المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ينتظر أن تصادق الحكومة الاسرائيلية، قريبًا، على الخريطة الهيكلية القطرية لإسرائيل والمعروفة باسم "تاما 35- 2020" والتي تجسد الرؤية العامة أو السياسات العليا للتطوير والبناء فيها للعقدين القادمين.

وكان ما يعرف بـ"المجلس القطري للتخطيط والبناء" قد انتهى مؤخرا من بلورة الخطة " تاما 2020" بعد خمس سنوات من المداولات والتحضير والتي تعتبر بمثابة توصيات ستتحول الى قرارات ونظم ملزمة بعد مصادقة الحكومة عليها. وبوسع من يهتم بالسؤال عن كيف ستبدو اسرائيل بعد عشرين عاما من ناحية المظهر العام ومن ناحية التطوير والبناء ان يجد جوابا في هذه الخطة الاستراتيجية التي كان معدوها قد استرشدوا رسميا عند بلورتها باحتياجات السكان، تطورهم وازدياد عددهم حتى العام 2020، غير ان الاعتبارات الايديولوجية والسياسية للمؤسسة الاسرائيلية تركت بصماتها عليها في واقع الحال. وكان من المفروض ان يبدأ العمل بها في العام 2000 الا ان مشاكل بيروقراطية حالت دون ذلك.

وتستند الخطة الى اساس مركزي مفاده تخصيص اراض للبناء في مناطق تقع ضمن سلطة نفوذ المدن او في مناطق ملاصقة لها بهدف الاحتفاظ بأكبر كمية ممكنة من المساحات المفتوحة للمستقبل. ولهذا الغرض تم تقسيم البلاد الى احواض مختلفة عن بعضها البعض من ناحية حجم البناء والتطوير الذي سيسمح في كل منها. كما تستند الخطة الى اساس مركزي اضافي يتمثل في توفير الفرصة امام تطوير المناطق الواقعة في الأطراف بهدف تعزيز النقب والجليل. ولذا قررت الخطة ان يكون النقب منطقة محمية يحافظ فيها على الطبيعة والمنظر العام وبنفس الوقت سمح بتشييد مناطق صناعية ومرافق سياحية خارج المجمعات السكنية في حين عرفت اماكن اخرى في النقب كمنطقة قروية يمكن توسيع مجمعات سكنية قائمة فيها بشكل كبير. وخصصت الخريطة الجديدة اماكن واسعة في منطقة المركز كمساحات محمية كما هي الحال في الجليل والنقب ومع ذلك فإنها تسمح بانتشار بعض المدن كما يبدو واضحا في مدينة القدس التي منحت الفرصة للتوسع على حساب مناطق مفتوحة واسعة. في المقابل نجح مندوبو المنظمات الخضراء وجمعيات حماية الطبيعة في اقناع مديرية خريطة "تاما 2020" بالغاء منطقة حرشية شرقي قريتي كفركنا وعين ماهل بمساحة 25 الف دونم كانت خصصت في البداية لتوسيع منطقة نفوذ بلدية نتسيرت عيليت وهي المدينة التي اقيمت إضافة إلى مدينة كرمئيل ايضا في نهاية الستينات من اجل تهويد الجليل. ومن ضمن التجديدات البارزة في الخريطة الهيكلية القطرية لاسرائيل (تاما 2020) استحداث تعريف جديد، "المشاهد الطبيعية"، الى جانب المناطق المحمية والحدائق الوطنية وفيها ستفرض قيود صارمة على البناء والتطوير وحتى البنى التحتية فيها ستكون ممنوعة الا في حالة اقتضت الضرورة ذلك وانعدمت البدائل. ومن ضمن هذه الاماكن منطقة نهر اليركون (نهر العوجا) والمنطقة بين الساحل وبين القدس.

وخلال الاجتماعات الاخيرة لبلورة الخريطة بشكلها النهائي لم يبد مندوبو منظمات الطبيعة المعروفة بالمنظمات الخضراء معارضتهم لها لكنهم سجلوا عدة تحفظات عليها منها التحفظ من توسيع منطقة التطوير والبناء المحيطة بالقدس. كما اكد أولئك دعمهم لتطوير النقب لافتين الى ضرورة انجاز ذلك دون ان يكون على حساب الطبيعة والمشاهد العامة ولذا اقترحوا ان تقام المرافق الصناعية والسياحية هناك داخل المدن او في اماكن ملاصقة لها. ومن ضمن مشاريع البنى التحتية التي اوصت بها "تاما 2020" تبرز مشاريع المواصلات ومنها بناء شبكة سكك حديدية خاصة في منطقة الشمال- في المنطقة الممتدة من عكا الى كريات شمونة في اقصى شمال البلاد- اضافة الى المثلث الشمالي ومنطقة الناصرة والجليل الاسفل. كما توصي باستكمال شارع "عابر اسرائيل" في منطقة الشمال- من شفاعمرو الى كفر ياسيف- ما يعني تكرار تجربة المثلث من حيث مصادرة المزيد من الاراضي العربية. هذا الى جانب بناء مطار كبير في منطقة كريات شمونة لربط الشمال بالمركز.

يشار الى ان مجلس التخطيط القطري يشمل 32 عضوا يمثلون كافة الشرائح الاجتماعية في اسرائيل، لكن تمثيل الفلسطينيين في الداخل يقتصر على رئيسي المجلسين المحليين في قريتي عيلبون والمغار رغم انهم يستحقون 5-7 اعضاء وفقا لنسبتهم السكانية(18 %).

في حديث لـ"المشهد الاسرائيلي" قال مدير المركز العربي للتخطيط البديل د. حنا سويد، رئيس مجلس محلي عيلبون السابق، ان "تاما 2020" تهدف الى ايجاد قوالب ملائمة للتطوير على أساس تكثيف المناطق المأهولة بالسكان من اجل الحفاظ على المساحات الطبيعية المفتوحة وعلى أساس تطوير البنى التحتية الرئيسة في اسرائيل. ولفت سويد الى ان الخطة خصصت اهتماما استثنائيا بالجليل والنقب لافتا الى ان ذلك يشكل للوهلة الاولى مدعاة للارتياح لدى المواطنين العرب الذين يشكلون 50 بالمائة من السكان في الجليل و 25 بالمائة من السكان في النقب. واضاف "لكننا نخشى ان ينحصر هذا الاهتمام بهاتين المنطقتين في تهويد المكان لمواجهة ما يعرفونه بالخطر الديمغرافي العربي. وفي مراسلاتنا مع المجلس القطري للتخطيط والبناء كنا قد اكدنا املنا بأن يخدم التطوير كافة السكان بدلا من ان يكون استجابة لدعوات تهويد الجليل والنقب. ورغم الاجوبة الايجابية التي تلقيناها غير ان الامتحان الحقيقي لهذه الخريطة ولتوجهاتها المعلنة يبقى في التطبيق كما هي الحال في مشاريع رسمية مماثلة اخرى تعتمد لغة موضوعية محايدة وتخلو من اشارة صريحة إلى التمييز ضد العرب. وهذه مشكلتنا مع القوانين في اسرائيل والتي تعامل العرب كمواطنين متساوين وعند الممارسة العملية يتم المضي في تضييق الخناق على العرب ومحاصرتهم".

واعتبر د. سويد، الذي كان عضوا في المجلس القطري للتخطيط خلال ادارته للمجلس المحلي في عيلبون، ان المشكلة التي يواجهها العرب في اسرائيل تكمن في لجان التخطيط والبناء اللوائية التي تناط بها مهمة ترجمة قرارات المجلس القطري للتخطيط فتمارس التمييز ضدهم. واعتبر سويد ان الغاء ضم المنطقة الحرشية في الجليل الشرقي لمدينة نتسيرت عيليت من النقاط الايجابية في الخريطة لكنه نوه الى ان الخريطة لم توص بتوسيع مسطحات البناء داخل مناطق النفوذ في المدن والقرى العربية رغم الضائقة السكانية الخانقة فيها. واضاف "لم تمنح المدن العربية تخفيضات ولم تراع خصوصيتها فاكدت الخريطة على اهمية الاهتمام بالزيادة السكانية كمعيار لتوسيع مسطح البناء غير انها رفعت نسبة الكثافة السكانية ما يعني انها اوصت بتشجيع البناء الى الاعلى بدلا من الانتشار بالطول والعرض. في المقابل أوصت اللجنة امام المسؤولين بتوسيع مسطحات البناء والتطوير والاهتمام بالمعطيات الاقتصادية والاجتماعية في كل بلد وبلد وهذا من شأنه خدمة اهداف المجمعات العربية التي تعاني من الفقر غير ان الامتحان يبقى بالتطبيق وبمدى ترجمة اللجان اللوائية لقرارات المجلس القطري للتخطيط".

وكيف تصف اسرائيل بعد عقدين بمنظار خطة "تاما 2020"? سألنا د. حنا سويد فقال "ستعمل هذه الخطة على وضع حد لظاهرة البناء والتوسع المنفلت من خلال الاعلان عن مساحات واسعة كمناطق محمية هذا اضافة الى تحسين شروط البنى التحتية وجودة البيئة في اسرائيل خاصة في المجمعات الكبرى".

وعن مدى طغيان الاعتبارات السياسية في رسم ملامح الخطة وعملية التطوير والبناء في اسرائيل قال د. سويد انه يخشى ان يتم في نهاية المطاف تحقيق اهداف مختلفة عن تلك التي حددتها الخطة ترتبط بدوافع ايديولوجية مثل توسيع المدن اليهودية او اقامة بلدات يهودية جديدة دون السماح باقامة اخرى مماثلة للعرب. واضاف "لا أتوقع أن تساهم هذه الخطة في تحسين اوضاع المدن والقرى العربية في اسرائيل لاعتبارات عنصرية. ورغم ان الخطة اخذت ببعض ملاحظاتنا فبات النص النهائي لخطة تاما 2020 افضل مما كان عليه بداية الامر غير اننا غير مرتاحين من المخطط العام. ارجو أن تواكب سلطاتنا المحلية هذه الخطة وتحسن اداءها في مجال التخطيط لمواجهة ما يخطط له ومن شأنه المس بمصالحنا الهامة".

(إقرأ مقال د. يوسف جبارين حول الخطة في مكان آخر)

المصطلحات المستخدمة:

تهويد الجليل, المثلث, مجلس محلي, تهويد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات