المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تداولت وسائل الاعلام والصحف العبرية مؤخرا العديد من التصريحات والتقارير التي تعبر عن "مخاوف وتحذيرات جهات أمنية اسرائيلية رفيعة المستوى" من احتمال قيام عناصر يمينية يهودية متطرفة بارتكاب اعتداء ارهابي كبير ضد الحرم القدسي الشريف بهدف افشال خطة الانسحاب واخلاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزة

ترجمة وإعداد : سعيد عيّاشٍٍ

تداولت وسائل الاعلام والصحف العبرية مؤخرا العديد من التصريحات والتقارير التي تعبر عن "مخاوف وتحذيرات جهات أمنية اسرائيلية رفيعة المستوى" من احتمال قيام عناصر يمينية يهودية متطرفة بارتكاب اعتداء ارهابي كبير ضد الحرم القدسي الشريف بهدف افشال خطة الانسحاب واخلاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزة التي اعلن رئيس الوزراء اريئيل شارون عزمه على تنفيذها من جانب واحد في غضون السنة الحالية.

ولعل هذه التصريحات والتقارير في حد ذاتها لا تنطوي في مضمونها أو حتى في شكلها، على الكثير من المعلومات والمعطيات الجديدة او المجددة، اذ ان حديث المصادر الاسرائيلية، الرسمية منها وغير الرسمية، عن التهديدات والمخاطر المحدقة بمقدسات المسلمين في الحرم الشريف، من جانب عناصر ومجموعات يهودية اصولية متطرفة، لم ينقطع تقريبا طيلة السنوات الماضية، وبامكان كل من يعود الى عناوين الاخبار والصحف الاسرائيلية على مدى ربع القرن الاخير ان يتأكد من ان مثل هذا الحديث تردد بوتائر وكليشهات مشابهة الى حد التطابق احيانا لجمل ومفردات الحديث الذي يجري تداوله في ذات الخصوص في هذه الايام، الامر الذي يجعله بالتالي حديثا مألوفا وممجوجا. ولعلنا لا نبالغ او نجانب الصواب اذا ما قلنا حتى انه تفوح منه في بعض الاحيان رائحة مريبة تدعو إلى الشكوك في ما يقف وراءه من اغراض ومقاصد حقيقية لا سيما وان من المعلوم للقاصي والداني ان مشاريع الأنفاق والحفريات المتشعبة التي جرت وتجري في محيط الحرم القدسي بايعاز واشراف مباشرين من جانب الوزارات والسلطات الرسمية الاسرائيلية كانت ولا تزال تمثل، حسب رأي العديد من الخبراء والمراقبين المحايدين، التهديد الاكبر والخطر الاشد على المقدسات الاسلامية في بيت المقدس .

وكما في عديد المرات السابقة فقد جاء الحديث عن "المخاوف والتهديدات" في هذه المرة ايضا تارة على لسان مسؤولين كبارا في اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية وتارة اخرى ضمن تقارير اعدتها مصادر صحافية عبرية وثيقة الصلة بأجهزة الاستخبارات ذاتها.

وعموما فإن تجدد هذا الحديث يطرح على بساط البحث والتأمل اسئلة من نوع:

ما الذي يقف وراء تصاعد لهجة تصريحات المسؤولين الاسرائيليين المحذرة من وقوع مثل تلك الاحتمالات المذكورة؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ هل هي تهيئة للرأي العام في إسرائيل تمهيدا لاتباع سياسة حازمة ضد دوائر وعناصر اليمين المتطرف التي تفكر وتخطط وتعد لإحباط خطة الفصل واخلاء المستوطنات في قطاع غزة؟ ام هي تهيئة للرأي العام العربي والاسلامي لاحتمال "وقوع المحذور" جراء الحفريات والانفاق الواقعة تحت محيط المسجد الاقصى مثلا؟!

اضافة الى اسئلة مثل: من هي المجموعات والعناصر اليهودية المرشحة لارتكاب مثل هذه الاعتداءات؟

ما هي العلاقة بين الديني والسياسي في محاولات الاعتداء على اقدس أقداس المسلمين في اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟

وما هو القاسم المشترك بين "يميت" وخطة الفصل والمؤامرات والخطط التي يحيكها الاصوليون اليهود ضد المسجد الأقصى؟

لعل هذا التقرير الذي يلخص مجموعة من التصريحات والمقالات والتقارير التي أوردتها وسائل الأعلام والصحف الإسرائيلية في الآونة الأخيرة يقدم بشكل من الأشكال ومن وجهة نظر إسرائيلية بالطبع إجابات معينة على هذه الأسئلة أو جزء منها على الأقل.

وبالعودة الى حيثيات التصريحات والتقارير الإسرائيلية الأخيرة في شأن التهديدات المحيقة بالحرم القدسي الشريف نجد أنها توالت بالتسلسل اولا على لسان رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الجنرال أهارون زئيفي- فركش الذي حذر في 31 تشرين الاول من العام المنصرم من "احتمال إقدام يهود متطرفين على مهاجمة المسجد الأقصى".

بعد شهرين ، نشرت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر بتاريخ 31 كانون الأول الماضي تقارير نقلت فيها عن "مصادر رفيعة المستوى" في جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك" إعرابها عن "مخاوفها الكبيرة" من "احتمال نجاح" عناصر يهودية متطرفة في تنفيذ مخططاتها بالهجوم على المسجد الأقصى وقبة الصخرة ونسفهما أو تنفيذ عمليات أخرى تفي بنفس الغرض.

وفي الرابع من الشهر الجاري (كانون الثاني) جاءت التصريحات على لسان رئيس جهاز الأمن الداخلي (مخابرات شين بيت) أفي ديختر الذي حذر خلال مشاركته في جلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست من ان هناك "متطرفين يمينيين لا تزال تراودهم فكرة مهاجمة المسجد الأقصى" في محاولة لعرقلة خطة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.

سيناريوهات محتملة

يعتقد كبار المسؤولين في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ان هناك عدة سيناريوهات مطروحة للاعتداء او الاعتداءات المحتملة على المسجد الأقصى. ومن بين هذه السيناريوهات * إدخال سيارة مفخخة إلى الحرم القدسي * ان يتم قصف المسجد الأقصى وقبة الصخرة بصاروخ أو قذيفة من مكان مرتفع * عملية قصف للحرم من الجو بواسطة طائرة او عملية انتحارية بطائرة على غرار ما حصل في الهجمات على نيويورك وواشنطن.

وتنقل صحيفة "هآرتس" عن مصادر أمنية رفيعة قولها ان "السيناريوهات التي رسمت تشير أيضا إلى وجود مخاوف ليس فقط من عملية إرهابية كبيرة مثل تدمير المساجد (الأقصى وقبة الصخرة ) وإنما أيضا من وقوع انفجار عادي بواسطة عبوة ناسفة داخل الحرم".

ويقول رؤوبين حزاك، نائب رئيس جهاز مخابرات "الشين بيت" السابق، إن مثل هذه العملية "الصغيرة" حتى ولو لم تلحق ضررا بمباني المساجد ذاتها، إلا أنها "كفيلة بإشعال حريق كبير في المنطقة بسبب رمزية المكان وحساسيته".

"الزوايا الخفية" لتحركات وأنشطة المتطرفين

من هي العناصر او المجموعات التي تفكر وتعد لارتكاب مثل هذا الاعتداء على الحرم القدسي وما هي دوافعها وأصولها ومرجعياتها السياسية والايديولوجية والدينية؟

في تقرير مطول كتبة الصحافيان نداف شرغاي ويوسي ميلمان في ملحق صحيفة "هآرتس" (31 كانون الاول 2004) حاول كلاهما، الأول ملم بشؤون الاستيطان واوضاع مجموعات اليمين المتطرف الناشطة في صفوف المستوطنين اليهود في الضفة الغربية والثاني ملم بالشؤون الأمنية والاستخبارية، القاء الضوء على "الزوايا الخفية " التي تحاك فيها مؤامرات وخطط الاصوليين اليهود المتعصبين. ومما جاء في التقرير:

في الاسبوع الفائت زار لفيف من رجالات جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك) الحاخام يسرائيل اريئيل، في منزله الكائن في البلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة، ولم يأت هؤلاء لاعتقال الحاخام اليميني المتطرف الذي يترأس "مخون همكداش" ( او ما يسمى بـ "معهد الهيكل") وهو من ابرز المجموعات الأصولية اليهودية الناشطة في محاولات تهويد وتقويض الحرم القدسي الشريف تمهيدا لاعادة بناء هيكل المعبد اليهودي مكانه، وانما جاءوا لمحاورته والاصغاء له. ويشار في قسم احباط الارهاب اليهودي التابع لجهاز "الشاباك" الى الحاخام اريئيل /60 عاما/ على انه "ثوري متقاعد"، لكن "المشكلة" التي يواجهها الجهاز اليوم تكمن في الاهتداء الى ما يوصف بالجيل المكمل لليهودية الاصولية المتعصبة او "الارهابيون الجدد" الذين يعتقدون ان الساعة قد حانت لنسف مساجد المسلمين في الحرم القدسي الشريف، ظنا منهم ان ذلك يمكن ان يشكل وسيلة لاحباط وعرقلة خطة الانفصال واخلاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزة .

ويجسد اريئيل، وهو احد مستوطني "يميت" التي جرى اخلاؤها وتفكيكها في نطاق توقيع معاهدة السلام مع مصر، الطاقة الكامنة لهذه الصلة الفكرية العقائدية بين "جبل الهيكل" وبين مستوطنات "غوش قطيف في القطاع. لذلك يشكل "معهده" (في القدس القديمة) مزاراً يؤمه خلال السنوات الاخيرة مئات الاف الشبان المتشددين ومعظمهم من طلاب المدارس والجامعات والجنود، لينهلوا من مدرسته وايديولوجيته المتطرفة، عبر مشاهد افلام ومسرحيات والاستماع الى محاضرات، وتحسس "ادوات المعبد" التي يقوم اتباع "المعهد" بإعدادها وتهيئتها تمهيدا لوضعها في "الهيكل الثالث" الذي يعدون العدة لاقامته مكان المسجد الاقصى. وتعتبر كتب اريئيل حول "المعبد المقدس" والنشرات التي يصدرها معهده في الأعياد والمناسبات اليهودية، رائجة جدا في صفوف الجمهور الديني – القومي غير ان اهتمام جهاز "الشاباك" منصب على الابعاد والجوانب العملية لأيديلوجيته.

وكان اريئيل، الذي احتل المكان الثاني في قائمة حركة "كاخ" العنصرية للكنيست اواسط السبعينيات قد عمل رئيسا للمدرسة الدينية في مستوطنة "يميت" عند اخلاء مستوطنات سيناء عام 1982، وكان وقتئذٍ ايضا اول حاخام في اسرائيل يدعو الجنود الى عدم اطاعة الاوامر باخلاء المستوطنين. على اثر ذلك امرت محكمة عسكرية بسجنه لمدة ستة اشهر مع وقف التنفيذ. وبعد مرور سنة، في عام 1983، اعتقل الحاخام اريئيل مع مجموعة من طلاب احدى المدارس الدينية في مستوطنة "كريات اربع" قرب الخليل بتهمة التخطيط للاستيلاء على الحرم القدسي الشريف والتحصن داخله غير ان المحكمة المركزية بالقدس برأت ساحة اريئيل ومن معه.

العلاقة بين "الصراع على الارض" و"واجب اليهود في ازالة الحرم واعادة بناء الهيكل"

كان الحاخام اريئيل اول الخطباء في ندوة عقدت اواخر شهر كانون الاول الماضي تحت العنوان المذكور في مدرسة دينية بالقدس القديمة وشارك فيها جمع من غلاة الحاخامات المتطرفين واتباعهم حيث تحدث "اريئيل" عن الصلة المحتملة بين "جبل الهيكل " (الحرم القدسي) وانشطة مقاومة خطة الفصل، وقد تضمن حديثه اجابة ولو جزئية على احد الأسئلة المركزية التي يوجهها رجال قسم "إحباط الإرهاب اليهودي" لأنفسهم: هل سيكون هناك في هذه الايام ايضا، كما حصل في فترة إخلاء مستوطنة "يميت"، متطرفون يهود يسعون الى نسف مساجد الحرم القدسي ام ان التوجه سيكون نحو القيام باعمال اكثر اعتدالا، تؤدي نفس الغرض المتمثل في عرقلة خطة الانفصال وإخلاء المستوطنات؟

وفقا لما يعتقده الحاخام "اريئيل" فان الانفصال وشبح الاخلاء والانسحاب الذي يتهدد مصير المزيد من المستوطنات هما "عقوبة إلهية" على إهمال وتخلي اليهود عن الحرم القدسي "جبل الهيكل" وهذا ما يفسر برأيه كل الانسحابات وعمليات الاخلاء السابقة. وعلى ذلك يحض "اريئيل" أتباعه والمؤمنين بافكاره على وجوب اخذ زمام المبادرة بايديهم دون تلكؤ او انتظار فيما يتعلق بإعادة إقامة "الهيكل" حيث خاطبهم قائلا " ان الله يريد منا ان نبدأ، ان نقوم بالخطوة ألاولى، وبعدئذ فانه (الله) سيتكفل بإتمام المهمة.. لذلك: عليكم أن تبدأوا..".

وكان "اريئيل" قد كشف عن مكنونات تفكيره هذا منذ حرب العام 1967 عندما وضع بعد احتلال القدس حارسا عند مدخل مبنى قبة الصخرة، الذي يعتقد الاصوليون اليهود انه المكان المفترض للمعبد اليهودي، حيث صرح وقتئذٍ بانه يجب على الدولة ان ترسل في الحال خبراء المتفجرات ليقوموا بنسف المسجد ومحوه من الوجود حتى يتسنى لليهود اعادة تشييد هيكلهم المقدس على انقاض الحرم القدسي .

الحاخام يسرائيل روزان، الذي يترأس معهد "تسومت"، وهو من حاخامات الحزب القومي الديني "المفدال" ربط ايضا خلال حديثه في نفس المناسبة، بين "مصيبة الانفصال" وبين "غياب الفعل والنشاط اليهودي في جبل الهيكل". ورغم ان روزان لم يتحدث صراحة عن "ازالة مساجد المسلمين" في الحرم القدسي، وانما عن ضرورة "تنظيم مسألة صلاة اليهود" داخل الحرم إلا ان تحليله كان مطابقا لتحليل الحاخام اريئيل حيث قال "عندما يعاني القلب- جبل الهيكل- من ضعف، فان الامر ينعكس على اعضاء الجسد البعيدة عن مصدر الحياة، مثل غوش قطيف وقطاع غزة..".

الحاخام دافيد دودكوفيتش، الذي يعتبر حاخام ومرشد مايسمى بـ "شبيبة التلال" – وهم مئات المستوطنين الذين اخذوا على عاتقهم خلال السنوات الاخيرة مهمة الاستيلاء على عشرات التلال الاستراتيجية في انحاء الضفة الغربية واقامة مواقع استيطانية فوقها بصورة غير قانونية – يعتقد هو الأخر ان "الضعف في المكان المقدس- جبل الهيكل- ينعكس على الاطراف الخارجية"، وحض دودكوفيتش جمهور المتعصبين اليهود على "عدم الاكتفاء بالدعاء إلى الله او انتظار حلول ارادته وانتم جالسون في بيوتكم ..". وأضاف "هذه الأيام تدعونا إلى اخذ زمام المبادرة والعمل.."

نظرية "مصدر الحياة والقوة"

هذه النظرية التي ترى في "جبل الهيكل" مصدرا للحياة والقوة يؤثرعلى الواقع الذي يعيشه الشعب اليهودي في اسرائيل، يلتقي حولها اليوم معظم الناشطين والمتعصبين اليهود الذين يؤمنون بوجوب الاستيلاء على الحرم القدسي واعادة بناء الهيكل المزعوم على انقاضه.

قبل 25 عاما قادت هذه القناعة، او النظرية، الحاخام يشوعا بن شوشان، الى اعتبار الحرم القدسي "مصدر الهام يستمد منه اعداء اسرائيل الحياة والقوة". ويعتقد بن شوشان ان سيطرة المسلمين في الحرم القدسي هي "أساس الويلات والمصائب التي يعانيها الشعب اليهودي" وان هذه السيطرة توفر للاسلام مصدر الهام روحي يستمد منه المسلمون قوة حياتهم في هذه البلاد على حد قوله.

وتوصل "بن شوشان" وعدد من زملائه في ذلك الوقت الى تقدير مؤداه ان "تطهير الحرم من الدنس" (ويقصد المسجد الاقصى وقبة الصخرة) ونسف المساجد سيؤدي الى وقف الانسحاب الاسرائيلي من سيناء "بإرادة إلهية".

الحاخام يوئيل لرنر، الذي خطط ايضا لنسف مسجد قبة الصخرة قبل حوالي 30 عاما، امل في ان يؤدي ذلك الى احباط اتفاقيات فصل القوات بين مصر واسرائيل.

ووفقا لتقدير "شرغاي وميلمان" فان جميع العناصر المتطرفة التي ارتكبت او حاولت ارتكاب اعتداءات ضد الحرم القدسي منذ العام 1967، ابتداء من "السائح" الاسترالي مايكل روهان (1969) ثم الجندي الاسرائيلي الن غودمان (1982) و"عصابة لفتا" واعضاء التنظيم الارهابي اليهودي (1984) اضافة الى المجموعات الناشطة في محاولات تهويد المسجد الاقصى كحركة "امناء جبل الهيكل" و"حي وباقي" و"الحركة لاعادة بناء الهيكل" وغيرها استلهمت افكارها ومخططاتها في هذا الخصوص من أيديولوجية مسيحانية- يهودية- متطرفة. ومن المعلوم ان هذه الأيديولوجية غدت في السنوات الأخيرة تيارا عقائديا وسياسيا يمينيا واسعا وقويا له امتداد ونفوذ كبيرين في صفوف المستوطنين اليهود بشكل خاص، وتقوده نخبة من كبار الحاخامات الموغلين في التطرف والتعصب القومي والديني. ويعارض هذا التيار بشدة أي انسحاب او تفكيك مستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يتوانى رموزه من الحاخامات ومعظمهم من اعضاء مجلس حاخامات المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن رؤساء المدارس الدينية في القدس الشرقية والخليل ومنطقة نابلس، عن إصدار الفتاوى والدعوات التي تخض على "التمرد" و"عصيان الأوامر" و"حتى القتل ان دعت الحاجة" في سبيل احباط ومقاومة خطة الانفصال الأحادية الجانب عن قطاع غزة وتفكيك وإخلاء ما فيه من مستوطنات يهودية.

الإتجاه الواضح... والشخصية المجهولة

وبحسب ما أورده "شرغاي وميلمان" في تقريرهما فإن "خيرة محققي شعبة إحباط التآمر اليهودي" في جهاز "الشاباك" يحاولون في هذه الأيام رسم ملامح وصورة "المعتدي – اليهودي – المقبل" ... ويضيف: وإذا كان الجهاز يمتلك تصوراًً واضحاً بشأن الطريقة التي سيستخدمها المتطرفون في الإعتداء المحتمل على المسجد الأقصى، كإطلاق صاروخ أو قذيفة (من سلاح مسروق) عن بُعد بإتجاه المساجد، فإن الجهاز – الشاباك – لا يمتلك الوضوح الكافي بالنسبة لشخصية المعتدي، أو المعتدين المقبلين ... وتعزو مصادر الجهاز الأمر إلى السرية والتكتم الشديدين اللذين تحيط بهما العناصر والمجموعات اليمينية المتطرقة إستعداداتها وتحركاتها على هذا الصعيد.

أحد العناصر المتطرفة، وهو شاحر دبير زليغر الذي حكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات قبل بضعة أسابيع بتهمة تخطيط وتنفيذ اعتداءات مسلحة على مواطنين فلسطينيين، أبلغ محققيه أن ثلاثة من زملائه (يقطنون في مواقع الإستيطان غير الشرعية بالضفة الغربية) خططوا لتنفيذ اعتداء داخل الحرم القدسي وعلى عدد آخر من المساجد في أنحاء الضفة. وروى "زليغر" في التحقيق الذي جرى معه قبل أشهر عديدة، أن أيا من خلايا الإرهاب اليهودية لم تكن تعلم شيئاً عن الخلايا الأخرى ونشاطاتها، إذ أن عملها يتم في سرية تامة.

ويتضح من حيثيات التحقيق أن أحد المتطرفين الثلاثة الذين اشار زليغر لأسمائهم هو من زعماء "شبيبة التلال" البارزين شمال الضفة والثاني يعيش أيضاً في نفس المنطقة فيما كان الثالث من القاطنين في منطقة الخليل وقد قُتِلَ قبل أشهر في هجوم شنه مسلحون فلسطينيون. وينتمي هؤلاء المتطرفون إلى مجموعة أُصولية ومسيحانية متعصبة تنشط في صفوف المستوطنين و "شبيبة التلال" بالضفة الغربية. وتبين أن هذه المجموعة التي يطلق عليها لقب "دردعيم" تضم عشرات المتطرفين الذين يعملون في نطاق "خلايا سرية صغيرة" ومنهم من أُعتقل وأُدين في قضية تنظيم "بات عين" الإرهابي السري الذي نجح جهاز الشاباك في تفكيكه وإلقاء القبض على أعضائه قبل حوالي سنتين بعدما ارتكبوا عدة هجمات واعتداءات مسلحة في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية وضد مدارس عربية في القدس الشرقية أوقعت عدداً من الإصابات في صفوف المواطنين.

تيار "الدردعيم" الجدد

أحد معاقل مجموعة الـ "دردعيم" والكلمة مشتقة بالعبرية من "أنشي دور دعا" [أبناء جيل العقيدة] الذين يتبعون المذهب الفكري اليهودي الذي أسسه "الرمبام" - الراب موشيه بن ميمون- أحد أبرز رجال الفكر والإفتاء الديني في العصور الوسطى (عاش في القرن الثاني عشر للميلاد)، يقع في مستوطنة "بات عين" في غوش عتصيون، قرب الخليل، والتي تكَّوَنَ فيها تنظيم "بات عين" الإرهابي المذكور وتعيش في المستوطنة اليوم نحو مائة عائلة معظمها من العلمانيين السابقين الذين أعلنوا "لتوبة الدينية".

ويقول "شرغاي وميلمان" في تقريرهما، إن عشرات المستوطنين القاطنين في هذه المستوطنة التي أُقيمت عام 1989 هم من ذوي الماضي العسكري الحافل، وبينهم مقاتلون في وحدات كوماندوز خاصة وطيارون سابقون في سلاح الجو الإسرائيلي. ويفرض سكان المستوطنة على أنفسهم نمط حياة تقشفي صارم ينبذ الملذات والترف ويقترب من التنسك والصوفية والزُهد.

وتشكل بعض المواقع الإستيطانية الأخرى في منطقتي الخليل ونابلس، معقلاً لأتباع هذه المجموعة المسيحانية المتعصبة، التي انبثق عنها حتى الآن تنظيمان إرهابيان جرى خلال السنوات الأخيرة تفكيكهما وإلقاء القبض على عناصرهما الذين أُدين بعضهم وأُتهم البعض الآخر بارتكاب العديد من الإعتداءات والهجمات على مواطنين فلسطينيين عُزَّل أسفرت عن مقتل وجرح عشرات المواطنين، غير أن السلطات الأمنية الإسرائيلية التي أوقفت عدداً من المشبوهين بإرتكاب هذه الإعتداءات قامت بإطلاق سراحهم جميعاً بحجة عدم توفر أدلة كافية.

تَفحص سلوكيات وعادات عناصر جماعة "الدردعيم" الذين يُشتبه في إمكانية خروج "المعتدي المقبل" على الحرم القدسي من بين صفوفهم، يرسم نمط حياة غريبًا عبارة عن خليط تتداخل فيه نظريات وعقائد وقناعات أُصولية مختلفة فضلاً عن زهد تعصبي منقطع النظير.

وفيما عدا هذه المجموعة، فإن الأعضاء السابقين في حركة "كاخ" و"كاهانا حي" العنصريتين المحظورتين، ومن يدور في فلكهما، إضافة إلى نشطاء وطلبة المدارس الدينية المنتشرة في القدس القديمة والخليل بشكل خاص، يشكلون بيئة وتربة خصبة قد يخرج منها "المعتدون المقبلون".

ويقول المحامي نفتالي فرتسبرغر، المُقَرَب من الحركات والمجموعات اليمينية المتطرفة والذي يتولى غالباً المرافعة عن أعضائها وأتباعها أمام السلطات، إن خطَر إقدام أحد المتطرفين من أعضاء هذه الجماعات على "إستخدام سلاح يوم القيامة"، بمعنى مهاجمة المسجد الأقصى ومحاولة نسفه، يزداد كلما اقترب تنفيذ خطة الإنسحاب من قطاع غزة، وأضاف مؤكداً أن "نسف مساجد الحرم بات خياراً يزداد الحديث عنه أكثر فأكثر" في هذه الأيام، وأردف "... وإذا كان هناك عشرة أشخاص يتحدثون عن ذلك، فإن ثمة شخصًا واحدًا على الأقل يفكر في الأمر بجدية". ويعتقد فرتسبرغر إن احتمال نجاح جهاز مخابرات "الشاباك" في الوصول إلى مثل هذا الشخص – المعتدي المقبل – هو إحتمال ضئيل مشيراً إلى أن تجربة الماضي تدل على أن مثل هذا الإعتداء المحتمل على المسجد الأقصى يمكن أن يكون ثمرة عمل عفوي غير منظم أو مخطط، من طراز الإعتداء – المذبحة – الذي أقدم عليه باروخ غولدشتاين ضد المصلين العرب في الحرم الإبراهيمي بالخليل، على حد تعبيره.

هذا الرأي، أثنى عليه نداف شرغاي ويوسي ميلمان في ختام تقريرهما، بقولهما: إن تجربة الماضي تدل على أن مخططي ومنفذي الهجمات في الحرم القدسي، الذين لم يخضعوا لمراقبة أمنية واعتقلوا بطريق الصدفة، كانوا شخصيات غير معروفة من هوامش المجتمع، وليس من صفوف المستوطنين أو الحركات الدينية المتعصبة بالذات، لكنهم تعرضوا لتأثير الأفكار والفتاوي الدينية المعبرة عن تيارات واتجاهات معروفة في الدولة والمجتمع الإسرائيليين.

مسلسل الاعتداءات الإسرائيلية على الحرم القدسي

فيما يلي نبذة تلخص ابرز الاعتداءات، او محاولات الاعتداء، التي تعرض لها الحرم القدسي الشريف منذ وقوعه تحت الاحتلال الاسرائيلي في حرب حزيران العام 1967 ، والتي تبين حجم وطابع المخططات التي تحيكها وتعمل على تنفيذها العديد من المؤسسات الاسرائيلية، الرسمية وغير الرسمية، بهدف تقويض وهدم- ناهيكم عن طمس المعالم والهوية الاسلامية – للحرم القدسي توطئة لاعادة بناء

"الهيكل" المزعوم على انقاضه. فالمتأمل لتواريخ الاعتداءات وطابعها يلاحظ ان هناك مخططا منهجيا شبه رسمي، ان لم نقل رسميا، يجري العمل على تنفيذه لهذا الغرض، برعاية سلطات الاحتلال، حتى لو ان بعض الاعتداءات كان يظهر كعمل فردي، او من جانب "مجموعات هامشية متطرفة" لكن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة كانت طوال الوقت تحمي هؤلاء الافراد او الجماعات بطريقة او بأخرى.

1967/6/7: قوات الاحتلال تجتاج الحرم القدسي حيث أعلن الجنرال مردخاي غور الذي اقتحم الحرم بعربة نصف مجنزرة الاستيلاء عليه مطلقًا عبارته الشهيرة اسرائيليا "هار هبيت بيدينو" أي "جبل الهيكل – الحرم – في ايدينا".

1967/6/15:الحاخام شلومو غورن ( الحاخام الاكبر للجيش الاسرائيلي) وخمسون من اتباعه يقيمون صلاة دينية في ساحة الحرم الشريف، وقد صرح غورن قائلا ان بعض اقسام منطقة الحرم ليست من اقسام جبل الهيكل ولذلك فان تحريم الشريعة اليهودية (للصلاة في الحرم ) لا يشمل هذه المناطق مدعيا انه توصل الى تلك النتائج بعد القيام بقياسات وجمع شهادات تستند الى علم الحفريات.

1969/6/16: استولت السلطات الاسرائيلية على "الزاوية الفخرية" التي تقع في الجهة الجنوبية الغربية من ساحة المسجد الاقصى، وفي 24 من الشهر نفسه استولت السلطات الاسرائيلية على المدرسة التنكزية التي تعرف بالمحكمة وتقع عند باب السلسلة وتتخذ منها قوات الاحتلال موقعا عسكريا لها.

1969/8/21: اقتحم المتطرف دنيس روهان المسجد الاقصى وقام باضرام النار فيه حيث أتت النيران على مساحة واسعة من المسجد بما في ذلك محراب صلاح الدين التاريخي، الا ان المواطنين العرب في القدس هبوا عن بكرة ابيهم لاخماد الحريق وحالوا دون امتداد ألسنة النيران الى مختلف انحاء المسجد.

1979/8/14: حاولت جماعة "امناء جبل الهيكل" المتطرفة بزعامة غرشون سلمون اقتحام المسجد الاقصى لإقامة طقوس دينية يهودية فيه، الا ان المواطنين العرب افشلوا المحاولة، وعمل المتطرف مئير كاهانا واتباعه على تكرار المحاولة بدعم من قوات كبيرة من رجال الشرطة الا ان الاف المواطنين العرب تصدوا لهم وخاضوا مواجهات ضارية مع قوات الشرطة دفاعا عن الحرم سقط خلالها عشرات الجرحى في صفوف المواطنين.

1981/1/13: اقتحم أفراد حركة أمناء جبل الهيكل الحرم القدسي يرافقهم الحاخام موشيه شيغل وبعض قادة حركة "هتحيا" اليمينية و حاولوا الصلاة في المكان وهم يرفعون العلم الإسرائيلي ويحملون كتب التوراة.

1981/8/28: الإعلان عن "اكتشاف" نفق يمتد من أسفل الحرم القدسي يبدأ من حائط المبكى، وقد طلب كل من وزير الأديان ووزير الدفاع "اريئيل شارون" في حينه إحاطة الموضوع بسرية تامة، وذكرت التقارير أن هذا السرداب – النفق – قام بحفره حاخام حائط المبكى وعمال من وزارة الشؤون الدينية. وقد أدى استمرار الحفريات تحت المسجد الأقصى إلى تصدع خطير في الأبنية الإسلامية الملاصقة للسور الغربي.

1982/3/2: قامت مجموعة من المتطرفين اليهود من مستوطني كريات أربع مزودة بالأسلحة النارية بمحاولة اقتحام المسجد الأقصى من باب السلسلة بعد أن اعتدت على الحراس.

1982/4/8: العثور على طرد يحتوي على قنبلة وهمية ورسالة تهديد عند باب الحرم الشريف وقد وقعت الرسالة من قبل حركة "كاخ" و "أمناء جبل الهيكل".

1982/4/11: قام أحد الجنود الإسرائيليين ويدعى هاري جولدمان، بإقتحام المسجد الأقصى وأخذ يطلق النيران بشكل عشوائي على المصلين مما أدى إلى استشهاد مواطنين وجرح أكثر من ستين آخرين.

1982/7/25: اعتقال يوئيل لرنر أحد ناشطي حركة "كاخ" بتهمة التخطيط لنسف أحد مساجد الحرم القدسي وأدين بعد ثلاثة شهور بتهمة التخطيط لنسف مسجد قبة الصخرة.

1983/3/10: أوقفت الشرطة مجموعة من اليهود بتهمة التخطيط لدخول الحرم بالقوة، وكانت الشرطة قد اكتشفت أربعة من الجنود المسلحين يحاولون إقتحام أحد الممرات الأرضية داخل باحة المسجد الأقصى، وتبين أن هؤلاء يعملون في إطار مجموعة ترأسها الحاخام "يسرائيل أريئيل" - حاخام مستوطنة "يميت" في سيناء – والرجل الثاني في قائمة حركة "كاخ" لإنتخابات 1981. ولدى تفتيش بيت أريئيل وبيوت أشخاص آخرين ضبطت مجموعة من الأسلحة ورسومات لمنطقة الحرم القدسي.

1985/8/21: سمحت السلطات الإسرائيلية رسمياً للمتطرفين اليهود بإقامة طقوس دينية والدخول إلى الحرم القدسي ضمن مجموعات صغيرة، وذلك بعدما قرر عدد من الحاخامات بصورة نهائية السماح لليهود بأداء مثل هذه الطقوس داخل الحرم ومحاولة إقامة كنيس يهودي في إحدى ساحاته.

1990/10/8: ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة داخل الحرم القدسي مما أدى إلى استشهاد 22 مصلياً وإصابة العشرات بجروح.

1996/9/24: وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بفتح نفق تحت السور الغربي للمسجد الأقصى كانت السلطات الإسرائيلية قد عملت طوال السنوات السابقة سراً على شقه، وقد أدى قرار نتنياهو إلى إندلاع صدامات واسعة في سائر أنحاء الأراضي الفلسطينية، أسفرت عن استشهاد وجرح المئات من المواطنين.

1999/1/27: كشف النقاب عن تخطيط أحد ناشطي اليمين الإسرائيلي ويدعى "دميان فاكوبيتش" لتنفيذ عملية تفجير كبيرة تهدف إلى نسف المسجد الأقصى، حسب اعتراف المذكور.

1999/10/3: قام رئيس الوزراء الإسرائيلي "إيهود باراك" بتدشين مدرج في الجهة الجنوبية للمسجد الأقصى بهدف تمكين اليهود المتطرفين من أداء الطقوس الدينية في هذا المكان.

2000/9/28: قام زعيم حزب الليكود "أريئيل شارون" بزيارة استفزازية للحرم القدسي الشريف وتجول في باحة المسجد الأقصى تحت حراسة مشددة وبرفقة عدد من أعضاء حزبه في الكنيست، الأمر الذي أشعل شرارة إنتفاضة الأقصى والقدس المستمرة حتى اليوم.

2004/2/9: قامت مجموعة من اليهود المتطرفين بالدخول إلى الحرم القدسي وحطمت أعمدة رخامية أثرية موجودة في ساحة المسجد الأقصى، وذلك خلال جولة قام بها هؤلاء المتطرفون تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، كما قام أفراد هذه المجموعة بالدخول إلى المصلى المرواني داخل الحرم وتأدية طقوس دينية في المكان.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات