المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تحول برنامج مسابقة تلفزيونية، في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، انتهى الأسبوع قبل الماضي، إلى حلبة نقاش سياسي ساخن، تبعه نقاش أكثر سخونة وحدة في وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، بعد ان عكست الحلقة الأخيرة من هذه المسابقة الصراع الذي تعتبره اسرائيل الأكثر خطورة على مستقبلها، وهو وجود الفلسطينيين في وطنهم داخل حدودها (الأقلية الفلسطينية في وطنها).

ويجري الحديث عن مسابقة "مطلوب قائد"، التي بدأت قبل نحو ثلاثة اشهر بمشاركة 12 متسابقا، من شتى اطياف المجتمع الاسرائيلي السياسي والاجتماعي، وكانت المشاركة العربية الوحيدة للشابة عبير قبطي من مدينة الناصرة، التي لمعت في هذه المسابقة، بشهادة منافسيها وخصومها في تلك المسابقة، وايضا بشهادة لجنة حكم المسابقة، إلا ان هذه الشهادات سقطت في الحلقة الأخيرة، حين كان واضحا، وباعتراف شبه جماعي، ان عبير هي التي تستحق الفوز بجائزة خمسة ملايين شاقل (1,13 مليون دولار) لإقامة مشروع اجتماعي تديره بنفسها، فقد حرمت عبير من الجائزة لأنها رفضت الاعتراف برموز اسرائيل من علم ونشيد وشخصيات سياسية، التي تعتبرها كباقي ابناء شعبها رموزا عنصرية تلغي الوجود العربي في وطنه.

بداية الحكاية

كانت القصة قد بدأت بمشاركة عبير، وهي شابة في العشرينيات من عمرها، في مسابقة "مطلوب قائد" في القناة الثانية للتلفزيون الاسرائيلي، وشارك فيها 12 شخصا. وكانت عبير العربية الوحيدة في هذه المسابقة، وكان هدف المسابقة اختيار الشخص الأكثر ملائما والذي فيه صفات قيادية نموذجية. واستمرت المسابقة لعدة حلقات بحيث كان يخرج من كل حلقة متسابق واحد، الى ان بقي اربعة مشاركين من بينهم عبير.

وفي كل حلقة كان يطلب من المشاركين انهاء مهمة معينة تُفرض عليهم، ولكن الاصطدام السياسي كان أمرا مفروغا منه. وكان الاصطدام الأول لعبير مع متسابقة يمينية متشددة من احدى مستوطنات الضفة الغربية، ولاحقا كانت حلقة طلب من المتسابقين فيها زيارة قبر دافيد بن غوريون، أول رئيس حكومة لاسرائيل، ورفضت عبير زيارة القبر مع المشاركين، وقالت بوضوح: "إن هذا الشخص كان قائد ومنفذ عملية تهجير شعبي الفلسطيني من وطنه، ولهذا فلا يمكنني ان أكن له أي احترام".

وفي حلقة أخرى جرى نقاش حاد حول علم اسرائيل، الذي يعبر عن اسرائيل المزعومة في التوراة، إذ يمثل الخطان الازرقان نهري النيل والفرات، حسب مقولة: "من النيل الى الفرات تقام دولة اسرائيل"، ورفضت عبير الوقوف "احتراما للعلم"، والأمر نفسه تكرر حينما انشد المتسابقون في احدى الحلقات نشيد اسرائيل الوطني، الذي يعبر عن الأماني الصهيونية.

وطيلة حلقات المسابقة كانت عبير تتفوق على خصومها، إذ أبرزت مقدراتها القيادية وجرأتها وحدتها في طرح مواقفها من دون أي مساومة، واستمر هذا الحال الى الحلقة الأخيرة، التي تم بثها في الاسبوع قبل الماضي، حين مثلت عبير امام اللجنة، ولم يكن من رئيسها، رجل الأعمال اليهودي، بيني غاؤون، إلا ان يقول انه لا نقاش حول مقدرات عبير القيادية، ولكن هناك مشكلة وهي موقفها من رموز اسرائيل.

وحينها سألت الممثلة اليهودية غيلا ألماغور حول ما إذا توافق عبير على الوقوف حدادا على الجنود الاسرائيليين القتلى، في اليوم الذي يسبق يوم استقلال اسرائيل، وقبل ان تجيب عبير، قاطع غاؤون الممثلة المذكورة وقال لعبير: "انتبهي فإن اجابتك ستحسم مصيرك"، وردت عليه عبير بكل برودة اعصاب: "ليس لدي ما اتفاوض حوله، هذه مواقفي وهذه مبادئي التي هي ليست مطروحة للمقايضة، وبكل بساطة أنا لن اقف حدادا على هؤلاء الجنود".

حينها كان واضحا ان عبير خسرت الجائزة، التي فازت بها شابة يهودية. وقال عدد من الذين اعطي لهم حق التصويت، انه لا يمكنهم التصويت لمن ترفض الاعتراف برموز اسرائيل، على الرغم من مقدراتها.

و"خسرت" عبير بذلك الجائزة السخية، التي بالامكان القول انها خسرتها مع "سابق الاصرار" من ناحيتها ومن ناحية لجنة الحكم، التي وصفها المعلق الصحفي اوهاد أوشري في صحيفة "هآرتس"، بأنها لجنة على شاكلة "لجان جوزيف ماكارثي".

حملة انتقادات حادة في الصحافة الإسرائيلية

وظهرت في اليومين التاليين لنشر نتيجة المسابقة سلسلة من المقالات والتعليقات في جميع وسائل الاعلام الاسرائيلية، وفي غالبيتها الساحقة كانت الانتقادات موجهة للمسابقة ولجنة الحكم.

ففي مقال تعليقي يقول الصحفي اوهاد أوشري في صحيفة "هآرتس": لقد تم "اقصاء عبير قبطي في نهاية محاكمة سياسية مثير للاستفزاز"، من قبل لجنة تحكيم "تذكر للحظة بلجان جوزيف مكارثي (الأميركية)، فها هم سيطالبونها بأن تسلم زملاءها في الشبكة الذين لا يقفون دقيقة حداد" على جنود اسرائيل.

ويضيف أوشري: "بخلاف منافسيها الثلاثة فإن عبير لم تكن مطالبة بأن تبرز مقدرتها القيادية الاجتماعية، بل طلب منها بداية ان تثبت اخلاصها للدولة اليهودية ورموز الدولة القومية، فمن دون هذا فإن العربية لا تستحق على ما يبدو تحقيق حلمها".

وتحت عنوان: العربي الجيد هو العربي المخلوع يقول نوعام نجار في موقع الانترنت "والا": "إن عبير قبطي تفهم انه حين يبصقون عليها فهذا ليس مطرا، هي لم تأت للمسابقة لكي تتملق، بل لديها رسالة، لقد جاءت عبير لتذكرنا ان حدود المجتمع الاسرائيلي ليس كما يجول في مخيلتنا، بل يوجد عرب، فهل سمعتم؟ وهم فلسطينيون.. فلس- طي- نيون، كأولئك الذين في المهجر وفي الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين".

واختار الصحفي يوآف هار عوز عبير لتكون قائدته، في مقاله الذي نشره في موقع الانترنت "والا". ويقول: "لقد كشفت عبير ضيق الأفق عند غالبية المشاركين والحكام في المسابقة، فقد تلقت عبير توبيخا من ممثلة الثقافة في المسابقة الممثلة غيلا الماغور، لأنها لم تتبن رموز اسرائيل وتقف في يوم الحداد... هذا المطلب يذكرني بحادثتين في التاريخ، الأولى طرد اليهود في اسبانيا حين طلب منهم ومن المسلمين ان يغيروا دينهم وإلا عليهم مغادرة البلاد خلال تسعة أشهر. والحادثة الثانية هي المجزرة الكبرى التي ارتكبها الجنرال الأميركي كاستر ضد الهنود الحمر، فبعد ان ابيد الجنرال كاستر وجيشه اعتبر يوم قتلهم يوم حداد فهل يجبر الهنود الحمر على الوقوف دقيقة حداد على كاستر؟".

أما الصحفي ايتمار عنباري فقد كتب مقالا في موقع الانترنت التابع لصحيفة "معاريف"، قال فيه: "إن من توقع ان تركع عبير على ركبتيها وتبدي ندما على افعالها، وان تلقي خطابا صهيونيا احتراما لهيبة دولة اسرائيل، فقد خاب أمله"، لقد مثلت عبير باخلاص الجمهور العربي "فقد خسرت حقا على المدى القصير، ولكن في طريق آلامها التي عبرت فيها مساء امس (يوم المسابقة) وفي بعض حلقات المسابقة فقد شقت طريق عشرات آلاف الشبان والشابات العرب، ابناء الجيل المنتصب القامة، الذين يطالبون بحقوقهم من دون تملق وتلون".

ورأت ليلاخ فولخ ان عبير قبطي هي الوحيدة التي وصلت الى الحلقة الأخيرة مع عمود فقري لمبادئها ومواقفها، ولكن عبير أقدمت على الخطأ التقليدي لجميع الأقليات (من باب التهكم)، "بأنها لم تنحن وتطأطئ رأسها".

ويقول عضو الكنيست محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، في مقال له نشره في موقع "واينت" التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت": "لقد تم اقصاء عبير فقط لأنها سبحت ضد التيار والاجماع... لقد ذكرنا اقصاء عبير أين نعيش نحن، وما هي معايير حتى عضو هيئة الحكم (بيني غاؤون) غير المحسوب على اليمين المتطرف الترانسفيري المتخلف... نحن من جهتنا سنواصل اعتزازنا بعبير، فبالنسبة لنا هي قائدة من دون تحفظ...".

ويمكن القول إنه في هذه المسابقة نجحت عبير في عرض الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من زاويته التي تريد اسرائيل ان تحجبها قدر الإمكان. وأمام ما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، وما يواجهه فلسطينيو المهجر، فإن هذه الزاوية تظهر أحيانا كمنسية، صراع الفلسطينيين في وطنهم الذي جاهدوا وناضلوا من أجل البقاء فيه ونجحوا، حتى ان أحد مؤرخي اسرائيل بيني موريس اعتبر أخيرًا وجود هؤلاء الفلسطينيين في وطنهم على انه "أحد أكبر اخطاء اسرائيل التاريخية"، بأن "سمحت" لهم بالبقاء في العام 1948!.

عبير قبطي لـ"المشهد الإسرائيلي": أردت إسماع صوت شعبي المهمش في داخل اسرائيل

* "المشهد الإسرائيلي": ما الذي دفعك للمشاركة وماذا كان في مخيلتك عند المشاركة؟

عبير قبطي: بالاضافة الى رغبتي بالفوز لتحقيق مشروعي الاجتماعي اردت استغلال المنصة لاسماع صوت الجماهير العربية المهمش في الاعلام الاسرائيلي، وايضا لايصال مواقفي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ورؤيتي النسوية.

قبل بدء البرنامج كانت لدي تخبطات وتردد كبير حول مشاركتي، وخشيت من ان لا انجح في تمثيل المجتمع العربي كما يجب، خفت من التعرض لمواقف من الممكن ان تهينني كوني عربية، خفت من ان لا اعطى فرصة لطرح مواقفي، وبهذا يصورني البرنامج على انني "العربي الجيد" من منظورهم.

قبل يومين من بدء التصوير اردت الانسحاب، اتصل بي احد القائمين على البرنامج واقنعني بالانضمام. في النهاية قررت الانضمام، بالأحرى المخاطرة من اجل فرصة ولو صغيرة بإحداث تغيير في الرأي العام الاسرائيلي.

وكانت مشاركتي على الرغم من معارضتي لمثل هذا النوع من البرامج والمسابقات التلفزيونية، ولكن بما ان هذا البرنامج له طابع سياسي اجتماعي والفائز في نهاية البرنامج يحصل على مبلغ مالي ليس لمنفعته الشخصية وانما لتحقيق مشروع اجتماعي يحلم به، فقد قررت المشاركة، بالاضافة الى انني رأيت في البرنامج وسيلة، فإذا كنت لا استطيع تغييرها فعلى الاقل علي ان استعملها.

* "المشهد الإسرائيلي": حدثينا عن الصدامات التي نشرت او لم تنشر.

عبير قبطي: في الحلقة الاولى بدأنا بالتصوير في موقع قبر بن غوريون، على اساس انه يمثل "اكثر من اي شيء- القيادة". اشترطت قبولي بالتصوير في الموقع باعطائي الفرصة للتعبير عن موقفي منه وقلت حينها انه لا يمثل بعيني القيادة وانما النكبة. عندما بثت الحلقة الاولى اكتشفت بأنهم لم يدخلوا هذا المقطع، فأصررت على أن يبث في الحلقة القادمة، وفعلا بث في الحلقة الثانية مما اثار زوبعة في الوسط اليهودي ضدي.

في حلقة اخرى كنت الوحيدة من بين المشتركين التي واجهت الشابة المستوطنة من كريات اربع (احدى المشاركات)، عندما طرحت مشروعها باقامة مركز حوار يستثني العرب. وفي حلقة اضافية تحدثت بشكل واضح عن موقفي من المستوطنين.

هذا طبعًا بالاضافة الى رفضي الوقوف على انغام النشيد الوطني الاسرائيلي، وقد طرحت موقفي بشكل واضح من رموز الدولة.

من الامور التي لم تنشر مثلا، هي عندما تحدثت عن القرى غير المعترف بها في النقب، حيث قمنا في الحلقة الاولى باقامة حديقة العاب في حي مهمل بأشكلون، وقد قلت بأن هنالك اماكن اخرى في البلاد تنقصها امور اكثر اساسية من حديقة العاب، لكن هذا المقطع لم يبث.

ومقطع اخر لم يبث كان في سياق وضع السلطات المحلية، وتحدثت حينها عن مسؤولية الدولة وسياستها الاقتصادية الاجتماعية.

لم تكن في البرنامج العديد من الصدامات، فغالبية المشتركين كانوا يحاولون التظاهر بالانفتاح والتقبل، ولكن ليس امام الكاميرات ومن دون مواجهتي كانوا يناقشون مواقفي.

* "المشهد الإسرائيلي": ما هو تعقيبك على القرار وتعليقك على الفائزة؟

عبير قبطي: لقد حاول القائمون على البرنامج أن يؤكدوا في كل فرصة أن البرنامج لا يبحث عن قائد/ة سياسي/ة وانما قائد/ة اجتماعي/ة. ولم يرق لهم دائما اقحامي للسياسة في كل فرصة. لكن في نهاية المطاف ما جرى معي في الحلقة الاخيرة ما هو الا محاكمة سياسية. من بين المشتركين الأربعة الذين وصلوا الى النهائيات، انا الوحيدة التي أجرى لها الحكام استجوابا سياسيا، لم يسألوا مثلا أيًا من المشتركين الثلاثة عن موقفهم من الاغتيالات السياسية او موقفهم من خطة الانفصال! فقد حظي جميعهم باسئلة حول سلوكهم في المهام التي اعطيت لنا خلال البرنامج.

لقد قال الحكام بشكل واضح جدا انهم يرون مشكلة في تعاملي مع رموز الدولة ولهذا هم لا يستطيعون منحي الجائزة. في الحقيقة كنت افضل عدم الفوز وذلك لانني لم ارد بأن يتم استغلال فوزي للادعاء بأن الدولة عادلة وديمقراطية مع العرب، وهو الأمر غير الصحيح اطلاقا.

من جهتي انا فخورة بمواقفي التي لم ولن أساوم عليها، الجائزة لا تعنيني بقدر ما يعنيني انني استطعت ان احمل رسالة المواطنين العرب بامانة. وانا ارى بان الضجة الاعلامية التي رافقت خروجي من البرنامج هي بمثابة انجاز.

بالنسبة للفائزة (فتاة اسمها ميراف) فأنا بعلاقة جدًا طيبة معها، وخلال البرنامج برزت علاقتنا الحميمة. أنا سعيدة على الاقل بان الفائزة هي امرأة. ولكنها امرأة لم تخرج عن الحيز المركزي الإسرائيلي: إمرأة متسلطة، ذات ماض عسكري صاخب، وآراؤها السياسية تنسجم مع التيار المركزي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات