المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

<<وزيران جديدان، بنيامين نتنياهو ومئير شطريت، دخلا الي وزارة المالية، فقام كبار المسؤولين فيها باعداد مشهد رهيب لهما ومفاده ان الاقتصاد يوشك علي الانهيار. المسؤولون في وزارة المالية خبيرون جدا في إفزاع الوزراء والتحايل عليهم، واحيانا تكون هذه مهارتهم الأساسية خصوصا ان لا حاجة اليوم لفبركة المسرحيات، فالوضع خطير فعلا. ومن الناحية الاخري قام الجيش الاسرائيلي باعداد عرضه الرهيب: الأمن ينهار. من الأول من نيسان (ابريل) لا توجد لدينا أموال لتجنيد الاحتياط، قالوا هناك. الاشخاص الذين تلقوا أوامر الاستدعاء سيعادون الي منازلهم. لا يتوفر وقود للطائرات الحربية. لا مال لشراء المنتوجات الحربية. بالامكان اغلاق الجيش الاسرائيلي وإلقاء المفاتيح. والي ان نعرف من الذي سينهار هنا أولا، الاقتصاد أم الأمن، ستتدحرج هنا عدة حكايات قام القادة بسردها علي الوزراء، وعدة حكايات مضادة يقوم الجيش بسردها..>> // بقلم ناحوم برنياع - "يديعوت احرونوت"

اسرائيل هي دولة غنية، ويمكنها مثل امريكا ان تسمح لنفسها بكل شيء: فهي تخوض حربا بلا هوادة ضد "الارهاب"، وتستعد لامتصاص الحرب القادمة في العراق، وتسمح لنفسها في ذات الوقت بامتلاك اجهزة حكومية مضخمة ولا داعي لها ومرتفعة الرواتب. كما انها تملك أحلاما لتخفيض الضرائب وشبكة هائلة من المدفوعات الاجتماعية والتوزيع السخي الفاسد لامتيازات علي المقربين.
هل هذا غير صحيح؟ ليس مؤكدا. حكومة شارون الثانية تبدأ ولايتها الثانية وهي تعيش في فقر وغني في آن واحد، وفي اسراف وشد أحزمة علي البطون. ثلاثة وعشرون وزيرا انتخبوا في هذا الاسبوع، وكلهم تحدثوا وقلوبهم مكسورة حول الضائقة الاقتصادية.

وزيران جديدان، بنيامين نتنياهو ومئير شطريت، دخلا الي وزارة المالية، فقام كبار المسؤولين فيها باعداد مشهد رهيب لهما ومفاده ان الاقتصاد يوشك علي الانهيار. المسؤولون في وزارة المالية خبيرون جدا في إفزاع الوزراء والتحايل عليهم، واحيانا تكون هذه مهارتهم الأساسية خصوصا ان لا حاجة اليوم لفبركة المسرحيات، فالوضع خطير فعلا.

ومن الناحية الاخري قام الجيش الاسرائيلي باعداد عرضه الرهيب: الأمن ينهار. من الأول من نيسان (ابريل) لا توجد لدينا أموال لتجنيد الاحتياط، قالوا هناك. الاشخاص الذين تلقوا أوامر الاستدعاء سيعادون الي منازلهم. لا يتوفر وقود للطائرات الحربية. لا مال لشراء المنتوجات الحربية. بالامكان اغلاق الجيش الاسرائيلي وإلقاء المفاتيح.

والي ان نعرف من الذي سينهار هنا أولا، الاقتصاد أم الأمن، ستتدحرج هنا عدة حكايات قام القادة بسردها علي الوزراء، وعدة حكايات مضادة يقوم الجيش بسردها. لا يوجد هنا تحقيق معمق، مجرد ملاحظات هامشية حول تاريخ اسرائيل كدولة موز.

* علي أسطح تل ابيب

ربما علينا ان نبدأ بسلطة الشركات، عندما حاول أتباع شارون تخفيف معارضة نتنياهو لقبول حقيبة المالية، وعد مدير عام مكتب شارون، افيغدور يتسحاكي، نتنياهو بأن شارون لن يعارض رغبته في ضم فروع وصلاحيات اضافية للمالية. وبالفعل حصل وزير المالية، نتنياهو، علي سلطة موظفي الدولة وسلطة الشركات التي كان رئيس الوزراء، نتنياهو، قد استلبها من المالية سابقا. نتنياهو أخذ ونتنياهو أعاد.

باستثناء مسألة واحدة: شارون احتفظ بصلاحية تعيين المجالس الادارية للشركات الحكومية. ازمة واحدة من الأزمات الكثيرة التي ستأتي اندلعت في قيادة الحكومة. في نهاية المطاف توصل شارون ونتنياهو الي التسوية التالية: عملية التعيين ستقسم بين الاثنين.

في مقر وزارة الدفاع في تل ابيب يقوم الجيش ببناء برج ـ هذا ما قاله المسؤولون في المالية لنتنياهو وشطريت. هذا البرج سيكون مقر هيئة الاركان العامة الجديد. الجيش الاسرائيلي يبني علي رأس البرج مهبطا للمروحيات، وحتي يتيح الجيش للمروحيات الهبوط بأمان قام بحظر بناء أبراج في المحيط. وثمن هذا الحظر يصل الي الملايين. في جنوب المقر قام مستثمر من القطاع الخاص ببناء برج من المكاتب. المستثمر قال اذا أضفتم لي نسبة المساحة المبنية فانني سأشيد مهبطا علي سطح برجي. الا ان الجيش رفض حسب رأي المسؤولين في المالية، ذلك لان الجيش، سامحه الله، تكاسل في قطع الشارع الذي سيضطر اليه في هذه الحالة.

وزارة الدفاع ردت بأن هذا كذب وافتراء وادعت انها أعادت البحث في القيود التي فرضتها علي البناء في المحيط وقامت بتغييرها. الا ان وزارة المالية لا تعلم بذلك، كما ان وزارة الدفاع قد سمحت لذلك المستثمر ببناء الطوابق التي رغب بها حسب قولهم.

حسب قوانين الكنيست يتوجب علي كل انسان ان يدفع ضريبة الصحة، كل انسان باستثناء العسكريين النظاميين. جهاز الدفاع يستخف بهذا القانون ويرفض جباية الضرائب من جنوده. كما انه يرفض، حسب قول وزارة المالية، تعيين محاسب قانوني حسب اختيار المحاسب العام في المالية. وزارة الدفاع ترد عليهم بأن هذه اساءة لا مثيل لها.

في شهر حزيران (يونيو) 2002 صوت وزير الدفاع فؤاد بن اليعازر ضد الميزانية، واستقال هو وحزبه من الحكومة. شارون رغب في الانتقام فوفرت له وزارة المالية السلاح: في اطار قانون الترتيبات تم تمرير قرار أحادي الجانب بفرض ضريبة الصحة علي العسكريين النظاميين، وبذلك تم خرق الترتيب الذي كان سائدا منذ الستينيات، حيث خول وزارة الدفاع بصلاحية ذاتية مستقلة في ادارة نفقاته.

قبل شهر التقت قيادة وزارة الدفاع مع شارون بهدوء، شارون قبل رأيهم في قضية المحاسب القانوني، أما بالنسبة لضريبة الصحة فقد عرضت عليهم تسوية. في هذا الاسبوع تم تحديد الأرقام: اذا كان كل مواطن يدفع ضريبة صحة بنسبة 4.8 في المئة من دخله، فالعسكريون النظاميون سيدفعون 3.5 في المئة.

الجيش، كما يقول المسؤولون في وزارة المالية، قدم في عام 2002 تقارير حول شراء 700 سيارة بيضاء مدنية لضباطه، الا انه اشتري 2000 سيارة في الواقع. وزارة الدفاع ترد عليهم بأن هذا تضليل، ذلك لان السيارات القديمة تكلف مبالغ أكبر. في السنة الماضية حاولت وزارة الدفاع شراء أسطول سيارات شاب، ولان الخزينة كانت فارغة قام المدير العام للوزارة، عاموس يارون، باصدار أمر معاكس. حيث أمر بتقليص عملية شراء السيارات بـ 50 في المئة، وهذا القرار رديء من الناحية الاقتصادية.

جهاز الدفاع فشل في طرح وضعه الاقتصادي علي الامريكيين، حسب رأي وزارة المالية، ولهذا السبب تبددت الأحلام في الحصول علي 4 مليارات دولار من امريكا كمساعدة أمنية. والأمل الآن يتركز علي الحصول علي مليار واحد، وهذا ليس مؤكدا ايضا. توقع الحصول علي 4 مليارات كان مفرطا، حسب قول وزارة الدفاع. نحن عارضنا ذلك، الا ان وزارة المالية وديوان شارون أصر علي هذا المبلغ. الامريكيون مستعدون فقط لتمويل النفقات المتعلقة بالحرب في العراق، نحن طلبنا مضاعفة الجزء المخصص للاستبدال بالشواقل (من 26 في المئة الي 50 في المئة)، الا انهم رفضوا. الامريكيون طالبوا بسلم أولويات. يارون سافر الي واشنطن في الاسبوع الماضي والتقي مع المسؤولين رقم اثنين في البنتاغون، وفي الخارجية وفي مجلس الأمن القومي، وطرح عليهم سلم الأولويات التالي: أولا مساعدة بقيمة 2.75 مليار دولار، وبعد ذلك سنري. الجمهوريون في ادارة بوش يحبون اسرائيل جدا، الا انهم يفضلون تخفيض الضرائب للأثرياء في امريكا علي ان يمولوا جهاز الدفاع الاسرائيلي. فلديهم بالمناسبة وجهة نظر سيئة جدا حول العرض الذي قدمته لهم وزارة المالية.

6 مليارات شيكل ناقصة اليوم في ميزانية وزارة الدفاع. في الربع الاول قام الجيش بانفاق المال بأمر من شارون وكأنه لا توجد أرباع اخري لتلك السنة. والآن لا يوجد مفر من مد اليد الي المال الصلب، ذاك الذي يوجد في أجور السلك العام وصناديق التقاعد.

* أنتم المذنبون

أبو العلاء، باسمه الرسمي احمد قريع، رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، قام بإجلاسنا مبتسما خلف طاولة المباحثات الطويلة في مكتبه في أبوديس. للحظة بدا وكأن ذوقا واحدا يقوم بربطنا جميعا في تلك الغرفة، اسرائيليين وفلسطينيين. وكأن المخرب الفلسطيني الذي سيقوم بعد يومين بتفجير باص مع مسافريه في قلب حيفا لم يولد بعد. وكأن الجانبين لا يقومان بدفن موتاهم يوميا هنا خارج هذه الغرفة، وكأن الجدار الاسمنتي الفاصل من انتاج اسرائيل لا يقوم بتقسيم أبوديس الآن من منتصفها عازلا الناس عن اماكن عملهم وعائلاتهم ومستشفياتهم. وكأن الشارع الذي يفضي الي ديوان رئيس البرلمان الواسع هو شارع حقيقي، وليس مستنقعا من المياه والوحل والحفر والمجاري المفتوحة، نكتة قاسية علي حساب حلم مجموعة اوسلو في تحويل أبوديس الي عاصمة لدولة فلسطين. أبو العلاء تحدث عن لقائه الأخير مع شارون. شارون قال لي هناك اربع سنوات وثمانية اشهر لصنع السلام. فقلت له: ولماذا كل هذا الوقت الكثير؟ بامكانك ان تصنع السلام خلال ثلاثة اشهر . بهذه البساطة وبهذه السهولة. أنا لست سعيدا من تركيبة الحكومة الاسرائيلية الجديدة قال أبو العلاء، وأضاف أنا لست متأكدا بأن هذه الحكومة ستسمح لشارون بالتوجه نحو الاتفاق، المفدال يريد مستوطنات جديدة، وليبرمان يريد ترانسفير، أنا قلق . هل تعرف أحدا من وزراء الحكومة باستثناء شارون، سألناه. هل التقيت ذات يوم مع أحد من وزراء شينوي؟ لا، قال أبو العلاء وأضاف: أنا لا أعرف أي واحد منهم.

أبو العلاء أرسل برقية تهنئة لروبي ريفلين، نظيره إبان انتخابه لرئاسة الكنيست. ريفلين قال ردا علي ذلك انه لن يلتقي مع أبو العلاء الا بعد ان يتوقف الارهاب. أبو العلاء شعر بالاهانة. اذا كان لا يود ان يلتقي معي، فأنا لا أريد ان ألتقي معه . (أبو العلاء اعتقد خاطئا انني ابراهام بورغ، قال لي ريفلين في هذا الاسبوع، وبعد إطراقة فكر وقال، هل تعلم، ربما أتصل به هاتفيا). هل ستختارون في الاسبوع القادم رئيسا للحكومة، سألناه. أبو العلاء أرسل الينا نحن المحررين والصحافيين من (يديعوت احرونوت) نظرة ضاحكة. الاهتمام الذي يبديه الاسرائيليون بالديمقراطية الفلسطينية مس شغاف قلبه انه لمن الطبيعي ان نقوم بين الحين والآخر بتفحص حكمنا، فهذا المطلب لم يأت من امريكا واسرائيل فقط، وانما من الجانب الفلسطيني ايضا، بالأمس جري نقاش في اللجنة المركزية لحركة فتح وكان قرارنا ايجابيا، كما قررنا ايضا ان يكون المرشح للمنصب عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح قال أبو العلاء.

هذا القرار يحذف اسم سلام فياض من القائمة وهو المحبب علي قلوب الاسرائيليين والامريكيين. كما حذف اسم المحبب الآخر المليونير منيب المصري من نابلس. القرار يبقي في الواقع مرشحا واحدا هو أبو مازن. نحن لا نشتري رئيس الحكومة من السوبرماركت قال أبو العلاء، وأضاف عرفات سيبقي القائد، الرمز، الرئيس المنتخب، نحن اخترنا نظاما رئاسيا ولا ننوي إلغاءه. عرفات سيعين رئيس الحكومة الذي سيكون مسؤولا عن المجلس الوزاري . فما الذي سيتغير، سألناه. أبو العلاء رد بارتياح أمران اثنان سيتغيران، سيكون رئيس حكومة وتكون لديه مسؤوليات.

من الممكن الافتراض ان بوش لم يكن يتطلع الي مثل هذا الترتيب عندما فرض علي الفلسطينيين تعيين رئيس حكومة لهم. أبو العلاء قال شارون قال لي أنا موافق علي خريطة الطرق الامريكية. ففوجئت. لم أكن أعلم ان هناك عدة خرائط طرق. ومن ثم أضاف: لدينا مائة تحفظ. وطالما انه بدأ في طرح التحفظات فلدينا نحن مئة تحفظ. الشعب الاسرائيلي يود في اغلبيته بأن يري السلام، والشعب الفلسطيني كذلك. اذا توصلنا الي وقف اطلاق نار حقيقي وبدأنا بتطبيق خريطة الطرق أنتم ونحن فان الرأي العام في الجانبين سيتغير ايجابيا. أنتم الجانب القوي، المبادرة يجب ان تأتي منكم.

أنا أعمل مع عرفات منذ عام 1968، وأنا أعرفه جيدا، فهو يريد السلام أكثر من أي واحد آخر، وأكثر مما رغب في أي وقت من الاوقات. ولكنه ليس مستعدا لأن يكون الجانب الضعيف. ما الذي تريدونه، ان يستسلم؟ انه لن يستسلم أبدا.

لا تنسوا أننا تحت الاحتلال، هذا ليس بسيطا، القدس تقع علي مسافة كيلومترين من هنا، خلال الثمانية اشهر الاخيرة وصلت الي المدينة مرتين فقط ولا أكثر. أنا لا استطيع ان ألتقي مع أبناء شعبي ومع الذين انتخبوني. أنتم لا تستطيعون ان تحافظوا علي هذا الوضع الي الأبد .

المستوطنات هي المسألة الأكثر خطورة. موفاز كان هنا في هذا الاسبوع في معاليه ادوميم، وقد تحدث هناك عن انشاء تواصل يهودي بين معاليه ادوميم والقدس. هذا يحدق احتمالية التوصل الي السلام بالخطر. بعض الاراضي التي أقيمت عليها معاليه ادوميم تعود لجدي، وعندما أمر من هناك أغمض عيني ألما. أنا أكره المستوطنين .

هل تكرههم الي هذا الحد، قلنا له، لدرجة انك تؤيد العمليات الارهابية خلف الخط الاخضر؟. أنا اؤيد كل عملية ضدهم قال أبو العلاء مردفا أنا أبرر كل عملية مقاومة للاحتلال بما في ذلك العمليات المضادة للمستوطنين، وأعارض العمليات في داخل الخط الاخضر .

محاولة هذا الشخص اللطيف، الذكي جدا، رسم خط فاصل بين ارهاب وآخر وكأنه من الممكن تبرير قتل طفل في ايتمار وشجب قتل طفل في حيفا، ألقت علي الاسرائيليين الموجودين في الغرفة أجواء من الكآبة. واذا أردتم الدقة، أجواء من اليأس. لقد بدا ان تبرير الارهاب، كل الارهاب، كان قد مات في الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) إن لم يكن قبل ذلك.

أنتم المذنبون قال أبو العلاء نحن نريد الوصول الي ايقاف اطلاق النار الا ان عملياتكم تضعفنا . التنظيم جزء من فتح، قلنا له. في ظل الوضع القائم لم تعد لنا سيطرة علي التنظيم قال أبو العلاء.

(ناحوم برنياع - يديعوت احرونوت، 7/3/2003)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات