بعد أسبوع من تضارب الأنباء حول ميل وزير الدفاع الإسرائيلي، شاؤول موفاز، لتعيين اللواء جابي أشكنازي، خلفا لقائد هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، موشي يعالون، أعلن موفاز، مساء الثلاثاء (22/2/2005)، قراره تعيين اللواء دان حالوتس، ممتنعا بذلك عن الدخول في مواجهة مع شارون الذي يعتبر حالوتس "أحد المقربين جداً منه ويتوافق مع توجهاته العسكرية والسياسية"، و"أكثر الشخصيات التي ستضمن لشارون الطريق الأنجح لتنفيذ خطة الانسحاب الأحادية الجانب من قطاع غزة"، حسب ما تراه جهات عسكرية إسرائيلية.
ويأتي تعيين حالوتس لقيادة الجيش الإسرائيلي خلفاً للقائد الحالي، يعالون، الذي وجه إليه شارون وموفاز صفعة مدوية، حسب ما يراه قادة في الجيش، عندما قررا وخلافا للنهج المتبع في الجيش منذ تأسيسه، الامتناع عن تمديد ولايته لسنة أخرى.
واللافت، حسب ما يقوله سياسيون وعسكريون إسرائيليون، أن شارون قرر عزل يعالون من منصبه بسبب تفوهاته ضد خطة فك الارتباط. كما أنه سبق أن عزل رئيس جهاز المخابرات العامة (الشاباك)، آفي ديختر، من منصبه بسبب تصريحه القائل إن الانسحاب الإسرائيلي من القطاع سيحول المنطقة إلي جنوب لبنان بالنسبة لإسرائيل!
وما تجدر الإشارة إليه في التعيينات الجديدة هو أن شارون يحيط نفسه بضابطين لهما علاقة مباشرة بجرائم الاغتيالات ضد الفلسطينيين خلال سنوات الانتفاضة. فإلى جانب الجنرال حالوتس، الذي كان المسؤول المباشر عن تنفيذ الاغتيالات، قرر شارون استبدال ديختر بيوفال ديسكين، الذي ابتكر خطة الاغتيالات، والذي ينعت في إسرائيل بـ"الرجل الذي يتحرك والسكين في فمه". ولعل هذا يفسر التحذير الذي تضمنه تقرير أعدته وزارة الخارجية الإسرائيلية والذي يتوقع وصول العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى "انفجار" بعد تنفيذ خطة فك الارتباط. فالمحللون يتفقون على أن شارون لن يقدم للفلسطينيين أكثر ما تتضمنه خطة فك الارتباط، وسيحافظ في الضفة الغربية على أكبر مساحة من المستوطنات، وسيرفض حق العودة وتقسيم القدس وغيرها من القضايا الجوهرية التي يفترض مناقشتها في مفاوضات الحل الدائم. من هنا يسعى شارون إلى إحاطة نفسه بدائرة عسكرية استخبارية قوية، عمدتها موفاز، حالوتس، ديسكين ومئير دغان (الأخير في رئاسة الموساد").
وبمتابعة ما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن ما يشغل الأوساط العسكرية والأمنية الآن هو مجموعة من القضايا في أكثر من ساحة: فمن الجهة الفلسطينية يجري بحث مسألة مستقبل العلاقة مع السلطة الفلسطينية وإمكانية العودة إلي المواجهات. ومن الجهة الشمالية، القريبة من سورية ولبنان، ثمة إمكانية لتصعيد الوضع الأمني.
أما الساحة الأكثر قلقا لإسرائيل هذه الأيام، على ما يبدو، فتتركز في ما يصفه الإسرائيليون بـ"التهديد الايراني" المتمثل في سعي إيران إلي حيازة سلاح نووي. وأمام هذه الأبحاث دعمت الأكثرية اتجاه شارون بتعيين حالوتس.
فالجنرال حالوتس يوافق شارون في مواقفه وسياسته العسكرية، ويعتبر أن إسرائيل ستظل بحاجة إلى جيش قوي، برغم تحسن موقفها الأمني بعد احتلال العراق، حسب رأيه. وهو مثل شارون وموفاز يعتبر ما يسمى التهديد النووي الإيراني وتنفيذ خطة فك الارتباط الأحادية الجانب، بمثابة التحدي الكبير الذي سيواجهه الجيش الإسرائيلي في السنوات المقبلة. لكنه يرى أن الخطر الأكبر يكمن في الإرهاب، والجيوش العربية هي آخر ما يخشى منه. وقد دعا إلى استغلال الفرصة وإحداث تغييرات أساسية في المبنى وتنظيم القوات، مع إجراء تقليص جزء كبير من القوة المدرعة. واقترح تطوير قوات برية خفيفة ومتحركة، تعتمد قوتها الأساسية الضاربة على سلاح الجو.
يشار إلى أن حالوتس بادر، حين كان قائدا لسلاح الجو، فور احتلال العراق، إلى تشكيل عشر مجموعات عمل لدراسة ما جرى، واستخلاص الدروس التي يمكن الإفادة منها في إسرائيل، وحين أشار دان حالوتس إلى ما خلصت إليه مجموعات العمل العشر قال: إنها انتهت إلى توصيات عدة، منها أن القوة الجوية إذا أحسن استخدامها يمكن أن تكون حاسمة في أية معركة، وأن إدماجها مع القوة البرية من شأنه أن يولد قوة مضاعفة، شديدة التأثير والفعالية.
لقد كان حالوتس مرشحا لمنصب رئاسة الأركان العامة في الدورة السابقة، لكن موفاز فضل يعالون عليه. ومع اختيار حالوتس لهذا المنصب، يصبح أول رئيس هيئة أركان يأتي من صفوف سلاح الجو الإسرائيلي، بعد حاييم لاسكوف، الذي شغل منصب رئيس هيئة الأركان وقائدا لسلاح الجو، لكنه لم يكن طياراً مثل حالوتس.
اثر قرار تعيين حالوتس نائبا لرئيس هيئة الأركان، التمست الجمعية الإسرائيلية المناهضة للتعذيب إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد القرار على خلفية جريمة اغتيال صلاح شحادة في غزة والتي اعتبرها حالوتس "عملا بطوليًا" رغم ما أودت به من أرواح الأبرياء.
ويخشى أن يدخل تعيين حالوتس الجيش الإسرائيلي في مرحلة جديدة، ستكون أكثر تطرفاً ودموية في ضوء مواقفه شديدة التطرف في كل ما يتعلق بالفلسطينيين وبقتل الأبرياء. تلك المواقف التي وصلت ذروتها بعد مذبحة غزة التي استهدفت صلاح شحادة، أحد قادة حركة حماس. في حينه ألقى سلاح الجو الإسرائيلي قنبلة تزن نصف طن على بناية سكنية مكتظة بالمدنيين الفلسطينيين، بعد منتصف الليل، ما أدى إلى استشهاد 24 فلسطينياً بينهم عدد كبير من الأطفال. وثارت في البلاد زوبعة ضد جرائم سلاح الجو وصلت، ولأول مرة في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي، إلى خروج ضباط في سلاح الطيران برسالة يعلنون فيها رفضهم تنفيذ جرائم الاغتيالات التي امتاز بها حالوتس. لكن حالوتس وبمواقفه التي انعكست في كل جرائم الاغتيالات خرج بتصريحات صحفية آنذاك، أعلن فيها وبأعصاب باردة انه "لا يشعر بأكثر من ضربة طفيفة في جناح الطائرة"، بل توجه إلى جنوده آنذاك، داعيا إياهم إلى عدم الشعور بتعذيب الضمير اثر قيامهم بجرائم الاغتيال والنوم نوما هانئا في الليل تماما كما يفعل هو.
وتؤكد الإفادة التي أدلى بها النقيب يونتان شبيرا، الطيار السابق في سلاح الجو، تطرف مواقف حالوتس وتعامله الاستعلائي مع كل من هو ليس يهوديا. ففي إفادته أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، خلال نظرها في التماس جمعية مناهضة التعذيب، قال شبيرا انه استمع إلى تصريحات للواء دان حالوتس تفيد بأن لديه "نظاما هرميًا حول قيمة الإنسان" يضع المدني الإسرائيلي في قمة الهرم ومن ثم الجندي ومن ثم المدني الفلسطيني وفي الحضيض المسلح الفلسطيني.
واعتبرت اللجنة في التماسها الجنرال حالوتس وديسكين قد نفذا جرائم حرب حسب القانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة، لكن المحكمة العليا رفضت الالتماس وزعم القضاة في قرارهم أن المحكمة العليا لا تتدخل في تعيينات الجيش والشاباك، خصوصا وان المستويين الأمني والسياسي قررا هذه التعيينات.
وملف ممارسات حالوتس لا يتوقف على مذبحة غزة. ففي سجله نجد المذبحة التي أسفرت عنها عملية قصف سيارة في شارع مكتظ في مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين، في تشرين الأول 2004 والتي أوقعت 14 شهيدا غالبيتهم من المدنيين.
كما يتحمل حالوتس مسؤولية قتل الأبرياء في جرائم الاغتيال التي استهدفت محمد سدر في الخليل في كانون الأول من عام 2001، حيث فشل طيارو حالوتس باغتيال سدر، لكنهم قتلوا طفلا (10 أعوام) وفتى (16 عاما). وهكذا حدث، أيضاً، في عملية اغتيال قائدي حماس في نابلس، جمال منصور وجمال داموني، في تموز 2001، حيث قتل طفل في الثامنة وطفل في العاشرة، كانا يسيران في الشارع وأصيبا بشظايا الزجاج المتطاير من شبابيك مقر قيادة حماس.
وحدث ذلك أيضا في طوباس، في نهاية آب 2002، عندما حاول سلاح الجو اغتيال شخصية فلسطينية من المقاومة، فقتل خمسة فلسطينيين أبرياء، بينهم طفلان.
بعد عملية قصف دامية في مخيم النصيرات في قطاع غزة، وجهت إلى حالوتس تهمة استخدام صواريخ فتاكة، أدت إلى قتل الأبرياء.. واتهم حالوتس، أيضا، بإخفاء معلومات وبالكذب على الجمهور. إلا انه حظي بمساندة من رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع، حيث ادعيا أن الجيش لم يستخدم صواريخ فتاكة وأن المعلومات التي أدلى بها حالوتس، في حينه، حول نوع السلاح المستخدم، جاء لغايات عملياتية فقط.
مع مواقف كهذه يطرح السؤال: أية أخلاقيات سيتحلى بها جيش الثلاثي شارون- موفاز- حالوتس، في تعامله مع الفلسطينيين؟
لعل الجواب يكمن في رد حالوتس عندما سأله أعضاء لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، مؤخرًا، عن ماهية وقف إطلاق النار الجديد مع الفلسطينيين، حيث أجاب: "إذا وصلت إلينا معلومات مؤكدة عن انطلاق إرهابي فلسطيني لتنفيذ عملية انتحارية ضد إسرائيل، فإننا نخبر قوات الأمن الفلسطينية. فإذا عملت ما يجب، لا نتدخل. أما إذا لم تتحرك ولم تمنع العملية فسنمنعها نحن بطرقنا الخاصة بما في ذلك مطاردة الإرهابيين حتى المخدع"!