المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قوبل الاعلان، قبل أسبوعين، عن عودة رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق إيهود باراك للسياسة ولاستئناف نشاطه في إطار حزب "العمل"، الذي ينوي التنافس على رئاسته، بتحفظات من جهات غير قليلة ممن كانوا زملاءه حتى مستهل العام 2001 ، منهم بنيامين بن اليعيزر ومتان فلنائي وعمير بيرتس، الذين سبق أن اعلنوا عن نيتهم خوض الانتخابات على زعامة الحزب.

ومن المتوقع ان يجتمع مركز حزب "العمل" في نهاية الشهر الجاري من أجل البت بموعد اجراء الانتخابات التمهيدية لانتخاب مرشحه لرئاسة الحكومة. ونقل عن رئيس الحزب، شمعون بيريس، توقع ان تتم هذه في اقرب فرصة ممكنة، ما اعتبره مراقبون محاولة من طرف بيريس لقطع الطريق على باراك وفرض منافسة داخلية عليه وهو لم يستعد لها بالشكل الكافي. وهاجم النائب حاييم رامون، خصم باراك، والنائب موشيه سنيه، هذا الاخير فور اعلانه عن عودته للسياسة واصفين ذلك في حديث للاذاعة العامة بـ"خطوة متعجرفة ووقحة وغير اخلاقية، فبعد اربع سنوات من فشله كرئيس للحكومة وللحزب يعود باراك كأن شيئا لم يحدث". ويرجح المراقبون السياسيون الاسرائيليون ان يؤدي اعلان باراك الى اثارة الغرائز لدى قادة حزب "العمل" مجددا وإلى تأجيج الصراع على زعامة هذا الحزب.
أما باراك، الذي اكد امام نشطاء سياسيين عودته للحلبة السياسية بعد انقطاع دام اربع سنوات عنها، فقد قال انه يأمل بان يتغلب على المرشحين الاخرين في "العمل" واستعادة غالبية مؤيديه داخل هذا الحزب، وذلك رغم شعور الكثيرين بالغضب تجاهه. ولفت باراك الى انه اقدم على خطوته هذه "وهو مسكون بهاجس المسؤولية نحو دولة اسرائيل وحزب العمل"، معترفا بارتكاب أخطاء في فترة ولايته الاولى. وبرّر عودته للساحة السياسية بالاشارة الى ان اسرائيل مقبلة على مفترق طرق حاسم من نواح عديدة مرجّحًا ان انتخابات عامة مبكرة ستجري في أيار او حزيران القادمين او في تشرين الثاني في اكثر حد، وقبل ان تخرج خطة الانسحاب من غزة الى حيز التنفيذ.
وكان باراك قد بدأ منذ بضعة شهور بتكثيف تحركاته وأقواله تارة بالتلميح وتارة بالتصريح وزاد من وتيرة لقاءاته مع النشطاء السياسيين في "العمل" معترفا بذنوب ارتكبها اثناء توليه رئاسة الوزراء ووعد الناشطين بأنه سيصغي اكثر لنصائحهم في المستقبل، وان كل ما قام به في الماضي كان من أجل مصلحة اسرائيل.
وفي الوقت ذاته، وضع باراك امام النشطاء، الذين التقاهم خلال الاسابيع الماضية رؤيته السياسية، خصوصا حيال الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وفي صلبها اكد على اهمية" فك ارتباط كامل" مع الضفة الغربية بعد الانتهاء من تنفيذ خطة فك الارتباط مع قطاع غزة.
ويتفق باراك مع قيادة "العمل" الحالية بوجوب دعم رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئيل شارون، فيما يتعلق بخطة فك الارتباط عبر منحه ما أسماه بـ"جسر حديدي" حتى يتم تنفيذ فك الارتباط خلال العام 2005 بيد انه رفض فكرة انضمام حزب العمل الى حكومة شارون، مشيرا الى ان دعم العمل لها في قضيتي فك الارتباط والميزانية، يجب ان يكون مشروطا بتحديد موعد للانتخابات في نهاية العام 2005 على اكثر تعديل.
واعتبر باراك في حديث مطول الى صحيفة " يديعوت احرونوت" قبل اسبوعين ان قضية واحدة ستطغى على المعركة الانتخابية القادمة هي فك الارتباط مع الضفة الغربية، معتبرا ان شارون أخطأ بعدم تنفيذ فك الارتباط مع غزة والضفة الغربية بشكل سريع.
غير ان باراك لا يتحدث عن انسحاب من كامل الضفة الغربية، اذ قال انه يتوجب تركيز 80 في المئة الى 85 في المئة من المستوطنين في كتل استيطانية كبيرة واخلاء المستوطنات المعزولة.
وقال انه في اعقاب الانتخابات القادمة، سيضطر الفائز برئاسة الوزراء الى تشكيل "حكومة وحدة وطنية" واسعة لتنفيذ فك الارتباط مع الضفة، وهي الخطة التي لا بديل عنها.. واقترح باراك على قادة حزبه، العمل، التوقف عن مفاوضة الليكود والزحف على البطون نحو مقاعد الوزارات بدلا من النضال من اجل كسب ثقة "جمهور الوسط".

ويتوقع المراقبون ان ينجح باراك في اعادة "احتلال" حزب العمل مجددا في ظل استمرار ازمة القيادة داخل الحزب والمعارضة الواسعة لترشيح بيريس نفسه لكونه عجوزا تجاوز الثمانين من عمره، ما يعني مواجهة انتخابية جديدة مع بنيامين نتنياهو، الذي سيكون على ما يبدو مرشح الليكود، في ضوء تراجع مكانة اريئيل شارون داخل حزبه جراء خطته للانفصال عن غزة. ويأتي الاعلان عن عودة ايهود باراك للحلبة السياسية مع تصاعد الاحاديث والتقديرات عن انتخابات عامة مبكرة في اسرائيل نتيجة تعقد اوضاع الائتلاف الحكومي الراهن.

يشار هنا إلى أن فترة تولي باراك لرئاسة الحكومة الاسرائيلية كانت فترة إشكالية جدًا في تاريخ المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية، والتي انتهت بتفجر محادثات القمة في "كامب ديفيد" التي أراد باراك خلالها إحراق المراحل للتوصل إلى حل دائم وفقًا لاملاءاته. وفي هذه الأيام يجري العمل في "مدار"- المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية- على إعداد نشر الترجمة العربية لأحد الكتب الاسرائيلية التي تناولت هذه الفترة، وهو بعنوان "هراكيري" لمؤلفه رفيف دروكر، المحلل السياسي الاسرائيلي في القناة التلفزيونية العاشرة حاليًا وفي إذاعة الجيش وصحيفة "معاريف" سابقًا. وننشر هنا مقاطع من الفصل الخامس عشر من هذا الكتاب بعنوان "مائة يوم من المفاوضات لحل مائة عام من الصراع"، نظرًا لما يوضحه من بعض الجوانب الصارخة في شخصية هذا الزعيم القديم- المتجدّد:

مناقضة تفوهات سابقة

كانت تفوهات إيهود باراك قبل دخوله الى مكتب رئيس الحكومة تختلف تماماً عن الخط الذي قاده في كامب ديفيد.

"يجب إجراء المفاوضات بدون تحديد موعد نهائي". قال باراك، وزير الخارجية في حكومة شمعون بيريس، لصحيفة هآرتس في كانون الثاني 96. وبعد أقل من أسبوعين على دخوله الى مكتب رئيس الحكومة، حدّد باراك موعداً نهائياً: 15 شهراً من المفاوضات مع سوريا والفلسطينيين.

"يجب عدم الربط بين المسيرة السياسية وبين الإنتخابات في إسرائيل أو الولايات المتحدة". صرح باراك لصحيفة معاريف في كانون الثاني 96. وكرئيس حكومة علل باراك موعد التواريخ التي حددها بالإنتخابات التي تقترب في الولايات المتحدة.

امتنع باراك عن التصويت على اتفاقية أوسلو "ب"، لأسف رئيس الحكومة، يتسحاق رابين.

وفي 07/01/97، علل باراك لماذا امتنع عن التصويت، في وثيقة من قبله أسميت "بطاقة شخصية سياسية": "إن مسيرة أوسلو هي الإطار الوحيد لتحقيق العملية، ويجب المحافظة على المنطق الكامن في أساسها - المرحلية والتدرّج. كما أن الإنتقال الفوري الى البحث في الحل الدائم- مشكلة الحدود والقدس وطابع الكيان الفلسطيني، هو صيغة لنسف المسيرة".

لكن كرئيس حكومة، تراجع باراك في الواقع عما قاله في تلك الوثيقة. وخلال ولايته القصيرة كرئيس حكومة، أيضاً حصل تغيير كبير في مواقفه.

التقى باراك بالرئيس كلينتون في أوسلو في تشرين الثاني 99.

قال باراك لكلينتون بأنه سيوافق على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ولكن تستطيع أن تمتد فقط على "45- 50 % من مساحة الضفة الغربية".

وقدّر باراك في تلك الفترة في محادثات مغلقة وحتى بوثائق مكتوبة بأنه يستطيع أن ينهي الأمر مع الفلسطينيين على نسبة 50% من المناطق فقط. وهناك شك كبير في أن أقواله - الشفهية والمكتوبة - تعكس ما كان يفكر به باراك حقاً في سرّه.

وفي جولة المحادثات في إيلات، في أيار 2000، اي بعد نصف سنة من ذلك اللقاء في أوسلو، أبلغ باراك عوديد عيران، رئيس طاقم المحادثات الإسرائيلي، بأن يعرض على الفلسطينيين 80% من المناطق، منها 66% بشكل فوري و 14% إضافية ستنقل لهم بعد عدة سنوات.

طلب باراك نقل هذا الإقتراح على خريطة بمقياس رسم 1:500.000 ، أي على خريطة بحجم المنديل الورقي. وقرر عيران عدم التقيد بأمر باراك، وعرض الوفد الإسرائيلي على الفلسطينيين خريطة بحجم طبيعي، ولكن حجم الخريطة لم يساعد.

كان مايك هرتسوغ، رئيس وحدة الإستراتيجية في شعبة التخطيط في جيش الدفاع الإسرائيلي، هو الذي عرض في إيلات الخارطة الإسرائيلية الأولى لأول مرة للحل الدائم مع الفلسطينيين، وتمعن محمد دحلان، عضو الوفد الفلسطيني، قليلاً في الخريطة، فقام وانفجر بالشتائم باللغة العربية على هرتسوغ.

أداء يثير إشكاليات
أدى القصور في استعداد الوفد الإسرائيلي لكامب ديفيد، بشكل طبيعي، الى أداء يثير الإشكاليات في داخل المؤتمر، وأحد الأمثلة على ذلك حدث بعد عدة أيام من بداية المؤتمر. ففي يوم السبت الأول للمؤتمر، 15/07/00 في الساعة 10:15 صباحاً، عُقدت جلسة للجنة القدس. وكانت هذه في الواقع المرة الأولى في تاريخ المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين التي يجلس فيها ممثلون رسميون للطرفين للحديث عن مستقبل القدس.

مثّل الفلسطينيين صائب عريقات وياسر عبد ربه، اللذان يحملان سوية تجربة متراكمة لسنوات طويلة من المفاوضات مع الإسرائيليين، وكان عريقات في هذه المفاوضات منذ مؤتمر مدريد.

علم الممثلان الإسرائيليان، دان مريدور وجلعاد شير، بأنهما شريكان في هذه المفاوضات لأول مرة، فقط في هذه المباحثات. وكان شير بالطبع مطلعاً على مواقف باراك. وحمل مريدور معه وجهة نظره هو. فقد عرض في المباحثات موقفاً اسرائيلياً تقليدياً بموجبه تبقى القدس موحدة وتحت سيادة اسرائيلية. ويمنح الفلسطينيون صلاحيات بلدية في الأحياء الفلسطينية في المدينة، ولا شيء غير ذلك.

بعد مريدور، تحدث شير وعرض موقفاً اسرائيلياً آخر، مختلف المضمون حول نفس الموضوع بالضبط. وتحدث عن بلدية اسرائيلية، أورشليم، وعن بلدية فلسطينية، القدس، وعاصمتها أبو ديس، وهي بلدة صغيرة مجاورة. وكان يفترض أن تمنح البلدية الفلسطينية السيطرة على جزء من الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، حسب وجهة نظر شير.

تفاجأ الفلسطينيون. ففي نفس المباحثات سمعوا موقفين مختلفين لاسرائيل. والواقع أنه بالنسبة لهم لا يغير شيئاً. فالموقف الفلسطيني متماسك جداً. القدس الشرقية فلسطينية والقدس الغربية اسرائيلية.

لخص الرئيس كلينتون المباحثات بقوله: "يجب ترتيب العيش سوية لمدة عشر سنوات وبعدها سنستغرب لماذا كان ذلك صعباً. يوجد هنا محامون أذكياء وموهوبون أكثر من اللازم. أنا أفضل أن يكون من هم أقل منهم".

الهدف- التوصل إلى إتفاق مع... كلينتون
أجرى إيهود باراك الكثير من المباحثات استعداداً لكامب ديفيد، ولكن بقي موضوع واحد لم يجر أي مباحثات حوله، وهو كيفية إدارة المفاوضات مع الفلسطينيين. من يتحدث مع من، ومتى، وماذا يعرض في البداية وماذا في النهاية. استراتيجية باراك كانت بسيطة جداً وقد اعترف بها في مباحثات داخلية مصغرة. وهي التوصل الى اتفاق مع كلينتون حول الإتفاقية الملائمة للطرفين وبعد ذلك يفرضانها سوية على عرفات. وكان باراك واثقاً أن كلينتون قادر على فرض حلّ على عرفات. وكلينتون من جهته كان واثقاً بأن باراك يعي ما يفعله.

وكان هذا أحد الأسباب التي منعت حصول أشياء كثيرة في الأيام الأولى لكامب ديفيد. ولم يكن باراك قد توصل الى اتفاق مع كلينتون.

بعد المؤتمر، قال دنيس روس، منسق محادثات السلام، إن الفلسطينيين لم يتحركوا خلال الثمانية أيام الأولى للمؤتمر، والإسرائيليين لم يتحركوا خلال الستة أيام الأولى. وفي تلك الأيام كان آلاف الصحافيين منهمكين في تخمين كل عملية داخل المعسكر المغلق، ولكن الأطراف أنفسهم كانوا منهمكين في الأساس في تبادل "الضربات الكلامية".

في اليوم الثاني للمؤتمر، عرض شلومو بن عامي الموقف الإسرائيلي بشأن الحدود. لا تعويض للفلسطينيين عن المناطق التي ستضم الى اسرائيل في يهودا والسامرة. واسرائيل لها سيادة حتى نهر الأردن. هذا هو الموقف الإسرائيلي الأولي والذي لان كثيراً لاحقاً.

أجاب عريقات بن عامي: "ليس هذا أساساً للمفاوضات ولا لاتفاقية سلام. وصلتم الى كامب ديفيد لتفجير المؤتمر واتهامنا بذلك". في اليوم الأول للمؤتمر، وعندما كان الإعلام لا يزال متهيجاً من تبادل التدافع المسلي بين باراك وعرفات، ذهب عريقات الى الأميركيين ليقول لهم - لن يصدر اتفاق من هنا.

بعد ذلك، التقى عرفات بكلينتون وقال له: "هل دعوتمونا للتوصل الى اتفاق أم لإلقاء المسؤولية عن الفشل علينا؟ باراك هو رجل يمين. وقد رفض أوسلو. وقبل كامب ديفيد كان على استعداد لحكومة وحدة مع الليكود".

هذه الأقوال عكست جيداً التوجه الذي جاء به الى كامب ديفيد، والى حد كبير، التوجه الذي غادر به القمة. بالنسبة له فقد كانت هذه جولة أخرى من المفاوضات. والقمة الحقيقية التي أرادها، حسب اعترافات مستشاريه لاحقاً، بعد الإنتخابات في الولايات المتحدة في 07/11/00. في الموعد الذي لا يكون فيه كلينتون ملتزماً بتنافس آل جور- نائبه على الرئاسة وبتنافس زوجته هيلاري على السينات. واعتقد عرفات أن كلينتون يستطيع آنئذ عرض حل دون الخشية من رد فعل اللوبي الصهيوني.

قلائل في إسرائيل هم الذين فهموا عرفات جيداً في هذه المرحلة. وطاقم المفاوضات الإسرائيلي لم يكن من بينهم بالتأكيد.

بعد فشل قمة كامب ديفيد، ابتدأ الكثيرون بالطبع بالتنصل من الفشل. والحقيقة أن طاقم المفاوضات الإسرائيلي كان واثقاً بأن القمة ستثمر اتفاقية.

كان الوزير شلومو بن عامي الأكثر ثقة بذلك. واعتاد بن عامي قبل عدة أيام من انعقاد المؤتمر على القول: "في الواقع توجد اتفاقية، وتنقصها فقط الحياكة النهائية".

كان عوديد عيران رئيس طاقم المفاوضات واثقاً بما فيه الكفاية بأنه ستكون اتفاقية، لدرجة أنه راهن على ذلك مع نظيره الفلسطيني ياسر عبد ربه. أما المستشار السياسي لباراك، تسفي شطاوبر، فقد قام بمراهناته الخاصة بمشاركة كبار المسؤولين في مكتب رئيس الحكومة ووزارة الأمن وجيش الدفاع الإسرائيلي. واعتقد غالبية المشتركين بأنه سيصدر شيء ما من كامب ديفيد.

كان طاقم المفاوضات الإسرائيلي برئاسة شلومو بن عامي وجلعاد شير، على قدر كبير من الذكاء والثقافة والقليل القليل من التجربة. ورأى بن عامي وجلعاد شير، وهو محام خاص ذو ماضٍ عسكري، في المفاوضات فرصة لتحقيق أيديولوجي لمفاهيمهما الذاتية علاوة عن منصة قفز في مجال السيرة الذاتية لن تتكرر أبداً. وأثرت رغبتهما البارزة والمفهومة للتوصل الى اتفاق كثيراً على اعتباراتهما.

توقع المحامي شير، على سبيل المثال، أن تنتهي قمة كامب ديفيد باتفاق. وقبل المؤتمر بثلاثة أسابيع نوّه الى أنه في حالة الفشل فإنه خارج الصورة.

وعلق جلعاد شير في محادثة مغلقة: "لا يمكن أن تفشل القمة لأن التوجه الى FAPS (رؤوس أقلام لاتفاق الإطار على الحل الدائم –ر.د) هو توجه مرن، والهدف هو FAPS شامل. وإذا لم ننجح، فبالتأكيد سنتوصل الى شيء. ونتفق على ذلك، وهذا ايضاً سيجعلنا نتقدم ويكون إطاراً لاستمرار المفاوضات. وكل موضوع يشعر عرفات بأنه لا يستطيع أن يصل الى اتفاق بشأنه لن يكون مشمولاً بـFAPS، ولذلك ستكون هذه قمة بدون خاسرين".

وفوراً بعد فشل القمة قال جلعاد شير أشياء تختلف: "لقد تراهنت مع ثلاثة أشخاص على وجبة غداء بأنه لن يحصل اتفاق في كامب ديفيد وربحت الرهان. والآن توجد ثلاث مراهنات أخرى بأنه في نهاية الأمر سنتوصل الى اتفاق. ويدرك عرفات الآن بأنه لن يأخذ أكثر مما عرض عليه، وربما لن يأخذ ما عرض عليه".

ربما كان شير العامل المسيطر في كل ما يتعلق بعمل الطاقم استعداداً لكامب ديفيد، وتوقع في المحادثات التحضيرية لكامب ديفيد أن التنازلات الإسرائيلية بشأن تبادل المناطق ستؤدي الى تنازلات فلسطينية ملموسة.

وقدّر شير ايضاً أمام الصحافيين قبل كامب ديفيد بثقة كاملة، أن كل متطلبات الأمن الإسرائيلية سيوافق عليها من قبل الطاقم الفلسطيني. وعملياً، اتضح بعد كامب ديفيد في الأساس، أنه في هذا المجال أيضاً توجد فجوة كبيرة بين الأطراف.

رأى شير في كتابه " قيد أنملة" الأشياء بصورة مختلفة قليلاً. وحتى ما اعتقده هو قبل كامب ديفيد يراه بشكل مختلف. وكتب أنه في كل مرة أراد الإسرائيليون فيها البحث بقضية الأمن قبل كامب ديفيد، قال الفلسطينيون: "بهذا الشأن ستحصلون على 100%، تعالوا نتحدث عن مواضيع أخرى". وكتب شير بأنه شكّ بأن لن يكون كذلك. وفعلاً اتضح أنه توجد فجوة كبيرة بين الأطراف.

وبالمقابل، لم يخجل شلومو بن عامي من الإعتراف بالفشل. وفي مقابلة غير عادية مع الصحافي أري شفيط من صحيفة "هآرتس"، قال بن عامي:

"كانت منطلقات الجميع، بمن في ذلك إيهود باراك وأنا، أنه في عام 93 أقيم هنا ما يشبه دولة فلسطينية تتصرف إزاءنا بمفاهيم علاقات دولية منظمة. واتضح أنها كانت فرضية خاطئة، وتصورات خاطئة بالنسبة لنوايا الطرف الثاني. واتضح أن أوسلو كان بالنسبة لعرفات ستاراً كبيراً مارس خلفه وما زال ضغوطاً سياسية وإرهابية بوتائر مختلفة وذلك حتى يقوّض فكرة دولتين لشعبين... لم يكن ولن يكون اقتراح فلسطيني مقابل. ولذلك يجد الطرف الإسرائيلي نفسه دائماً في مأزق: إما أن يقوم ويغادر لأن هؤلاء ليسوا على استعداد لتقديم اقتراحات أو أقدم تنازلات أخرى. ولكن في نهاية الأمر سيصل المعتدل أيضاً الى نقطة يقول فيها لنفسه بأنه لا يوجد لهؤلاء الناس في الطرف الثاني نقطة انتهاء. تنازل آخر وآخر، ولكن ذلك لا يكفيهم أبداً ولا ينتهي".

كان الوزير أمنون ليبكين شاحاك ممن قدّروا جيداً مصير المؤتمر. فمنذ البداية حاول شاحاك التقليل من الأضرار التي سيسببها المؤتمر على استمرار المفاوضات.

كان رئيس المعارضة أريئيل شارون واثقاً بدون أدنى شك بأنه سيكون اتفاق في كامب ديفيد أو بعده بقليل من الحد الأدنى. وكما أسلفنا، فإن شارون هو الذي قال لباراك بأنه قد حصل اتفاق مع الأسد، وما المفاوضات إلا تمثيلية على الجمهور. وبعد عودة باراك من كامب ديفيد بأربعة أيام، قال شارون للإعلام: "لم تكن أية أزمة في كامب ديفيد. وما حصل هو أزمة مصطنعة خططت من قبل باراك والولايات المتحدة لإتاحة الفرصة لاستمرار المسيرة بهدوء وإنهائها في الموعد المناسب للسلطة في الولايات المتحدة، في تشرين أول كجزء من المعركة الإنتخابية في الولايات المتحدة".

في هذه المرحلة، لم يكن ما اعتقده شارون ذا صلة، وبالتأكيد ليس قبل قمة كامب ديفيد. وكان إيهود باراك ذا صلة أكثر.

اهتم بمهرجان توقيع الاتفاقية أكثر من الاتفاقية نفسها!

كان إيهود باراك واثقاً بأن قمة كامب ديفيد ستؤدي الى اتفاقية تاريخية مع الفلسطينيين. وكان مقتنعاً بذلك لدرجة أنه أحضر معه الى كامب ديفيد خطاباً لمهرجان التوقيع على الإتفاقية على مخضرات البيت الأبيض.

كُتب له الخطاب من قبل كاتب خطاباته، عامي جلوسكا. وطلب باراك من إيتان هابر، المقرب منه، برنامجاً خاصاً لترويج الإتفاقية بعد التوقيع وحصل عليه. ونصح هابر باراك بالسفر من كامب ديفيد بصحبة عرفات مباشرة الى المغرب وأماكن أخرى للمساهمة في ترويج الإتفاقية في إسرائيل. وفكر باراك بفكرة استدعاء شارون وكبار الحاخامين في إسرائيل الى مهرجان التوقيع. وخلال المؤتمر تحدث باراك عن مهرجان ممكن في يوم الأربعاء 19/07/00، وكان يسعى إلى جدولة تنازلاته النهائية استعداداً لهذا الموعد.

أحجم باراك كثيراً عن الحديث عن اتفاقية وشيكة. فحديث كهذا سيعطي فقط سلاحاً لمختلف المؤرخين الذين سيدرسون عهده. وباراك يفكر دائماً كيف ستبدو أعماله في مرآة التاريخ. وتشدد في الحديث عن احتمال 50% للإتفاق ليس أكثر ولكن أفعاله بدت بشكل آخر.

في إحدى المحادثات السرية، قال باراك لأولمرت قبل كامب ديفيد: "بعد الإتفاقية ستتغير الخارطة السياسية. لن يكون حمائم وصقور، يمين ويسار. وسنحتاج الى إقامة جسم سياسي جديد، فما رأيك بأن تنضم معي الى هذا الجسم؟". ولكن أولمرت كان أقل تفاؤلاً.

نقل باراك عدوى توقعاته الى مستشاريه. فقبل انهيار قمة كامب ديفيد بأيام معدودة، اتصل مستشار باراك يوني كورن بعضوة الكنيست كوليت أفيطال التي مكثت في الولايات المتحدة في مهمة إعلامية من قبل باراك.

"كوليت، يطلب باراك منك أن تبقي في الولايات المتحدة قليلاً لتساعدي في المجهود الإعلامي".

أفيطال: "يوني، يجب أن أعود. فلدي تذكرة طائرة الى البيت".

"إذا عدتِ سيفوتك مهرجان التوقيع على الإتفاقية الذي سيقام هنا بعد عدة أيام"، أجاب كورن.

وبقيت عضوة الكنيست أفيطال.

وهكذا فإن باراك قد استعد جيدًا لترويج الإتفاقية التي ستنجز في كامب ديفيد. ولكن على رغم ذلك فإن تحضيراته للقمة نفسها وللمفاوضات التي يفترض أن تؤدي الى اتفاقية تشوشت بشكل تام.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات