المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نشرت منظمة "بتسيلم" تقريرًا يوثِّق الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي والمرتبطة بالتقييدات التي تفرضها إسرائيل على حركة الناس والبضائع بين قطاع غزة والضفة الغربية. ويحذر من التوجه للتنصّل من مسؤولية إسرائيل في الفترة التي تلي الانفصال.

منذ حوالي أربعة أعوام ونصف العام تفرض إسرائيل تقييدات قاسية على حرية الحركة من قطاع غزة واليها. وقد أدت هذه التقييدات إلى تضييق الخناق المفروض على قطاع غزة من قبل، إلى حد تحويل القطاع إلى ما يُشبه السجن الكبير. وفي إطار سياسة إسرائيل المتبعة، تحولت الكثير من حقوق الإنسان- ومن بينها الحق في حرية الحركة والتنقل، الحياة الأسرية، الصحة، التربية والتعليم والعمل- إلى "لفتات إنسانية".

وفي أعقاب قمة شرم الشيخ الذي انعقد في شباط 2005، اتخذت إسرائيل سلسلة من الخطوات التي عادت بالتحسّن الملحوظ على حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة. ومع هذا، فقد بقيت حرية الحركة والتنقل للفلسطينيين من قطاع غزة واليه، بما في ذلك حركة استيراد وتصدير البضائع، دونما تحسّن تقريباً.

وفي هذا الشأن نشرت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، مؤخرًا، تقريرًا ضافيًا يوثِّق الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي والمرتبطة بالتقييدات التي تفرضها إسرائيل على حركة الناس والبضائع بين قطاع غزة والضفة الغربية، وعلى الحركة والتنقل في إسرائيل والعالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقرير يحذر من التوجه للتنصّل من مسؤولية إسرائيل عن سكان الضفة الغربية وقطاع غزة في الفترة التي تلي الانفصال. هنا عرض موجز له:

قطاع غزة والضفة الغربية: هل هما وحدة منطقية واحدة؟

إن اغلاق "المعبر الآمن" بين قطاع غزة والضفة الغربية في تشرين الأول 2000، كان مؤشراً على بداية نظام الفصل الجديد بين المنطقتين، غير المسبوق في خطورته في تاريخ الاحتلال الاسرائيلي. وقد التزمت اسرائيل في اتفاقية أوسلو بالتعامل مع القطاع والضفة الغربية على أساس أنهما " منطقة واحدة". إن اغلاق القطاع هو خرق فاضح لهذا الالتزام.

إن الطريقة التي تختارها اسرائيل لمنح أو عدم منح تراخيص المرور بين غزة والضفة الغربية تمتاز بعدم الشفافية والإفراط في القسوة، وتلحق الضرر بكافة ميادين المعيشة التي تشتمل على مكونات من العلاقات المتبادلة والتبعية المتبادلة بين سكان المنطقتين، أي الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن بين ما تمسه اسرائيل، القدرة على تمرير حياة أسرية معقولة وقدرة سكان غزة على تحصيل الدراسات الأكاديمية العليا والحصول على العلاج الطبي. وعلى النقيض من الموقف الاسرائيلي الرسمي، والذي ينص على أن كل طلب للانتقال من منطقة الى أخرى يتم فحصه "لذاته"، فإنه يتم رفض جميع الطلبات للحصول على التراخيص رفضاً تاماً، طبقاً لمعايير جارفة تتعلق بالجيل والحالة الإجتماعية دون أن يكون بحوزة جهاز الأمن شكوك محددة حول مقدم الطلب. وقد انخفض اجمالي عدد تراخيص الحركة والتنقل ما بين غزة والضفة الغربية التي أصدرتها اسرائيل بنسبة 98% مقارنة مع الفترة التي سبقت اندلاع الانتفاضة. وفي معظم الحالات توافق السلطات على السماح بمرور الأشخاص الذين رُفضت طلباتهم من قبل، في أعقاب تدخل المحامين ومنظمات حقوق الإنسان. وهذا مؤشر واضح على الأساس المجحف لمعظم حالات الرفض.

أحد الأعمدة الرئيسية الخطيرة لسياسة الفصل والعزل يكمن في عملية طرد وإبعاد الفلسطينيين الذين نقلوا أماكن سكناهم من قطاع غزة الى الضفة الغربية، بحجة مكوث هؤلاء بصورة غير قانونية في مناطق الضفة الغربية. ويتم تطبيق هذا الإجراء دونما صلاحية وبما يخالف اتفاقيات أوسلو. ويتم ابعاد الفلسطينيين من بيوتهم، وعن عائلاتهم وأماكن عملهم في الضفة الغربية، وهذا دون انذار مسبق ودون منحهم الحق في عرض ادعاءاتهم.

ممر رفح ومنع الخروج الى خارج البلاد

منذ أيلول 2000، قلصت اسرائيل بصورة قاسية قدرة سكان القطاع على مغادرة القطاع الى الخارج. كما أن تحويل الممر البري في رفح الى نقطة الخروج الوحيدة الى الخارج أدى الى جعل كل قرار بإغلاق الممر بمثابة فرض حصار شبه مطلق على القطاع. وفي العام 2004، تم على سبيل المثال، اغلاق الممر البري في رفح لمدة 66 يوماً.

بالاضافة الى ذلك، تمنع اسرائيل المجموعات والأفراد من السفر الى الخارج. وفي نيسان 2004، حظرت اسرائيل على جميع سكان القطاع الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16- 35 سنة السفر الى الخارج. وحتى بعد الغاء هذا الحظر، في أعقاب قمة شرم الشيخ، لا يزال عشرات الآلاف من سكان القطاع من "الممنوعين من السفر الى الخارج لدواع أمنية". ويتم ابلاغ المواطن حول منعه من السفر بصورة شفهية وبدون مبررات، وحتى في هذه الحالة أيضاً يختفي "المنع الأمني" كأنه لم يكن، بعد تدخل المحامين أو منظمات حقوق الإنسان.

بالإضافة الى ذلك، فإن منع مواطني القطاع من السفر الى الخارج يلحق بهم الضرر بخصوص ما يتعلق بالحصول على العلاج الطبي اللائق. إن حالة الجهاز الصحي الفلسطيني في قطاع غزة بائسة للغاية، وهذا الأمر مرتبط بالخدمات الطبية الخارجية والتي لا يمكن الحصول عليها في قطاع غزة. إن أوقات الانتظار الطويل، الى جانب الشعور بالتأرجح وعدم اليقين وإنهاك الأعصاب، بكل ما يتعلق بعملية الخروج، تزيد من معاناة المرضى وأبناء عائلاتهم. الكثير من المرضى الذين انتظروا العلاج الطبي الطارئ في خارج البلاد، اضطروا لتقديم التماس الى محكمة العدل العليا من أجل الزام الدولة بالاعتراف أنه لا يوجد لديها من الناحية العملية أي معارضة بخصوص سفرهم الى خارج البلاد.

عائلات ممزقة: نظام الحركة والتنقل ما بين غزة واسرائيل

حجم حركة وتنقل الأشخاص ما بين قطاع غزة واسرائيل، وبالعكس، كان ملحوظاً بصورة واضحة منذ بداية الاحتلال، ويُعزى أحد الأسباب لهذا في تنامي العلاقات العائلية وتشعبها بين سكان ومواطني اسرائيل من العرب وبين السكان في قطاع غزة.

منذ أيلول 2000، تم ايقاف دخول سكان القطاع الى اسرائيل للزيارات العائلية بصورة تامة تقريباً، وطرأ انخفاض بنسبة تصل الى حوالي 98% على حجم تراخيص دخول الإسرائيليين الى مناطق السلطة الفلسطينية في غزة.

إن اللوائح التي توجه السلطات الإسرائيلية بخصوص اصدار تراخيص الدخول الى قطاع غزة لغرض الزيارات العائلية تعبّر عن تعامل مستخف وغير معقول، وتشكّل خرقاً فاضحاً للحق في امضاء حياة أسرية كريمة.

بالاضافة الى ذلك، ومنذ بداية الانتفاضة تضع اسرائيل الصعوبات وتعرقل قدرة العائلات التي يكون أحد الأزواج فيها اسرائيلياً والآخر من مواطني القطاع (فيما يلي: العائلات المشتتة الى نصفين) على العيش تحت سقف واحد، ووضع العراقيل أمام قدرة الأولاد على العيش بصورة دائمة وثابتة مع الوالدين معاً.

أحد العراقيل التي تضعها اسرائيل في أحيان متقاربة أمام هذه العائلات هو تجميد تطبيق الإجراء الذي يسمح للإسرائيليين بدخول القطاع ( غالبيتهم الساحقة من حالات النساء ذوات المواطنة الاسرائيلية أو من سكان اسرائيل)، وعادة ما يكون ذلك في أعقاب العمليات أو خلال الحملات العسكرية الواسعة. ويتم التجميد بصورة جارفة ودون الابلاغ علنياً عن القرار ذاته أو مدة استمراره. ونتيجة لذلك، لا تقدر النساء اللاتي مكثن في اسرائيل للزيارة على العودة، ويبقين لفترات زمنية مختلفة بعيداً عن بيوتهن وأزواجهن وأولادهن. وفي كانون الثاني 2002، قررت اسرائيل تقصير مدة سريان مفعول التراخيص الخاصة بدخول العائلات المقسومة الى غزة، من ثلاثة شهور الى شهر واحد فقط. ونتيجة لذلك يتوجب على النساء اللاتي يرغبن بالحفاظ على القانون وتجديد الترخيص في الموعد المحدد، الحضور الى حاجز ايرز 12 مرة على الأقل في العام، وتحمل مصاعب الطريق القاسية. وعلى خلفية هذه الصعوبات تمتنع الكثير من النساء اللاتي يمكثن في قطاع غزة، في اطار الإجراء، عن الوصول الى حاجز ايرز في موعد انتهاء صلاحية الترخيص من أجل تجديده. ورداً على ذلك، عندما تحاول هؤلاء النسوة لاحقاً الحصول على ترخيص جديد يرفض مكتب التنسيق والارتباط الاستجابة لطلبهن بدعوى أنهن "مكثن في مناطق السلطة الفلسطينية بصورة غير قانونية".

الحصار الاقتصادي على قطاع غزة

تُعتبر سيطرة اسرائيل على اقتصاد غزة سيطرة شبه تامة، وتبرز أساساً من خلال مجالين رئيسيين: السيطرة على حركة العمال الفلسطينيين الذين يعملون في اسرائيل والسيطرة على حركة البضائع من قطاع غزة واليها.

ومن أجل الحصول على ترخيص للعمل في اسرائيل يتوجب على الفلسطينيين استيفاء شروط مختلفة لأسباب أمنية، غير أن اصدار تراخيص العمل خاضع لسقف عددي تم تحديده من قبل المستوى السياسي لإعتبارات ليست أمنية. ونتيجة للسقف العددي وعمليات الإغلاق فقد انخفض بصورة حادة عدد العاملين من قطاع غزة الذين تم تشغيلهم في اسرائيل منذ اندلاع الانتفاضة. ففي حين دخل الى اسرائيل عشية الانتفاضة (الربع الثالث من العام 2000) حوالي 26.500 مواطن من غزة كل يوم بالمعدل، فإن متوسط العدد اليومي في الربع الموازي من العام 2004 يصل الى حوالي ألف عامل، أي بإنخفاض يصل الى حوالي 90%.

مع اندلاع الانتفاضة فرضت اسرائيل حظراً على نقل البضائع عن طريق حاجز ايرز، وقامت بتحويل حركة البضائع الصادرة من القطاع، الى جانب الغالبية العظمى من البضائع الداخلة الى ممر كارني. ومعنى هذا القرار هو الشلل شبه المطلق للتجارة الخارجية في قطاع غزة في كل فرصة تقرر فيها اسرائيل ايقاف عمل معبر كارني. اضافة الى ذلك، فإن الإجراءات والأساليب الخاصة بفحص ونقل البضائع من والى قطاع غزة يُقلِّص من قدرة المنتجين الفلسطينيين على الوفاء بجدول زمني معقول، حتى عندما لا يكون معبر كارني موقوفاً عن العمل. إن بعض هذه الأساليب والإجراءات غير معقولة وتمس دونما حاجة بحركة التجارة. ويتم تفكيك البضائع واخضاعها لفحص أمني يؤدي الى الحاق الضرر بالبضائع، حيث يتم فحص معظم البضائع الداخلة الى غزة أو أصلها من غزة أكثر من مرة واحدة حتى تصل هذه البضائع الى هدفها الأخير. وحتى لو كان الفحص الأمني ضروريا فإنه تتوفر وسائل تقنية تتيح اجراء الفحص الأمني دونما تأخير او ضرر.

ونتيجة لتشكيلة المعوقات التي تضعها اسرائيل بخصوص نقل البضائع، يجد المنتجون الفلسطينيون صعوبة في المنافسة مع المنتجين الآخرين على الزبائن الحاليين وزبائن آخرين من ذوي القدرة، الأمر الذي أدى الى انخفاض حاد في حجم النشاط الاقتصادي.

وقد ساهم التأثير المتداخل والمتراكم المترتب على التقييدات على حركة البضائع من هنا وعلى دخول العمال الى اسرائيل من هناك، بصورة مباشرة في الارتفاع الحاد الذي طرأ منذ بداية الانتفاضة على نسب البطالة والفقر في قطاع غزة. ففي حين كانت نسبة البطالة عشية الانتفاضة في أيلول 2000، تصل الى نسبة 26.9% (71.000 شخص)، فقد وصلت في نهاية العام 2004 الى نسبة 39.4% (حوالي 115.000 شخص). وقد عرَّف مكتب الاحصاء الفلسطيني العائلات الفقيرة بأنها العائلات المكونة من بالغين وأربعة أولاد وتقل مصروفاتها الشهرية عن 1.850 شيكل (صاف) في الشهر. ووفقاً لهذا المعيار، فقد وصلت نسبة الفقراء في نهاية العام 2004 الى 77.3% من سكان القطاع، أي ما يساوي 1.033.500 شخص، وهذا مقابل نسبة تصل الى حوالي 42% قبل اندلاع الانتفاضة. وطبقاً للبحث الخاص بمكتب الاحصاء الفلسطيني والبنك الدولي، فإن حوالي 23% من سكان القطاع، والذين يشكلون أكثر من 323.000 نسمة، يعانون من "الفقر المدقع"، ولا يصلون الى خط البقاء والصمود (205 شيكل شهرياً للفرد)، حتى بعد الحصول على المعونات.

خطة الانفصال: هل هي حقاً نهاية المسؤولية الاسرائيلية؟

حتى بعد تطبيق خطة الانفصال، فمن المتوقع أن تبقي اسرائيل في يديها السيطرة على ميادين أساسية في قطاع غزة، والتي تؤثر بصورة مباشرة على قدرة السكان على الاستفادة من حقوق الانسان الخاصة بهم، ومن بينها، المواضيع التي تم استعراضها في التقرير. وعلى الرغم من هذا، وفي اطار اتخاذ قرار الانفصال ، فقد أعلنت حكومة اسرائيل أن "استكمال الخطة سيسحب مفعول الإدعاءات ضد اسرائيل بخصوص مسؤوليتها عن الفلسطينيين في قطاع غزة" وأنه بعد تطبيق الخطة "لن يكون أي أساس للإدعاء أن قطاع غزة منطقة محتلة". غير أن مثل هذه الأقوال تفتقد الى الأساس من ناحية القانون الدولي.

إن حالة الاحتلال تنتج، وفقاً للقانون الانساني الدولي، عندما تكتسب دولة "سيطرة فعالة" في أعقاب صراع مسلح، على مساحة خارج حدودها السيادية. كما ان وجود مثل هذه السيطرة لا يقتضي بالضرورة الوجود العسكري الثابت في جميع أجزاء تللك المنطقة.

وحتى بعد اعادة انتشار الجيش واخلاء المستوطنات، فإن اسرائيل تسيطر بصورة تامة على الحدود البرية للقطاع، وعلى المجال الجوي للقطاع وعلى الشواطئ والمجال البحري. إن مثل هذه السيطرة تنعكس بصورة مباشرة على قدرة سكان القطاع على إدارة حياتهم من عدة نواح مركزية. بالاضافة الى ذلك، فقد أعلنت الحكومة عن استعدادها للقيام بعمليات عسكرية في منطقة القطاع، ليس فقط رداً على هجوم، وانما أيضاً في اطار "الخطوات الوقائية". وبناء على ذلك، ما دامت مكونات السيطرة المذكورة باقية في أيدي اسرائيل، فإن ادعاءها بخصوص "انتهاء الاحتلال" يُخيِّم عليه الشك الكبير.

إن مسؤولية اسرائيل تجاه سكان قطاع غزة بعد تطبيق خطة الانفصال، تنبع أيضاً من التزاماتها وفقاً للقانون الدولي لحقوق الانسان. وعلى النقيض من الموقف التقليدي لإسرائيل، فإن هذا القانون يسري عليها ليس فقط داخل مناطقها السيادية وانما في كل مكان تستعمل فيه صلاحيتها الفعلية. ولهذا السبب فإن اسرائيل مستمرة في تحمل مسؤوليتها القانونية عن الأعمال والتقصيرات الصادرة عنها والتي تمس حقوق الانسان الخاصة بسكان القطاع حتى بعد تنفيذ خطة الانفصال، وهذا دونما علاقة بالسؤال حول إذا ما كان مدى سيطرة اسرائيل على القطاع يصل الى حد "السيطرة الفعلية" والاحتلال.

المصطلحات المستخدمة:

بتسيلم, تلي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات