المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب وديع عواودة:

تواصل حركة "زوخروت" (يتذكرن) الاسرائيلية المبادرة الى فعاليات تعتبر راديكالية وغير مألوفة بتاتا في المشهد الاسرائيلي سيما في هذه المرحلة التي يشهد فيها المجتمع الاسرائيلي منذ بدء الانتفاضة انغلاقا اعمى نحو الاخر الفلسطيني يكاد يكون غير مسبوق. وتسعى هذه الحركة، وفقا لميثاقها المعلن في نشراتها وفي موقعها على الشبكة المعلوماتية، من أجل دراسة النكبة والتأثير على وعي الاسرائيليين وفتح عيونهم على الرواية الفلسطينية بعدما حجبت الحركة الصهيونية رؤية أو سماع سواها عن سبق الاصرار بهدف طمس الحقيقة وتزوير التاريخ.

في حديث لـ"المشهد الاسرائيلي" لفت رئيس "زوخروت" إلى أن محاولة التأثير على الوعي الجمعي للاسرائيليين وتعريفهم على النكبة يخفف من وطأة الصراع ويشكل بالنسبة لهم هدفا مرحليا تمهيدا لتعميم القناعة السياسية الجوهرية للحركة والتي يلخصها بالقول "لا مصالحة ولا مجال للسلام بدون الاعتراف بآثام الصهيونية وبمسؤوليتها عن مآسي الفلسطينيين وبدون اقامة دولة واحدة ديمقراطية ثنائية القومية".

وكانت الشرطة الاسرائيلية قامت يوم السبت 11.12.04 باعتقال مجموعة من الناشطين اليهود أعضاء حركة "زوخروت" الذين زاروا مدينة الرملة خلال تثبيتهم لافتات معدنية تحمل اسماء الشوارع الاصلية فيها الى جانب التسميات الصهيونية التي استبدلت الاسماء العربية بعد العام 48. وبهذه الطريقة أحيا هؤلاء الذكرى السنوية لصدور قرار الامم المتحدة رقم 194 المقر بحق العودة للاجئين الفلسطينيين بتثبيت لافتات باسماء "شارع يافا- القدس" الذي اصبح "الهاجناه" و"عمر بن الخطاب" الذي حول الى "شارع هرتسل" و"الخلفاء الراشدين" الذي حول الى "شارع الايتسل" وغيرها من شوارع الرملة. وفيما اعتقل رئيس جمعية "زوخروت"، ايتان برونشطاين، كانت دوريات الشرطة تجوب شوارع الرملة بحثا عن نشطاء آخرين تنسب اليهم تهمة تنظيم الزيارات وتثبيت الاسماء العربية في مفترقات المدينة.

وقد أصدرت جمعية "يتذكرن" بيانا هاجمت فيه الشرطة على إعتقالها رئيس الجمعية إيتان برونشطاين (50 عاما) معتبرة ذلك محاولة لمنع العمل السياسي الديمقراطي الذي يخدش النظام السائد والقائم على تهويد المكان. وأضاف "هذه الملاحقة تذكرنا بأن الاحتلال الصهيوني بدأ في العام 48 لا في العام 67". ويتابع البيان على لسان رئيس الحركة "خلال التحقيق معي سئلت من قبل قائد شرطة الرملة مئير ارنفلد : عما تبحث هنا في الرملة؟ فأجبت: أنا اشعر بالخجل والخزي لما فعلناه للسكان العرب هنا".

وخلال زيارة المدينة تم توزيع كراسات بالعربية والعبرية على السكان اليهود والعرب في الرملة وهي تتضمن شروحات وافية عن عمليات التهجير والمجازر التي اقترفتها الصهيونية خلال النكبة. وجاء في مقدمة الكراس "نتذكر الرملة" ان ثلاث وحدات اسرائيلية، "يفتاح" و"جبعاتي" و"كرياتي" بقيادة موشيه ديان واسحق رابين، قامت باحتلال مدينتي اللد والرملة لافتة الى المجزرة المروعة التي أودت بحياة 250 فلسطينيًا ذبحوا داخل مسجد دهمش في المدينة المجاورة، اللد، قبيل اصدار الاوامر العسكرية بطرد السكان العرب. واضافت النشرة "في ليلة الثاني عشر من تموز عام 48 تمت عملية التهجير. تلك العملية مشابهة لعمليات جرت في مدن أخرى وفي 530 قرية. قصة تدمير الرملة وسكانها هي جزء من النكبة الفلسطينية وصدمة تاريخية ما زالت تعامل بالكتمان والنكران في المجتمع الاسرائيلي".

وتنشط حركة "يتذكرن" منذ العام 2001 في مجال اطلاع الرأي العام الإسرائيلي على الرواية الفلسطينية لما جرى عام 48 من ناحية جرائم الصهاينة في التهجير والاقتلاع وتغيير المعالم الجغرافية والتاريخية والديمغرافية لفلسطين، من خلال اصدار كراسات علمية (تستند الى المصادر التاريخية الفلسطينية المكتوبة والشفهية والاسرائيلية) والزيارات الميدانية واستخدام ما يتيسر من وسائل الاعلام. وتحيي "يتذكرن" الذكرى السنوية للنكبة الفلسطينية كل عام بالمسيرات الى القرى والمدن المهجرة، سوية مع لجنة الدفاع عن المهجرين، وخلال ذلك يتم تثبيت أسمائها في المكان. كما تقوم طيلة أيام السنة بتنظيم زيارات ارشادية للمواقع الفلسطينية المهجرة التي قامت على انقاضها المستعمرات والمدن الاسرائيلية كتطبيق عملي لمجمل نشاطاتها في الاعلام وفي موقعها الخاص باللغات العربية والعبرية والانجليزية على شبكة الانترنتwww.nakbainhebrew.org) ).

حول دوافع وظروف نشاطاتها وردود فعل الاسرائيليين عليها تحدثنا الى رئيس الجمعية ايتان برونشطاين. وهو مرب مشارك في مشروع خاص بالشبيبة في "واحة السلام" بجوار القدس.

* متى وكيف تأسست جمعية "زوخروت"؟

- تأسست هذه الجمعية في فبراير/ شباط 2002 بمبادرة مني وبعض الاصدقاء والرفاق الطيبين ويبلغ عدد الناشطين الرسميين فيها اليوم بضع عشرات لكننا مبطنون بغلاف من الاصدقاء والمؤيدين يعدون نحو الألف نراسلهم ويشاركوننا فعالياتنا وهناك اصدقاء اجانب لنا.

* من يمول نشاطاتكم؟

- بسبب تأييدنا لحق عودة اللاجئين نحرم من مصادر التمويل التي تزود الجمعيات الكثيرة الاخرى بالميزانيات. لذا فاننا نتلقى مساعدات من الخارج فقط.

* ما هي هذه الجهات؟

- جهات مختلفة مثل "المنونايت" وهي طائفة مسيحية سلامية في كندا او منظمة الكنائس البروتستانتية في هولندا.

*وماذا تهدفون من وراء هذه الفعاليات التي تغرد بعيدا جدا عن السرب الاسرائيلي-الصهيوني؟

- نتطلع الى تعريف الاسرائيليين بالنكبة، إذ ندرك أن عدم المعرفة تفضي الى انعدام المسؤولية ونحن نؤمن ايمانا قاطعا ان اعتراف الطرف الاول بمسؤوليته عن معاناة الطرف الاخر ضرورة حتمية لتحقيق السلام او للمصالحة.

* وكيف تقيم نجاحكم من ناحية تعريف الاسرائيليين بالنكبة؟ وهل ثمة من يصغي لكم؟

- هناك مسيرة ونشاطات يشارك فيها المئات وردود الفعل عليها والاهتمام بنا في تزايد. وهذا ما نلمسه في وسائل الاعلام. لم ننجز تغييرا جوهريا حتى الآن ولكننا ندرك اننا خارج التيار المركزي في المجتمع الاسرائيلي بل نسبح بعكس اتجاهه ونعي صعوبة عملنا الا ان مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة.

* وهل هذه مهمة ممكنة برأيكم؟

- نعم هذه مهمة واقعية .. ورغم ان صورتنا تبدو راديكالية جدا لكننا نتعامل مع موضوع انساني واساسي وقابل للتغيير ولا تنسى ان هذه هي قناعتنا السياسية التي تحركنا وتقف خلف تحركاتنا.

* وما هي معالم أو حدود هذه الرؤية السياسية؟

- نحن نسعى لتحقيق الهدف البعيد المدى المتمثل باقامة دولة ديمقراطية واحدة تتسع للعرب وللاجئين ولليهود الذين سيكونون اقلية متساوية الحقوق كسائر الدول المتحضرة بخلاف دولتنا العنصرية. نحن نؤمن ان الصهيونية تشكل خطرا لا على العرب والبيئة المحيطة فحسب بل على اليهود انفسهم ولذا ينبغي ان تنتهي من هذا العالم وبدون ذلك لن يتحقق السلام على الارض لان العرب لن يرضوا به ولا اليهود النزيهون.

* وماذا تقول لمعارضي حق العودة من الاسرائيليين الذين يحرصون على "الميزان الديمغرافي" خلال الجدل بينك وبينهم؟

- ان كل من يستخدم هذا المصطلح يعني انه صاحب توجهات عنصرية وبدلا من هذه الافكار المريضة نحن نطرح فكرة الدولة الديموقراطية والتاريخ أثبت فيما مضى ان اليهود عاشوا في فترات ذهبية في ظل انظمة حكم عربية.

* ألا تسبب لكم هذه المواقف الملاحقة والحرمان داخل المجتمع الاسرائيلي؟

- نتعرض الى صعوبات وردود فعل قاسية لكنها لم تبلغ حد المقاطعة والملاحقة والفصل من العمل على سبيل المثال. وسبق أن تلقيت تهديدا هاتفيا من مجهول بقتلي كما نستمع أحيانا الى هتافات اشخاص بالشارع ينعتوننا بـ"الخونة" ويدعون الى تصفيتنا.

* وهل تتلقون ردود فعل فلسطينية؟

- نعم بالتأكيد . تصلنا المئات من رسائل ومكالمات التشجيع من البلاد والعالم ولنا علاقات تعاون مع جمعية "البديل" في الضفة الغربية المحتلة و"العودة" في لندن.

* هل خدمت بالجيش؟ ومتى باشرت في نشاطك الراديكالي؟

- نعم. شاركت مثلي مثل الاخرين في الخدمة الالزامية والاحتياط ايضا. لكن الانكسار حصل مع بدء الاجتياح للبنان . في تلك الاثناء كنت لا أزال عضوا في كيبوتس "بحان" في المثلث وأحمل افكارا يسارية فرفضت المشاركة في تلك الحرب البربرية ثم انفجرت الانتفاضة الاولى واخذت افكاري تكتسب المزيد من التبلور والوضوح.

* ومن أين تستمد قوة الدفع للسباحة ضد التيار المركزي الصهيوني في اسرائيل؟

- أولا هذا طريق سليم ومثير بالنسبة لي اضافة الى ردود الفعل المشجعة من جهات مختلفة وان كانت محدودة فانا لا اشعر بالعزلة.

* أنت تحضر لشهادة الدكتوراة في جامعة بار ايلان حول طمس معالم القرى الفلسطينية خلال وبعد تهجير أهلها. هل تلقى التشجيع من الجامعة ايضا؟

- هنالك شخصيات أكاديمية مشاركة معنا ومؤيدة لنا امثال بروفيسور عادي اوفير، المحاضر في قسم الفلسفة السياسية وزوجته التي ترشدني في تعليمي للقب الثالث، د. اريئيلا ازولاي. وبشكل عام تمنح جامعة بار ايلان، على رغم توجهاتها اليمينية والمتدينة، لجمعيتنا الفرصة لتنظيم نشاطات حول النكبة والرواية الفلسطينية في السنوات الاخيرة. وربما يكون ذلك محاولة لاحداث نوع من الموازنة وتعديل صورتها الاعلامية اليمينية المتطرفة بعد ان قتل اسحق رابين على يد أحد طلابها، يغئال عمير.

يشار الى ان "زوخروت" تتبنى هذه الأيام الاعتراضات الرسمية التي قدمت للجان التنظيم والبناء في القدس لمنع "الترميمات" في قرية لفتا المهجرة لان ذلك يعني الاجهاز الكلي على ما تبقى من بيوتها، كما يؤكد برونشطاين، الذي شرح وجهة نظره بهدوء وثقة بارزين.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات