المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وصل بنيامين نتنياهو الى وزارة المالية الاسرائيلية بحماس وأمل كبيرين، جالباً معه أيضًا الوزير بلا وزارة مئير شطريت وطاقمًا من المساعدين، سيرافقونه في السنوات المقبلة، تحدوهم جميعًا رغبة جامحة في النجاح - في الطريق الى ديوان رئيس الحكومة.

وصل بنيامين نتنياهو الى وزارة المالية الاسرائيلية بحماس وأمل كبيرين، جالباً معه أيضًا الوزير بلا وزارة مئير شطريت وطاقمًا من المساعدين، سيرافقونه في السنوات المقبلة، تحدوهم جميعًا رغبة جامحة في النجاح - في الطريق الى ديوان رئيس الحكومة.
وفق المخطط الأصلي، كان من المفترض ان يحضر <بيبي> معه ايضًا عضو الكنيست يوفال شطاينتس المقرب منه، والذي كان نتنياهو ينوي تعيينه نائبًا لوزير المالية. لكن شطاينتس قال انه لا يفهم في الأقتصاد، وانه يفضل منصب رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست. الآن يقولون في مكتب نتنياهو انه اذا لم يستخدم رئيس الحكومة ارئيل شارون حق النقض، فستكون عضو الكنيست الجديدة روحامه أفراهام أول نائبة لوزير المالية في تاريخ اسرائيل.

نتنياهو وشطريت لم يتفقا بعد على توزيع المهام والصلاحيات بينهما. ومن الممكن ألا يكون ثمة توزيع رسمي كهذا، بحيث يكون نتنياهو وزيرًا أعلى للمالية ويتولى معالجة المسائل الأكثر أهمية، فيما يكون شطريت وزير المالية الفعلي ويقوم بالقسط الأكبر من العمل.

نتنياهو يعتبر نفسه رئيس الحكومة الأقتصادي في اسرائيل. وسيقوم قريبا بتشكيل المجلس الأقتصادي - الأجتماعي، سعيا الى جعله الهيئة الأقنصادية الأكثر أهمية في اسرائيل. المجالس الاقتصادية - الاجتماعية في كل الحكومات الاسرائيلية الأخيرة لم تجتمع الا مرة واحدة كل بضعة أشهر ولم تبحث، غالباً، الا في قضايا هامشية. بالمقابل، ينوي نتنياهو جعل اجتماعات هذا المجلس دورية ومنتظمة بغية توجيه وادارة السياسة الاقتصادية. كما ينوي تخويل هذا المجلس صلاحيات البت في مختلف الشؤون الاقتصادية، باستثناء الميزانية.

ويعتزم نتنياهو المحافظة على علاقات عمل جيدة مع رئيس الحكومة شارون، شريطة ان يرد شارون بالمثل. وهو يدرك انه سيكون من الصعب جدًا عليه النجاح في منصبه، بدون الدعم الواضح من رئيس الحكومة. وقد حدد نتنياهو القائم بأعمال رئيس الحكومة ايهود اولمرت باعتباره خصمه الأكبر في <الليكود> في الصراع على منصب رئيس الحكومة، اذا ومتى شغر. على هذه الخلفية يمكن فهم الانفراج الحاصل في العلاقات بين نتنياهو وسيلفان شالوم. نتنياهو يبحث الآن عن مرشحين ملائمين لبعض الوظائف الرفيعة في وزارة المالية. وكان قد رافقه في السنوات الأخيرة كل من المفوض العام لضريبة الدخل سابقا ومستشاره الخاص لشؤون الضرائب، دورون ليفي، والمستشار القضائي السابق لضريبة الدخل أودي برزيلاي.

* عجز غير استثنائي

فاجأ العجز الكبير في ميزانية الحكومة خلال شهر شباط / فبراير الأخير بقيمة 2،8 مليار شيكل، وخلال شهر كانون الثاني / يناير بقيمة 2،7 مليار شيكل، جميع واضعي السياسة الاقتصادية الاسرائيلية، وكذلك وزير المالية الجديد بنيامين نتنياهو والوزير بلا وزارة مئير شطريت. لكن المعطيات عن 2003 تشكل مفاجاة للأفضل، تحديدا، اذ ان العجز الذي سجل في الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة الماضية 2002 كان أعلى بكثير: في كانون الأول / ديسمبر بلغ 3،3 مليار شيكل، وفي تشرين الثاني / نوفمبر بلغ رقما قياسيا 3،5 مليار شيكل، وفي تشرين الأول / أكتوبر بلغ 2،8 مليار شيكل.

صحيح ان هدف العجز في 2003 هو 3،0% من الناتج القومي، أي 15،2 مليار شيكل، بينما في 2002 كان هدف العجز 3،9 % (اكثر بحوالي 4 مليارات شيكل) لكن المعطيات والحقائق الأساسية لم تتغير. في الأشهر الخمسة الأخيرة تصرف اسرائيل، بالمعدل، أكثر مما تجبي بحوالي 3 مليارات شيكل. وهذا مبلغ كبير جدًا. وبلغة الاقتصاد المنزلي فان "السحب الزائد" للدولة في الشهر هو 3 مليارات شيكل. ومع عجز كهذا لن يستطيع الاقتصاد الاسرائيلي مواصلة الحياة.

في وزارة المالية يحاولون مواجهة معطيات الأشهر الأخيرة، لكن دون نجاح يذكر. طاقم خاص لشؤون الضرائب برئاسة مدير عام وزارة المالية ايهود مراني ومعه نير غلعاد ومئير كوبطا وأفيسار كوهن وطالي يرون - الدار وايتان روف واوري يوغف، يتابع الأرقام يوميا. وسينضم اليهم الآن ايضا نتنياهو وشطريت.

مشكلة الحكومة الاسرائيلية اليوم تكمن في الجباية المنخفضة جدًا من الضرائب، سواء في الجمارك او في ضريبة الدخل او في ضرائب الأراضي - كلها اقل بكثير من التقديرات والتوقعات المسبقة التي وضعها خبراء وزارة المالية. في الوزارة يقدرون بأنه بعد سنتين متتاليتين من الانخفاض المتواصل في جباية الضرائب، ستبدأ عملية عكسية في 2003: وقف الانخفاض اولا، ثم البدء بتحقيق الزيادة.

لكن ما يتضح هو ان خبراء وزارة المالية يتبدلون بينما تبقى الحقائق تبقى على حالها. وزير المالية الأسبق يغئال هوروفيتس قال عن ذلك، قبل 23 عاما: " في كل مرة يقول لي فيها خبراء وزارة المالية اننا قد وصلنا الى القاع، اسمع دقات قوية من تحت".

سلطات ضريبة الدخل وضرائب الأراضي جبت في الشهرين الأولين من 2003 مبلغًا يصل الى حوالي 12،1 مليار شيكل. وهذا يعني ان المعدل السنوي للجباية هو 72،6 مليار شيكل - أي اقل من الهدف بحوالي 12،6 مليار شيكل. أما سلطات الجمارك وضريبة القيمة المضافة فقد جبت خلال الشهرين نفسيهما مبلغاً وصل الى حوالي 9،7 مليار شيكل. وهذا يعني ان المعدل السنوي للجباية هو حواي 58،5 مليار شيكل - أي أقل من الهدف بحوالي 7،7 مليار شيكل "فقط". اذا لم يطرأ تحسن جدي في الجباية فان الاقتصاد في مشكلة حقيقية.

احدى الطرق لمواجهة هذه المشكلة هي الحرب - إما بواسطة جسم خاص، وإما بواسطة سلطتي الضرائب القائمتين. جميع وزراء المالية في السنوات الأخيرة فحصوا هذا الأمر، لكنهم قرروا في النهاية كنسه تحت البساط. ابراهام (بايغه) شوحط كان قاب قوسين او ادنى من اقامة الجسم الخاص. والآن تنتقل الكرة الى نتنياهو.

* وزارة المالية أخطأت، شطريت كان محقاً

هذه هي المرة الثانية التي يعين فيها نتنياهو شطريت وزيرًا للمالية. المرة الأولى كانت في الفترة الأخيرة من حكومة نتنياهو في اوائل العام 1999، بعد استقالة يعقوب نئمان من هذا المنصب. تولى شطريت المنصب لبضعة اشهر فقط حتى الانتخابات، وأحبه، واذا ما أخذنا الظروف آنذاك بالأعتبار نستطيع القول انه أدى مهمته بشكل جيد.

في 2001، حين فاز شارون في الانتخابات، طلب شطريت العودة الى وزارة المالية، لكن رئيس الحكومة فضل سيلفان شالوم وأرسل شطريت الى وزارة القضاء. ومع ذلك، بقي شطريت على علاقة بوزارة المالية، من خلال بعض الموظفين الكبار.

عندما حاولت وزارة المالية سن قانون جديد لبنك اسرائيل في السنة الأخيرة، حاول شطريت، من خلال معرفته بوزارة المالية وببنك اسرائيل ومن خلال موقعه كرئيس للجنة الوزارية للتشريعات، التوسط بين الطرفين. لكن "لجنة شطريت" أقرت القانون بوتيرة معجلة.

في السنتين الأخيرتين عارض شطريت غير قليل من قرارات وزارة المالية. فمثلا، في جلسة الحكومة الخاصة ببحث اهداف ميزانية الدولة للعام 2002، والتي عقدت يوم 4/9 /2001 صوت شطريت ضد مقترحات وزارة المالية، التي حظيت بأغلبية. كما عارض شطريت اقتراح وزارة المالية رفع هدف الحد الأعلى للعجز، وطالب ان تنشر وزارة المالية تقريرًا دوريا ثابتا حول تنفيذ بنود الميزانية.

في افتتاح المؤتمر السنوي لمراقبي الحسابات والذي عقد في القدس يوم 2/12/2001 هاجم شطريت رئيس الحكومة شارون ووزير المالية شالوم على اقرارهما نسبة 4% هدفًا للنمو الاقتصادي في 2002. ورأى ان هذه النسبة هي "بمثابة أحلام يقظة وتضليل تام"، مضيفاً ان نسبة النمو في 2002 ستكون صفرا، بل ربما تكون سلبية ايضا. وقد كان على حق. 2002 انتهت بنسبة نمو سلبية بلغت 1،1%. وقال شطريت في المؤتمر ايضا ان العجز المالي الفعلي في 2002 لن يكون 2،4% كما توقعت وزارة المالية، وانما سيكون 3،5%. وبالفعل، بلغ العجز 3،97%.

بسبب دعمه العلني لنتنياهو أزيح شطريت من وزير مع وزارة في حكومة شارون الأولى، الى وزير بلا وزارة في حكومة شارون الثانية. وزير بلا وزارة في وزارة المالية يشكل، بالنسبة له، <هبوطا ناعماً>. والأمر يتعلق، بالطبع والى حد كبير، بمدى قدرته على العمل مع نتنياهو، وهذا ما ستبينه الأيام القادمة.

* روبنشطاين ضد شطريت

في مجموعة من التعليمات والتوجيهات الصادرة عن المستشار القضائي للحكومة الياكيم روبنشطاين الى جميع الوزراء في الحكومة، يعلن روبنشطاين ان وزيرًا بلا حقيبة لا يستطيع ان يكون مسؤولا عن أي مجال عمل كان. وحسب رأيه، فان القانون لا يتيح مكانة وسطية لوزير غير مسؤول عن الوزارة لكنه، في الوقت ذاته، مسؤول عن مجالات عمل محددة. هذه التعليمات تخص، بالـتأكيد، مكانة شطريت في وزارة المالية.

حتى الآن، ليس من الواضح كيف ستتطور الأمور. كما انه ليس من الواضح ما اذا كان جلوس شطريت في وزارة المالية (الوزراء بلا حقائبهم ،عادة، جزء من مكتب رئيس الحكومة وفيه يستقرون)، في الغرف التي كانت معدة حتى الآن لنواب وزير المالية مدى السنوات، هو امر مقبول وقانوني وفقا للأنظمة في الخدمة العامة. هذه الأمور كلها ستتوضح في الأيام القريبة، وربما تكون ثمة حاجة الى تشريعات جديدة او أنظمة جديدة. هنا ايضا سيحتاج نتنياهو الى رغبة صادقة من رئيس الحكومة شارون.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات