القيام بذلك. فهناك الهجوم في تونس في العام 1988...".

(*) أقصد من دون الحصول على موافقة أميركية...

طوفي: "نعم. إسرائيل هاجمت العراق في العام 1981 ودمرت مفاعله النووي من دون الحصول على موافقة أميركية".

(*) لكن الحديث يدور الآن عن إيران، وفي حال مهاجمتها فإنه يتوقع أن تكون لذلك عواقب وخيمة، من جراء رد إيراني واسع؟

طوفي: "لا أعرف ماذا سيحدث غدا، فأنا مؤرخ، ومثل هذه التكهنات المستقبلية قد تكون من اختصاص الباحثين في مجالي العلوم السياسية والعلاقات الدولية. لكن إسرائيل شنت هجمات من دون مصادقة أميركية. وأشهر هذه الهجمات وقعت في العام 1981 ضد العراق. وقد ألغت الولايات المتحدة في أعقاب ذلك إرسال شحنات أسلحة لإسرائيل. وأعتقد أن إسرائيل شنت حرب الأيام الستة من دون أن تكون لدى الولايات المتحدة معرفة واضحة حول ما سيحدث. لكن يصعب معرفة ما إذا كانت إسرائيل ستهاجم إيران من دون موافقة أميركية".

(*) هذا يعني أنه لا يوجد ضمان بأن لا تهاجم إسرائيل إيران، حتى لو أن الولايات المتحدة لا تريد شن هجوم على إيران؟

طوفي: "إذا أخذنا التجربة التاريخية فإنه توجد سوابق نفذت إسرائيل خلالها هجمات خلافا لرغبة الولايات المتحدة. ولا أعرف إذا كانت هذه التجربة التاريخية ستنعكس على المستقبل".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات