المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

* خلال ست سنوات ظهرت ثلاث قضايا تزييف ورشاوى كبيرة في الانتخابات الداخلية لحزب "العمل"، في الأولى تمت إعادة الانتخابات، وفي الثانية تكاد الشرطة تبلور لوائح اتهام، والثالثة لا تزال في إطار الكشف عنها *

كشف تقرير مطول لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، في الأيام الأخيرة، عن أساليب تزوير وتزييف ورشاوى في الجولة الثانية لانتخابات رئاسة حزب "العمل" الإسرائيلي، التي جرت في منتصف شهر حزيران (يونيو) الماضي، وهو التقرير الثاني من نوعه، بعد أن سبقه تقرير مصور للقناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي.

وتركز التقريران في ما يسمى "القطاع العربي" في حزب "العمل"، إذ تشير الإحصاءات إلى أنه من بين 105 آلاف منتسب لحزب "العمل" هناك حوالي 20 ألف عربي، يقسمهم الحزب في قطاعين، الأول "القطاع العربي" ويضم 13 ألف منتسب، والثاني "القطاع الدرزي" حسب التسمية في الحزب، ويضم حوالي سبعة آلاف منتسب.

وتدور الشبهات في نقطتين أساسيتين، وهما شراء الأصوات من خلال مقاولي الأصوات، والاقتراع بدلا من أشخاص لم يأتوا إلى صناديق الاقتراع. فقد أكد مراسلو القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، الذين رصدوا حركة الدخول والخروج لبعض صناديق الاقتراع في بلدات عربية، أنه في بعض الأحيان تراوحت نسبة المصوتين ما بين 5% إلى 15%، إلا أنه عند الفرز وصلت نسبة التصويت المعلنة إلى 90% وحتى 100%.

وفي حين أن تقرير القناة العاشرة تحدث عن أن المتنافسين في الجولة الثانية، إيهود باراك وعامي أيالون، استفادا من عمليات التزوير هذه، إلا أن تقرير "يديعوت أحرونوت" ركز بشكل خاص على أن المستفيد الأكبر من هذه العمليات كان الفائز برئاسة الحزب إيهود باراك.

وهذه ليست المرّة الأولى التي تظهر فيها عمليات التزوير والتزييف في الانتخابات الداخلية لحزب "العمل"، فمنذ خريف العام 2001، وحتى الانتخابات الأخيرة، التي جرت قبل شهرين، ظهرت ثلاث قضايا تزوير وتزييف ضخمة، نأتي عليها في هذه المعالجة، ولكن المشترك بينها هو أن غالبيتها الساحقة تصب في قطاع واحد وهو قطاع العرب.

لمحة تاريخية: انتساب العرب إلى "العمل"

شكل حزب "العمل"، منذ العام 1948، وحين كان اسمه حزب "مباي"، أكبر حزب صهيوني ناشط في البلدات العربية الفلسطينية في إسرائيل، وفي سنوات إسرائيل الأولى كان يسيطر هذا الحزب على أكثر بكثير من نصف أصوات العرب، كونه الحزب الحاكم بشكل انفرادي تقريبا، في السنوات التسع والعشرين الأولى لإسرائيل.

وبعد العام 1948، استخدم هذا الحزب أساليب ضغط وابتزاز لقطاعات واسعة من العرب، الذين كانوا لا يزالون في تلك السنوات يضمدون جراحات النكبة، ويتملكهم شعور الخوف والهزيمة، وتحت التهديد والوعود الهزيلة على مستوى الأفراد كان يحصد هذا الحزب أصوات العرب.

وفي المقابل فإن الحزب الشيوعي، الذي شكّل الجهة الوحيدة حتى نهاية سنوات السبعين التي تمثل مصالح الأقلية الفلسطينية في الكنيست الإسرائيلي، كان يحصل في مطلع سنوات الخمسين على حوالي 15% من أصوات العرب فقط.

إلا أن هذه المعطيات كانت تتراجع بالنسبة لحزب "العمل"، كلما جرى الابتعاد عن العام 1948، وتبدلت أجيال النكبة، وكانت الضربة الأكبر الأولى التي تلقها حزب "العمل" في الشارع الفلسطيني، في العام 1977، حين هبطت نسبة الأصوات التي حصل عليها إلى 37%، مقابل 51% للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التي شكلها الحزب الشيوعي في ذلك العام، والباقي لأحزاب صهيونية مختلفة.

لكن على الرغم من التراجع المتواصل لحزب "العمل" في الشارع العربي، ومعه نسبة التصويت لمجمل الأحزاب الصهيونية، مع ظهور قوائم جديدة تمثل مصالح الفلسطينيين، بدءا من العام 1984، مع الحركة التقدمية للسلام، (انحلت لاحقا)، إلا أن هذا لم يلغ حضور حزب "العمل" في الشارع الفلسطيني، خاصة من خلال اتحاد النقابات العامة، "الهستدروت"، الذي بقي حتى العام 1994 مرتعا كبيرا لحزب "العمل" الذي سيطر سيطرة كاملة على الهستدروت، بمن في ذلك كادر الموظفين.

وبعد كل التغييرات التي شهدها "الهستدروت"، على المستوى الحزبي حتى العام 1996، إلا أن الرئيس السابق للهستدروت، النائب عمير بيرتس، أعاد الطابع الحزبي الضيق للهستدروت، وخاصة بعد عودته إلى حزب "العمل"، ويستمر بهذا النهج الرئيس الحالي عوفر عيني.

ولم يتغير أي شيء تقريبا على فروع الهستدروت في البلدات العربية، التي غالبية موظفيها الساحقة من أعضاء حزب "العمل" العرب، الذين يشكلون حاليا المدخل الأساس لحزب "العمل" في البلدات العربية.

بموازاة ذلك، وبعد انتقال حزب "العمل" في العام 1992 إلى طريقة الانتخابات الداخلية المفتوحة لقيادة الحزب وقائمته الانتخابية البرلمانية (البرايمرز)، أصبحت مسألة تجنيد الانتسابات عاملا حاسما في فوز أي مرشح، ولهذا فإن عددا من قادة حزب "العمل" يستخدمون أعضاء حزب "العمل" العرب ساحة خلفية لهم في تشكيل مراكز قوى لهم، وعلى رأسهم وزير البنى التحتية بنيامين بن إليعازر، ثم الرئيس السابق للحزب عمير بيرتس، وغيرهما.

واعتمد هؤلاء على ظاهرة "مقاولي الأصوات"، وهذه ظاهرة منتشرة ليس فقط في مناطق معينة بين العرب في إسرائيل، وإنما أيضا في قطاعات واسعة في الشارع اليهودي، وخاصة بين اليهود الشرقيين، واليهود الروس والمهاجرين الجدد، أي في المجمل العام بين الشرائح الفقيرة والضعيفة.

ولهذا فإن انتسابات العرب لحزب "العمل" لا تتم على أساس أيديولوجي أو توافق سياسي، وإنما لمصالح شخصية ضيقة، وليس بالضرورة أن المنتسبين لهذا الحزب يصوتون له في الانتخابات البرلمانية، أضف إلى هذا أنه ظهرت أكثر من مرّة عمليات تزوير وتزييف في مسألة الانتسابات، ففي العام 2005 ظهرت فضيحة انتساب آلاف العرب الذين لم يعلموا بمسألة انتسابهم للحزب وتورط فيها الرئيس السابق للحزب بيرتس.

وما يدعم هذا، هو ظاهرة عدم إقبال المنتسبين العرب على صناديق الاقتراع في الانتخابات الداخلية للحزب، وهذا يفتح الباب على وسعه أمام علميات التصويت المصطنع، ورفع نسب التصويت من خلال صفقات بين "مقاولي الأصوات"، من أجل إتمام الصفقات المالية بين المرشح والمقاولين، "ويخرج الجميع رابحا"، كما تقول التقارير.

ثلاث قضايا مركزية

نورد هنا ثلاث قضايا تزييف في السنوات الست الأخيرة، لتتحول إلى ظاهرة عامة تطغى على كل انتخابات داخلية في حزب "العمل"، ولهذا ليس صدفة أن وسائل إعلام تجندت في يوم الانتخابات في مواقع معينة لكشف عمليات التزوير المتوقعة.

في خريف العام 2001، فاز رئيس الكنيست (البرلمان) في حينه، أبراهام بورغ، برئاسة حزب "العمل"، وكان ينافسه الوزير بنيامين بن إليعازر، وبعد الإعلان عن النتائج تكشفت عمليات تزوير وتزييف بحجم كبير في ما يسمى بـ "القطاع الدرزي"، الذي كان يسيطر عليه الوزير (في حينه) صالح طريف.

وكانت عملية التزوير بهذا الحجم، الذي لم يكن بالإمكان تجاوزه، ولهذا فقد تم إلغاء نتائج الانتخابات، وتوجه الحزب بعد شهرين مجددا إلى انتخابات لرئاسة الحزب، وفي تلك الجولة نقل الوزير طريف (أول وزير عربي في حكومة إسرائيلية) تأييده إلى بن إليعازر، الذي كان يحمل حقيبة الدفاع، في أوج العدوان على الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقد فاز بن إليعازر برئاسة الحزب هازما بذلك بورغ، لكن بن إليعازر فقد مقعده بعد تسعة أشهر لصالح عمرام متسناع، الذي فاز في خريف العام 2002 بالرئاسة وانبعثت بعد أيام من إغلاق السجل رائحة تزوير بحجم كبير، المتهمان المركزيان فيها بالدرجة الأولى هما النائب (في حينه) عمير بيرتس، ومن ثم النائب (في حينه) بنامين بن إليعازر، وأيضا فإن التزوير الأكبر كان بين العرب في اتجاهين: الأول تنسيب أشخاص لا يعرفون بانتسابهم، والثاني انتساب أشخاص مجانا، وقيام شخص معني يدفع رسوم الاشتراك بدلا منهم.

وقد تبين أن عدد المنتسبين العرب في ذلك السجل فاق الـ 30 ألف منتسب وهو رقم غير طبيعي، يجعل نسبة العرب في الحزب 25 % والقوة الأكبر، وهذا على الرغم من أن نسبة العرب من مجمل السكان هي 18%، ومن مجمل ذوي حق الاقتراع للبرلمان أقل من 15%، في حين أن حزب "العمل" لم ينجح في الحصول على أكثر من 4% من أصوات العرب في الانتخابات البرلمانية التي سبقت عملية الانتسابات تلك، وجرت في مطلع العام 2003.

وقد أدت هذه القضية إلى تأجيل الانتخابات لأكثر من خمسة أشهر إلى أن تم إلغاء الانتسابات، وجرت عملية انتسابات جديدة.

في هذه القضية تحول الملف إلى الشرطة للتحقيق، وفي الأشهر الأولى جرى تحقيق مكثف في هذه القضية، لكن الملف لم يغلق، ولم يتم التوصل فيه إلى قرار حتى يومنا هذا، وفقط قبل شهرين ذكرت إحدى وسائل الإعلام أن الشرطة قد تقرر تقديم لائحة اتهام، وعلى ما يبدو ضد أشخاص في معسكر عمير بيرتس.

أما القضية الأخيرة التي لا نزال نقرأ عنها التقارير، فإنها على الأغلب ستبقى بعيدا عن إمكانية إلغاء الانتخابات، كون أن معسكري المرشحين باراك وأيالون متهمان بعمليات التزوير، لكن الأمر الثابت أن عمليات التزوير باتت ظاهرة مرافقة للانتخابات الداخلية لحزب "العمل"، علما أن ظواهر كهذه موجودة في أحزاب صهيونية أخرى، وخاصة الليكود، لكن بأشكال وعناوين أخرى.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات